الشبهة حول خلافة الامام علي عليه السلام
لقد وجدت هذا في أحد المنتديات, فما ردّكم عليه؟ ************************* إذا فرضنا أنّ الإمامة نص عليها الله تعالى, ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنجد الآتي: 1- أنّ عليّاً(كرّم الله وجهه) رفض أن يصبح خليفة بعد استشهاد عثمان بن عفّان. 2- أنّ عليّاً(رضي الله عنه) أصبح وزيراً في عهد أبي بكر الصدّيق, فهذا يخالف النصّ. 3- أصبح عليّاً(كرّم الله وجهه) والياً عند فتح المقدس والشام في عصر عمر. فماذا يعني لك النصّ في الولاية؟! هل تعتقد بمن استطاع أن يخترق بصره عرش الرحمن (والعياذ بالله) والثرى في الأرض, أن يعجز أن يأخذ الولاية؟ فماذا يعني لك النصّ بالولاية؟! هل تعتقد بمن فتح خيبر بضربة سيفه, حتّى عجز جبريل(عليه السلام) أن يمسك يده, لكي لا يصل سيفه إلى سابع أرض.. بعاجز أن يأخذ الخلافة؟! فماذا يعني لك النصّ بالولاية؟! هل تعتقد أنّ عليّاً(كرّم الله وجهه) بعاجز؟!. *************************
الأخ احمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ ما ذكرت فيه عدّة تساؤلات, أو إن شئت فسمّها إشكالات:
أوّلها: وهو لماذا رفض عليّ(عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان؟
وهذا ما سنأتي إلى تفصيله. ثانيها: أنّ عليّاً(عليه السلام) أصبح وزيراً في عهد أبي بكر.
وهذا كذب محض لا يسنده أي شاهد تاريخي ضعيف، فضلاً عن أن يكون صحيحاً.. فعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لم يصبح وزيراً في يوم من الأيام لأبي بكر، أو عمر، أو عثمان, وهذه افتراءات وتقوّلات جاءت من أتباع ابن تيمية. ثالثها: أصبح عليّ(عليه السلام) والياً لبيت المقدس عند فتحها في عهد عمر.
وهذا من المضحكات.. فهو مثل سابقه دعوى لا دليل عليها, وزوبعة كلام يتشدّق بها أتباع ابن تيمية, بلا سند أو عمد, كشيخهم الذي كثرت ادّعاءاته بدون سند ولا دليل. الرابعة: الربط بين فضائل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وخصوص الشجاعة منها، وبين عدم أخذه للسلطة ومغالبته عليها.
وبتعبير آخر: الاتّكاء على نظرية الاستبعاد؛ فإنّ من كان في الشجاعة ما يذكر له(عليه السلام) في الفتوحات والحروب, كيف يُغلب؟! وكيف يؤخذ حقّه في السلطة؟!
وهذا الاعتراض متوقّف على فهم الإمامة في القرآن الكريم والسُنّة المطهرة, والتي بنى عليها المذهب الشيعي الاثني عشري أُسسه, والأخ صاحب هذا المقال باعتبار كونه يعيش ذهنياً في نظرية مدرسة الخلفاء التي صوّرت الإمامة مساوية للحكومة والسلطة, فلأجل ذلك يحتاج تفهيمه إلى شرح ما, وبيان للموضوع. أمّا التساؤل الأوّل: وهو لماذا رفض عليّ(عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان؟
الجواب: إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وسرنا مع الأحداث, نعرف السبب الذي دعا عليّ(عليه السلام) أن يرفض. وإليك بيان موجز من ذلك:
الإمامة التي يطرحها القرآن الكريم والسُنّة النبوية والتي سار عليها المذهب الاثني عشري, تعني رئاسة عامّة على أُمور الدين والدنيا, أي: القيومية الكاملة من قبل شخص، وهو الذي يسمّى إمام على سائر المخلوقات, وهو المتصرّف لأُمورهم الدينية والدنيوية, أي: هو العارف بالأحكام والمبيّن لها, والذي يسوس الرعية, وهو الذي يحملها على ما يراه, قال الله تعالى مخاطباً إبراهيم(عليه السلام): (( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124), وقال تعالى: (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا )) (فاطر:32), وقال سبحانه وتعالى: (( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ )) (الزخرف:28), وقال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55), إلى غيرها من الآيات الكثيرة الناطقة بالولاية والإمامة والخلافة الإلهية. ومن الواضح أنّ هذه الخلافة لا تساوي الحكومة بالمفهوم الذي فسّرته مدرسة الخلفاء للإمامة, وذلك واضح في القرآن الكريم, إذ أنّه جعل إبراهيم إماماً مع أنّه لم يكن حاكماً ولم يستلم حكومة بعد, فالإمامة لو كانت بمعنى الحكومة التي نفهمها الآن لَما كان إبراهيم إماماً، مع أنّه إمام ولم يكن حاكماً, فمن ذلك نفهم أنّ الإمامة القرآنية تعني: السلطة الواقعية على الكائنات والتصرّف في شؤونها الدينية والدنيوية, وأنّ الحكومة السياسية هي وظيفة من وظائف الإمامة، وشعبة من شعبها, فالإمام فيه اقتضاء وقابلية الحكومة، وأنّ المفروض على الرعية تسليم الأمر إليه.. ولهذا يظهر الفرق واضحاً بين الإمامة العامّة (المطلقة)، التي هي جعل من الله ولا دخل للإنسان فيها, بل هي من مختصّات حكومة الذات الإلهية المقدّسة؛ فالله هو المعيّن للإمام لا غير, وبين السلطة والحكومة؛ فإنّها تعني: التصرّف بشؤون الناس السياسية، فتحتاج إلى بيعة ومناصر، وتحتاج إلى مؤازر, ولأجل ذلك أخذ الرسول الأكرم محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) البيعة لعليّ(عليه السلام) يوم غدير خمّ؛ فإنّ سرّ أخذ البيعة هو ذلك.
