تفسير آية (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ)
السلام عليكم تفسير هذه السوره من سوره المائده ايه٢١ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ مع جزيل الشكر
قوله تعالى: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " أمر النبي موسى عليه السلام اليهود بدخول الأرض المقدسة، وكان يستنبط من حالهم التمرد والتأبي عن القبول، ولذلك أكد إمره بالنهي عن الارتداد وذكر استتباعه الخسران. والدليل على أنه كان يستنبط منهم الرد توصيفه إياهم بالفاسقين بعد ردهم، فإن الرد وهو فسق واحد لا يصحح اطلاق " الفاسقين " عليهم الدال على نوع من الاستمرار والتكرر. وقد وصف الأرض بالمقدس، وقد فسروه بالمطهرة من الشرك لسكون الأنبياء والمؤمنين فيها، ولم يرد في القرآن الكريم ما يفسر هذه الكلمة. والذي يمكن أن يستفاد منه ما يقرب من هذا المعنى قوله تعالى: " إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " (أسرى: 1) وقوله: " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها " (الأعراف: 137) وليست المباركة في الأرض الا جعل الخير الكثير فيها، ومن الخير الكثير إقامة الدين واذهاب قذارة الشرك. وقوله: " كتب الله لكم " ظاهر الآيات أن المراد به قضاء توطنهم فيها، ولا ينافيه قوله في آخرها: " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة " بل يؤكده فإن قوله: " كتب الله لكم كلام " مجمل أبهم فيه ذكر الوقت وحتى الاشخاص، فإن الخطاب للأمة من غير تعرض لحال الافراد والاشخاص كما قيل: ان السامعين لهذا الخطاب الحاضرين المكلفين به ماتوا وفنوا عن آخرهم في التيه، ولم يدخل الأرض المقدسة الا أبناءهم وأبناء أبنائهم مع يوشع بن نون، وبالجملة لا يخلو قوله: " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة " عن اشعار بأنها مكتوبة لهم بعد ذلك. وهذه الكتابة هي التي يدل عليها قوله تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " (القصص: 6) وقد كان موسى عليه السلام يرجو لهم ذلك بشرط الاستعانة بالله والصبر حيث يقول: " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " (الأعراف: 129). وهذا هو الذي يخبر تعالى عن انجازه بقوله: " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " (الأعراف: 137) فدلت الآية على أن استيلاءهم على الأرض المقدسة وتوطنهم فيها كانت كلمة الهية وكتابا وقضاء مقضيا مشترطا بالصبر على الطاعة وعن المعصية، وفي مر الحوادث. وانما عممنا الصبر لمكان اطلاق الآية، ولان الحوادث الشاقة كانت تتراكم عليهم أيام النبي موسى عليه السلام ومعها الأوامر والنواهي الإلهية، وكلما أصروا على المعصية اشتدت عليهم التكاليف الشاقة كما تدل على ذلك أخبارهم المذكورة في القرآن الكريم. وهذا هو الظاهر من القرآن في معنى كتابة الأرض المقدسة لهم، والآيات مع ذلك مبهمة في زمان الكتابة ومقدارها غير أن قوله تعالى في ذيل آيات سورة الإسراء: " وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " (أسرى: 8)