احمد علي احمد - السعودية
منذ 4 سنوات

الشبهات حول أن يصرح الرسول ص على خلافة علي ع أو لا ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... بعد التحية والاجلال لمقامكم الرفيع, نرجو منكم التفضل بالرد على الشبهات التي اوردها علينا أحد الاخوان السنة, يدعي المنطقية والعقلانية والعلمية في ما يطرح, حيث عنون اطروحته كما يقول، مقدماً لشبهاته حول الامامة بما يلي : ************************* عدم منطقية اعتقاد عكس الواقع الحادث ما لم يتأيد بدليل عقلي فطري سليم وقصدي من عنواني: إنّنا كلّنا خلقنا ونعرف بأنّ العصر الذهبي للأُمّة الإسلامية هو عصر الرسول والعصور الأُولى من بعده، ودليل العصر الذهبي انتشار الإسلام للصين والهند ولأفريقيا ولأسبانيا ولتركيا، أمّا نحن الآن في عصر الانحطاط بدأنا نضيّع ما بنوه أجدادنا المسلمون. بعبارة أُخرى: الواقع الحادث من قبل وقد مضى وانتهى تسلسل أربع خلفاء، هم الصديق، ثمّ الفاروق، ثمّ ذي النورين، ثمّ أسد الله المرتضى(رضي الله عنهم). أمّا الدليل الشرعي من الكتاب والسُنّة: فلسنا بصدد مناقشة الأدلّة هنا؛ لأنّها تحتاج لمجلّدات، بل الفاهم عن الله تبارك وتعالى، والمحبّ لتصفية تأويل الأدلّة من الشوائب، وجب عليه مقارنة الأدلّة الشرعية بالأدلّة العلمية الفطرية السليمة المنطقية العقلية، المؤيّدة بالمسلّمات والبديهيات المتّفق عليها والموافقة لسنن الفطرة. ومن توجّه هذا التوجّه بدأ أوّل خطوة لنبذ التقليد الأعمى والتعصّب لفهم النص الضيق، والبدء بالتوسّع للانفتاح الذهني الديناميكي. وهنا أطرح امتحانين (لمن أراد أن لا يكون مقلّداً أعمى في عقيدته من الإخوة الشيعة)، فإن نجح بإقناع نفسه بعكس ما سأطرح، فيكون إن شاء الله ليس مقلّداً أعمى، وإن لم يستطع أن يقنع ذاته بغير ما أطرح، فوجب عليه مراجعة نفسه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا): الأُطروحة الأُولى: هل صحيح أنّ هناك نصّاً من الله تبارك وتعالى ووصيّة من رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)؟ أخي الكريم، وفقاً للنصّ الإلهي والوصية النبوية اسأل نفسك هذه الأسئلة: السؤال الأوّل: ما حكم من يخالف أمر الله الصريح ووصية نبيّه الواضحة؟ الجواب: مرتدّ، والعياذ بالله! 1- لا يعقل ترك الإمام عليّ لتنفيذ النصّ والوصية. 2- لا يعقل ارتداد عليّ بن أبي طالب والعياذ بالله لعدم تنفيذ النصّ والوصية. 3- لا يعقل ارتداد أكثر من 70 ألف تلميذ - على أقلّ تقدير- تتلمذوا على آخر أعظم معلّم للبشر محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ (مثال: يقال عن معلّم: أنّه فاشل، إذا فشل أغلب تلاميذه في أغلب صفوفه، وهذا معلوم بديهي، فما بال معلّم البشر وخاتم رسل الله، والمؤيّد بتلاميذ لينشروا آخر وخاتم رسالة - وقد نشروا -؟). السؤال الثاني: ما حكم العارف بوجوب تنفيذ أمر الله ووصيّة نبيّه ويسكت عنها؟ الجواب: الحكم: منافق، والعياذ بالله! 1- لا يعقل نسبة النفاق لأمير المؤمنين أبداً. 2- لا يعقل لعليّ(عليه السلام) كتمان النصّ والوصية خوفاً؛ لأنّه الشجاع الصنديد المحارب، بل إنّه لمن أعلى الأمثلة على الشجاعة في التاريخ الإسلامي على مرّ العصور، ويعرف قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ )) (البقرة:159). 3- لا يعقل ممارسة التقيّة في أخطر أمر، ألا وهو: مخالفة النصّ والوصية، بل يضحّي عليّ بدمه وبنفسه بدلاً من ممارسة أشنع كذب ونفاق، يتبرّر بما يسمّونه: (التقية)، (ويعرف قوله تعالى: (( مَا لَكُم إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ )) (التوبة:38) ). 4- لا يعقل لعليّ(عليه السلام) أن يقول ويجهر بالقول بتبليغ النصّ والوصية للصحابة، ثمّ يقعد مكتوف الأيدي، ليسجّل له التاريخ أجبن موقف مقارنة بالمضحّين بأنفسهم في سبيل الله.. (ضحّى الحسين(عليه السلام) بدمه الطاهر الزكي لمجابهة الطغاة، فكيف بأباه! أيبخل بدمه لمجابهة مخالفي أمر الله ووصية رسوله؟). السؤال الثالث: ما واجب المأمور بنص من الله وبوصية من رسوله؟ الجواب: الواجب الحتمي: التنفيذ الفوري. 1- لا يعقل أن يكون تنفيذ أمر الله قولاً بدون عمل. 2- لا يعقل للمعصوم، القدوة الأُولى للبشرية، ترك العمل بالنصّ أو الوصية، بل وجب عليه الإسراع بالتنفيذ، وخاصّة عندما يسمع أمر الله ووصيّة رسوله، (كما قال الله تعالى: (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم )) (آل عمران:133) )، فإن اقتصر القدوة على القول بدون العمل، فما بالنا نحن سنقتدي به ولن نفعل شيئاً؟ 3- لا يعقل أن يكون عليّ بن أبي طالب أقلّ شجاعة لتنفيذ أمر الله ووصيّة رسوله من أبي بكر الصديق، الذي همّ لوحده ليقاتل المرتدّين ممّن منعوا الزكاة قبل أن يبايعه أحد ويناصره، أخبره عمر الفاروق بالتروّي وبصعوبة الموقف، وقال قولته الشهير: ((والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدّونه لرسول الله لقاتلتهم عليه))، ثمّ أقسم بالله ليقاتلنّهم وحيداً إن لم يسر معه أحد، وهذا موقف من منع فرض واحد من فروض الإسلام، فكيف بالذي خالف أمر الله ووصيّة رسوله، ألا يستحقّ المسؤول العالم بهذا النصّ والوصية، حتّى إن كان أهزل الناس، يقوم ويقف موقفاً مشابهاً لموقف الصديق رضي الله عنه؟ السؤال الرابع: هل التضحية والشجاعة تتطلّب المؤازرة بالحراس والآلاف من الجنود؟ الجواب: لا من الطبيعي. بعبارة أُخرى: متى تظهر الشجاعة؟ الجواب: تظهر في حالة الضيق والوحدة؛ فأسمى درجات البطولة: التضحية بالنفس في سبيل الله. 1- التضحية بالنفس تتطلّب القتال. 2- لم يقاتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب من ارتدّ. (حدّ المرتدّ: يقاتل باتّفاق). 3- الوحدة وقلّة الأنصار لا تبرّر ترك العمل للأبطال والقدوة، (وإلاّ إن لم يقم مثله بالعمل والبطولة والتضحية ليكون قدوة، فمن سيقوم إذاً؟؟). 4- استحالة عدم قتال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للمرتدّين ولو كان وحيداً، لأنّ الشجاعة والبطولة، كما قلنا، لا تبرز إلاّ في المحن، وهذا مسلّم به بديهي. السؤال الخامس: هل كان هدف عليّ بن أبي طالب الحفاظ على وحدة المسلمين حقّاً وعدم شقّ صفوف الأُمّة آنذاك؟ الجواب: لا يمكن؛ لأسباب تخالف المنطق، ألا وهي: 1- تقول الشيعة الإمامية: إنّ الإمامة ركن وأصل، وجحودها يؤدّي للكفر، فأيّ تمزّق وشقّ صفوف وتدمير للإسلام أنكى من ضياع الدين؟ بل مصلحة إحقاق الحقّ وتثبيت أركان الدين فوق كلّ شيء. ولا وحدة للمسلمين بدون وحدة دينهم وصحّة وثبات عقيدتهم. 2- قاتَل عليّ(رضي الله عنه) معاوية بن أبي سفيان، والسبب كما هو مشهور ومعلوم لأنّ معاوية أراد كرسيّ الخلافة، فلا يعقل أن يقاتل عليّ(رضي الله عنه) معاوية لأجل كرسيّ الخلافة ويترك قتال من خالف أمر الله ووصية نبيّه؟ 3- لا يمكن أن يكون حالة وجوب قتال أبي بكر تختلف عن حالة قتال معاوية، إن كان القصد كما يقال: (الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم شقّ الصفوف)؛ لأنّ النتيجة في كلا الحالتين شقّ صف المسلمين ووحدة الصفّ، بل يستحيل ذلك؛ لأنّ ذلك ينسب لعليّ الجبن والعياذ بالله، لأنّ المترصّد من الخارج يرى أنّه لم يقاتل لعدم وجود الأعوان (كما تدّعي الشيعة)، وهناك قاتل بوجود الأعوان، والنتيجة: هناك جبن وهنا شجاعة، وهذا مستحيل؟ 4- السبب الآخر في أنّ الحالتين متماثلتين في وجوب القتال، وبأنّه لو قاتل أبا بكر الصدّيق آنذاك، لكان ليس فيه شقّ وحدة المسلمين، بل ردّهم إلى عقيدتهم؛ لأنّ أبو بكر الصدّيق قاتل في أوّل خلافته المرتدّين ولم تنشق صفوف المسلمين، بل ثبّت قواعد الدين، وهذا ما كان واجب فعله على عليّ(رضي الله عنه)، وهذا ما يرد على من قال: بأنّه لم يرد شقّ صفوف المسلمين؛ لقرب العهد من موت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك العهد.. إذاً: هل يترك قتال من خالف النصّ والوصية، ويقاتل من نازعه الملك والخلافة؟ أين الأخلاق والشيم؟ أين الحكمة التي يتكلّم عنها؟ أين الإمام عليّ زوج بضعة رسول وحبيب ربّ العالمين من هذه الظنون بشخصيّته الفذّة...؟ السؤال السادس: هل يصحّ قياس أحوال الرسول على عليّ بن أبي طالب؟ الجواب: لا، للمعطيات التالية: 1- الرسول أمر بتبليغ رسالة، وأمّا عليّ فلا. 2- الرسول لم يؤمر بإكراه الناس على الدخول في الدين، أمّا المرتدّ فوجب قتاله، أي: يجب على عليّ(رضي الله عنه) قتال من ارتدّ؛ لمخالفتهم النصّ والوصية.. وسبب وجوب القتال: أ- لأنّ الداخل في دين الإسلام لم يكره على الدخول في الأصل، لذا وجب عليه الالتزام بما اختاره طائعاً. ب - عدم تشوية سمعة الدين، ولكي لا يظنّ الظّان بأنّهم لو لم يكرهوا على الدخول في الدين لما ارتدّوا. ج - لكي لا يغري الذي في قلبه نفاق بالارتداد. ((إذا وجب على عليّ(عليه السلام) قتال من ارتدّ.. ولم يفعل طبعاً)). 3- الرسول أو النبيّ هم المجتبين من سائر البشر ليبلّغوا رسالة أو دعوة منزّلة عليهم بواسطة الوحي - جبريل(عليه السلام) - وعليّ(رضي الله عنه) لم يجتبيه الله كما تعلم الإمامية كرسول أو نبيّ؟ وسبب طرح هذا الفارق لنعلم أنّ ما أُمر به وكلّف به الرسول أو النبيّ لم يكلّف به أيّ بشر مهما علت درجته. مثال: اجتباء آدم(عليه السلام)، قال تعالى: (( ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى )) (طه:122) ، واجتباء إبراهيم(عليه السلام)، فقال له تعالى: (( شَاكِراً لِأَنعُمِهِ اجتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ )) (النحل:121)، واجتباء ذي النون، لقوله تعالى: (( فَاجتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )) (القلم:50)، واجتباء يوسف(عليه السلام)، لقول تعالى: (( وَكَذَلِكَ يَجتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأوِيلِ... )) (يوسف:6) الخ. فهل هناك دليل جليّ جاءت به كلمة (اجتباء) مقرنة بأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)؟ لا طبعاً، ولا نحب أن ندخل في التأويلات والتفسيرات، بل نقول: جليّ، كما جاء في الآيات السابقات؟ 4- النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم) سمّي: (المصطفى)؛ لأنّ الله تعالى اصطفاه من المجتبين الأخيار عنده، فكان أحبّ الخلق إلى الله تعالى، وأفضل الأنبياء(عليهم السلام). هل يقع ما يقع على المصطفى مثل ما يقع على أمير المؤمنين(عليه السلام)؟ الرجاء لو كان هناك دليل بكلمة اصطفاء، أو مصطفى، على عليّ(رضي الله عنه)، فلتذكر كدليل جليّ، وإلاّ فلا نريد الدخول في معمعة التأويلات أيضاً. السؤال السابع: هل المعصوم (عليّ بن أبي طالب على ادّعاء الشيعة لعصمته) كباقي الناس؟ الجواب: لا. وعليه: 1- بطل مقارنته بأيّ إنسان آخر غير معصوم، والمعصوم القدوة المثلى في التطبيق ولو على روحه، ولكن عليّ لم يقاتل، ولم يطبّق ذلك على نفسه، (فلا ندري ما الحقيقة! هل نفي العصمة، أم نفي أحقّية الإمامة؟). 2- لو كان إنسان عادي لربّما عذرناه في عدم المجابهة العملية بالسيف، أمّا أسد الله عليّ فلا عذر له على الإطلاق، وبغض النظر عن العصمة، هو أعظم رابع شخص عند أهل السُنّة والجماعة بعد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهل يعقل لهذا العظيم الخنوع؟!! لا وربّ الكعبة. السؤال الثامن: هل الفعل دالّ على الفاعل؟ الجواب: نعم. وعليه: 1- فعل أبو بكر الصديق في خلافته، والاستقرار والأمان ونشر الدين، يدلّ على الفعل الصائب والخير العميم، والاستفادة العظيمة للأُمّة الإسلامية من فترة خلافته. 2- فعل الفاروق عمر في خلافته، وامتداد رقعة الإسلام، وكثرة الفتوحات، يدلّ على الفعل الصائب والخير العميم، والاستفادة العظيمة للأُمّة الإسلامية من فترة خلافته. 3- فعل ذي النورين عثمان في خلافته، وامتداد رقعة الإسلام، وكثرة الفتوحات، يدلّ على الفعل الصائب والخير العميم، والاستفادة العظيمة للأُمّة الإسلامية من فترة خلافته. 4- فعل عليّ(رضي الله عنه) في خلافته، وامتداد رقعة الإسلام، وكثرة الفتوحات، يدلّ على الفعل الصائب والخير العميم، والاستفادة العظيمة للأُمّة الإسلامية من فترة خلافته. 5- فعل آخر خلفاء بني العبّاس وانحطاط الدولة وهجوم الأعداء عليها، يدلّ على الفعل المشين لهم. 6- فعل الحكّام الذين تولّوا أمر المسلمين بعد ذلك وحتّى يومنا، يدلّ على انفصالهم عن الدين وعدم تطبيقه، وبالتالي عدم كفاءتهم، وبالتالي الفعل دالّ على فاعله، والأثر دالّ على المؤثر، والفطر السليمة تقبل الواقع وترفض خلافه؟! السؤال التاسع: هل هناك نصّ جليّ واضح كلّ الوضوح من القرآن ذكر فيه اسم عليّ بن أبي طالب؟ الجواب: لا. وعليه: 1- لا يوجد نصّ قال الله فيه تعالى على سبيل المثال: (عليّ خليفة رسول الله)، أو: (عليّ الوصيّ). 2- تعدّ الشيعة أمر تفضيل عليّ على أبي بكر وأحقّية إمامته من أعظم أُمور العقيدة بعد التوحيد، فهل هذا الأمر الجليل العظيم من أخطر أُمور العقيدة ترك ذكره في القرآن؟ لا يعقل هذا.. فذكر وجوب الجهاد ووجوب الصلاة.. الخ وذكر وجوب اختيار الإمام. نعم، ولكن هل ذكر أنّ ذلك الإمام (عليّ) صراحة؟ لا لم يذكر، ولسنا كما قدّمنا لتقديم الأدلّة القرآنية وتأويلها، فنحن مختلفون في التأويل، كما هو معلوم. 3- حتّى الآن لم يصلنا نصّ الوصية المزعومة من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ بن أبي طالب، أليس الأحرى أن تشتهر تلك الصحيفة إن كتبت، وإن لم تكتب، أيعقل أن تكون على تلك الدرجة من الخطورة ولا تكتب؟ بل أيعقل أن لا يقولها رسول الله صراحة أمام الملأ، ولا يدوّنها على أقل تقدير آل البيت؟ فإن دوّنوها، فأين هي؟!! الأطروحة الثانية: على افتراض وجود نصّ ووصية من رسول الله، فالسؤال المطروح: هل الأئمّة من آل البيت عندهم في الوصيّة أسماء اثني عشر إماماً، كما هو الآن في عقيدة الاثني عشرية؟ الجواب: قالت الشيعة، ولا تزال تقول: بنعم، وقدّموا بعض النصوص التي يستدلّون بها على أسمائهم بالتسلسل. 1- إنّ معرفة كلّ إمام بنص أنّ الإمام الذي سيليه سيكون اسمه كذا... فلِمَ اختلفت الشيعة في من سيكون الأئمّة، هل من نسل الحسن أم من نسل الحسين، ثمّ اختلفوا في زيد بن عليّ، واختلفوا في أولاد الإمام الصادق.. والأدلّة أكثر من أن تحصى على اختلاف الشيعة في من سيكون الإمام؟ فالدليل العقلي، إن وجد نص قاله رسول الله، كما تقول الشيعة، بتسلسل الأئمّة، لَما حدث الاختلاف أبداً، لوجود النصّ عليهم؟!! 2- لو كانوا، كما تقول الشيعة، هم بدرجة الأنبياء إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء، وأنّهم معصومون، وبأنّ من جحد إمامتهم كفر، لِمَ لَم يوجد أيّ اسم من أسمائهم في القرآن الكريم، وقد ذكر تعالى ممّن هم أدنى مرتبة منهم من الصدّيقية (مرتبة الصدّيقين، كما قال تعالى: (( مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )) (النساء:69)، تأتي بعد مرتبة النبوّة)، فذكر اسم مريم بنت عمران مثلاً، وهي صدّيقة وليست نبيّة، وذكر أسماء بعض الملائكة وهم ليسوا بأنبياء؟ فلو فرضنا درجة الأئمّة أعلى من درجة الصدّيقين فلِم لَم نجد لأحدهم اسماً في القرآن؟ ************************* هذه الشبهات التي طرحها فنرجو التكرم بالرد المففحفم الشافي عليها ... وانتم أهل لذلك بعون الله .... دمتم مسددين وموفقين لكل خير في خدمة الاسلام والمسلمين .


