ⓕⓐⓣⓘⓜⓐ ( 19 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

الغيبة

السلام عليكم الامام المهدي غائب خوف القتل ونحن لا نقتله فهل يمكنني ان أعرف ماهذه الاعمال السيئة التي تحجبنا عنه؟


عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أولاً: أن الخوف من القتل ليس هو سبب الغيبة بنحو العلة التامة وإنما العلة التامة لا يعلمها إلّا الله، فالخوف هو أحد الأسباب. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) هذا المعنى كما سيأتي بعد قليل. ثانياً: حتى لو تنزلنا وقلنا بأن الخوف من القتل هو علة تامة للغيبة إلّا أن هذا هو مقتضى المشيئة الإلهية ولا يمكن أن يُعترض على المشيئة، كما أن الله شاء أن يحفظ الدين بأن يرى الإمام الحسين (عليه السلام) شهيداً ونساءه سبايا بهذه الطريقة الوحشية، وكذلك قبل الحسين (عليه السلام) أراد الله أن يحفظ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالهجرة من مكة تجنّباً لقريش وكان الله باستطاعته أن يحفظ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من دون هجرة ومن دون كل هذه الحروب، وكذلك هذه السُنة في باقي الأنبياء كموسى (عليه السلام) حيث شقَّ له البحر ولم يهلك فرعون قبل ذلك، وإبراهيم (عليه السلام) جعل له النار برداً وسلاماً بعد أن أُلقي فيها ولم يهلك عدوه نمرود قبل ذلك، وكذلك عيسى (عليه السلام) شاء الله أن يرفعه إليه بدل أن يهلك اليهود، فلا يمكن أن يعترض على مقتضى كيفية التخطيط الإلهي فإنه تعالى ﴿لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]، لأن الفعل الحكيم لا يُسأل عنه: (لِمَ وقع)؟ والخلاصة أنه لا يمكن الاعتراض على مشيئة الله وحكمته، نعم يمكن الاستفسار عن سبب هذه الحكمة وفائدتها، ولكن لابد أن يعلم أنه قد لا نجد جواباً لكل استفسار من هذا القبيل ولكن في استفسارنا هذا (سبب الغيبة) يمكن أن نحصل على بعض ثمرات الغيبة أمّا العلة الأصلية للغيبة فهي من الأسرار الإلهية ولا يعرف سرَّها إلى اليوم غير المعصومين (عليهم السلام). يقول عبد الله بن الفضل الهاشمي: سمعت الإمام الصادق (عليه السلام) يقول لما سألته عن وجه الحكمة في غيبته: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى، وأن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما آتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، إلّا بعد افتراقهما. يا بن الفضل، إن هذا الأمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص91] أمّا ثمار الغيبة التي ذكرت على لسان أهل البيت (عليهم السلام) فلعل أهم الحكم في غيبة المهدي (عجّل الله فرجه) هو اختبار الشيعة وامتحانهم في غيبة إمامهم وما أصعب هذا الاختبار حتى يتميز فيه الخلّص من غيرهم والجيد من الرديء. قال الإمام الصادق (عليه السلام): والله لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ثم يذهب من كلِّ عشرةٍ شيءٌ ولا يبقى منكم إلّا الأندر، ثم تلا هذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 142]. ومنها جريان سُنن الأنبياء الماضين عليه. يقول سدير الصيرفي: قال الصادق (عليه السلام): إن للقائم (عليه السلام) منّا غيبة يطول أمدها فقلت: ولِمَ ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلّا أن يجري منه سُنن الأنبياء في غيباتهم وأنه لابد له -يا سدير- من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19] أي سنناً على سنن من كان قبلكم. ومنها تأديب الناس: فمن سنن الله (عزَّ وجلَّ): تأديب الناس إذا كفروا بالنعم الإلهية ولم يؤدوا شكره ومن الأساليب المهمة لتأديب الناس هو سلب النعمة منهم مما يسبب انتباههم وتغيير ما بأنفسهم فيعودون إلى التضرع والابتهال إلى الله تعالى حتى يعيد عليهم تلك النعم التي سلبت منهم لكفرهم، وأيّة نعمة أعظم وأكثر بركة من وجود النبي والمعصومين (عليه وعليهم السلام) فهم الذين عاشوا قرابة (273) سنة بين الناس أي من بداية البعثة النبوية إلى استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) ولكن الناس لم يعرفوا منزلتهم فأخذ الله (عزَّ وجلَّ) هذه النعم منهم ولقد حاربتهم الحكومات الظالمة وزجَّتهم في السجون واستهانت بهم وقتلتهم واحداً تلو الآخر، فلو عرف الناس منزلة هذه النعم لما أصابتنا اليوم حرقة فراق الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فعلينا أن نبحث عن هذه النعمة ونطلب من الباري (جلَّ وعلا) أن يردّها علينا كي نستظل بظل وجوده في أيام ظهوره. روى الشيخ الصدوق في علله بسنده عن مروان الأنباري، قال: خرج من أبي جعفر (عليه السلام): أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم. ومنها: حتى لا يكون في عنقه بيعة لأحد، روى علي بن الحسن الفضال عن أبيه عن الرضا (عليه السلام) قال: كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولِمَ؟ قال: لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف. ومنه يتبيَّن أن سبب منع اللطف هذا عنا ليس هو الله تعالى لأنه عادل لا يجور وليس هو الإمام (عجّل الله فرجه) لأنه معصوم، بل هو بسبب تقصير الخلق ومن أعدائه، وليس من الضرورة أن يكون أعداؤه من غير ديانة أو مذهب فكل ظالم وطاغٍ هو جزء سبب في غيبته (عجّل الله فرجه).

2