احمد الشايب - سوريا
منذ 4 سنوات

العباس و العقيل بعد رسول الله

أرجو إفادتي بمدى صحّة هذه الروايات المسيئة لأهل البيت من كتب الشيعة:عن محمّد الباقر ع أنّه قال عن العبّاس عمّ النبيّ ص وعقيل أخي عليّ ع: (بقي مع عليّ - أي: بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله) - رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عبّاس وعقيل).وفي رواية أنّه قال: (بقيت بين خلَفين خائفين ذليلين حقيرين، عبّاس وعقيل).(حياة القلوب للملا باقر المجلسي ص756 ج2 ط الهند). (الفروع من الكافي/ كتاب الروضة). وقوله تعالى: (( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )) (الإسراء:72)، وقوله تعالى: (( وَلاَ يَنفَعُكُم نُصحِي إِن أَرَدتُّ أَن أَنصَحَ لَكُم )) (هود:34)، نزلتا فيه. (52-53). وروى الكشي أيضاً: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا على عبد الله بن العبّاس وأخيه عبيد الله، فقال: (اللّهمّ العن ابني فلان - يعني عبد الله وعبيد الله - واعم أبصارهما كما عميت قلوبهما الأجلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما).(52). وأمّا الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين، فقد روى الكليني: أنّ يزيد بن معاوية سأله أن يكون عبداً له، فرضي (عليه السلام) أن يكون عبداً ليزيد، إذ قال له: (قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك، وإن شئت فبع).(الروضة من الكافي 8/235). عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قالوا: لا.قال: زعم ابن عبّاس أنّه من الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا - وذكر كلاماً طويلاً - ثمّ قال: فاستضحكت، ثمّ تركته يومه ذلك لسخافة عقله.(الكافي1/247). عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال: (وعندي الجفر الأحمر).فقال له عبد الله بن أبي يعقوب: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ قال: (إي والله، كما يعرفون الليل أنّه ليل، والنهار أنّه نهار، ولكنّهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار).(الكافي 1/240). فرووا عن عليّ أنّه جمع الناس لإقامة حدّ الزنا على امرأة، ثمّ قال: (لا يقيم الحدّ مَن لله عليه حدّ). يعني: لا يقيم عليها الحدّ إلّا الطاهرون. قال: فانصرف الناس يومئذ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين. وانصرف فيمن انصرف محمّد ابن أمير المؤمنين.(الكافي 7/187). عن حنان بن سدير، قال: كنت جالساً عند الحسن بن الحسن، فجاء سعيد ابن منصور وكان من رؤساء الزيدية، فقال: ما ترى في النبيذ؟ قال: إنّ زيداً كان يشربه عندنا. قال: ما أُصدق على زيد أنّه شرب مسكراً. قال: بلى قد شربه. قال: فإن كان فعل، فإنّ زيداً ليس بنبيّ ولا وصي نبيّ، إنّما هو رجل من آل محمّد. عن صفوان الجمّال أنّه قال: وقع بين أبي عبد الله وبين عبد الله بن الحسن كلام، حتّى وقعت الضوضاء بينهما واجتمع الناس فتفرّقا - وذكر قصّة طويلة - قال المحقّق في الحاشية: فيه دلالة على حسن رعاية الرحم وإن كان بهذه المثابة، وإن كان فاسقاً ضالاً.(الكافي 2/155).  عن جعفر الصادق والده أنّه قال له: (أفعلتها يا فاسق؟ أبشر بالنار).(الكشي 211). وذكروا عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال عن ولده إسماعيل: (إنّه عاص، لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي).(بحار الأنوار 47/247). عن يعقوب بن المثنى، قال: كان المتوكّل يقول: أعياني أمر ابن الرضا - يعني: محمّد بن عليّ الجواد - أبى أن يشرب معي. فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قصَّاف عزَّاف يأكل ويشرب ويتعشّق.(الكافي 1/502).


الأخ احمد المحترمالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهقبل الجواب على ما ذكرت، نودّ أن نقول: إنّ هذه الروايات جمعها المدعوّ عثمان الخميس ليشنع بها على الشيعة، وقبله ذكر جملة منها إحسان إلهي ظهير، ثمّ ذُكر بعضها في الكتاب المختلق المطبوع في الكويت (لله ثمّ للتاريخ). أمّا الجواب، فنقول:هناك جواب إجمالي بغض النظر عن مدى صحّة الروايات من عدمها، فهذه الروايات ليس فيها ذمّ لأهل البيت (عليهم السلام) المخصوصين الذين أرادهم الله في قرآنه، وذكرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه، والذين تتوالاهم الشيعة، فإنّ أهل البيت المعنيون جماعة خاصّة، وهم النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين (عليهم السلام) ، وهؤلاء هم المعصومون الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأوجب الله موالاتهم، ولا يدخل فيهم العبّاس، ولا عقيل، ولا محمّد بن الحنفية، ولا عبد الله بن عبّاس، ولا عبيد الله بن عبّاس، ولا زيد، ولا إسماعيل، ولا غيره من أبناء الأئمّة، وإذا انحرف أحد هؤلاء لا يعد ذلك إساءة إلى أهل البيت (عليهم السلام) ، كما هو الحال في عمّ النبيّ أبي جهل إذ كان كافراً، ولكن هذا لا يحطّ من قدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بقدر ما يرفعه، إذ كان بهذا المحيط واستطاع أن يكون بهذا المستوى من العصمة والدرجة العالية من القرب من الله تعالى.وكذا لا يحطّ من قدر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ما ينسب من ذمّ وإساءة في بعض الروايات لبعض من يقربهم بالنسب؛ وإلّا لو كان في ذلك ما يشين لسرى الإشكال إلى كلام الله تعالى، إذ يذمّ أبا لهب عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ويذكر ابن نبيّ الله نوح (عليه السلام) بالكفر، ويضرب المثل بامرأتي نوح ولوط (عليهما السلام).فما قاله هذان وغيرهما لا يعدو كونه تدليس لخداع الناس، إذ لا يلزم الشيعة شيء من ذلك وهم يعلنون بأعلى أصواتهم أنّهم يوالون الأربعة عشر معصوماً، النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وفاطمة (عليها السلام)، والاثني عشر إماماً، عليّ وولده إلى المهدي (عليهم السلام) ، وإنّهم يقصدون بأهل البيت هؤلاء (عليهم السلام) لا غير. وأمّا تفصيل الجواب على هذه الروايات: أوّلاً: الرواية الأُولى رواها الكليني في (الكافي)، قال: ((محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن سدير، قال: كنّا عند أبي جعفر (عليه السلام) فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم (صلى الله عليه وآله) واستذلالهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال رجل من القوم: أصلحك الله، فأين كان عزّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟!فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ومن كان بقي من بني هاشم، إنّما كان جعفر وحمزة فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام: عبّاس وعقيل، وكانا من الطلقاء، أما والله، لو أنّ حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما)) (1) . وقد حسّن المجلسي سندها (2) ، وصحّحه السيّد الخوئي (رحمه الله) (3) .والرواية التي بعدها، رواها سليم بن قيس في كتابه من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في آخر سنة من حياته، وفيها: (ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أمّا حمزة فقتل يوم أحد، وأمّا جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العبّاس وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر) (4) ، ولكن وقع الكلام في كتاب سليم ومدى الاعتماد عليه خاصّة في نسخه المتأخّرة. وأورد الطبرسي هذه الخطبة في (الاحتجاج) باختصار واختلاف: عن إسحاق ابن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) ، وفيها: (فأنشدتهم حقّي، ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط: سلمان، وعمّار، والمقداد، وأبو ذرّ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية عقيل والعبّاس) (5) ، ولكنّه حذف سندها، فجاءت مرسلة.وروى السيّد ابن طاووس في (كشف المحجّة) من (كتاب الرسائل) للكليني، عن علي بن إبراهيم، كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى شيعته بعد منصرفه من النهروان، وفيه: (فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا معي مساعد، إلّا أهل بيتي فظننت بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمّي حمزة وأخي جعفر، لم أبايع كرهاً، ولكنّني بليت برجلين حديثي عهد بالإسلام العبّاس وعقيل، فظننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى...) (6) ، ولكنّه S أورده منقطعاً مرسلاً.فلا بدّ من إرجاع هذه الروايات إلى ما ورد من نصّ في صحيحة الكافيS المتقدّمة، والاقتصار على كونهما (أي: العبّاس وعقيل) ضعيفان ذليلان، أي لم يكن لهما من القوّة والعزّة والعزيمة ما لحمزة وجعفر(رضوان الله عليهما)، وأمّا حداثة العهد بالإسلام، فقد اتّفقت عليه متون هذه الروايات، ولا يوجد طعن في شخصهما من جهة الوثاقة أو الديانة أو عدم معرفة حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ؛ نعم لم يكونا بصلابة واستماتة حمزة وجعفر في الدفاع عن الدين. ثانياً: أمّا رواية الكشي بسنديه عن الإمام الباقر (عليه السلام) من أنّ قوله تعالى: (( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )) (الإسراء:72)، وقوله تعالى: (( وَلاَ يَنفَعُكُم نُصحِي إِن أَرَدتُّ أَن أَنصَحَ لَكُم )) (هود:34) ، نزلتا في العبّاس.فسنده الأوّل: عن جعفر بن معروف، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد الأنباري، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال:...الخ (7) ، ففيه جعفر بن معروف اعتمد عليه الكشي كثيراً؛ وترجمه الطوسي في رجاله بعنوان: ((جعفر بن معروف يكنى أبو محمّد من أهل كش، وكيل وكان مكاتباً)) (8) ، ولم يوثّقه؛ وقال فيه ابن الغضائري: ((جعفر بن معروف، أبو الفضل السمرقندي، يروي عنه العيّاشي كثيراً، كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه يعرف تارة وينكر أُخرى)) (9) ، وظاهرهما الاتّحاد من مراجعة رواياتهما وشيوخهما. وهو غير متّهم في هذه الرواية لوجود طرق أُخر لها، منها: ما ورد في (الاختصاص) المنسوب للشيخ المفيدS: عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن علي بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال:... الخ (10) ، كما عن الكشي باختلاف يسير. والسند صحيح، أورده الصدوقS في توحيده مختصراً في وصف العرش (11) . ومنها: ما رواه (علي بن إبراهيم القمّي) في (تفسيره): عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال:... الخ (12) ، باختلاف في بعض عباراته.ورواه (النعماني) في (الغيبة) مختصراً باختلاف: عن علي بن أحمد، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، قال:... الخ (13) ، وليس فيه الآيتان النازلتان في العبّاس، وسنده ضعيف بعلي بن أحمد بن نصر البندنيجي.ورواه مرسلاً (العيّاشي) في تفسيره مختصراً وباختلاف أيضاً: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال:... الخ (14) .