الاخ احمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يظهر من عنوان أطروحة صاحبنا أنّه يحصر الدليل الصحيح بكونه: عقلياً فطرياً سليماً، وهو إمّا غافل، أو يتغافل! فالدليل: عقلي.. ونقلي، والعقلي: بديهي، ونظري.. والفطري من البديهي، إذا كان يقصده، وأمّا إذا قصد غيره، فلا علم لنا به. وعليه فكلّ ما أورده في أطروحتيه لا يدخل تحت الفطري البديهي، بل تحت عنوان: المغالطة!! وهو عنوان كبير في المنطق لأُسلوب من أساليب الخطابة، وإن راعيناه وتنزّلنا حتّى لا (يزعل)، نقول: يدخل تحت النظري على فرض صحّته. ثمّ، أوّلاً: إنّنا لم نخلق ونحن نعرف بأنّ العصر الذهبي... الخ، فإنّ مثل هذه المعلومات تدخل في التاريخ، وهو من العلوم الكسبية لا يأتي مع الطفل إلى الدنيا. وثانياً: نعم، إنّ عصر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان من العصور الذهبية للإسلام، لا لأنّ رقعة الدولة الإسلامية كانت كبيرة، فهي في عهد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم تتجاوز الجزيرة، ولكن لأنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان على رأسها، يقطع دابر المفسدين والمنافقين، ويصحّح كلّ انحراف، ويطبّق العدالة والمثل العليا للإسلام. وأمّا ما بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو أوّل الكلام! وهل خلافنا إلاّ في تقييم ذلك العصر ومن كان مع الحقّ فيه؟! وإذا كان الميزان هو: اتّساع رقعة الدولة، فإنّ المسيحية كانت في ذلك الوقت - وما زالت - أوسع انتشاراً في أوربا، ولكانت الدولة الرومية المسيحية تمثّل أوج العصر الذهبي لديانة عيسى المسيح الحقّة، وهذا ما لا يقول به مسلم؛ فنحن نعتقد أنّ دين المسيح قد حُرّف عن مساره الصحيح. بل لكان المسلمون اليوم في أزهى عصورهم الذهبية؛ لاتّساع رقعة بلادهم وكثرتهم، وهذا ما لا يقول به عاقل. فنقول لهذا الأخ: إنّ معيارك غير صحيح، لا يقبل به العقل، ولا الموازين الإسلامية! فما هو إلاّ تسويلات الشيطان ومغالطات الهوى؛ إذ أيّ معيار للكثرة والاتّساع في تعيّن الحقّ، وهذا القرآن يذمّ الكثرة؛ (( وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ )) (المؤمنون:70). ثمّ لماذا هذا الحصر بعصر الخلفاء الأربعة؟ فإنّ الاتّساع كان مستمرّاً في زمن الدولة الأُموية والعبّاسية، وهل تقول بأنّه كان عصر الإسلام الذهبي أيضاً؟!!! وأيضاً فإنّ في زمن أمير المؤمنين(عليه السلام) انحسرت الفتوحات الإسلامية تقريباً؛ فقد شغله عنها خروج عائشة وطلحة والزبير عليه، وعصيان معاوية وانفراده بالشام، أو أنّه يعدّ صلح معاوية مع ملك الروم وإعطاؤه الجزية للدولة الرومية من الفتوحات؟!!! وما نحن فيه من الانحطاط لو درسه المنصف، يراه ممّا ورّثه لنا الأوائل الذين تركوا عترة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن أوصاهم بهم بقوله: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما...) (1) ، (الحديث). فانظر لقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما)!!! فلم يضلّ من يدّعي الإسلام الآن إلاّ بعد أن تركهم. وأيضاً: إنّ العجب كلّ العجب أن يأتينا سلفي جديد يتشدّق بالعقل والمنطق بعد أن رموهما وراء ظهورهم! فمتى كان القبول والتسليم لحكم العقل؟! أمِن قِبل ابن تيمية، أو من محمّد بن عبد الوهاب؟ فقد ملأتم الصحائف بالصراخ والزعيق بالتمسّك بما قاله السلف، فما عدا ممّا بدا؟!! ثمّ، هل تُعَدُّ المجلّدات لاستخراج الأدلّة من الكتاب والسُنّة ثمناً غالياً للوصول إلى العقيدة الصحيحة المنجية من الهلكة يوم القيامة؟ أم هو لفّ ودوران وزوغ عن الحقّ. ومتى كانت الشيعة تخاف من العقل؟ وهو شعارهم مع القرآن والسُنّة، وأحد أدلّتهم خلافاً لمن خالفهم ممّن اقتصروا على القرآن والسُنّة والإجماع كأدلّة. والآن بعد أن تسدّ الأبواب أمامهم من خلال القرآن والسُنّة يدّعون العقل والمنطق، للإتيان بمغالطات يموهون بها على السذج! ثمّ، من قال لك أنّا غير موافقين على دعم النقل بالعقل، أو بالعكس، وأنّنا رافضون لتقييم أدلّة النقل بعرضها على العقل، ألا تعرف أنّ الشيعة الإمامية هم من العقلية المعتقدين بالتحسين والتقبيح العقليين، وأنّ الدليل النقلي لا يكون حجّة عندهم حتّى يقرّه العقل؟! بل إنّهم يؤمنون بأنّه لم تثبت حجّية لولا العقل، خلافاً للأشاعرة والسلفية الذين لا يؤمنون بالتحسين والتقبيح العقليين. فمِن توجّه توجّهك بدأ أوّل خطوة لخلط الأوراق، وتشويش الأفكار، وبثّ المغالطات، وإضلال الناس، وتمسّك بالتقليد، ورفع شعار التعصّب، وتبع هواه، وطرح أفكاره المسبّقة تحت برقع ما يدّعيه من الأدلّة الفطرية السليمة المنطقية العقلية.. إلى آخره من الألفاظ الفخمة، التي غايتها إيهام الناس بالعقلانية والتجرّد، والبعد عن مئات النصوص من القرآن والسُنّة. فابتدعت لنا طريقة متحرّكة، يمكن بها ضرب أكبر النصوص القرآنية، فضلاً عن نصوص السُنّة والشريعة. بما أنّك تفتح باب الامتحان وتريد أن لا يكون الشيعي هنا مقلّداً أعمى، فنحن أيضاً نوجّه الكلام إليك: نريدك أن لا تكون مقلّداً أعمى وترفض الأدلّة الدامغة والنصوص الصريحة، فإن استطعت أن تأتي بما يقنع خلاف ما نقول، فأنت لست مقلّداً أعمى، وإن لم تستطع فحاسب نفسك قبل أن تحاسب غيرك. المغالطة الأُولى: نحن هنا سنثبت الوصية التي تريد رفضها بمغالطاتك المتعدّدة على أنّها برهان الخلف، نثبتها لك بنصوص عدّة: 1- أخرج الطبري وغيره بسنده عن عليّ بن أبي طالب: (أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )) (الشعراء:214)، دعاني رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال لي: يا عليّ... إلى أن قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت (أي: عليّ بن أبي طالب): أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فأسمعوا له وأطيعوه)، وفي رواية أُخرى: (قال ذلك القول ثلاث مرّات، كلّ ذلك أقوم إليه، فيقول: اجلس) (2) . 2- روى أهل السير والتاريخ: ((أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلّف عليّ بن أبي طالب على أهله في المدينة عند توجّهه إلى تبوك، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالاً له، وتخفّفاً منه. فلمّا قال ذلك المنافقون، أخذ عليّ بن أبي طالب(سلام الله عليه) سلاحه، ثمّ خرج حتّى أتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو نازل بالجرف، فقال: (يا نبيّ الله! زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني، وتخفّفت منّي)، فقال: (كذبوا، ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟)، فرجع عليّ إلى المدينة، ومضى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سفره)) (3) . وأمّا دلالة الحديث، فيكفيك فيها أنّ كلمة (المنزلة) اسم جنس أُضيف إلى هارون، وهو يقتضي العموم. فيدلّ على أنّ كلّ مقام ومنصب كان ثابتاً لهارون، فهو أيضاً ثابت لعليّ إلاّ ما استثناه، وهو: النبوّة، وقد كان هارون وزيراً لموسى على نبيّنا وعليهما الصلاة والسلام. 3- خطبة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في واقعة الغدير، وممّا ضمن ما جاء فيها: أيّها الناس! إنّي أوشك أن أدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللّهمّ اشهد، ثمّ قال: أيّها الناس: ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي فرط على الحوض، فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين؟! فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر: كتاب الله، والآخر الأصغر: عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيَّ الحوض، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا. ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه فعليّ مولاه. يقولها ثلاث مرّات، ثمّ قال: اللّهمّ وال من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب. ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله: (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي... )) (المائدة:3). فقال رسول الله: (الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ بعدي) (4) . وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة من عصر الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى يومنا هذا، وقد رواه من الصحابة (110) صحابي، ورواه من التابعين (84) تابعياً. وللمزيد يراجع عنوان (الغدير) في هذه الموسوعة، وكتاب الغدير للأميني. ونقتصر على هذا المقدار من كثير يستدلّ به الشيعة على ثبوت الوصيّة. وبعد أن أثبتنا الوصيّة، لا يبقى مجال لأيّ تمحّلات يدّعي صاحبها أنّها أدلّة عقلية سليمة على عدم وجودها، بل إنّ المنطق والعقل يقرّر بأن تردّ وترفض كلّ الشبهات والشكوك على عدم الوصيّة بعد القطع بوجودها. ولكن مع ذلك نجيب على ما أورده من شبهات: الجواب عن السؤال الأوّل من المغالطة: 1- الظاهر أنّك لم تفهم المراد من الوصيّة وظننت أنّها أمر بالتنفيذ متوجّه إلى عليّ(عليه السلام) دون بقيّة المسلمين! يا لضحالة الإدراك والفهم!! أيّها الأخ: إنّ الوصيّة هي أن يوصي النبيّ الناس أن يطيعوا من بعده وصيّه بأمر من الله، فمن عصى فلا يضرّ الله وعليه ذنبه. فهل يقال لوليّ عهد لملكٍ متوفّى إذا لم يطعه الناس ويولّوه: إنّك عاصٍ لولاية عهد أبيك الملك السابق، أم يقولون للناس: إنّكم عصيتم ولم تولّوا وليّ عهد الملك؟! يا سبحان الله!!! كيف ينقلب الفهم يا أتباع الهوى؟!! 2- نقول: إنّ من خالف وصيّة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فعليه لعنة الله ومأواه جهنّم وبئس المصير، وهو كالمرتدّ منزلة عند الله، مدخول في إيمانه.. أمّا حكمه فيما لو لم يجهر بترك الإسلام أو الردّ على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صراحة، فهو كالمنافق يعامل معاملة المسلم. 3- أمّا الواجب على أمير المؤمنين(عليه السلام)، فهو: القيام بالأمر فيما لو سلّم له المسلمون مقاليدهم، وأمّا إذا غصبوا حقّه، فإنّه كان موصى بأن يطالب بحقّه إذا وجد عليهم أعواناً، وإلاّ فليصبر. وبعبارة أُخرى: أنّ الواجب هو: تولّي أمر المسلمين وعدم ترك منصب الخلافة إذا كان مختاراً قادراً، وأمّا إذا كان مضطراً مجبوراً مغصوباً حقّه، فهو أوّل الكلام. 4- وبالتالي ليس أمير المؤمنين(عليه السلام) هو الذي ترك أمر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى نحكم عليه بأنّه مرتدّ، بل من غصب حقّه وخالف أمر الله على لسان رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير هو المرتدّ، كائن من كان حتّى ولو كانوا ملايين. فليس هارون(عليه السلام) هو العاصي لأمر موسى(عليه السلام) حينما تركه قومه، بل السبعون ألفاً من اليهود هم العاصون. والعجب منك أن تعقل ارتداد سبعين ألفاً من بني إسرائيل وعبادتهم العجل بعد أن تأخّر موسى(عليه السلام) عشرة أيام (5) - وإيّاك أن تكذّبه، فتخرج عن الدين وقد جاء به القرآن - ولا تعقل ارتداد سبعين ألف من المسلمين بعد وفاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتركهم وصيّته دون تنفيذ، فأين الوفاة من الغياب عشرة أيام؟! وأين عبادة العجل من عدم طاعته في تنصيب خليفته؟! فلك أن تجري مغالطتك على هارون(عليه السلام) وتحكم بأنّه عصى موسى(عليه السلام)، فيكون مرتدّاً!!! 5- بل إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) سيكون عاصياً لو قاتلهم؛ لأنّه كان موصى بالصبر، ولم يُوصَ إلاّ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. 6- وأخيراً حكمت بمثالك بخصوص المعلّم، بأنّ كلّ الأنبياء من آدم(عليه السلام) إلى محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاشلون! فها هي البشرية من لدن جدّهم آدم(عليه السلام) لحدّ الآن، أين تجد منزلة الدين فيها؟!! ونعوذ بالله.. نعوذ بالله.. أنّك حكمت حسب مثالك على الله جلّ جلاله بالفشل والفوز للشيطان، فانظر هل يقال لمثلك: عاقل!! ثمّ لو جعلت الخصوصية للخاتمية، فما بال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر بخروج المهدي(عليه السلام) ليحقّق حلم الأنبياء؟!! ثمّ نريد أن نردّ عليك ونلزمك بكلامك؛ فقد حكمت على كلّ من خالف أمر الله وأمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالارتداد.. فهلاّ حكمت على مَن تركوا جيش أُسامة وعادوا إلى المدينة حتّى لعنهم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك (6) ؟! وهلاّ حكمت على من ترك قتل ذي الخويصرة بذلك (7) ؟! وهلاّ حكمت على من آوى مروان بن الحكم بذلك (8) ؟! وهلاّ حكمت على من خرجت لقتال أمير المؤمنين(عليه السلام) ولم تقعد في بيتها بذلك؟! وهلاّ حكمت على من جعل الخلافة ملكاً، وجعل ابنه السكير وليّاً للعهد، وقتل أصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من أمثال حجر بن عدي وأصحابه بذلك (9) ؟!... الخ. الجواب عن السؤال الثاني من المغالطة: قد عرفت الجواب عنها ممّا سبق، فإنّ الوصية كانت متوجّهة إلى عامّة المسلمين بتنصيب عليّ(عليه السلام) خليفة، ولكن ننبّه على أُمور: 1- المنافق هو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، لا من سكت عن الحقّ مختاراً، فهو فاسق. 2- السكوت عن أمر الله ورسوله بإرادة واختيار ودون خوف يحكم عليه بالفسق، دون من أُجبر وأُكره، هذا لو سلّمنا أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) سكت ولم يطالب بحقّه. 3- ممّا قدّمنا سابقاً نعرف أنّ من سكت عن أمر الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم عامّة المسلمين وليس أمير المؤمنين(عليه السلام) وبعض أتباعه. 4- إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يسكت عن حقّه، وإنّما ذكّرهم بالوصيّة مرّات ومرّات، وهي ثابتة بالنصوص العديدة. ولكن مع الأسف لا تريد الأدلّة النقلية، حتّى لا ترتدّ عليك شبهتك وتبقى في ضلالك. 