جاء في بعض الروايات أنه وفي زمن الظهور فإن الذئب يرعى مع الشاة، وأن الطفل يمد يده في جحر الأفعى فلا تؤذيه...
والسؤال
كيف نتعقل ذلك؟ هل يعني أن تلك الحيوانات تتحول إلى أليفة؟ وكيف يتناسب ما ذُكر في الروايات مع طبيعة الحيوانات المفترسة؟
تكملة السؤال الذي طرحناه اعلاه
س //ولكن ما هو تبرير هذا المعنى، كيف سيتصالح المفترس مع غير المفترس؟
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اصطلاح الحيوانات
صرحت العديد من الروايات بأن دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ستشهد أماناً لا مثيل له، وأن الأمان لا يكون خاصاً ببني آدم، وإنما يشمل كل الكائنات في الوجود، وأعجب ما ورد فيها التصريح بأن الحيوانات المفترسة ستعيش مسالمة مع الحيوانات التي كانت تفترسها من قبل، وأنه لن يحصل هناك افتراس لحيوان أو لإنسان.
والجدير بالذكر أن النصوص الواردة في هذا المعنى لم تقتصر على النصوص الإسلامية، وإنما ورد في تراث غير المسلمين.
ومن تلك الروايات التالي:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ... المزیدولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولا خرجت الأرض نباتها ، ولذهب الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها ( زنبيلها ) لا يهيجها سبع ولا تخافه .
وعن ابن عباس في قوله تعالى (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) قال : لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الاسلام حتى أمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والانسان والحية وحتى لا تقرض فارة جراباً...
وفي سفر إشعيا جاء: (...إِنَّمَا يَقْضِي بِعَدْلٍ لِلْمَسَاكِينِ ، وَيَحَكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ ، وَيُعَاقِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ ، لأَنَّهُ سَيَرْتَدِي الْبِرَّ وَيَتَمَنْطَقُ بِالأَمَانَةِ . فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْحَمَلِ ، وَيَرْبِضُ النِّمْرُ إِلَى جِوَارِ الْجَدْيِ ، وَيَتَآلَفُ الْعِجْلُ وَالأَسَدُ وَكُلُّ حَيَوَانٍ مَعْلُوفٍ مَعاً ، وَيَسُوقُهَا جَمِيعاً صَبِيٌّ صَغِيرٌ . تَرْعَى الْبَقَرَةُ وَالدُّبُّ مَعاً ، وَيَرْبِضُ أَوْلاَدُهُمَا مُتجَاوِرِينَ ، وَيَأْكُلُ الأَسَدُ التِّبْنَ كَالثَّوْرِ ، وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ فِي (أَمَانٍ) عِنْدَ جُحْرِ الصِّلِّ ، وَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ إِلَى وَكْرِ الأَفْعَى (فَلاَ يُصِيبُهُ سُوءٌ)...)
أما كيف نفسر هذا المعنى؟
فيمكن طرح عدة احتمالات في هذا المجال، هي التالي:
الاحتمال الأول: الكناية عن الأمان.
أن يُقال: إن الروايات التي ذكرت اصطلاح البهائم لا تقصد المعنى الحقيقي، وإنما تقصد الكناية عن انتشار الأمان بطريقة لم يسبق لها نظير، وجاء التعبير عن ذلك باصطلاح البهائم، باعتبار أن من طبيعة البهائم أن القوي منها يفترس الضعيف، فلو أردنا وصف أمان عام وشامل، فلا أبلغ من التعبير عن ذلك باصطلاح البهائم، وكأنه يُراد أن يُقال: إن الأمان الذي يسود الدولة آنذاك هو بحيث لو أمكن أن تتخلى الحيوانات المفترسة عن طبائعها لحصل ذلك.
وهذا الاحتمال خلاف ظاهر بل صريح الروايات الشريفة، ولكنه على كل حال احتمال في المقام.
الاحتمال الثاني: اصطلاحها حقيقة، بأن ترجع إلى حالها الأول.
وبيان هذا الاحتمال يتم من خلال خطوتين:
الخطوة الأولى: أشارت بعض الروايات إلى أن من بركات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) أن الأمور ترجع إلى أمرها الأول، فقد روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال (تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول لا يوقظ نائما ولا يهريق دماً.)
الخطوة الثانية: تذكر بعض الروايات أن مما كانت عليه الحيوانات في الأمر الأول أنها لم تكن مفترسة، فيكون الافتراس أمراً عارضاً على تلك الحيوانات، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كانت والوحوش والطير والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطاً بعضه ببعض، فلما قتل ابنُ آدم أخاه نفرت وفزعت، فذهب كل شيء إلى شكله .
فإذا ظهر المولى (عجل الله فرجه) وارتفع الظلم وأُرجعت الحقوق إلى أهلها، أمكن أن ترجع الحيوانات إلى تلك الطبيعة المسالمة، فينعدم الافتراس.
الاحتمال الثالث: الاصطلاح الحقيقي، لحكمة إلهية.
إن الافتراس إنما هي غريزة خلقها الله تعالى في الحيوانات، فما المانع أن يرفع الله تعالى عنها تلك الغريزة زمن الظهور، تماماً كما حصل في سفينة نوح (عليه السلام)، إذ روي عن وهب بن منبه قال: لما أمر نوح (عليه السلام) أن يحمل من كل زوجين اثنين قال: كيف أصنع بالأسد والبقرة وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهر؟ قال [تعالى]: من ألقى بينهما العدواة؟ قال: أنت يا رب. قال [تعالى]: فإني أؤلف بينهم حتى لا يتضارون.
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام