فائدة معرفة خليفة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)
توجد شبهة لحديث: (أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي ومؤمنة)، وهي: أنّ (من بعدي) ليس من الضرورة أن تكون بعدية بلحاظ الزمان، أي: لماذا تفرضونها بمعنى: بعد رحيل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقد يكون المعنى: أنت ناصر ومحبّ لكلّ مؤمن ومؤمنة من بعدي بلحاظ الرتبة، أي: أنا ناصر ومحبّ للمؤمنين بالدرجة الأُولى، ثمّ أنت..
وفي هذه الحالة لا يترتّب على الحديث الالتزام بالولاية التي عند رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (الأحزاب:6)، وأيضاً لا ينتج عنه منزلة الإمامة الإلهية وأنّها نصّ.
وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه؛ فبقية المؤمنين أولياء بعضهم البعض، وهذا الحديث جاء لرفع ودفع ما قاله أحد الصحابة حينما رأى الإمام أخذ من الخمس وظنّ أنّه أساء بذلك، فأخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأزال ما علق في الأذهان، وكما قلت: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وإنّما غاية ما يمكن قوله: أنّها فضيلة للإمام عليّ(عليه السلام)، لا أنّ فيها النصّ الصريح بإمامته وأولويته على المؤمنين من أنفسهم..
وتمادى بالقول أنّ هذه الروايات والفضائل التي تروى في حقّ الإمام عليّ غاية ما يمكن القول فيها: أنّ فيها بيان أنّ هذه الشخصية جيّدة وصالحة ومرشّحة للقيادة والزعامة من بين قيادات أُخرى، أشاد بها النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كسلمان وأبو ذرّ وغيرهم من كبار الصحابة الأفاضل، وليس فيها تنصيص وإخبار من الله بولايته وخلافته الإلهية على الناس، وأنّه يجب الاعتقاد بذلك بعد رحيل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الأخ صالح المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في جواب الشبهة الأُولى نقول:
لأنّ المعنى الذي نقوله هو الظاهر، فإنّ البعدية تستعمل في كلام العرب للزمان وخلاف ذلك يحتاج إلى قرينة، فما نقوله من معنى هو المتعيّن.. وأمّا ما ذكر من تأويل للحديث فهو بعيد، ولا يمكن المصير إليه إلاّ مع القرينة؛ لأنّه خلاف الظاهر، ولا يصحّ المعنى المذكور إلاّ إذا كانت هناك صيغة تفضيل حتّى يكون عليّ(عليه السلام) بالرتبة الثانية بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فاستعماله في معنى البعدية في الرتبة دون صيغة التفضيل خطأ، ولا يمكن الأخذ به. ثمّ إنّ الأحاديث التي تضمّنت هذا النصّ (أي: البعدية) فيها قرينة على المعنى الذي نذكره للوليّ، وهو: كونه الحاكم بعده، فمثلاً: بعد أن يستخلفه على المدينة في غزوة تبوك يقول له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، ثمّ يقول له: (إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي) (1) ، فالبعدية هنا من خلال ملاحظة الزمان المذكورة في: (ليسَ بعدي نبيّ)، وكذلك: (أذهب وأنت خليفتي)، لا بدّ أن تكون زمانية، والذي يقول خلاف ذلك ما هو إلاّ مكابر! وأمّا جواب الشبهة الثانية: من أنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فإنّه بعد أن ثبت أنّ المراد بالبعدية هي: البعدية الزمانية، ثبت الاختصاص؛ إذ لا يمكن أن يشترك مع عليّ(عليه السلام) في ذلك غيره؛ لأنّه لا يتّسق مع البعدية الزمانية، فالاشتراك، لو كان، لا يفرق فيه زمان حياة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزمان وفاته. ثمّ إنّ الظاهر من هذه الشبهة الثانية، أن لا علاقة لها بالشبهة الأُولى، وإنّما جاءت على معنى الاشتراك بالولاية التي هي مثل ولاية المؤمنين، وإلاّ فإنّ التفضيل بالرتبة يناقض الاشتراك أيضاً.
وعلى كلّ حال، فالبعدية الزمانية تنفي أنّ المراد من الوليّ معنى: الناصر. والوليّ بمعنى: الأولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي: الحاكم، ينفي الاشتراك في الولاية مع المؤمنين؛ فإنّ الأولى بالأمر واحد، ولا معنى لأن يكون اثنين فضلاً عن المؤمنين كلّهم. وبغضّ النظر عن كلمة (بعدي) في الحديث، فإنّه لا يمكن أن يحتمل الاشتراك في الولاء مع المؤمنين في هذا الحديث؛ إذ عند ذلك لا يصلح أن يكون جواباً من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دفاعاً عن عليّ(عليه السلام) لاختصاصه بأخذ الجارية، فإذا كانت الولاية مشتركة للمؤمنين فلماذا أخذ عليّ(عليه السلام) الجارية وحده؟!
وما معنى جواب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذاك؟ فإنّ لبريدة أن يقول للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): وأنا أيضاً وليّ المؤمنين، والبقية أيضاً أولياء، فلماذا أخذ عليّ الجارية؟!
فلا يصحّ دفاع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ إذا كان الوليّ هنا بمعنى الأولى بالأمر، وأنّكم لا أمر لكم معه بعدي، بل في حياتي أيضاً؛ لأنّ أخذ الجارية كان في حياة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فلاحظ وتأمّل!
ودمتم في رعاية الله