وعند الثلاثة أبو الطفيل بدل الفضيل بن يسار، وظاهره اشتباه الرواة بين الطفيل والفضيل. وأمّا سند الكشي الثاني، قال: حدّثني أبو الحسن علي بن محمّد بن قتيبة، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، عن محمّد بن أبي عمير، عن أحمد بن محمّد بن زياد، قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام)... (15) . ففيه أحمد بن محمّد بن زياد الرواي عن الإمام السجّاد (عليه السلام) مجهول. ثالثاً: أمّا رواية الكشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (16) ، فيقول السيّد الخوئي: إنّها ضعيفة بالإرسال أوّلاً بجهالة طريق الكشي إلى محمّد بن يحيى بن عبيد، وبمحمّد بن سنان وموسى بن بكر الواسطي ثانياً (17) . رابعاً: أمّا رواية الكليني في (الكافي) بخصوص إقرار الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) بالعبودية ليزيد (18) ، فهو مردود معلول، للقطع تاريخياً بعدم ذهاب يزيد إلى الحجاز أيام خلافته، بل عدم مغادرته الشام إلى أن هلك. خامساً: أمّا رواية الكليني في (الكافي) بخصوص كلام الإمام الصادق (عليه السلام) مع ابن عبّاس وضحك الإمام (عليه السلام) منه، ففي سندها الحسن بن العبّاس بن حريش ضعيف جدّاً، أُتّهم بالوضع، قال فيه ابن الغضائري: ((الحسن بن العبّاس بن حريش الرازي أبو محمّد، ضعيف، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فضل: (( إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ )) (القدر:1)، كتاباً مصنّفاً فاسد الألفاظ، تشهد مخايله على أنّه موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه)) (19) . وقال فيه النجاشي: ((الحسن بن العبّاس ابن حريش الرازي أبو علي، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، ضعيف جدّاً له كتاب: (( إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ )) ، وهو كتاب رديء الحديث مضطرب الألفاظ)) (20) .وهذه الرواية من صنف ما أورده في الكتاب المذكور. وقد ردّ علماؤنا أعلى الله مقامهم هذه الرواية:قال السيّد الخوئي (رحمه الله): وهذه الرواية مضافاً إلى ضعفها بالحسن بن العبّاس بن حريش، آثار الوضع عليها ظاهرة، فإنّ الظاهر من ضحك الباقر (عليه السلام) أنّ الأمر وقع قريباً، والمفروض في الرواية أنّه (عليه السلام) كان جالساً وعنده نفر، فكانت هذه القصّة زمان إمامته (عليه السلام) ، ولا أقلّ أنّها كانت زمان كبره (عليه السلام) ، مع أنّ ابن عبّاس مات سنة ثمان وستّين، وولد أبو جعفر (عليه السلام) سنة سبع وخمسين، فالقضية مكذوبة لا محالة (21) . وقال الشيخ التستري في (الأخبار الدخيلة): ((ويشهد لوضعه أُمور:الأوّل: إنّ المفهوم منه أنّ محاجّة الباقر (عليه السلام) مع ابن عبّاس كان في زمان إمامته، مع أنّ إمامته كانت بعد خمس وتسعين، وابن عبّاس مات بالطائف في فتنة ابن الزبير سنة ثمان وستّين، وإنّما أدركه الباقر (عليه السلام) في صغره. فروى الكشّي عن الصادق (عليه السلام) : (إنَّ أبي كان يحبّ ابن عبّاس حبّاً شديداً، وكانت أُمّه تلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بني عبد المطّلب، فأتاه بعدما أصيب بصره، فقال: من أنت؟ قال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، فقال: حسبك من لا يعرفك فلا عرفك). الثاني: أنّه دالٌّ على نصب ابن عبّاس، مع أنّ استبصاره من المتواترات، ومحاجّاته في الإمامة مع عمر ومعاوية وعائشة وابن الزبير وغيرهم مشهورة معروفة. الثالث: أنّه مشتمل على أنّ عمى ابن عبّاس كان من صفقة جناح جبرئيل لجحده ليلة القدر على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، مع أنّ المسعودي، قال: ((كان ذهاب بصر ابن عبّاس لبكائه على عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) )). ولِمَ لَم يعم جبرئيل مبغضي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعمى من كان في أوّل المحامين عنه (عليه السلام) ، فإنّه لم يعط أحد لسانه بعد المعصومين (عليهم السلام) ؟!