علي الادريسي - المغرب
منذ 4 سنوات

 مصطلح: (السيّد) هل يطلق على أمير المؤمنين (عليه السلام)

فيما يتعلّق بتعليقنا على ما جاء في جوابكم على السؤال الذي يخصّ تأييد الأئمّة (عليهم السلام) لحركة إدريس وإضفاء الشرعية عليها، فإنّنا نسجل الملاحظات التالية:1- إنّ حديث: (رحم الله إدريس بن إدريس بن عبد الله، فإنّه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم، والله ما ترك فينا مثله) الذي نسب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) فإنّه لا يستقيم مع الحقيقة التاريخية! لأنّ إدريس توفّي بعد الرضا (عليه السلام) سنة 213 هجرية، وفي روايات أُخرى 214 هجرية، أمّا الرضا (عليه السلام) فقد توفّي في سنة 203 هجرية، هي محط شبه إجماع المؤرّخين والمحدّثين، باستثناء بعض الروايات التي تذكر أنّه توفي في عام 206 هجرية. (انظر: دائرة المعارف الشيعية حسن الأمين ج1 حياة الرضا).وفي كلّتا الحالتين فيبقى تاريخ وفاة الرضا (عليه السلام) متقدّماً بقرابة عقد من الزمن، فكيف يمكن أن يترحّم على إدريس بن إدريس وهو توفّى قبله؟! هذا إذا كان يفهم من عبارة رحم الله إدريس بن إدريس بالدعاء بالرحمة للميت؟ 2- نطلب من السيّد الذي تفضل بسرد حديث: (عليكم بإدريس بن إدريس فإنّه نجيب أهل البيت وشجاعهم)، أن يمدّنا إذا أمكن ذلك بسند الحديث، فعلى ما يبدو فإنّ الحديث ضعيف من جانبين.- لأنّه مرسل، ولقد تفضلتم بالإشارة إلى ذلك.- ولأنّه غريب ولم تأت الكتب المعتبرة الحديثية لدى أهل البيت (عليهم السلام) والفرق الأُخرى على ذكره.سؤال أخير: هل يوجد لقولة الصادق (عليه السلام) لموفده السفياني والحلواني للمغرب من أجل الدعوة لأهل البيت ذكر وتأييد في المصادر الإمامية؟أمّا قولته، فهي جاءت كما ذكرها كلّ من القاضي النعمان في (دعوة الافتتاح)، والمقريزي (اتّعاظ الحنفا)، وابن خلدون، وابن الأثير، على النحو التالي: قال لهما: ((إنّ المغرب أرض بور، فاذهبا فاحرثاها حتّى يأتي صاحب البذر)). أمّا باقي المقال من إجابتكم فهو - وكما أشرنا إلى ذلك في رسالتنا السابقة لكم - جيّد ويزيل الغبار عن بعض الإشكالات التي يطرحها بعض الباحثين بالمشرق والمغرب.ومرّة أُخرى نكرّر لكم شكرنا الجزيل، وفي انتظار جوابكم، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.


الأخ علي الإدريسيالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: بالنسبة للحديث المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) : (رحم الله إدريس بن إدريس بن عبد الله، فإنّه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم...)، فإنّ أصله في (سرّ السلسلة العلوية لابن نصر البخاري - كان حيّاً سنة 341هـ - والمطبوع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، بتعليق السيّد محمّد صادق بحر العلوم)، وجاء فيه: ((وأبو عبد الله إدريس بن عبد الله الأصغر بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، هرب إلى بلد فاس وطنجة مع مولاه راشد، فاستدعاهم إلى الدين؛ فأجابوه وملّكوه، فأغّتم الرشيد لذلك حتّى امتنع من النوم، ودعا سليمان بن جرير الرقّي، متكلّم الزيدية وأعطاه سمّاً، فورد عليه متوسّماً بالمذهب، فسرّ به إدريس بن عبد الله، ثمّ طلب منه غرّة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السمّ وهرب.فخرج راشد خلفه، فضربه على وجهه ضربة منكرة وهرب، وفاته وعاد، وقد مضى إدريس لسبيله، وكانت له جارية حامل فوضعت المغاربة التاج على بطنها، فولدت بعد أربعة أشهر ابناً سمّوه إدريس بن إدريس بن عبد الله.(سرّ) قد خفي على الناس حديث إدريس بن إدريس؛ لبعده عنهم، ونسبوه إلى مولاه راشد، وقالوا: هو احتال في ذلك لبقاء الملك له، ولم يعقّب إدريس بن عبد الله، وليس الأمر كذلك، فإنّ داود بن القاسم الجعفري - وهو أحد كبار العلماء، ومن له معرفة بالنسب - حكى أنّه كان حاضراً هذه القصّة.وولد إدريس بن إدريس على فراش أبيه، وقال: كنت معه بالمغرب، فما رأيت أشجع منه، ولا أحسن وجهاً ولا أكرم نفساً.وقال الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) : (رحم الله إدريس بن إدريس بن عبد الله، فإنّه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم، والله ما ترك فينا مثله).ثمّ أورد شعراً لإدريس بن إدريس، رواه داود بن القاسم (1) . وقد نقل هذا الكلام عن أبي نصر البخاري، ابن عنبة في (عمدة الطالب)، ثمّ نقل عن (العمدة) الآخرون، مثل صاحب (أعيان الشيعة)، والشيخ عبّاس القمّي في (منتهى الآمال).ولكن في (عمدة الطالب)، عندما نقل رواية الرضا (عليه السلام)، نقلاً عن أبي نصر البخاري، أورد قوله هكذا: ((وقال الرضا بن موسى الكاظم (عليه السلام) : (إدريس بن إدريس بن عبد الله، من شجعان أهل البيت، والله ما ترك فينا مثله))) (2) .وأنت تلاحظ عدم وجود جملة (رحم الله)، ووجود اختلاف في الجملة الثانية أيضاً! ومن هذا نستطيع أن نستنتج: 1- ربّما يوجد تصحيف في أحد الكتابين (سرّ السلسلة العلوية)، أو (عمدة الطالب). إذا اعتبرنا ما في (عمدة الطالب) كنسخة أُخرى، خاصّة وإنّ (سرّ السلسلة العلوية) طبع على نسختين مخطوطتين الأُولى بتاريخ (1333هـ) والثانية بتاريخ (ذي القعدة 967هـ)، وتاريخ وفاة صاحب (عمدة الطالب) ابن عنبة في 828 هـ، وقد طبعت (العمدة) في المطبعة الحيدرية على ثلاث نسخ، أحدها بخطّ حسين بن مساعد الحائري فرغ منها يوم 29 ربيع الأوّل سنة 893هـ، كتبت على نسخة: بخط المؤلّف في سنة 812 هـ.فلاحظ تقدّم تاريخ نسخة (عمدة الطالب) على نسخة (سرّ السلسلة العلوية)! 2- لو لاحظت بدقّة العبارة المنقولة عن (سرّ السلسلة العلوية)، هكذا: ((قال الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) : (رحم الله إدريس بن إدريس...)))، وأنت تعلم أنّ جملة: ((عليه السلام)) تضاف من النسّاخ، فخطر في ذهننا أنّ عبارة أبو نصر البخاري الأصلية كانت هكذا: ((قال الرضا عليّ بن موسى رحمه الله: إدريس ابن إدريس...)).فعبارة: (رحم الله)، كانت: (رحمه الله)، وهي راجعة إلى الرضا (عليه السلام)، ومثل هذا غير بعيد في الخطوط القديمة؛ فلاحظ! 3- الظاهر أنّ مراد الإمام الرضا (عليه السلام) من كلامه هذا، هو إثبات نسب إدريس ابن إدريس لأهل البيت (عليهم السلام)، لما تعرف من الكلام في ذلك، خاصّة في مثل زمان الإمام (عليه السلام) زمن الدولة العبّاسية، فإنّ التهمة في مثل هذا التشنيع نسبت إليهم وإلى الأغالبة. 4- إنّ الرواية قد نقلها أبو نصر البخاري مرسلة. 5- وقد يكون التصحيف من جهة إضافة كلمة (إدريس) الثانية، إذ ربّما كان الأصل هو: رحم الله إدريس بن عبد الله، فإنّه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم، والله ما ترك فينا مثله، على ما احتمله السيّد الأمين في (الأعيان)، كما هو ظاهر كلامه (3) . فعند ذلك ينحل الإشكال لتأخّر تاريخ شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) عن تاريخ موت إدريس بن عبد الله مسموماً كما هو واضح. ثانياً: لم يتيسّر لنا كتاب (مجالس المؤمنين) حتّى نراجع ما نقله من