الحكمه من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) #
ما الحكمة من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام )؟
أوَّلاً: لابدَّ أن نُسلِّم بأنَّ ما أراده الله تعالى لابدَّ أن يكون هو الأصلح للبشر، وأنَّنا لا نستطيع أن نعرف العلل الواقعية لأمر إلهي، والغيبة من هذا القبيل، ولذا ورد أنَّ العلَّة الحقيقية للغيبة لم يُؤذَن بالكشف عنها، فقد ورد عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: "إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدَّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل، فقلت له: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال: لأمر لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، لموسى (عليه السلام) إلاّ وقت افتراقهما.
يابن الفضل، إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنَّه (عزَّ وجلَّ) حكيم، صدَّقنا بأنَّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا"(علل الشرایع ،ج ١، ص ٢٤٥)
اللّهمّ إلاّ أن يكشف لنا ذلك أهل البيت (عليهم السلام)، أو يكون ما يذكر هو من باب الحكمة لا أكثر، وهذا ما أشارت إليه الروايات في تعليل وقوع غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حيث ذكرت عدَّة أسباب يمكن أن تكون حِكَماً للغيبة وعلى نحو جزء العلَّة والمقتضي لها، منها:
أ) الخوف من القتل:
عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، وهو المطلوب تراثه، قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: يخاف -وأومأ بيده إلى بطنه، يعني القتل-"( الغيبة، للنعمانی: ج ١، ص ١٧٧).
ذلك الخوف الذي فُسِّر بأنَّه (عليه السلام) يخاف على نفسه من أعدائه، والخوف على النفس ليس معناه الجبن، بل هو الخوف على دين الله، وشريعة جدّه سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ب) التمييز والتمحيص:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: مع القائم (عليه السلام) من العرب شيء يسير، فقيل له: إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لابدَّ للناس من أن يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير"(إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات: ج ٥، ص ١٥٩)
وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) السابق: "وليبعثنَّ الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتَّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة"( الغيبة، للنعمانی: ج ١، ص ١٤٠).
ج) حتَّى لا يبايع ظالماً:
ورد في جواب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لمسائل إسحاق بن يعقوب: "وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة: ١٠١)، إنَّه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلَّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي