( 40 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هي الحكمة و الفائدة من غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف؟


عليكم السلام ورحمة الله وبركاته إنَّ هذا السؤال يستبطن اعترافاً بوجود الإمام ، حتَّىٰ لو كان هذا الاعتراف تنزّلياً، ومع تسليم وجود الإمام  فالفوائد المترتّبة عليه _ حتَّىٰ وهو غائب _ كثيرة، منها: أوَّلاً: إنَّ الشعور بوجود إمام مفترض الطاعة، مطَّلع علىٰ الأعمال، وعلىٰ ما يجري علىٰ أتباعه، يتألَّم لألمهم ويفرح لفرحهم، يُولِّد إحساساً بالطمأنينة، ودافعاً لتحمّل المصاعب ما دامت بعين الإمام، وبصيص أمل للمستضعفين، بأنَّ ما يمرُّ عليهم من مصاعب مهما طال زمنها فإنَّها لا محالة منتهية وزائلة، وأنَّ العاقبة لهم، وأنَّ عاقبة أمرهم هي الراحة والسـرور والطمأنينة، إنْ في الدنيا لو أدركوا زمن ظهور إمامهم، وإنْ في الآخرة بالنعيم الأبدي. ثانياً: إنَّ من أدوار الإمام _ أيّ إمام _ هو دور الرعاية الأبوية لأتباعه وشيعته، وهذا الدور يمكن تأديته _ وعلىٰ وجه حسن _ حتَّىٰ لو كان الراعي غائباً عن الأنظار.. ومعه نقول: إنَّ الإمام المهدي  له دور رعاية أتباعه وهو غائب عنهم ما دام لم يؤذن له بعد بالظهور.. في مكاتبة الإمام المهدي  للشيخ المفيد  يقول : «... إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء...»( ). ثالثاً: إنَّ للإمام _ أيّ إمام _ ثلاثة أدوار _ غير دور الرعاية الأبوية _: الدور الأوَّل: دور المبيِّن للأحكام الشـرعية، وهذا الدور يرتكز علىٰ العلم والورع، قال تعالىٰ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (آل عمران: 164). عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله ، قال: «إنَّ الله تبارك وتعالىٰ لم يدع الأرض إلَّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم وإذا نقصوا شيئاً أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبست علىٰ المؤمنين أُمورهم»( ). وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله : «إنَّ الله  لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لما عُرِفَ الحقُّ من الباطل»( ). وعن عبد الأعلىٰ بن أعين، عن أبي جعفر ، قال: سمعته يقول: «ما ترك الله الأرض بغير عالم يُنقِص ما زادوا ويزيد ما نقصوا، ولولا ذلك لاختلطت علىٰ الناس أُمورهم»( ). الدور الثاني: دور الحاكم الأعلىٰ للدولة، وهذا الدور مرتكز علىٰ العلم والأمانة، قال تعالىٰ حكايةً عن النبيّ يوسف : قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف: 55). الدور الثالث: دور الحجَّة، والواسطة بين الله تعالىٰ وبين جميع عالم الإمكان..، الحجَّة الذي يجب أن يوجد علىٰ الأرض حتَّىٰ لو لم يبقَ علىٰ الأرض إلَّا شخصان لكان أحدهما الحجَّة..، الحجَّة الذي هو أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء..، الحجَّة الذي لو رُفِعَ من الأرض طرفة عين لساخت الأرض وما فيها.. عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر ، قال: سمعته يقول: «لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها، ولعذَّبهم الله بأشدِّ عذابه، إنَّ الله تبارك وتعالىٰ جعلنا حجَّةً في أرضه، وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يُهلِكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله ما شاء وأحبّ»( ). هذه هي الأدوار الثلاثة للحجَّة علىٰ الأرض.. ولكن هل يجب أن يُفعِّل الحجَّة هذه الأدوار الثلاثة كلّها بنفسه أم يمكن أن يوكلها إلىٰ غيره؟ وهل يمكن لأحدٍ أن يسلبها منه بطريقة أو بأُخرىٰ أو لا يمكن ذلك؟ في هذا تفصيل: أمَّا الدور الأوَّل (دور العلم)، فلا يمكن لأحدٍ أن يسلبه منه، وهل يمكن لأحدٍ أن يسلب علم غيره!؟ نعم، لظروف موضوعية تحيط بالحجَّة لعلَّه لا يُظهِر علمه، ولكن هذا لا يمنعه من إيكال هذه المهمَّة إلىٰ غيره ممَّن أخذوا العلم عنه وحفظوه ووعوه..، ولذا فالإمام المهدي  وإن ابتعد عن مباشرة دور التعليم، ولكنَّه أوكل هذه المهمَّة للفقهاء الذي يستقون علمهم من مناهل أهل البيت  ويُعلِّمونه للشيعة.. وأمَّا الدور الثاني (دور الحاكم الأعلىٰ للبلاد)، فليس هو دوراً أساسياً للحجَّة، وإنَّما هو دور كمالي أو تكميلي، فما دام هو العالم بأحكام الله تعالىٰ والمبيِّن لها، فمن المناسب أن يكون هو الحاكم السياسي الأعلىٰ للدولة، ومعه فلو أخذ ظالم هذا المركز فهذا لا يُؤثِّر في مقام الحجّية شيئاً، بل تجد الظالمين رغم أخذهم الحقّ من أصحابه الشـرعيين يعرفون في دخائل أنفسهم ويعترفون بأنَّ الحقَّ للحجَّة لا لهم. فتلخَّص: أنَّ الدورين الأوَّل والثاني بحاجة إلىٰ ظروف موضوعية مناسبة حتَّىٰ يقوم الإمام والحجَّة نفسه بأدائهما. وأمَّا الدور الثالث (دور الحجَّة)، فهذا الدور ذاتي للإمام، ولا يمكن لأحدٍ أن يسلبه إيّاه أو يمنعه من أدائه كما هو واضح، ويمكن للإمام أن يؤدّيه سواء كان ظاهراً أو مغموراً، وهو ما عبَّر عنه أمير المؤمنين  بقوله: «اللَّهُمَّ بَلَىٰ، لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُه»( ). وهنا تظهر واحدة من فوائد وجود الإمام المهدي  في زمن الغيبة _ وإن كان غائباً _، فهو الحجَّة علىٰ الأرض الذي به نُرزَق، وهو الأمان علىٰ الأرض، وهو الذي لولاه لساخت الأرض وما فيها في طرفة عين.. وأما الفائدة من أصل ظاهرة الغيبة؟ فتكمن الفائدة من أُسلوب الغيبة الطويلة في عدَّة أُمور أيضاً، هذه بعضها باختصار: 1 _ إنَّ الغيبة أفضل أُسلوب للتمحيص ولفرز المخلصين عن غيرهم، خصوصاً إذا طالت مدَّة الاختبار، وهي سُنَّة إلهية تاريخية للتمحيص، كما في قضيَّة النبيّ نوح . 2 _ إنَّ الغيبة فرصة سانحة ومهمَّة للتوبة والإنابة قبل الظهور وعدم التوفيق للتوبة، في مكاتبة الإمام المهدي  للشيخ المفيد : «فليعمل كلّ امرء منكم بما يقرب به من محبّتنا، ويتجنَّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم علىٰ حوبة. والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته»( ). 3 _ إنَّ فترة الغيبة أفضل فترة يمكن للمؤمن أن يُهيِّئ نفسه فيها للظهور المبارك ونصـرة المهدي ..، وهو الذي عبَّرت عنه الروايات الشريفة بلزوم الانتظار. 4 _ إنَّ من أهمّ عناصر انتصار ثورة الإمام المهدي  علىٰ أعدائه المتهيّئين له علىٰ الدوام هو عنصـر المباغتة، وحتَّىٰ يكون عنصـر المباغتة تامَّاً لا بدَّ من تكتيك منظَّم يُنسـي الظالمين لحظة الظهور، وليس هو أفضل من تكتيك الغيبة الطويلة. مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام

5