ولِمَ لَم يعم معاوية الذي كان يعيّر بني هاشم بالعمى؟! ففي معارف ابن قتيبة: ((ثلاثة مكافيف في نسق: عبد الله بن العبّاس، وأبوه العبّاس، وأبو العبّاس: عبد المطّلب. قال: ولذلك قال معاوية لابن عبّاس: أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال ابن عبّاس: وأنتم يا بني أُميّة تصابون في بصائركم)). وروى (الاستيعاب): أنّ سبب عماه رؤيته لجبرئيل، فروى عنه أنّه قال: رأيت رجلاً مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم أعرفه، فسألته عنه؟ فقال لي: أرأيته؟ قلت: نعم، قال: ذاك جبرئيل، أما أنّك ستفقد بصرك، قال: فعمى بعد ذلك في آخر عمره.قلت: لو صحّ خبر (الاستيعاب) يكون محمولاً على عدم استعداد ابن عبّاس لرؤية جبرئيل، ولعلّ الجاعل سمع بمثل ذلك فبدّله بما قال. وممّا يوضّح أنّ ابن عبّاس كان في كمال الخصوصية مع أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنّ معاوية أمر بعد التحكيم باللعن في القنوت على ابن عبّاس، كما أمر باللعن في القنوت على أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) ، ومالك الأشتر. الرابع: أنّ عبارات الخبر مختلّة منحلّة، بحيث لا يكاد يفهم منها محصّل، ولا يتكلّم بمثلها أدنى رجل من العامّة، فكيف يتكلّم بمثلها أئمّة هم أمراء الكلام، وفيهم انتشبت عروقه، وتشعّبت غصونه.بل لم ينحصر الاختلال بهذا الخبر، بل جميع أخبار ذاك الباب، التي هي أخبار تسعة كلّها بسند واحد عن كتاب ابن حريش المذكور في آخر السند مختلّة منحلّة.ولله درّ ابن الغضائري في وصف كتابه، حيث قال - بعد عنوان الرجل - : ((كتابه فاسد الألفاظ تشهد مخائله على أنّه موضوع)).وكذلك تلميذه النحرير النجاشي، فقال - بعد عنوانه - : ((كتابه رديّ الحديث مضطرب الألفاظ))، ولا غروّ في رواية سهل الآدمي له، فتقدّم عن النجاشي أنّ الأشعري يشهد على سهل بالغلوّ والكذب، وإخراجه من قمّ إلى الرّي، وقال الكشّي: إنّ الفضل بن شاذان كان لا يرتضي سهل الآدمي، ويقول: ((إنّه أحمق))، وإنّما العجب من رواية أحمد الأشعري له! اللّهمّ إلّا أن يكون ذكر أحمد خلطاً من النسّاخ، أو وهماً من الكليني، حيث أنّه فيما يأتي اقتصر في روايته على سهل الآدمي. الخامس: أنّ ما اشتمل عليه الخبر من حكم الحدّ وحكم الدِّية خلاف ما اشتهر به الإمامية، ولم يعمل به الكليني نفسه، حيث ذكره في النوادر - والنوادر ما لا يعمل به - فقال في كتاب ديّات كافيه (باب نادر): ((عدّة من أصحابنا، عن سهل، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال: قال أبو جعفر الأوّل (عليه السلام) لعبد الله بن العبّاس: أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف - إلى قوله - هذا حكم الله))، كما مرّ.ولم يروه الفقيه الذي تضمّن بصحّة ما يرويه فيه، ولم يعمل به إلّا الشيخ في نهايته، وتبعه تلميذه القاضي، وردّه الحلّي بكونه خرقاً للإجماع، وقال: ((هذه الرواية مخالفة لأُصول المذهب؛ لأنّه لا خلاف بيننا أنّه يقتصّ من العضو الكامل للناقص)).و(المختلف) نقل الرواية مستنداً للشيخ، وقال: ((في طريقه سهل))، وذهل عن كون ابن حريش أضعف، كما غفل عن طريق الخبر الآخر)) (22) . سادساً: أمّا رواية الصادق (عليه السلام) عن بني الحسن، فقد رواها الكليني في (الكافي)، قال: ((عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ عندي الجفر الأبيض.قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عليهم السلام) والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنّ فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتّى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش. وعندي الجفر الأحمر.