الدعاء المشهور: (يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم الإحسان بحقّ الحسين)..لديّ سؤالان عن هذا الدعاء:1- ما هي مصادر هذا الدعاء؟2- ما العلاقة بين الأسماء المقدّسة للمعصومين (عليهم السلام) والصفات الإلهية المقدّسة المذكورة. هل هي علاقة لغوية؟فإذا كانت لغوية، فما وجه الارتباط بين فاطر وفاطمة؟وإذا كانت من نوع آخر، فما هو؟
الأخ حسين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
أوّلاً: جاء في كتاب (منتخب الطريحي) للشيخ فخر الدين الطريحي (ت1085هـ):((وروى صاحب (الدرّ الثمين) في تفسير قوله تعالى: (( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ )) (البقرة:37): أنّه رأى ساق العرش والأسماء عليه، فلقّنه جبرائيل، وقال له: قل يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم الإحسان بحقّ الحسين.فلمّا ذكرت الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل! في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة وتقصر عندها المصائب.فقال: يا أخي وما هي؟قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم ينادي: وا عطشاه.. وا قلّة ناصراه.. حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحد إلّا بالسيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، ويكسب رحله أعداء، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، سبق في علم الواحد المنان.فبكى آدم مع جبرائيل بكاء الثكلى))(1).وهناك روايات كثيرة بألفاظ مختلفة ورد فيها اشتقاق أسمائهم (عليهم السلام) من أسمائه:ففي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : بصيغة: (هذا محمّد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسماً من اسمي.وهذا عليّ، وأنا العليّ العظيم، شققت له اسماً من اسمي.وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عمّا يعرهم ويسيئهم، فشققت لها اسماً من اسمي.وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن والمجمل، شققت اسميهما من اسمي ... المزید)(2).ورواها القاضي النعمان في (شرح الأخبار) بصيغة: (هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا الأعلى وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا حسن، وأنا المحسن وهذا الحسين...)(3).ورواها بصيغة أُخرى: (هؤلاء خمسة من ولدك، لعظيم حقّهم عندي اشتققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العليّ وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، وأنا الإحسان وهذا الحسين...)(4).ورواه الحمويني في (فرائد السمطين) بصيغة: (اشتق الله تعالى لنا من أسمائه أسماء، فالله عزّ وجلّ محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وأخي عليّ، والله الفاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن والحسين...)(5).ورواها الحاكم الجشمي في (تنبيه الغافلين) بصيغة: (هؤلاء الصفوة من نوري، اشتققت أسماءهم من اسمي، فأنا الله المحمود وهذا محمّد، وأنا العليّ وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين...)(6).ورواها السيّد شرف الدين الأسترابادي في (تأويل الآيات الظاهرة) عن كتاب (تأويل ما نزل من القرآن الكريم) لابن الجحام، بصيغة: (يا محمّد! إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا العليّ الأعلى، وهبت لأخيك اسماً من أسمائي فسمّيته عليّاً، وأنا العليّ الأعلى.يا محمّد! إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فاطر السماوات والأرض، وهبت لابنتك اسماً من أسمائي فسمّيتها فاطمة، وأنا فاطر كلّ شيء.يا محمّد! إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا الحسن البلاء، وهبت لسبطيك اسمين من أسمائي فسمّيتهما الحسن والحسين، وأنا الحسن البلاء...)(7).ورواها الخصيبي في (الهداية الكبرى) بصيغة: (فسمّانا الخمسة الأسماء من أسمائه، فالله محمود وأنا محمّد، والله العليّ وهذا عليّ، والله فاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين...)(8).ورواها بنفس الصيغة والسند ابن جرير الطبري الشيعي في (دلائل الإمامة)(9)، وبالصيغة وبعض السند ابن عيّاش في (مقتضب الأثر)(10).ورواها الصدوق في (علل الشرائع) بصيغة: (فقال: أمّا الأوّل فأنا المحمود وهو محمّد، والثاني فأنا العالي وهذا عليّ، والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة، والرابع فأنا المحسن وهذا الحسن، والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا الحسين كلّ يحمد الله تعالى)(11).ورواه أيضاً في (معاني الأخبار) بصيغة: (إنّ الله تبارك وتعالى شقّ لي اسماً من أسمائه، فهو محمود وأنا محمّد، وشقّ لك يا عليّ اسماً من أسمائه، فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ، وشقّ لك يا حسن اسماً من أسمائه، فهو المحسن وأنت حسن، وشقّ لك يا حسين اسماً من أسمائه، فهو ذو الإحسان وأنت حسين، وشقّ لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة...)(12).
ثانياً: إنّ الاشتقاق المشار إليه في الحديث المتقدّم والمعبّر عنه بلفظ (شققت له)، استعمل بمعناه اللغوي، وهو مطلق أخذ الشيء من الشيء، لا المعنى الاصطلاحي المعروف عند علماء الصرف، فالاشتقاق في كلام المعصوم يراد منه الأخذ بالمناسبة في المعنى ولنسميه (اشتقاق معنوي)، كما في الرواية: (إنّ الروح مشتقّ من الريح)(13)، مع أنّ الروح ليس مشتقاً في اصطلاح الصرفيين، بل هو مناسب في المعنى واللفظ مع الريح. وهكذا فإنّ أسماء المعصومين (عليهم السلام) مشتقّة بهذا (المعنى اللغوي) عن أسماء الله تعالى وصفاته المذكورة للمناسبة المعنوية، ثمّ إنّ هذا النوع من الاشتقاق بالمناسبة في المعنى واتحاد بعض الحروف يسمّى باصطلاحهم بالاشتقاق الأكبر، مع ملاحظة أنّ هذا الاصطلاح (أي الاشتقاق الأكبر) متأخّر عن زمن الرواية.ودمتم في رعاية الله.