تفسيرآية (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني...)
السلام عليكم قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)) ماتفسير ذلك ؟
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته إن سبب النزول لهذة الآية والآية التي بعدها وهي قوله تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )قد ذكروا لذلك روايتين في سبب نزولهما: إحداهما في تفسير " مجمع البيان " والأخرى في تفسير " المنار ". الأولى تقول: ادعى جمع من الحاضرين في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم يحبون الله، مع أن العمل بتعاليم الله كان أقل ظهورا في أعمالهم. فنزلت هاتان الآيتان بشأنهم. وتقول الأخرى: حضر فريق من مسيحيي نجران مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزعموا في حديثهم أن مبالغتهم في تقديس المسيح (عليه السلام) إنما ينطلق من حبهم لله. فنزلت الآيتان تردان عليهم. تقول الآية الأولى إن الحب ليس بالعلاقة القلبية فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان. إن من يدعي حب الله، فعليه أولا اتباع رسوله: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني. في الواقع أن من آثار الحب الطبيعية انجذاب المحب نحو المحبوب والاستجابة له. صحيح أن هناك حبا ضعيفا لا تتجاوز أشعته جدران القلب، إلا أن هذا من التفاهة بحيث لا يمكن اعتباره حبا. لا شك أن للحب الحقيقي آثارا عملية تربط المحب بالحبيب وتدفعه للسعي في تحقيق طلباته. والدليل على ذلك واضح، فحب المرء شيئا لابد أن يكون بسبب عثوره على أحد الكمالات فيه. لا يمكن أن يحب الإنسان مخلوقا ليس فيه شئ من قوة الجذب، وعليه فإن حب الإنسان لله ناشئ من كونه منبع جميع الكمالات وأصلها. إن محبوبا هذا شأنه لابد أن تكون أوامره كاملة أيضا، فكيف يمكن لإنسان يعشق الكمال المطلق أن يعصي أوامر الحبيب وتعاليمه، فإن عصى فذلك دليل على أن حبه غير حقيقي. هذه الآية لا تقتصر في ردها على مسيحيي نجران والذين ادعوا حب الله على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هذا الرد أصيل وعام في منطق الإسلام موجه إلى جميع العصور والقرون. إن الذين لا يفتأون - ليل نهار - يتحدثون عن حبهم لله ولأئمة الإسلام وللمجاهدين في سبيل الله وللصالحين والأخيار، ولكنهم لا يشبهون أولئك في العمل، هم كاذبون. أولئك الغارقون في الذنوب من قمة الرأس حتى أخمص القدم، ومع ذلك فهم يرون أن قلوبهم مليئة بحب الله ورسوله وأمير المؤمنين والأئمة العظام، أو الذين يعتقدون أن الإيمان والحب والمحبة قلبية فحسب، هم غرباء على منطق الإسلام تماما. جاء في " معاني الأخبار " عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " ما أحب الله من عصاه ". ثم قرأ الأبيات: تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع ش يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. تقول هذه الآية: إذا كنتم تحبون الله، وبدت آثار ذلك في أعمالكم وحياتكم، فإن الله سيحبكم أيضا، وسوف تظهر آثار حبه أنه سيغفر لكم ذنوبكم، ويشملكم برحمته. والدليل على هذا الحب المتقابل من قبل الله واضح أيضا، لأنه سبحانه موجود كامل ولا متناه من كل الجهات، وسيرتبط - على أثر السنخية - بكل موجود يقطع خطوات على طريق التكامل برباط الحب. يتبين من هذه الآية أن ليس هناك حب من طرف واحد، لأن الحب يدفع المحب إلى أن يحقق عمليا رغبات حبيبه. وفي هذه الحالة لا يمكن للمحبوب إلا أن يرتبط بالمحب.