لقد بلغ الاهتمام النبويّ بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، إلىٰ حدّ ذكر صفاته البدنيَّة تفصيلاً وبما يُميِّزه عن جميع الناس، وبالتالي فإنَّ هذه الصفات _ ومنها ما هو غير موجود إلَّا في الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)_ ستكون سبيلاً مهمَّاً جدَّاً للتعرّف عليه، وعدم الاشتباه في حقيقته فيما لو ادَّعىٰ شخص المهدويَّة، فينقطع بذلك السبيل علىٰ من تُسَوِّل له نفسه ادِّعاءها.
وعلى كلّ حال فالروايات الشـريفة ذكرت صفات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) تفصيلاً، ويمكن أنْ نُنوِّع الصفات المذكورة في الروايات إلىٰ أنواع خمسة، نستعرضها أوَّلاً، وباتّضاحها سيتَّضح حال بعض الروايات الواردة في صفاته، ممَّا سنذكره في خاتمة المطاف:
النوع الأوَّل: الصفات العامّة لجسمه الشريف:
وهنا قالت الروايات بأنَّ جسم الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) متناسق جدَّاً، وفيه كلّ حيثيَّات القوَّة الشديدة، والجمال الإلهي، حتَّىٰ أنَّه لو صاح بجبل لتدكدك، ومن هذا القبيل ما ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام): ((…بأبي وأُمّي سَمِيّ جدّي، شبيهي وشبيه موسىٰ بن عمران…))، عيون أخبار الرضا (عليه السلام ) للشيخ الصدوق، ج ١، ص ١٠،
أي أنَّ جسم الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يشبه جسم النبيّ موسى(عليه السلام)، من حيث التناسق والقوَّة البدنيَّة، إذ أنَّ النبيّ موسى(عليه السلام) كان معروفاً بالقوَّة البدنيَّة، ويمكن لنا أنْ نتعرَّف علىٰ قوَّة موسى(عليه السلام) البدنية من خلال موقفين:
أوَّلهما: عندما وكز موسى(عليه السلام) القبطيَّ فقضـىٰ عليه بضـربة واحدة، ولم يكن قاصداً لقتله، ولكن قوَّة الضـربة قتلته.
وثانيهما: عندما سقىٰ لابنتي النبي شعيب(عليه السلام) بدلوٍ كانت حين تمتلئ لا يستخرجها إلَّا عشـرة أنفار من البئر.
ومن هنا نعرف مقصود الروايات التي عبَّرت عن جسم الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، بأنَّه ((…اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيليّ))، شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربيّ، ج ٣، ص ٣٧٨، فإنَّ المقصود من الجسم الإسرائيلي هو جسم النبيّ موسى(عليه السلام).
وفي هذا النوع نجد أنَّ الروايات الشـريفة تصف جسمه، بأنَّه ((…لا هو بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق…))، الغيبة للشيخ الطوسيّ، ج ١، ص ٢٨٩، بل هو مربوع القامة يميل إلىٰ الطول، وكذلك نجدها تقول: إنَّه يخرج حين يخرج ويراه الرائي فيظنّه ابن ثلاثين أو أربعين سنة، وهذا الأمر سيكون من فتن الظهور أجارنا الله تعالىٰ من مضلَّات الفتن.
النوع الثاني: تفاصيل رأسه ووجهه الشريف:
ونُدرج هذا النوع ضمن عدَّة نقاط:
1 _ شعره حسن يسيل علىٰ منكبيه، وإنْ كان يظهر من بعض الروايات أنَّه شعر أجعد، أي ليس في غاية الاسترسال، وسيأتي الكلام عن هذا في آخر الشذرة إنْ شاء الله تعالىٰ.
2 _ برأسه داء الحزاز، وهو ما نُسمّيه عرفاً بـ (القشـرة) التي تظهر علىٰ شكل حبيبات بيضاء علىٰ الرأس خصوصاً في فصل الشتاء.
3 _ أجلىٰ الجبين، أي أنَّ جبينه المبارك واسع وصافي يسطع نوره وبهاؤه.
4 _ مشـرف الحاجبين، أي إنَّ حاجبيه المباركين طويلان مستديران، كثيفا الشعر من وسطهما، ملتقيان من طرفيهما الداخليّين، وهما مرتفعان عن العينين، وارتفاعهما يُعزىٰ _ والله العالم _ إلىٰ أنَّ عينيه غائرتان.
5 _ غائر العينين، وذلك من طول السهر تعبّداً لله تعالىٰ، ومن كثرة السجود والبكاء، وورد أنَّه أدعج العينين، أي أنَّ بياض عينيه شديد، وسوادهما شديد السواد، وهذه الصفة هي أجمل صفة للعين.
وورد أنَّه كأنَّه ينظر إلىٰ طرف أنفه، وهو كناية عن تواضعه، وخشوعه، وغضّه للبصر.