الحديث المرسل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولكن قد نقله عنه الشيخ عبّاس القمّي في (منتهى الآمال)؛ فراجع! ثالثاً: إنّ الأصل الوحيد لهذه المقولة، بل كلّ حكاية الحلواني وأبي سفيان والنسبة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) هو القاضي النعمان، وقد نقلها من نقلها من المؤرّخين عنه، ولكنّه عندما أوردها في رسالته التي يؤرّخ بها بداية ظهور الدعوة الإسماعيلية المسمّاة (افتتاح الدعوة)، نسبها إلى (القيل)، ومن دون سند. قال في (ذكر السبب الذي تقدّم إلى المغرب قبل قدوم الداعي إليه): ((قدم إلى المغرب في سنة خمسة وأربعين ومائة رجلان من المشرق، قيل: إنّ أبا عبد الله جعفر ابن محمّد(صلوات الله عليه) بعثهما وأمرهما أن يبسطا ظاهر علم الأئمّة من آل محمّد (عليها السلام) وينشروا فضلهم...إلى أن قال: وكان يقول - أي الحلواني - : بعثت أنا وأبو سفيان فقيل لنا: اذهبا إلى المغرب، فإنّما تأتيان أرضاً بوراً، فاحرثاها، واكرباها، وذلّلاها، إلى أن يأتيها صاحب البذر، فيجدها مذلّلة فيبذر حبّه فيها)) (4) . وقال في (شرح الأخبار) ما هو مختصر ممّا ذكره في (افتتاح الدعوة)، من ابتداء الدعوة: ((ولكنّا نذكر في هذا الكتاب طرفاً من ذلك لما جرى للمهدي [المقصود: المهدي الإسماعيلي] ونبتدئ انّه قدم إلى المغرب من قبله مدّة طويلة رجلان من أهل المشرق يعرفان [الأوّل] بالحلواني، والثاني: بأبي سفيان...إلى أن قال: وممّا كان يؤثّر أنّه [أي: الحلواني] قال: ((بعثت أنا وأبو سفيان إلى هذه الجهة، ووصف لنا، وقيل لنا: إنّكما تأتيا أرضاً بوراً واحرثاها وذللاها إلى أن يأتي صاحب البذر فيبذر، وكان يقول: سيأتي داعي المهدي، ووصف أبا عبد الله بصفته...)) (5) الخ.والمقصود من أبي عبد الله: هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن زاكي (زكريا) الكوفي داعي المهدي الإسماعيلي. فلاحظ! أنّه لم يذكر فيه نسبة بعثهما إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، وحتّى قول الحلواني لم يذكر له سنداً، وإنّما قال: هو المأثور عنه، مع اختلاف المتن بعض الشيء عمّا في (افتتاح الدعوة)، ممّا يشعر أنّه من تعبير النعمان نفسه عمّن سمعه وليس رواية مسندة محفوظة.ولكن هذا القيل في (افتتاح الدعوة) تحول إلى جزم وإثبات عند من نقل عن القاضي النعمان من المؤرّخين إلى يومنا هذا! مع أنّ القاضي ذكر أنّ بين دخول أبي عبد الله الكوفي داعي الإسماعيلية إلى المغرب، وبين أبي سفيان والحلواني مئة وخمسة وثلاثون سنة، فإنّهما دخلا المغرب سنة مئة وخمس وأربعون للهجرة، ودخل أبو عبد الله الكوفي سنة مائتين وثمانين للهجرة، فمن البعيد أن تتصل أخبارهما وموتهما بداعي اليمن حتّى يرسل أبي عبد الله الكوفي بدلاً عنهما، إلّا إذا كانا قد أرسلا ابتداءً من قبل دعاة الإسماعيلية، وكان على اتصال مستمر بهم، وهذا يبعدهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) .وهناك احتمال آخر، من أنّهما لم يكن لهما علاقة أصلاً بالدعوة الإسماعيلية، وإنمّا هما من شيعة جعفر الصادق (عليه السلام) هاجرا إلى المغرب.نعم، عندما وصل أبو عبد الله الكوفي إلى المغرب وسمع بهما استغلّ دعوتهما وحرفها من التشيّع إلى الدعوة الإسماعيلية، وتقوّل على لسانهما ما ينال به الاتصال والشرعية من الإمام الصادق (عليه السلام) . وأمّا ما طلبته من وجود هذه المقولة في كتب الشيعة الإمامية، فلم نعثر عليه، وإن عدّ بعض المحقّقين القاضي النعمان من الشيعة.ودمتم في رعاية الله

1