خديجة جواد - البحرين
منذ 4 سنوات

من هم الصديقون و ما هو منزلتهم ؟

(سبّاقُ الأُمم ثلاثة، لم يشركوا باللهِ طَرفةَ عين: عليُّ بنُ أبي طالب، وصاحبُ ياسين، ومؤمنُ آلِ فرعون، فَهُمُ الصدّيقون: حبيبُ النجّار مؤمنُ آل ياسين، وحزقيل مؤمنُ آلِ فرعون، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ وهو أفضلُهم). ما هي الرتبة والمقام الذي وصل إليه هؤلاء الصدّيقون.. وما هي الصدّيقية كمقام.. وما معنى نحن صنايع ربّنا؟


الأخت خديجة المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهمن الواضح أنّ مرتبة الصدّيق بحدّ ذاتها رتبة، وهي ظاهرة الشموخ، مؤكّدة المقام، ولكن لا يمكن أن يدّعي أحد معرفة كنهها، فالله وحده والراسخون بالعلم أعلم بتلك المراتب والدرجات. ومع ذلك فلنذكر ما يتيسّر لنا بيانه:قال الراغب الأصفهاني: ((والصدّيق: من كثر منه الصدق، وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قطّ، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوّده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقّق صدقه بفعله، قال: (( وَاذكُر فِي الكِتَابِ إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً )) (مريم:41)، وقال: (( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )) (المائدة:75)، وقال: (( مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )) (النساء:76)، فالصدّيقون: هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة)) (1) .وقال ابن بطريق: ((اعلم أنّ الصدق خلاف الكذب، والصدّيق: الملازم للصدق الدائم في صدقه، والصدّيق: من صدق عمله قوله، ذكر ذلك أحمد بن فارس اللغوي في كتاب (المجمل في اللغة)، وذكره أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري في كتاب (الصحاح).وإذا كان هذا هو معنى الصدّيق، فالصدّيق أيضاً ينقسم ثلاثة أقسام: صدّيق يكون نبيّاً، وصدّيق يكون إماماً، وصدّيق يكون عبداً صالحاً لا نبيّاً ولا إماماً. فأمّا ما يدلّ على أوّل الأقسام، فقوله سبحانه وتعالى: (( وَاذكُر فِي الكِتَابِ إِدرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً )) (مريم:56)، وكلّ نبيّ صدّيق، وليس كلّ صدّيق نبيّاً، وقوله تعالى: (( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ )) (يوسف:46). وأمّا ما يدلّ على كون الصدّيق إماماً، فقوله تعالى: (( فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً )) (النساء:76) ، فذكر النبيّين، ثمّ ثنّى بذكر الصدّيقين؛ لأنّه ليس بعد النبيّين في الذكر أخصّ من الأئمّة.ويدلّ عليه أيضاً هذه الأخبار الواردة بأنّ الصدّيقين ثلاثة: حبيب، وحزبيل، وعليّ وهو أفضلهم، فلمّا ذكر عليّاً (عليه السلام) مع هذين المذكورين، دخل معهما في لفظة الصدّيقين، وهما ليسا بنبيين ولا إمامين، فأراد إفراده (عليه السلام) عنهما بما لا يكون لهما وهي الإمامة، فقال (صلى الله عليه وآله) : (وهو أفضلهم)، فليس في لفظة الصدّيق بينهم تفاضل؛ لأنّه (صلى الله عليه وآله) قال: (الصدّيقون ثلاثة)، فقد استووا في اللفظ، فأراد الإخبار عن اختلافهم في المعنى وهو استحقاق الإمامة، فقال: (وهو أفضلهم)، تنبيها على كونه (عليه السلام) صدّيقاً إماماً، وهذا معنى الوجه الثالث.وإذا كان الصدّيق هو الملازم للصدق الدائم عليه ومن صدق عمله قوله، فينبغي أن تختصّ هذه اللفظة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، لأنّه لم يعص الله تعالى منذ خلق، ولم يشرك بالله تعالى، فقد لازم الصدق ودام عليه، وصدق عمله قوله، فصحّ اختصاص هذه اللفظة به دون غيره)) (2) . وقال المجلسي(رحمه الله): ((الصادق هو من لا يكذب في قوله ولا فعله، والصدق في قراءة سورة الحمد فقط يوجب العصمة؛ لأنّه يقول في كلّ يوم عشر مرّات وأكثر: (( إِيَّاكَ نَعبُدُ )) ، وقد سمّى الله طاعة الشيطان عبادة في مواضع، وكلّ معصية طاعة للشيطان، وقس على ذلك قوله: (( وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ )) (الفاتحة:5)، وسائر ما يقول الإنسان ويدّعيه من الإيمان بالله واليوم الآخر، وحبّ الله تعالى والإخلاص له، والتوكّل عليه، وغير ذلك، وأخبار الخاصّة والعامّة مشحونة بذلك. فظهر أنّ الصادق حقيقة هو المعصوم)) (3) .فظهر ممّا ذكرنا أنّ أولى مصداق للقب الصدّيق وأسمى من نال تلك المرتبة، هم الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)، فهم تالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الفضل، فلا يوجد من يقع بينهم وبينه (صلى الله عليه وآله) فيه أحد. أمّا معنى: (صنايع ربّنا): فقد قال العلاّمة المجلسي في (بحار الأنوار): ((قوله (عليه السلام) : (فإنّا صنايع ربّنا): هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول، ولنتكلّم على ما يمكننا إظهاره والخوض فيه.فنقول: صنيعة الملك: من يصطنعه ويرفع قدره، ومنه قوله تعالى: (( اصطَنَعتُكَ لِنَفسِي )) (طه:41) أي اخترتك وأخذتك صنيعتي، لتنصرف عن إرادتي ومحبّتي.فالمعنى: أنّه ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنايعنا، فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس، أي المختار من الناس، نصطنعه ونرفع قدره)) (4) . وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد، قال: ((هذا كلام عظيم عال على الكلام، ومعناه عال على المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره، يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، ونحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه أنّهم عبيد الله وأنّ الناس عبيدهم)) (5) .وقال محمّد عبده في (شرح نهج البلاغة): ((آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) أسراء إحسان الله عليهم، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك، وأصل الصنيع من تصنعه لنفسك حتّى خصّصته بك كأنّه عمل يدك)) (6) . ثمّ إنّ هذا الكلام يؤدّي إلى معنى أعمق، وهو: إنّهم (عليهم السلام) خيرة الله، اختارهم من بين الخلق لنفسه جلّ وعلا، حيث وردت بذلك روايات كثيرة.والاختيار يساوق الاصطفاء والاجتباء، فكانوا (عليهم السلام) صفوة خلقه، اختصوا من دون خلقه بكراماته ونعمه، فلا يساويهم أحد فضلاً، ولا يدانيهم قرباً من الله سبحانه وتعالى، فليس بينهم وبين الله واسطة، إذ كانوا صنيعة الله لنفسه، وهو معنى: (نحن صنائع الله)، ومن ثمّ هم الواسطة بينه تعالى وبين خلقه، فهم واسطة الفيض، وهم العلّة الغائية للخلق، خلق الخلق لأجلهم، كما في الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك)، و(خلقتك لأجلي، وخلقت الأشياء لأجلك)، وهو معنى: (والناس بعد صنائع لنا).ودمتم في رعاية الله

1