6 _ أقنىٰ الأنف، القنا في الأنف: طوله ودقَّة أرنبته مع حدب في وسطه، أي أنَّ أنفه المبارك فيه شيء من الطول، وتحدّب من وسطه، ونهايته دقيقة، وهي صفات الأنف الجميل.
7 _ أفلج الثنايا، أي أنَّ أسنانه منفرجة غير ملتقية وغير متراكبة بعضها علىٰ البعض الآخر، وهذه الصفة من الصفات العامَّة لدىٰ جميع الأئمَّة (عليهم السلام).
8 _ إنَّ لون وجهه الشـريف هو لون عربي، أي يميل إلىٰ البياض، مشرب بحمرة، أي ليس أحمر ولا أسمر، بل هو مشرب بحمرة.
9 _ نور وجهه يعلو سواد شعر رأسه ولحيته.
10 _ قالت الروايات: إنَّك لو نظرت إلىٰ وجه الإمام لأخذ حسنه بمجامع قلبك، وهو ما عبَّرت عنه الروايات الشـريفة بأنَّه (أروع)، وهو من إذا نظرت إليه أعجبك منظره، وأخذ حسنه بمجامع قلبك.
النوع الثالث: شامات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وقد ذكرت الروايات الشـريفة أنَّ للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) عدَّة شامات مميَّزة، هي:
الشامة الأُولىٰ: شامة علىٰ خدّه الأيمن، وهي ما عبَّرت عنها الروايات بالخال في وجهه، أو بالأثر في وجه، أو بالشامة في رأسه.
الشامة الثانية: شامة بفخذه اليمنىٰ، وهو ما ذكرته الروايات صريحاً.
الشامة الثالثة: شامة علىٰ كتفه الأيسـر، عبَّرت عنها الروايات بما يلي: ((…وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسـر، تحت كتفه الأيسـر ورقة مثل ورق الآس))، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعمانيّ، ج ١، ص ٢٢٢، وورقة الآس حجمها كحجم عقدة من عقد الأصابع، بيضوية الشكل، فيكون لون تلك الشامة مميَّز عن لون البشـرة، مائل إلىٰ اللون القهوائي الفاتح.
الشامة الرابعة: وهي ما ذكرته الروايات الشـريفة علىٰ أنَّها شامة تشبه الشامة، التي في الكتف الأيمن للنبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، التي هي ختم النبوَّة في كتفه، وهي شامة عريضة سوادها شديد، فيها شيء من البروز وشيء من الشعيرات، ومثلها ذكرت الروايات أنَّها موجودة في كتف الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الأيمن، والظاهر أنَّها تشير إلىٰ أنَّه هو خاتم الأوصياء للنبيِّ كما أنَّ شامة النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله) كانت تشير إلىٰ أنَّه هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
النوع الرابع: تفاصيل جسمه الشريف، وما ذكرته الروايات هنا هو:
أنَّه بعيد ما بين المنكبين، وأنَّه (مبدح البطن) أي ضخم البطن، وأنَّه (أزيل _ أذيل _ الفخذين) أي عريض الفخذين ولا التقاء بينهما، وهما في غاية القوَّة، وأنَّه (عبل الذراعين) أي شديدهما.
وهذه الصفات متلازمة، فمن كان عريض المنكبين، فلا بُدَّ أنْ يكون صدره واسعاً، وإذا كان الصدر واسعاً كانت البطن ضخمة، حتَّىٰ تتلاءم مع الصدر، وإذا كانت البطن ضخمة، فلا بدَّ أن يكون الحوض الذي تعتمد البطن عليه عريضاً، وإذا كان الحوض عريضاً فإنَّ الفخذين مهما عظما، فإنَّهما لا يلتقيان مع بعضهما، لتباعد مفصليهما، لأنَّهما يكونان في طرفي الحوض.
النوع الخامس: روايات الشبه بالرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله):
وهنا أكَّدت الروايات الشـريفة علىٰ شبه الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله ) من حيث الخَلْق والخُلُق، كما ورد ذلك في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ستعرفها بعد قليل.
ولتوضيح هذا النوع نقول: إنَّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يشبه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله ) من حيث الخَلْق والخُلُق.
أمَّا من حيث الخَلْق، فمن جهتين:
الجهة الأُولىٰ: أنَّه كان لجسم النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله )خصائص تكوينيَّة مختصَّة به، من قبيل أنَّه كان لا ظلَّ له؛ لشدَّة نورانية جسمه الشـريف بما يصل إلىٰ أنور من نور الشمس، وبالتالي لا يحصل لجسده الشـريف ظلّ ، وأنَّه إذا مرَّ بمكان عرف الناس أنَّه مرَّ به، لما يتركه مروره من عَرف زكي ورائحة عطرة، وهكذا لو مسح بيده علىٰ صبيٍّ، وأنَّه كان يرىٰ من خلفه كما يرىٰ من أمامه، وأنَّه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وغيرها من الخصائص المذكورة في محالّها، وطبقاً لرواية أمير المؤمنين(عليه السلام)، فإنَّ هذه الخصائص التكوينيَّة قد اتَّصف بها الإمام الحجَّة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، وإنْ اشترك فيها بقيَّة الأئمَّة الطاهرين(عليهم السلام)، ولكن في زمنه حيث إنَّه لم يتَّصف بها غيره فتكون من مختصّاته حينئذٍ.
