احمد - الأردن
منذ 4 سنوات

 هل تثبت إمامة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بآية: (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) ؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد، قامت عقيدة الشيعة - الرافضة - على أنّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) قد تمّ تنصيبه من قبل الله تعالى, فاعتقادهم: أنّ هذا منصب إلهي لا تجوز الشورى فيه، ويجب على الناس التسليم به, ثمّ طرح سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالكامل بحجّة سقوط عدالة ناقليها بسبب عزوفهم عن نصرة وبيعة الإمام الإلهي؟! لكن...لأنّ الله تعالى قد أنزل كتابه وجعله هدى ونور, فقد ضرب لنا مثلاً بحادثة فريدة وقعت مع أُمّة سابقة لنا من بني إسرائيل, حيث طلبوا من نبيّ لهم - لم تسمّيه الآيات - أن يبعث لهم ملك يسوقهم لقتال عدوهم, وقد كان, لكن هذا الملك لم يكن عن اختيار من النبيّ بل كان اختياراً واصطفاءً من الله تعالى، كان حسب تعبير الشيعة... ملك مُنصّب من قبل الله تعالى. فكيف نصّب نبيّهم هذا الملك عليهم؟ وكيف قطع الله حجّة من نازعه؟ وهل أثر على ملكه معارضة قومه وتخلّيهم عنه عند القتال؟ تعالوا بنا نقرأ الآيات الآتية من سورة البقرة: (( أَلَم تَرَ إِلَى المَلإِ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ مِن بَعدِ مُوسَى إِذ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابعَث لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِل فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَل عَسَيتُم إِن كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَد أُخرِجنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنهُم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أَحَقُّ بِالمُلكِ مِنهُ وَلَم يُؤتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ وَاللّهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُم نِبِيُّهُم إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُم وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُم إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَن لَّم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغتَرَفَ غُرفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنهُم فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفرِغ عَلَينَا صَبراً وَثَبِّت أَقدَامَنَا وَانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ المُلكَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَولاَ دَفعُ اللّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضلٍ عَلَى العَالَمِينَ * تِلكَ آيَاتُ اللّهِ نَتلُوهَا عَلَيكَ بِالحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ المُرسَلِينَ )) (البقرة:246-252). والآن لي هذه الملاحظات: 1- أنّ تنصيب طالوت وجعله ملكاً على بني إسرائيل كان بخطاب نبويّ واضح وصريح وموجز يؤكّد حقيقتين: أ - أنّ طالوت ملك. ب - أنّ الله تعالى هو الذي نصّبه. فكان الخطاب النبويّ بليغ وبسيط بجملة قصيرة: (( إِنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً )) ، وهذه جملة بسيطة وبليغة للحدّ الذي لا يستطيع أحد أن يضع لها تفسيرين أو احتمالين, وبالتالي فإنّ جدال بني إسرائيل الذي وقع بعد هذه الجملة لم يكن أبداً حول معناها أو مراد النبيّ بها, لا, بل كان على اختيار طالوت بالذات ليكون ملكاً عليهم مع افتقاده لمؤهّلات الملك بنظرهم وتوفّرها في غيره. 2- كان ردّ نبيّ بني إسرائيل على اعتراضهم بتأكيد حقيقة أنّ طالوت مُختار من قبل الله تعالى وليس من قبل النبيّ، فقال لهم: (( إِنَّ اللّهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم ))  و (( وَاللّهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ )) . 3- تدخّل المولى عزّ وجلّ لإثبات صدق نبيّه ولإثبات أنّ طالوت منصّب بتنصيب إلهي, فأرسل لهم آية واضحة معجزة قطعت جدالهم واعتراضهم, (( إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ )) .. وبعدها لم يكن هناك اعتراض أو جدال, فسلّم بنو إسرائيل أمرهم للملك الجديد وساروا ورائه لملاقاة عدوّهم. 4- حارب طالوت عدوّه وانتصر عليه بالرغم من كونه أضعف جنداً, ولم يكن هذا النصر لولا تأييد الله له، (( فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ اللّهِ )) ، وبذلك النصر قد أكّد طالوت على أنّه ملك منصورٌ, لم تفلح معه معارضة بنو البشر, أي: أنّ معارضة قومه وتخلّي الكثرة عنه لم يكن مبرّراً أو سبباً يدعو إلى فشله. وعند مناقشة عقيدة الشيعة في ضوء هذه الآيات البيّنات, نفاجأ بالتالي: 1- افتقادهم لنصّ يقول صراحة أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب هو الذي يجب أن يتولّى الحكم بعد الرسول الكريم مباشرة. 2- افتقادهم لنصّ يقول أنّ تنصيب الإمام عليّ للحكم كان بأمر مباشر من الله - أي: كان تنصيب إلهي وليس اختيار بشري ــ. 3- افتقادهم لوجود آية إلهية تؤكّد كون الإمام عليّ بالذات هو الذي اختاره الله تعالى لتولّي الحكم خلفاً للرسول، وافتقادهم هذا خطير بالدرجة التي يصبح معتقدهم معها عبارة عن طعن مستتر في الله تعالى وفي رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم). الطعن في رسول الله: إذ لو كان عليّ بن أبي طالب مُنصّب حاكماً عامّاً على المسلمين من قبل الله تعالى, وفي نفس الوقت ما قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنّ عليّ بن أبي طالب حاكم, ولا قال: أنّ الله تعالى هو الذي ولاّه حكم المسلمين من بعده, وهي الحقائق البليغة التي أدّتها جملة بسيطة من نبيّ بني إسرائيل عندما قال: (( إِنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً )) ، بل عدل رسولنا إلى جملة أُخرى تفيد أكثر من احتمال, وأثارت جدالاً لم ينته إلى الآن، منذ أن برزت للوجود فرق الشيعة واحتجّت بـ(مَن كنت مولاه فعلي مولاه)، فأخذ الناس يفسّرون (مولاه) كلاًّ حسب التفسير الموافق لمذهبه! الشاهد: أنّ مقارنة نصّ نبيّنا مع نصوص نبيّ بني إسرائيل (( إِنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً )) ، و (( إِنَّ اللّهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم )) (و) (( وَاللّهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ )) (و) (( إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ )) تجعل نتيجة المقارنة في غير صالح الرسول الكريم. وهذا بالطبع تُعدّ طعناً في بلاغ الرسول إن أُريد به ما ذهبت إليه الشيعة؛ لكونه بلاغ عاجز عن قصر وحصر مراده وهدفه, ولكون بلاغ مَن قبله من أنبياء بني إسرائيل أبلغ منه وأفصح وأنصح لقومهم من رسولنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وهذا محال عقلاً وشرعاً. ولا يقتصر الطعن على العجز عن التبليغ فقط, بل يتعدّاه إلى استيعاب وفهم الرسول عليه الصلاة والسلام لما يتلوه ويُبلّغه من آيات الكتاب المُنزّلة عليه؛ إذ أنّ الذي بلّغ لنا حادثة بني إسرائيل السابقة هو الرسول نفسه, وبالتالي فإنّ المثل الذي ضربه الله تعالى لرسولنا الكريم عن تبليغ نبيّ بني إسرائيل لهذا الأمر يلزم منه - حسب معتقد الشيعة - عدم استيعاب رسولنا الكريم له وعدم انتفاعه به.. حاشا لله. ولا يُخرج الشيعة من هذا الطعن في رسول الله إلاّ بـ: 1ـ وجود نصّ آخر عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول فيه صراحة أنّ عليّ بن أبي طالب حاكم عامّ على المسلمين مُنصّب من قبل الله تعالى.. نصّ لا يقلّ صراحة ووضوحاً عن نصّ تنصيب طالوت, فإن كان هذا النصّ موجوداً، فليأتوا به, وإن لم يكن موجوداً، فالزعم بتنصيبه لا يعني إلاّ الطعن المزدوج في بلاغ الرسول وفي استيعابه للقرآن الكريم معاً. 2ـ أن يخرج تولّي الحكم (المُلك) من مهام الإمام.. وبالتالي يكون هذا هو المبرّر المنطقي لحيدة الرسول الكريم عن مثل نصّ يقرّر صراحة أنّ عليّ بن أبي طالب هو الذي يجب أن يتولّى الحكم بعده, وهذا لا يسع الشيعة بحال؛ إذ سيوقعهم في ورطة كبيرة، تعني هدم دينهم بالكامل. ومن نافلة القول أن نقول: أنّ طعنهم للرسول عليه الصلاة والسلام يمتد, فيشمل كون رسولنا الكريم قد فشل في ما نجح فيه نبيّ سابق له.. نبيّ لم يذكر القرآن الكريم حتّى اسمه!! فأين المخرج, وما العمل يا شيعة؟ الطعن في الله تعالى: مع التسليم بأنّ الآية الإلهية لتنصيب طالوت على قومه قد قطعت أيّ جدال حوله, وجعلت قومه ينساقون وراءه بدون نزاع, فإنّ الزعم بكون الإمام عليّ مُنصّب من قبل الله تعالى مع فقده لنظير هذه الآية, يعني ببساطة أنّ الله تعالى لم يعامله نفس معاملة طالوت؛ فهو سبحانه لم يؤيّده بآية إلهية, وليس هذا فقط, بل لم ينصره على من نازعه الإمامة، ولا على من حاربه أيضاً, ممّا أدّى في النهاية لفشل الإمام الإلهي في تولّي الحكم وتأدية مهمّته الإلهية؟ فهل طالوت أعزّ على الله تعالى من الإمام عليّ، بالرغم ممّا تنسبه له الشيعة من جاه وولاية كونية؟ أم أنّ الحكم وتولّي شؤون البلاد خارج عن مهام وعمل الإمام؟ ببساطة شديدة.. يُعزى فشل الإمام في تولّي الحكم لانعدام التأييد الإلهي له, وفشل الإمام بالتالي سيؤدّي إلى ضلال الناس والعباد، فكيف يصحّ هذا مع حرص الربّ العليّ العظيم على هداية الناس، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتأييد رسله بالمعجزات، واستخلاف أولياءه في البلاد. سبحانك هذا بهتان عظيم! ولا أظنّ الشيعة تجرؤوا على الزعم بوجود آية إلهية على غرار الآية التي نصرت طالوت على قومه, فمثل هذه الآية لا ذكر لها في أحوج المواقف لذكرها؛ فقد سبق الإمام عليّ ثلاثة خلفاء لم يعترض أحد عليهم أبداً بمثل هذه الآية, بل إنّ النزاع على من يتولّى الأمر انحصر في رجال لم يكن من بينهم من زعموا بأنّه مُنصّب تنصيب إلهي؟! فسبحان الله! كيف لم ينازع في تولّي الأمر من أُيّد بنصّ وآية إلهية, ونازع فيه غيره ممّن يفتقر إلى مثل ذلك؟ فهل يا تُرى نزلت هذه الآية فغفل عنها الناس، أم أنّها لم تنزل أصلاً؟ لا ريب أنّ مثل هذه الآية لم تكن ولم تنزل من أساسه, والدليل القاطع على ذلك هو: أنّ الإمام عليّ نفسه لم يحتجّ بوجود مثل هذه الآية أبداً. الإمام عليّ مُنصّب من قبل الله تعالى... سبحانك هذا بهتان عظيم..


الأخ احمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ روح الاستدلال في هذه المناقشة منصب على مسألة واحدة، وهي: عدم وجود آية صريحة تنصّ على خلافة عليّ(عليه السلام) وإمامته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل, كما هو الحال (المدّعى) في تنصيب طالوت الذي جاء خبره في القرآن الكريم.. ونحن سنجيب عن هذا الاستدلال مباشرة, وأيضاً سنجيب عن بقية المداخلات التي بثّها المناقش في استدلاله بغية إيقافه على الحقّ الحقيق في هذه القضية: أمّا دعوى عدم وجود آية صريحة تنصّ على تنصيب الإمام عليّ(عليه السلام) بالاسم, فهذا نسلّم به، ولكن ندّعي بوجود نصّ صريح على تنصيب عليّ(عليه السلام) في القرآن بالصفة، كما سيأتي, وبالتالي فهذه الدعوى لا تعني أنّه لا يوجد دليل على تنصيبه وإمامته! فهذا جهل فاضح لمن يدّعي مثل الكبرى الكلّية التي يكون مفادها: عدم التصريح دليل على التصريح بالعدم.. فهل عدم النصّ والتصريح في القرآن الكريم بكون صلاة الصبح ركعتين معناه لا حجّية لما صرّح به النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبيّنه من عدد ركعات هذه الصلاة وبقية الصلوات؟! هل ترى أحداً يقبل بذلك ويعمل به من علماء وفقهاء، بل من عوام الناس وبسطائهم؟! فهذا النقض كافٍ لوحده في نسف هذا الاستدلال من أساسه، وعدم إتعاب النفس في تجشّم عناء الردّ عليه؛ لأنّه مبتنٍ على تصوّر خاطئ في بيان حجيّة الأدلّة. إذ من الثابت أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود, وعدم التصريح لا يدلّ على التصريح بالعدم.. فكيف ساغ لصاحبنا سوق هذا الاستدلال وهو على شفا جرفٍ هار؟! ومع ذلك نقول: توجد أدلّة قرآنية على إمامة عليّ(عليه السلام) كما هو الشأن في الأدلّة القرآنية الدالّة على وجوب الصلوات والزكاة والخمس والحجّ والكثير من الأحكام. بل نقول: هناك دليل على إمامة عليّ(عليه السلام) أوضح من أدلّة الأحكام التي أشرنا إليها, وهو بمعونة القرائن المقالية والحالية - أي: ما وقع في الخارج فعلاً - يكون كالنصّ في الدلالة على إمامة عليّ(عليه السلام), ونعني بذلك: آية الولاية، الواردة في سورة المائدة، والتي جاء فيها: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) ، فهذه الآية الكريمة قد دلّت على حصر الولاية - لمحلّ (إنّما) التي تفيد الحصر بالإجماع - بموارد ثلاث: الله، ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمؤمنون الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون, ومن المعلوم أنّه لا يتصوّر الإنشاء في هذه الآية، لأنّه ينافي دعوى الحصر في الآية أوّلاً ... المزید وينافي مناسبات الحكم والموضوع ثانياً. لأنّ منصب الولاية الخطير، الذي يعني: القيادة والزعامة الدينية - والتي تدخل ضمنها الزعامة الدنيوية بالأولى - لا يُتصوّر أن يبيحه الله سبحانه هكذا لمن يقيم الصلاة ويأتي الزكاة وهو راكع, فهذا المعنى من الولاية يمكن أن يدّعيه أي شخص يفعل ذلك، وبالتالي من حقّه أن يصرّح - بموجب هذه الآية - أنّني ولّي المؤمنين، وولايتي كولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فهل يعقل هذا؟! فكون المراد من الآية المعنى الإنشائي أمر غير متصوّر في المقام.. فالآية تدلّ على الإخبار عن واقعة معيّنة حصلت في الخارج، كانت مصداقاً للولاية، تضاهي ولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).. وهذه الحادثة بإجماع المفسّرين كانت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام) دون غيره، وقد ورد في شأنها من الأسانيد الصحيحة والحسنة والطرق المختلفة.. ما يتحصّل منه التواتر. فمثلاً: تجد مثل ابن أبي حاتم يروي في تفسيره - الذي يصرّح ابن تيمية بأنّه لا يروي الموضوعات - يرويه بطرق، ومن طرقه: أبو سعيد الأشجّ, عن الفضل بن دكين, عن موسى بن قيس الحضرمي, عن سلمة بن كهيل - وهؤلاء كلّهم ثقات - بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام) (1) . وأيضاً يروي الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) بسند صحيح نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) (2) , وكذلك يروي السيوطي في (الدرّ المنثور) عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم، نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) (3) . وقال الجصّاص في (أحكام القرآن): ((روي عن مجاهد، والسدّي، وأبي جعفر، وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمة وهو راكع)) (4) . وذكر ذلك أيضاً: الواحدي في (أسباب النزول) (5) , والسيوطي في (لباب النقول في أسباب النزول) يرويه عن الطبراني, ثمّ ذكر شواهد، وقال بعدها: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً)) (6) . وأيضاً: ابن كثير في تفسيره يرويه بعدّة طرق، ومنها: الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم (7) , وأيضاً ذكر ذلك: القرطبي في (جامع أحكام القرآن) (8) , والنحّاس في (معاني القرآن) (9) . ولعلك تسأل وتقول: كيف صحّ أن يكون المراد بالذين آمنوا: عليّاً(عليه السلام) واللفظ لفظ جماعة؟ نقول: يجيبك عن ذلك ذوي الاختصاص من أهل البلاغة؛ قال الزمخشري في تفسيره (الكشّاف) - الذي اعتمده لبيان أسرار بلاغة القرآن الكريم - عن هذا المعنى بالذات, وفي خصوص الآية الكريمة نفسها: ((جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغّب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه)) (10) . فهذه الآية مع الاطّلاع على أسباب النزول ألا تُعدّ نصّاً صريحاً في ولاية عليّ(عليه السلام) المساوقة لولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حصراً، والتي تعني القيادة والزعامة وولاية الأمر؟! وأيضاً حديث الغدير الوارد فيه: (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) لا يُعدّ حديثاً مجملاً، أو أنّه يراد بكلمة (مولاه) المحبّة والنصرة, بل هو حديث محكم واضح المراد، واستعمال اللفظ المشترك فيه كان مع معونة القرينة اللفظية، بل المقامية والحالية، الدالّة على ولاية الأمر دون المعاني كلّها.. فهل تراه يعقل أن يقال: في حقّ سيّد البشرية وإمام العقلاء والمتّقين النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه جمع الناس في ذلك اليوم القائظ الموصوف بشدّة الحرّ وقد أمر بحبس الحاضر وإرجاع المسافر، ثمّ يقوم خطيباً فيهم ليقول لهم كلاماً مجملاً لا يفهمون منه ما يريده رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! هل يعقل ذلك؟! إنّ هذا المعنى يرفضه العقلاء على مستوى الجماعة الصغيرة؛ فربّ الأُسرة الذي يستدعي بضعة أفراد من أسرته ويطلبهم لاجتماع خاص, ثمّ يكلّمهم بكلام لا يفهمون منه ما يريده.. فهذا لا يقبله العقلاء في حقّ أبسط الناس، فكيف بسيّد الكائنات وأفصح من نطق بالضاد؟! فالقرينة المقامية توجب أن يكون الاجتماع والخطاب لأمر هامّ، ولا تنصرف سوى إلى مسألة تثبيت الخلافة وولاية الأمر من بعده.. فهذا هو الأمر الوحيد المتبقّي من القضايا التي كان على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) توضيحها وتبيينها للأُمّة, وخاصّة وقد اقترب موعد الرحيل والفراق.. بل القرينة اللفظية حاكمة بهذا المعنى؛ فراجع النصوص التي روت هذه الحادثة - أي: حادثة خطبة الغدير - لتجد قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل النص المتقدّم (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه): (ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه).. فهذه قرينة لفظية واضحة في بيان المعنى المراد من كلمة (مولى) في الحديث المذكور - فمعنى: أولى بكم من أنفسكم، هو: ولاية الأمر.. وهو يعني في بيان الحديث: من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه... وهذا معنى واضح يلاحظه المتتبّع المنصف المتجرّد من الأُمويات والرواسب الاجتماعية التقليدية, الراغب في الوصول إلى الحقيقة دون غيرها. وأيضاً إضافة لما ذكرناه، نقدّم دليلاً آخر، هو: نصّ نبوي ساطع كالشمس في رابعة النهار في خلافة عليّ(عليه السلام)، وقيادته للأُمّة بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وهو: قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ(عليه السلام): (أنت يا عليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة).. وهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي رواها أحمد في (مسنده) (11) , والحاكم في (المستدرك) (12) ، والذهبي في (التلخيص) (13) , وأبو داود الطيالسي في (مسنده) (14) , والطبراني في (المعجم الكبير) (15) , وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق) (16) , وابن حجر في (الإصابة) (17) , وابن كثير في (البداية والنهاية) (18) ، وهكذا غيرهم الكثير الكثير.. ولصحّة سنده لم يناقش ابن تيمية فيه من هذه الناحية - على خلاف عادته من التشكيك حتّى في المتواترات، وخاصّة في ما يتعلّق بفضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) ومناقبه - وإنّما ناقش في المتن، ولكن بطريقة عجيبة وغريبة! تنمّ عن احتقان واضح لما يحمله هذا الرجل في سريرته تجاه أمير المؤمنين(عليه السلام) واتّجاه شيعته. ولمناقشته في قوله مكان آخر. وقال المباركفوري في شرحه على الترمذي في خصوص هذا الحديث: ((وظاهر أنّ قوله: (بعدي) في هذا الحديث ممّا يقوى به معتقد الشيعة)) (19) .. وهذا الكلام تامّ وصحيح. فهنا لا يستقيم تفسير أو تأويل كلمة (وليّ) بأيّ معنى من معانيها المتصوّرة من المحبّة والنصرة أو غيرها، سوى معنى واحد، هو: ولاية الأمر؛ لأنّ المحبّة والنصرة - وهما أقوى ما يمكن ادّعاءه في تفسير هذه الكلمة هنا - لا وجه لتحديدهما بزمان كما هو المستفاد من كلمة (بعدي) في الحديث, فلم يبقَ إلاّ ولاية الإمرة, فهي المعنى الوحيد الذي يناسب توجيه هذا الحديث الصحيح الصادر عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما يشير إليه المباركفوري.. فهل ترى أنّ هذا الحديث لا يُعدّ نصّاً صريحاً في خلافة عليّ(عليه السلام)، وهو محاط بقرائن لفظية تعيّن المراد منه؟!! نترك الإجابة لمن يتمكّن منها.. هذا كلّه بالنسبة للنصوص الصريحة التي تدلّ على خلافة عليّ(عليه السلام) وإمامته.. أمّا بالنسبة للتعليق على ما ورد في كلامك، فنقول: 1- إنّ السبب في عدم قبول أقوال بعض الصحابة ليس بسبب اعتقادهم في الإمامة، بل بسبب كونهم غير ثقات؛ ففي علم الرجال يذكرون أنّ السبب في عدم قبول قول الراوي هو: لعدم الثقة بقوله، لا بسبب معتقده، ولذلك صار عندنا قسم من الحديث يسمّى: الموثّق، وهو: من يكون صاحبه مخالفاً في الاعتقاد مع كونه ثقة, ولعلّه لا أحد يناقش في عدم قبول قول غير الثقة. 2- إنّ هناك وجه للتشابه بين ملك طالوت وإمامة عليّ(عليه السلام)، فالآية تشير إلى أنّ نبيّهم هو الذي بلّغ قومه بملوكية طالوت، فقد قال تعالى: (( وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إِنَّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً )) . وكذلك نقول نحن: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي قال بإمامة عليّ(عليه السلام) وولايته، فقال بنصّ صريح: (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، حتّى قال عمر للإمام عليّ(عليه السلام): ((هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة)) (20) ، وأنّ دلالة كلمة (المولى) واضحة في الزمن الأوّل للرسالة، وإلاّ لما قال أبو بكر: (أنا وليّ رسول الله)، ولما قال عمر: (أنا وليّ أبي بكر) (21) . وإذا قلت: إنّ ملك طالوت ورد في القرآن. فنحن نقول: إنّ القرآن يصرّح: أنّ الذي أخبر قومه هو نبيّهم، ولم يقل القرآن أنّ ذلك ورد في الكتب المنزّلة عليهم؛ ففي كتبهم لم يصرّح بذكره، وأمّا ذكره في القرآن فهو كتاب ينقل لنا ما ورد في الأقوام السابقة لنتّعظ بها؛ فذكره جاء موعظة لنا لا حجّة على بني إسرائيل؛ فهم لا يعترفون بالقرآن. 3- هناك تشابه آخر، وهو: أن حكم كلّ من عليّ(عليه السلام) وطالوت لا بدّ أن يكون بنصّ منه تعالى، وأنّ تبليغ ذلك كان عن طريق النبيّ, فالمُلك الذي هو أحد شؤون الإمامة لم يرتضه سبحانه إلاّ أن يكون من شأنه، فكيف الحال بالإمامة؟ فعند اعتراف قوم طالوت بقولهم: (( أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ... )) ، أجابهم بـ (( إِنَّ اللّهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ وَاللّهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ )) . وكذلك عليّ(عليه السلام) كان يفوق الجميع في العلم وفي قواه الجسمية. 4- التشابه الثالث هو: على الرغم من الصراحة التي نصّب بها طالوت، وكذلك عليّ(عليه السلام) برفع يده في بيعة الغدير ومبايعة أكثر من مئة ألف، إلاّ أنّه مع ذلك حصل الاعتراض على شخصه كما حصل الاعتراض على شخص طالوت. 5- كما حصل التأييد الإلهي لإثبات ملك طالوت، كذلك حصل التأييد الإلهي لردّ الاعتراض على إمامة عليّ(عليه السلام)؛ إذ قال تعالى: (( بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ )) (المائدة:67). 6- كما كانت هناك آيات تدلّ على ملك طالوت وهي ليست آيات نزلت في كتبهم بل هي من قول نبيّهم؛ إذ قال تعالى: (( وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم )) , وكانت آية التابوت، فكذلك ظهرت من المعاجز لعليّ(عليه السلام) ما ثبت تفوّقه على غيره، إذ رُدّت له الشمس، وكان يكلّم الموتى، وردّ عليه أصحاب الكهف, وغير ذلك من الكرامات. 7- كما أيّد الله تعالى طالوت بالنصر على أعدائه، كذلك أيّد عليّاً(عليه السلام) في حياة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعد مماته بالنصر، فشارك في أغلب معارك الرسول وانتصر فيها، وكذلك انتصر في كلّ المعارك بعد ممات الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهزم الناكثين والمارقين والقاسطين, وكما قتل طالوت جالوت قتل عليّ(عليه السلام) عمرو بن ودّ، ومرحب، وطلحة، والزبير، وغيرهم. 8- كما لم يؤثـّر قلّة أنصار طالوت على بقاء ملكه، كذلك لم يؤثـّر قلّة المتابعين لإمامة عليّ(عليه السلام) في استمرار إمامته، فهو على الرغم من قلّة الناصرين في زمن من غصب حقّه بقي إماماً، ومارس إمامته حتّى بويع أخيراً ورجع الحقّ إلى أهله، فصار له الحكم، لتتمّ بذلك إمامته الدينية والدنيوية. 9- نحن نقول: إنّ النصّ القاطع موجود على إمامته، سواء من القرآن أو السُنّة النبوية، وقد ذكرنا بعضها في أوّل كلامنا، ومن تلك النصوص أيضاً: قوله تعالى: (( يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) , وقوله تعالى: (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً )) (المائدة:3).. ومن السُنّة: حديث الغدير، وحديث الثقلين، وحديث اثني عشر خليفة، وحديث الدار، وحديث المنزلة، وغيرها. 10- ليس هناك طعن في رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ الرسول بلـّغ ما أُنزل إليه في مواطن عديدة، وأشار إلى إمامة عليّ(عليه السلام) في أكثر من واقعة، من يوم الدار إلى يوم الغدير، وذكر فضائل لعليّ(عليه السلام) في أقوال متعدّدة، لا نبالغ إن قلنا العشرات، بل المئات، وبنصوص صريحة، وإنّما ناقش فيها من أراد أن يحرف كلام رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن مراده. 11- إنّ من مهام الإمام: الحكم، وقد أكّد على ذلك رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقعة الغدير؛ إذ قال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)؟ فقالوا: بلى، حيث أقرّوا لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ له السلطة والولاية عليهم، فقال عندها: (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، فمعناه: أنّ الولاية الثابتة لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - ومنها: السلطة - هي نفسها ثابتة لعليّ(عليه السلام). 12- أنت تفترض أنّ آية ملك طالوت نزلت لتوضّح لبني إسرائيل ملكه، في حين نحن قلنا: إنّ البلاغ لبني إسرائيل جاء عن طريق نبيّهم، وسبب وضوح الآية هو: الأخبار عن واقعة تاريخية حصلت سابقاً، وليس فيها منازع، ولو كان هناك منازع لجعل عليها ألف إشكال وإشكال. 13- لم يحصل أيّ فشل في تنصيب عليّاً(عليه السلام) للحكم؛ لأنّ حكمة الباري عزّ وجلّ أرادت أن يكون حكمه عن اختيار وقبول من قبل الصحابة، وإذا لم يحصل القبول وحصل اغتصاب الخلافة، فإنّ لله حكمة في ذلك أيضاً، وهي: اختبار القوم وإبراز الظالم منهم وإظهار صبر المظلوم. وليس تنصيب الولي حكم تكويني حتّى لا يتخلّف ويكون حتمي الوقوع، وإنّما حكم تشريعي يطلب من المكلّفين تنفيذه بالاختيار لا بالإجبار، وإلاّ سقط التكليف. 14- إنّ اختبار الإمام عليّ(عليه السلام) باعتباره الأفضل من بقية الأوصياء يكون بدرجة أعلى، فإذا جاء له الحكم بعد ثلاثين سنة، فلأجل أنّه أعلى رتبة؛ إذ استطاع قبول هذا الاختبار والصبر على ذلك. 15- إنّ عدم قبول الناس للإمام ليس بسبب عدم التأييد الإلهي للإمام، بل الإمام مؤيّد ومسدّد من قبل الله دائماً، وإنّما السبب في ذلك هو: إصرار الظلمة على ظلمهم، نعم، يستطيع الباري عزّ وجلّ إجبارهم على قبول إمامته، لكن حكمة الباري عزّ وجلّ اقتضت عدم الجبر وإلاّ لما تميّز الخبيث من الطيب. 16- على الرغم من الآية الواضحة التي تقولها بحقّ طالوت، نقول: لو سلّمنا أنّ قول الله سبحانه وتعالى بالآيات التي نزلت على نبيّ طالوت(عليه السلام) كان واضحاً، أو قول نبيّهم لهم كان واضحاً، فمع ذلك لم يؤمن به إلاّ قليل؛ والدليل قوله تعالى: (( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَن لَّم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغتَرَفَ غُرفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنهُم )) . 17- لقد نازع الإمام عليّ(عليه السلام) في مواقف متعدّدة حقّانيته بالخلافة، والحكم منها، حين اجتمع الستّة لاختيار خليفة بعد عمر، وكذا في حديث المناشدة في الرحبة، وبعد وفاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع فاطمة(عليها السلام) حين داروا على بيوت الأنصار، وغير ذلك، فما تزعمه من أنّ صاحب الشأن لم يحتجّ على غيره بحقّه كلام غير صحيح. ودمتم في رعاية الله

1