تتحدَّث الروايات الواردة عن بيت العصمة(عليهم السلام ) في علائم الظهور عن خمس علامات حتمية، ومن بين مجموعة هذه العلامات، النفس الزكية وقتلها التي صرَّحت بها روايات عديدة.
منها يقول الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث معتبر: «خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ، الصَّيْحَةُ وَالسُّفْيَانِيُّ وَالخَسْفُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَالْيَمَانِي»(الكافي ، ج8، ص310).
والنفس الزكية لقب، ويراد بالنفس الزكية النفس الكاملة الطيبة، من زكا إذا نما وطاب.
ويراد بالنمو في منطق الاسلام التكامل بالعلم والإخلاص والتضحية, (تاريخ الغيبة الكبرى, السيد محمد الصدر, ص 504)
وأنَّ الروايات التي أشارت إلى هذه الحادثة، وتأكيد الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام) على حتمية هذا الحدث، يكشف عن الأهمية الفائقة لهذا الحدث، ولشخصية النفس الزكية ,والتي يُضطر إلى قتلها في نفس المسجد الحرام، والذي يكشف عن عجزهم وفشلهم في اعتقاله، أو عدم إتاحة الفرصة الزمانية لهم لإخراجه من المسجد الحرام، وأنَّ مصلحتهم في هتك حرمة المسجد الحرام وقتله في ذلك المكان المقدَّس( تاريخ الغيبة الكبرى, السيد محمد الصدر، ص 540).
فمع وجود مثل هذه الخصوصيات في النفس الزكية نستدلُّ على أنَّه من الشخصيات البارزة في المجتمع الإسلامي والعالمي، بأنَّ مصداق النفس الزكية، شخصية مهمَّة بشكل خاصّ.
خصائص النفس الزكية:
يمكن الحديث عن النفس الزكية من خلال خصيصتين:
أ- اسم النفس الزكية:
جاء في بعض الأحاديث أنَّ اسمه (محمَّد)، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « ... المزید وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِيَّة»(معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)،ج3، ص493).
ب- لقب النفس الزكية:
لقد استعمل أئمَّتنا (عليهم السلام) مصطلحات أُخرى للإشارة إلى (النفس الزكية) في كلامهم، وإن لم تكن تلك المصطلحات من الألقاب، ومن جملة ما استعملوه في هذا الصدد:
١- النفس:
فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث معتبر، قال: «أَمْسِكْ بِيَدِكَ هَلَاكَ الْفُلَانِيِّ -اسم رجل من بني العبّاس-، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَجَيْشُ الخَسْفِ، وَالصَّوْت...»(الغيبة للنعماني،ج1، ص257).
ويبدو، وبقرينة الروايات الأُخرى التي ذكرت قتل (النفس الزكية) إلى جنب (خروج السفياني) و(الصيحة) و(الخسف في البيداء)، أنَّ المراد بالنفس في هذه الرواية هو نفس (النفس الزكية).
٢- نفس حرام:
ففي رواية معتبرة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: «...أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِآخِرِ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ،... قَتْلُ نَفْسٍ حَرَامٍ فِي يَوْمٍ حَرَامٍ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ عَنْ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْش...»(الغيبة للنعماني، ج1، ص258).
٣- النفس الطيبة الزكية:
فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ الزَّكِيَّةِ وَتَضْرِيجِ دَمِهِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَام»(اختيار معرفة الرجال،ج1، ص20).
٤- غلام آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «... وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِيَّة»(كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص330).
ج- نَسَبُ (النفس الزكية):
تحدَّثت الروايات عن نسب (النفس الزكية) بعدَّة صياغات، منها:
١- أنَّه من قريش:
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية معتبرة، قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِآخِرِ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ؟»، قُلْنَا: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ: «قَتْلُ نَفْسٍ حَرَامٍ، فِي يَوْمٍ حَرَامٍ، فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْش»(الغيبة للنعماني، ج1، ص258).
٢- من آل محمّد، وهو ابنُ الحسن:
فعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «...وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِيَّة»(المصدر السابق).
فإنَّ (النفس الزكية) ينتسب إلى أهل بيت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
٣- أنَّه من وُلد الحسين (عليه السلام):
فعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «... وَالنَّفْسُ الزَّكِيَّةُ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْن...».
وحيث لا يمكن الاعتماد على الرواية التي تذكر أنَّ (النفس الزكية) من ولد الحسين (عليه السلام) لضعف سندها، وعليه وبدليل اعتبار الرواية التي تُصرِّح بأنَّ (النفس الزكية) من قريش، يمكننا اعتماد هذا النسب، وأمَّا في مورد سائر الجزئيات، فلا يمكن القطع بها، لفقدان الدليل المتيقَّن.
هدف النفس الزكيَّة:
لم تردنا رواية صحيحة، أو مستندات تأريخية كاملة حول هدف (النفس الزكية) ونشاطاته التي تؤول إلى استشهاده.
ولكن، واستناداً إلى حديثٍ عن الإمام الباقر (عليه السلام)، يظهر أنَّ الإمام المهديِّ (عليه السلام) هو الذي يرسِل (النفس الزكية) ممثِّلاً عنه إلى أهل مكّة لإتمام الحجَّة عليهم.