هذا مفهوم الإمامة عندنا, وبه يتّضح الفرق بين مذهب الشيعة الاثني عشرية ومذهب مدرسة الخلفاء؛ فإنّهم فسّروا الإمامة بما يساوي الحكومة التي نعرفها بمعناها اليوم. وأمّا مصداق الإمامة, وأنّ مَن هو الإمام؟ فهذا تحدّده السُنّة النبوية المطهّرة, والسُنّة النبوية بيّنت أنّ الإمام بعد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام), كما في حديث الغدير المتواتر، والذي يقول فيه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه).
وكذلك في أحاديث أُخرى كثيرة, تشير إلى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعتريه, ومنها: ما أخرجه الحاكم في (المستدرك) وصرّح بصحّته (1) .. وكذلك صحّحه الذهبي المتعصّب (2) , والحديث هو: ((قال ابن عبّاس: وقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة).. وكذلك ذكره الترمذي في سننه (3)
وصرّح الشيخ ناصر الدين الألباني بصحّته في كتابه (صحيح سنن الترمذي) (4) , وأيضاً صرّح بطرق عديدة للحديث في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (5) .
وهذا الحديث يقصم ظهور القوم؛ إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبّة أو النصرة؛ لأنّ معنى ذلك: أنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يحبّ المؤمنين وينصرهم بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), ولو على نحو السالبة الجزئية, أي: بعض المؤمنين يحبّهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته.. وهذا يشهد القرآن والسُنّة والتاريخ بكذبه؛ لأنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كان وما زال، منذ بعث النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى يوم استشهاده، ناصراً ومحبّاً للمؤمنين.
هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكلّي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع. فبعد اتّضاح معنى الإمامة, وأنّها تنصيب من الله سبحانه, وأنّ الإمام إمام, تسلّم السلطة أو لا, كما في حديث النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المعروف في حقّ الحسن والحسين(عليهما السلام)؛ إذ قال: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) (6) .
فعلى ذلك, يأتي سؤال: لماذا رفض الإمام عليّ(عليه السلام) بيعة القوم بعد وفاة عثمان, مع أنّه منصّب من الله, وأنّ الظرف تهيّأ للحكم والسيادة؟ الجواب: إذا رجعنا إلى الفترة التي أعقبت وفاة النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم), نعرف ذلك.. فبعد أن ظهر قوله سبحانه وتعالى للعيان واتّضح: (( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئاً وَسَيَجزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )) (آل عمران:144), وانقلب الأمر على آل بيت النبيّ, وصدق قول النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما يرويه عليّ(عليه السلام) حينما قال: (قال لي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي) (7) , فأخذها أبو بكر وابن الخطّاب من عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) مدّعين الشورى، وأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يوصِ، في حين لم يحضر الشورى كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، كعليّ(عليه السلام)، والعبّاس، وطلحة، والزبير، وعمّار، وأبو ذرّ، وسلمان، والمقداد، وغيرهم؛ إذ لم يحضرها من المهاجرين إلاّ ثلاثة نفر، فأخذ الأمر وزُحزح عن عليّ(عليه السلام) إلى أبي بكر.
فصار الإمام(عليه السلام) بين أمرين: إمّا أن يقاتلهم على الخلافة، التي هو أحقّ بها, أو يصبر. ومن المعلوم أنّ الدخول معهم في معركة لم يكن صالحاً للإسلام, بل يقضى عليه وتذهب أتعاب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) خلال السنين السالفة هباءً منثوراً؛ وذلك لكثرة المنافقين في المدينة وحولها، قال الله تعالى: (( وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعلَمُهُم