محمد - مصر
منذ 4 سنوات

 النصّ على الأئمّة(عليهم السلام)

ورد في كتاب (الغيبة) للشيخ، وفي (الكافي)، و(الإرشاد): عن أبي هاشم الجعفرى، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري(عليه السلام) وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودلّ عليه، وإنّي لأُفكّر في نفسي وأقول: هذه قصّة أبي إبراهيم وقصّة إسماعيل، فأقبل علَيَّ أبو الحسن(عليه السلام) وقال: نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي جعفر وصيّر مكانه أبا محمّد، كما بدا له في إسماعيل بعد ما دلّ عليه أبو عبد الله(عليه السلام) ونصبّه...) إلى آخر الرواية الشريفة. السؤال الأوّل: هل أمر الإمامة من الأُمور التي يعرض عليها المحو والإثبات والبداء؟ أم من الأُمور المحتومة؟ السؤال الثاني: كيف يمكن الجمع بين هذه الرواية الشريفة والروايات المتكثّرة في النص على أسماء الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) على لسان الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وباقي الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وكذلك الروايات التي تذكر أنّهم(عليهم السلام) كانوا أنواراً حول العرش محدقين قبل الخلق؟


الأخ محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: روى الكليني في (الكافي) هذه الرواية بسند متّصل عن أبي هاشم الجعفري نفسه بغير هذه الألفاظ - مورد الإشكال - قال: ((علي بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن(عليه السلام) بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، وإنّي لأُفكّر في نفسي أُريد أن أقول: كأنّهما - أعني: أبا جعفر وأبا محمّد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمّد(عليهم السلام)، وإنّ قصّتهما كقصّتهما؛ إذ كان أبو محمّد المرجى بعد أبي جعفر(عليه السلام)، فأقبل علَيَّ أبو الحسن قبل أن أنطق، فقال: (نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمّد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة) )) (1) . ورواه بالمتن والسند نفسه المفيد في (الإرشاد) (2) ، وليس فيه ما جاء في متن رواية (الغيبة) من قول: (وقد كان أشار إليه ودلّ عليه)، وقوله: (بعدما دلّ عليه أبو عبد الله(عليه السلام) ونصّبه)، وهو موافق لما يعتقده الشيعة.. والكليني والمفيد متقدّمان على الشيخ الطوسي، الذي رواها بسند منقطع عن سعيد بن عبد الله الأشعري، عن أبي هاشم الجعفري؛ فما قلته من أنّ الرواية وردت في (الغيبة)، و (الكافي)، و(الإرشاد) غير صحيح! ولكن المسعودي المتقدّم على الطوسي أيضاً - وفاته في (346هـ) - روى الرواية: عن سعيد بن عبد الله، عن أبي هاشم الجعفري، من دون هذه الزيادات الواردة في متن رواية الطوسي؛ قال: ((روى سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن لما مضى ابنه محمّد، ففكرت في نفسي فقلت: كانت قصّة أبي محمّد مثل قصّة إسماعيل وأبي الحسن موسى(عليه السلام)، فالتفت إلَيَّ فقال: (نعم يا أبا هاشم! هو كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمّد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة، والحمد لله ربّ العالمين) )) (3) . فتبيّن: أنّ ما جاء في متن رواية الطوسي كان من تصرّف الرواة بعد سعد بن عبد الله، وأنّهم نقلوا الرواية بالمعنى حسب ما توهّموه من معنى البداء، وغلب على ظنّهم ما شاع عند شريحة واسعة من ضعفاء الشيعة من كون إسماعيل هو الإمام بعد الصادق(عليه السلام)، وإنّ أبو جعفر محمّد بن علي(عليه السلام) هو الإمام بعد عليّ الهادي(عليه السلام). ثانياً: ظاهر رواية الطوسي معارَض بروايات أُخرى صريحة عن الإمام الهادي(عليه السلام) بأنّه نصّ على ولده الحسن العسكري(عليه السلام) في حياة ولده محمّد.. كهذه الرواية التي رواها الكليني عن: ((علي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن بشّار بن أحمد البصري، عن علي بن عمر النوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن(عليه السلام) في صحن داره، فمرّ بنا محمّد ابنه، فقلت له: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: (لا، صاحبكم بعدي الحسن) )) (4) . ثمّ إنّ هذه الرواية ظاهرها يخالف ما يعتقده الشيعة في البداء، من أنّه: إظهارٌ لعلم الله، لا تبدّل فيه. ومن هنا نجد أنّ الشيخ الطوسي(رحمه الله) ذهب إلى تأويلها في كتابه (الغيبة)، قال: ((ما تضمّن الخبر المتقدّم من قوله: (بدا لله في محمّد كما بدا له في إسماعيل)، معناه: ظهر من أمر الله وأمره في أخيه الحسن ما أزال الريب والشكّ في إمامته؛ فإنّ جماعة من الشيعة كانوا يظنّون أنّ الأمر في محمّد، من حيث كان الأكبر، كما كان يظنّ جماعة أنّ الأمر في إسماعيل بن جعفر دون موسى(عليه السلام)، فلمّا مات محمّد أظهر أمر الله فيه، وأنّه لم ينصّبه إماماً، كما ظهر في إسماعيل مثل ذلك، لا أنّه كان نص عليه، ثمّ بدا له في النص على غيره؛ فإنّ ذلك لا يجوز على الله تعالى العالم بالعواقب)) (5) . والظاهر من الشيخ الطوسي أنّه لم يقارن ما رواه في (الغيبة) مع ما رواه الكليني في (الكافي)، أو أُستاذه المفيد في (الإرشاد). ثمّ إنّ هذه الرواية تخالف ما رود عند الشيعة متواتراً من أسماء الأئمّة(عليهم السلام) واحداً فواحداً. وقد ذهب البعض إلى طرحها بدل التأويل الذي أشار إليه الشيخ الطوسي آنفاً، كما جاء في (شبهات وردود) للسيّد سامي البدري، من أنّ: هذه الرواية تشتمل على ما يوجب طرحها، لا تأويلها؛ إذ قال الراوي فيها: ((وقد كان أشار إليه ودلّ عليه))، أي: أنّ الهادي قد أشار إلى ولده محمّد(رحمه الله) ودلّ عليه، كما أشار أبو عبد الله(عليه السلام) من قبل إلى إسماعيل ونصّبه، وممّا لا شكّ فيه أنّ أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) لم ينصّب ولده إسماعيل للإمامة، بل هذه الدعوى هي دعوى الإسماعيلية، ثمّ رُبطت بالبداء وجُعلت مثالاً له من قبل المغرضين؛ لتشويه مسألة البداء عند الشيعة الإمامية، وقد أجمع الشيعة على تكذيبهم في تلك الدعوى.. قال الشيخ المفيد: وأمّا أمر الإمامة، فإنّه لا يوصف الله فيه بالبداء وعلى ذلك إجماع الإمامية، ومعهم فيه أثر عنهم(عليهم السلام) أنّهم قالوا: مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبيّ عن نبوّته، ولا إمام عن إمامته (6) . على أنّه يمكن ردّ دعوى الطرح هذه بما ورد في النص الآخر للرواية في (الكافي)، و(الإرشاد)، وما ورد في (إثبات الوصية)؛ إذ لم ترد فيها العبارات المذكورة، فيمكن المعالجة من هذه الناحية وقبول الرواية بالمتن الوارد في (الكافي)، الذي لا يتعارض مع مبتنيات الشيعة. ودمتم في رعاية الله