الجهة الثانية: جهة المنظر الخارجيّ، فقد كان النبيُّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) بديناً _ يميل إلىٰ السمنة _، ضخم البطن، بعيد المنكبين، مربوع القامة، يميل إلىٰ الطول، عبل الذراعين، وهذا ما سمعناه قبل قليل أنَّه من صفات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).
وأمَّا من حيث الخُلُق، أي المشابهة بالأخلاق، فهذا من الأُمور العامّة لكلِّ أهل البيت، لأنَّهم(عليهم السلام) كانت أخلاقهم هي أخلاق النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)، ولكن لظرف من الظروف السياسيَّة أو الاجتماعيَّة أو غيرها، كانت تبرز بعض الصفات علىٰ الأئمَّة(عليهم السلام )بروزاً بحيث يشتهر الإمام بتلك الصفة، رغم تمتّعه ببقيَّة الصفات الحميدة، فالإمام الحسن(عليه السلام )كريم، والإمام الحسين(عليه السلام )شجاع، والإمام موسىٰ بن جعفر(عليه السلام ) كاظم للغيظ، وهكذا، مع أنَّهم كلّهم كرماء شجعان كاظمون للغيظ نقيّون تقيّون ... المزید
سرد الروايات:
إذا عرفنا هذا التفصيل، تعالَ معي عزيزي المؤمن، لنطالع معاً بعض الروايات الشـريفة الواردة في صفات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وستجد فهمها إنْ شاء الله تعالىٰ، سهلاً بعد اطّلاعك علىٰ التنويع والتفصيل المتقدّم.
ففي رواية علي بن مهزيار ورؤيته للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، يقول علي: ((... فدخلت عليه صلوات الله عليه، وهو جالس علىٰ نمط عليه نطع أديم أحمر، متَّكئ علىٰ مسورة أديم، فسلَّمت عليه وردَّ عَلَيَّ السلام، ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاصق، ممدود القامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أدعج العينين، أقنىٰ الأنف، سهل الخدّين، علىٰ خدّه الأيمن خال، فلمَّا أنْ بصرت به حار عقلي في نعته وصفته...))، كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، ج ١، ص ٤٩٦- ٤٩٧.
وعن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: ((المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضىٰ بخلافته أهل السماء [وأهل الأرض] والطير في الجوّ...))، بحار الأنوار للعلامة المجلسيّ، ج ٥١، ص ٨٠.
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنَّه قال: ((لو خرج القائم لقد أنكره الناس، يرجع إليهم شابَّاً موفَّقاً، فلا يلبث عليه إلَّا كلّ مؤمن أخذ الله ميثاقه في الذرِّ الأوَّل))، الغيبة للشيخ الطوسيّ، ج ١، ص ٤٤٠.
وعن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر أو أبو عبد الله(عليهما السلام)_ الشكّ من ابن عصام _: ((يا أبا محمّد، بالقائم علامتان: شامة في رأسه، وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسـر، تحت كتفيه الأيسـر ورقة مثل ورق الآس))، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعمانيّ، ج ١، ٢٢٢.
عن أبي وائل، قال: ((نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلىٰ الحسين فقال: «إنَّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله سيّداً، وسيُخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيّكم يشبهه في الخَلْق والخُلُق، يخرج علىٰ حين غفلة من الناس، وإماتة للحقّ، وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضُـرِبَت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها، وهو رجل أجلىٰ الجبين، أقنىٰ الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنىٰ شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»))، الغيبة للشيخ الطوسيّ، ج ١، ص ٢١٤.
وعن حمران بن أعين، قال: ((قلت لأبي جعفر الباقر: جُعلت فداك، إنّي قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنَّني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه. فقال: «يا حمران، سَلْ تجب، ولا تنفقنَّ دنانيرك»، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: «لا»، قلت: فمن هو، بأبي أنت وأُمّي؟ فقال: «ذاك المشـرب حمرة، الغائر العينين، المشـرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسىٰ»))، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعمانيّ، ج ١، ص ٢٢١.
وفي رواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام ) يصف فيها المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، قال: ((…هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره علىٰ منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء…))، الإرشاد للشيخ المفيد، ج ٢، ص ٣٨٢.
منقول بتصرُّف من مركز الدراسات التخصُّصية في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).