قال: قلت: وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟قال: السلاح، وذلك إنّما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟فقال: إي والله، كما يعرفون الليل أنّه ليل، والنهار أنّه نهار، ولكنّهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم)) (23) . وسندها حسن (24) ، بل إلى الصحّة أقرب؛ لوقوع الاختلاف في الحسين ابن أبي العلاء بين المدح والتوثيق (25) . ومن أشكل بهذه الرواية على الشيعة كـ(إحسان إلهي ظهير، وعثمان الخميس، ومن أخذ منهما)، قطعها من أوّلها، وما ذاك إلّا لدلالتها على ما لدى الأئمّة (عليهم السلام) من علم، وإنّ ما في مصحف فاطمة (عليها السلام) ليس بقرآن؛ وحذف بعضهم ما ورد من قول الإمام بعد قوله: (وعندي الجفر الأحمر)، كما فعل المستشكل هنا، لما فيه من الدلالة على معنى الجفر الأحمر، وأنّ صاحبه الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) ، وأنّه سيخرج بالسيف.وفي الرواية تعريض ببعض بني الحسن (عليه السلام) المعاصرين للإمام الصادق (عليه السلام) ، وهم عبد الله بن الحسن بن الحسن وبنيه؛ لما هو ثابت في كتب التاريخ من ادّعائهم المهدوية لمحمّد بن عبد الله بن الحسن، وعدم مبايعة الإمام الصادق (عليه السلام) له، وإخبارهم بأنّ الملك سيناله المنصور، وأنّه يقتلهم. سابعاً: أمّا خبر عليّ (عليه السلام) : (لا يقيم الحدّ من لله عليه حدّ)، ففي الكافي، وفي آخره: ((وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمّد بن أمير المؤمنين (عليه السلام) )) (26) ، فسنده الأوّل ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني.وقد رواه البرقي في (المحاسن) بطرقه إلى البطائني أيضاً، من دون هذه الزيادة في آخره (27) . وأمّا سنده الثاني إلى خالد بن حمّاد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، فهو صحيح؛ ولكن يبعد رواية خالد بن حمّاد الأسدي عن الصادق (عليه السلام) ، فقد عدّوه من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) (28) .ورواه الشيخ الطوسي في (التهذيب) بمثل ما في (الكافي) سنداً ومتناً (29) ، ولكن رواه الصدوقS في (من لا يحضره الفقيه) من قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) المفرّقة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) من دون هذه الزيادة (30) ، وطريقه إليها صحيح (31) ، ورواه علي ابن إبراهيم القمّي في (قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) ) عن أبي جعفر (عليه السلام) (32) ، بسند كالصحيح من دون هذه الزيادة أيضاً. فلم تثبت الزيادة بسند صحيح، مع أنّ فيها غرابة! فقد أمرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتلثّم حتّى لا يعرف بعضهم بعضاً وألّا يفتضحوا، فكيف عُرف محمّد بن الحنفية من بينهم؟! وهل هذا إلّا نقض لغرض أمير المؤمنين (عليه السلام) بافتضاح ابنه!!إلّا أن نقول: إنّ هذه الزيادة من فهم الراوي بعد أن لم يبق إلّا أمير المؤمنين والحسنان (عليهم السلام) . ولكن هذا غير لازم؛ لعدم العلم بحضور محمّد بن الحنفية الحادثة، خاصّة وقد كان الكلّ متلثّماً.. وإلّا فالإشكال وارد على بقية أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفيهم من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومن التابعين الأخيار، إذا التزمنا بحضور الكلّ، وهذا ما لا يلزم. مع أنّ التعمّق في فقه الرواية يدفع كلّ احتمال للإشكال، فإنّ فيها من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (أيّها الناس! إنّ الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) عهداً وعهد نبيّه إليَّ بأنّه لا يقيم الحدّ من لله عليه حدّ، فمن كان لله عليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ عليها). وقد فهم الفقهاء منه ومن غيره مطلق الحدّ - لأنّ الحدود متماثلة في أصل العقوبة - وعقدوا مسألة في كراهة إقامة الحدّ ممّن عليه حدّ، ومطلق الحدّ يشمل حتّى التعزير، ولا يخلو مكلّف على الغالب إلّا المعصوم ممّا يوجب التعزير، ولم يقل أحد بأنّ محمّد بن الحنفية معصوم؛ فتأمّل (33) .ومع ذلك فمقام محمّد بن الحنفية عالٍ، فهو من الذين لا يرضون أن يعص الله، كما ورد في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) (34) ، ولا مستند لحضوره الحادثة وانصرافه إلّا هذه الأسانيد الضعيفة بهذه الزيادة. ثامناً: أمّا خبر سعيد بن منصور، في أنّ زيداً كان يشرب النبيذ المروي في (رجال الكشي) (35) ، فإنّ المتّهم لزيد بذلك هو سعيد بن منصور وهو من رؤساء الزيدية، كما في الخبر، فأين الشيعة الإمامية من ذلك؟! ثمّ إنّ سعيد هذا قال عنه السيّد الخوئي (رحمه الله): ((لا اعتماد على قول سعيد بن منصور، فإنّه فاسد المذهب، ولم يرد فيه توثيق ولا مدح)) (36) . تاسعاً: أمّا رواية صفوان الجمّال، المروية في (الكافي)، فيما وقع بين أبي عبد الله (عليه السلام) وعبد الله بن الحسن من كلام، حتّى ارتفعت الضوضاء بينهما (37) ، فهي صحيحة، وليس فيها إساءة للذي يقرأها بكاملها.وأمّا ما نقله عن المعلّق على الرواية في الهامش، فهو يحسب عليه وليس في الرواية شيء منه، وهو حكم مبنيّ على ما كان يظهره عبد الله بن الحسن من إمامة ابنه محمّد ذو النفس الزكية، وأنّه المهدي من دون وجه حقّ. عاشراً: أمّا الرواية عن الصادق (عليه السلام) المروية في الكشي (38) ، وتوهّم توجه الخطاب فيها لإسماعيل بقوله: (أفعلتها يا فاسق...)، فهو توهم غير صحيح! قال السيّد الخوئي: إنّ الخطاب متوجّه إلى جعفر المنصور بتنزيله منزلة الحاضر، كما يظهر بأدنى تأمّل، على أنّ السند ضعيف، ولا أقلّ من جهة محمّد بن نصير (39) . الحادي عشر: أمّا الرواية عن الحسن بن راشد عن الصادق (عليه السلام) بحقّ إسماعيل: (إنّه عاص...)، المروية في (إكمال الدين) للصدوق (40) ، فقد قال السيّد الخوئي (رحمه الله) في فقهها: إنّ الحسن بن راشد سأل الإمام (عليه السلام) عن إسماعيل من جهة لياقته للإمامة على ما هو المرتكز في أذهان العامّة من الشيعة، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأن لا يشبهه ولا يشبه آباءه في العصمة، فإنّه تصدر منه المعصية غير مرّة، وهذا لا ينافي جلالته، فإنّ العادل التقيّ أيضاً قد تصدر منه المعصية ولو كانت صغيرة، لكنّه يتذكّر فيتوب (41) . الثاني عشر: أمّا الرواية الأخيرة المروية في (الكافي) بخصوص مكر المتوكّل بابن الرضا الإمام عليّ الهادي (عليه السلام) والتي فيها أنّ أخاه موسى ((قصاف عزاف)) (42) ، فهي ضعيفة بيعقوب بن ياسر المجهول (43) .وهذا الجواب على نحو الاختصار مراعاةً للصناعة في علم الحديث والرجال، وبإمكانك أن تجد أجوبة أُخر لبعض هذه الروايات بالتحليل ودراسة التاريخ الإسلامي المرتبط بهذه الروايات، لتجدها بعيدة كلّ البعد عن الإساءة لأهل البيت (عليهم السلام) حسب ما يوحيه عنوان المشنّع بعد أن جمعها وجعلها في إطار واحد ليخدع نظر القارئ بصحّة العنوان، فإنّ كلّ رواية لها وضع منفصل عن غيرها، حاول الكاتب تقطيعها وجمعها بطريقة معينة، خداعاً وتمويهاً للقارئ، بأسلوب مستخدم معروف من أساليب الدعاية.فمثلاً استخدام عنوان أهل البيت (عليهم السلام) موحياً بمعناه عند الشيعة، مع أنّه عامله في موارد الروايات بمصطلح أهل السُنّة، وأدخل في أهل البيت (عليهم السلام) من ليس فيهم مخادعة للقارئ غير المنتبه، وكذلك أبرز المعنى الظاهر الأوّلي لبعض الألفاظ، مثل (خائفين، ذليلين) دون إبراز القرائن على المراد منها ودون شرح المعنى كما شرحه غيره، وذكره لرواية ((ظلم يزيد للإمام السجاد (عليه السلام) ))، دون بيانه للحكم الشرعي في مثل ذلك، وإيراده لبعض أفعال أبناء الأئمّة (عليهم السلام) وكأنّهم لا يخطئون، متناسياً أنّ بعض أبناء الأنبياء هكذا، وعلى كلّ فإنّ الواقع سيتبيّن لك بأدنى مراجعة.ودمتم في رعاية الله

1