فعن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل، فيه:
«... يقول القائم لأصحابه: يا قوم إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسِل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكَّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذريّة محمّد وسلالة النبيِّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا، ابتُزَّ منّا حقّنا منذ قُبِضَ نبيُّنا إلى يومنا هذا، ونحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيَّة، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألَا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا...»(بحار الانوار، ج52، ص307).
فعلى أساس دلالة هذه الرواية، مع غض النظر عن السند، يظهر أنَّ رسالة (النفس الزكية) المهمَّة هي تمثيل الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّ هدفه هو إبلاغ وإيصال نداء الإمام (عليه السلام) إلى أهل مكّة.
فالإمام (عليه السلام) وعلى الرغم من معرفته المسبقة بعدم انصياع أهل مكّة له، يرسِل (النفس الزكية) لإتمام الحجَّة عليهم، وتجريدهم من الأعذار التي قد تدعوهم إلى عدم نصرته ومُؤازرته.
ولكن، وبعد وصول (النفس الزكية) إلى مكّة وإبلاغهم برسالة الإمام (عليه السلام)، يعدو عليه أهل مكّة فيقتلونه.
واستناداً إلى هذه الرواية، فإنَّ هذه الواقعة تقع قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام)، فيكون إرسال (النفس الزكية) إلى مكّة دعوةً من قِبَل الإمام لأهلها لنصرة الإمام المعصوم (عليه السلام) في حركته ونهضته.
والفرضية الثانية المتصوَّرة فيما يرتبط بنشاطات (النفس الزكية) هي أنَّ هدفه الأساسي هو إيجاد الأرضية المناسبة والإعداد لقيام الإمام المهدي (عليه السلام) عالمياً، ولذا فإنَّه يتحرَّك ميدانياً للسيطرة على مدينة مكّة وإعدادها لمنطلقٍ آمن لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكنَّ حركته لا تنجح، ويؤول الأمر إلى مقتله على يد أهل مكّة المعاندين.
وبناءً على هذه الفرضية، فإنَّ الحسني المذكور هو نفس (النفس الزكية)، ولكن وكما تقدَّم فإنَّ هذه الفرضية لا ترقى إلى مستوى القطع واليقين.
زمان استشهاد النفس الزكيَّة:
قد دلَّت الروايات المتعدِّدة على قرب زمان استشهاد (النفس الزكية) من موعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وإنَّ بعض هذه الروايات قد حدَّدت بنحو واضحٍ ومشخَّص الفترة الفاصلة بين الحدثين، واكتفت بعض الروايات الأُخرى بالإشارة إلى تقارب موعد الحدثين دون تحديد.
والروايات منها:
١- في رواية معتبرة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ قائم آل محمّد (عليه السلام) وبينَ قَتْلِ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَة»(كمال الدين وتمام النعمة، ج52، ص554).
٢- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية معتبرة، قال: «...أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِآخِرِ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ؟»، قُلْنَا: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ: «قَتْلُ نَفْسٍ حَرَامٍ، فِي يَوْمٍ حَرَامٍ، فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا لَهُمْ مُلْكٌ بَعْدَهُ غَيْرُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً». قُلْنَا: هَلْ قَبْلَ هَذَا أَوْ بَعْدَهُ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: «صَيْحَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تُفْزِعُ الْيَقْظَانَ، وَتُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُخْرِجُ الْفَتَاةَ مِنْ خِدْرِهَا»(الغيبة للنعماني، ج1، ص258).
فائدة: علائم الظهور لا تلازم علائم معرفة الإمام (عليه السلام):
وهنا لا بدَّ من التنبيه على وجود فرق بين مطلق العلامات وبين علائم معرفة الإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّ علائم الظهور بشكلها العامّ، ليس بالضرورة أن تلازم معرفة الإمام المهدي (عليه السلام)، وإنَّما هي دالّة على قرب الظهور، وبتحقّقها يكون يوم الظهور المبارك سبباً ومدعاةً للأمل بالخلاص، وحافزاً لتهذيب النفوس وإعدادها لهذا اليوم القريب.
ولذا، يمكن أن تكون الفاصلة الزمانية كبيرة بين تحقُّق هذه العلامات وبين الظهور المبارك.
وأمَّا العلامات الدالّة على تعيين وتشخيص هوية الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا بدَّ من تحقُّقها في وقت قريب من الظهور لتحقُّق خاصيتها والغرض منها.
٥- وفي رواية محمّد بن الصامت حينما يسأل من الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً: مَا مِنْ عَلَامَةٍ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: «هَلَاكُ الْعَبَّاسِيِّ، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ، وَالصَّوْتُ مِنَ السَّمَاءِ». فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخَافُ أَنْ يَطُولَ هَذَا الْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ كَنِظَامِ الخَرَزِ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضاً»(الغيبة للنعماني، ج1، ص262).
فالإمام الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث ينفي وجود الفاصلة الزمانية الطويلة بين العلامات، ويصرِّح بأنَّ هلاك العبّاسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف في البيداء، والصيحة السماوية وخروج الإمام (عليه السلام)، هي حوادث متعاقبة ومترابطة، يتحقَّق بعضها بعد البعض الآخر تباعاً.