5- وعليه فليس أمير المؤمنين(عليه السلام) هو المنافق، بل المنافق والفاسق غيره. 6- إنّ ما ذكرته من سكوت أمير المؤمنين(عليه السلام) خزعبلات! نعم، أنّه لم يحارب بالسيف لفقدان الشروط؛ إذ لو دار الأمر بين الشجاعة والتهوّر، لا يكون اختيار التهوّر شجاعة. ثمّ لماذا لم يقاتل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مكّة؟! فما تقول هناك، نقوله هنا. وأمير المؤمنين(عليه السلام) لم يتقّ في إظهار الوصيّة والمطالبة بحقّه إلاّ حينما وصل الأمر إلى سفك دمه، وغير ذلك فقد قام بكلّ الوسائل المتاحة للمطالبة بحقّه وإظهار أمر الله وعدم كتمانه. وإنّما من كتمه، بل بدّله وكذّبه، هم: أبو بكر وعمر وعثمان وأصحابهم، الذين كتموا أمر الله بتنصيب عليّ(عليه السلام) خليفة للمسلمين، فهذه الآية التي ذكرتها عليك وعلى أسلافك. 7- ومثل عليّ(عليه السلام) مثل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دعا إلى الله سرّاً لسنين في مكّة إلى أن أمره الله بالعلانية، ولم يضحّ بدمه ونفسه في أوّل يوم، وذلك لأجل استخدام أفضل السبل لنجاح الدعوة، ولا يسمّى ذلك جبناً، وكان كلّه بأمر الله سبحانه وتعالى، وكذا أوصى لعليّ(عليه السلام) بما يفعل بعده. 8- ثمّ متى كذب أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الأمر، إلاّ ما تدّعونه أنتم، فأنتم المدّعي وأنتم الحكم؟! وهذه خطبته الشقشقية ماثلة. 9- ثمّ إنّ الحسين(عليه السلام) لم يحارب معاوية لسنين، فلا يقال له: لِم لَم تحارب؛ وقاتل وثار على يزيد عندما رأى أنّ الخطر على الإسلام لا يدفعه إلاّ دمه الزكي.. ولا يقال: إنّ عليّ(عليه السلام) بخل بدمه في وقت من الأوقات، فهو الذي قتل عمرو بن ودّ، ومرحب، وأصحاب الألوية في أُحُد، ورؤوس المشركين في بدر، وخاض الجمل وصفّين والنهروان، ثمّ قُتل في المحراب، فما أنت إلاّ جاهل. وإليك بعض النصوص تدعم ما قلنا: قال(عليه السلام): (لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم) (10) . وفي تاريخ اليعقوبي: ((واجتمع جماعة إلى عليّ بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال لهم: اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس، فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر)) (11) . وقال(عليه السلام): (وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طُخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها المؤمن حتّى يلقى ربّه) (12) . وقال لمّا دعي لمبايعة أبي بكر: (أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟ ألستم زعمتم للأنصار: أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، فانصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون) (13) . وقال في خطبة أُخرى: (فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم على الموت) (14) . الجواب عن السؤال الثالث من المغالطة: 1- المأمور بأمر ينفّذ حسب ما صدر إليه من الأمر، سواء كان فورياً أو تراخياً، فوقت التنفيذ يتحدّد في الأمر أيضاً وليس دائماً فورياً. 2- قد عرفنا أنّ الأمر كان متوجّهاً للأُمّة بتنصيب عليّ(عليه السلام) خليفة، فهي التي لم تنفّذ؛ ففي حديث الغدير يخاطب الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الناس بـ(يا أيّها الناس)، ثمّ قال من ضمنها: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه). 3- انّك لا تفهم معنى المثل: (قول بلا عمل)، فإنّ العمل ينقسم إلى: عمل بدني، وعمل لفظي، وعمل قلبي، وعمل ذهني. فمن يُسبّح لا يقال له: (قول بلا عمل)؛ فإنّ عمله لفظي، والعزم على الشيء يسمّى: عملاً قلبياً.. وهذا المثل يضرب لمن يترك العمل في أحد أنحائه المتقدّمة، ويكتفي بالادّعاء فقط، لا لمن طالب وأعلن وجاهر ورفض البيعة حتّى أُكره وأصحابه وهدّدوا بالقتل، فترك القتال مجبراً معذوراً لأمر أجلّ وأهمّ، وهو: حفظ الإسلام على مجمله وعمومه وإن وقع فيه انحراف، لئلا يذهب كلّه وترجع جاهلية.. ولذا فهو(عليه السلام) نفّذ الأمر حسب ما قدر عليه. ثمّ أنت قد علمت سابقاً أنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصى عليّاً(عليه السلام) بما يفعل في كلّ أمر بعده، فهو اتّبع أمر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحذافيره ولم يتخلّف عنه، وإنّما تخلّف عن الأمر غيره. 4- إنّ تولّي الأمر والخلافة يكون بوجود أشخاص ينفّذون الأوامر ويطعيون، أمّا إذا لم يكن، فقد قيل: (لا أمر لمن لا يطاع)، وهذا لا ينتقص من منزلة الإمامة في شيء، كما أنّ بعض الأنبياء لم يؤمن بهم أحد، فيحشرون يوم القيامة وحدهم، فهل يضرّهم شيء من ذلك في نبوّتهم؟!! ففي علل الشرائع: ((حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني(رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدّثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: سألت عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله! أخبرني عن عليّ بن أبي طالب: لِم لَم يجاهد أعداءه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ جاهد في أيام ولايته؟ فقال: لأنّه اقتدى برسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تركه جهاد المشركين بمكّة ثلاثَ عشرة سنة بعد النبوّة، وبالمدينة تسعة عشر شهراً، وذلك لقلّة أعوانه عليهم.. وكذلك عليّ(عليه السلام)، ترك مجاهدة أعدائه؛ لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهراً، كذلك لم تبطل إمامة عليّ(عليه السلام) مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة؛ إذ كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة)) (15) . 5- إنّ ما ادّعي لأبي بكر دعوى تحتاج إلى دليل، ولا يكفي وجودها عند أصحاب وكتب المدّعي (16) ، بل هناك روايات عند الطرف المقابل تظهر جبنه وخوفه وجزعه، وأمّا قتاله لمن منع الزكاة، كمالك بن النويرة على ما يدّعون، فهو لم يكن لمنع الزكاة؛ لأنّ مالك لم يمنعها، وإنّما قال: أُسلّمها لمستحقّها، وهو عليّ(عليه السلام)، فقتلوه من أجل ذلك، والقصّة مشهورة (17) . ثمّ من قال أنّ حكم من منع الزكاة القتل؟! نعم، القتل حكم من ارتدّ عن الإسلام وأظهر الكفر، لا حكم من أظهر الإسلام وأبطن الكفر ونافق، حتّى أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقتل المنافقين، والمعنيين لو كانوا يستطيعون لأظهروا الكفر قبل غيرهم، ولكنّهم أضمروه طمعاً وخوفاً. 6- يا سبحان الله! كأنّك تدّعي أنّ أمر الإمامة أعظم من الإيمان بالله وتوحيده، وإلاّ لاعترضت على موسى(عليه السلام) لأنّه لم يقاتل فرعون وهو يدّعي الربوبية، والكلام جار في أكثر الأنبياء! وإن قلت: أنّ موسى كان مستضعفاً، فالقول قولنا في عليّ(عليه السلام) أيضاً، وهل تقول في موسى أنّه جبان؟! وإنّما القول في ذلك، هو أنّ الأنبياء والأوصياء يتّبعون أوامر الله سبحانه وتعالى، وهم أعرف بموارد حكمه. ومع ذلك، فالسؤال وارد على الذين تركوا العمل بالوصيّة، لا إلى عليّ(عليه السلام) الموصى إليه. الجواب عن السؤال الرابع من المغالطة: 1- المصلحة مقدّمة على الشجاعة، وهناك فرق بين التهوّر والشجاعة، والمهم هو الغاية المتوخّاة من الإقدام، فإذا كانت الغاية في عدم الإقدام هي الأهم، فترك الإقدام، ولو على ترك حقّ مغتصب لينهبه الآخرون، هو الشجاعة والتضحية. 2- لماذا خرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مكّة واختفى بالغار من قريش؟ ولماذا هرب موسى(عليه السلام) من مصر خائفاً يترقّب؟ نظنّك ستقول: أنّهما كانا جبانين (نعوذ بالله). 3- ومع ذلك فأمير المؤمنين(عليه السلام) لم يطلب إلاّ أربعين شخصاً يقاتل بهم لا غير. 4- من قال: أنّ التضحية بالنفس على خلاف أمر الله ومصلحة الإسلام جائزة؟ 5- التفرّد وعدم الأنصار مجوز لعدم القتال، وإلاّ لوجب قتال كلّ الأنبياء وحدهم، ومنهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مكّة، ولم يفعلوا!! ولا يقول مسلم: إنّهم جبناء، أو عصوا أمر الله، وإنّما ذلك لمصلحة عليا، وأمر من أُمور الله سبحانه وتعالى. 6- نعم، إنّ أحد موارد ظهور الشجاعة هو حصول المحن والصعوبات، ومنها موقف أمير المؤمنين(عليه السلام) في بدر وأُحد والخندق وخيبر وحنين وغيرها، إلاّ أن تقول: إنّها لم تكن من مواقف المحن، ودليلك على ذلك: هروب أبي بكر وعمر وعثمان في أُحد وحنين وخيبر، لأنّهم أشجع الشجعان! الجواب عن السؤال الخامس من المغالطة: 1- الكفر بالله أعظم من الإمامة، ولم يقتل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنافقين، فهل يقتل أمير المؤمنين(عليه السلام) المنافقين في أمر الإمامة؟! 2- إنّك لا تفرّق بين الكفر بالمعنى العامّ والكفر بالمعنى الخاص، الذي يقابله الإسلام بالمعنى العام والإسلام بالمعنى الخاص الذي هو الإيمان، وإنّما يجب القتل على من يكفر بالمعنى العام. 3- بقاء الدين ممثلاً في ثلّة قليلة ثابتة على الصراط المستقيم، وهم الشيعة الإمامية، أفضل من ذهابه كلّه لو قاتل أمير المؤمنين(عليه السلام) حينذاك، فلولا مداراة أمير المؤمنين(عليه السلام) لَما بقي من أهل بيت الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد يحفظ الدين ويردّ عنه كيد المبطلين، ليصل بعد (1400) سنة إلى هذه الثلّة الصالحة. 4- نعم، كان هدف عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الحفاظ على وحدة المسلمين، ولم يبدأ بقتال، والفرق واضح في قتاله معاوية؛ فإنّ معاوية كان قد شقّ وحدة المسلمين وانتهى الأمر، بعد أن حاول أمير المؤمنين(عليه السلام) الحفاظ عليها ما استطاع، وإلاّ هل برأيك أنّ الواجب على أمير المؤمنين(عليه السلام) في ذلك الحين أن يترك معاوية ينفرد في جزء من دولة الإسلام بحجّة الحفاظ على وحدة المسلمين؟ وهل شقّ الصف إلاّ هذا؟! وهل سيبقى رادع أمام معاوية من ضمّ الأجزاء الأُخرى، كما فعل؟ أو يردعه شيء عن ادّعاء الخلافة، أو أنّه مع الحقّ، كما فعل؟ ثمّ هل تعتقد أنّ خروج عائشة وطلحة والزبير في البصرة كان وحدة للمسلمين أم ماذا؟ وما واجب خليفة المسلمين حيال ذلك؟ وهناك روايات عن هذا الموضوع سئل فيها الإمام(عليه السلام) نفسه، فأجاب عليها.. فقد روي عنه(عليه السلام): ((أنّه كان جالساً في بعض مجالسه بعد رجوعه من النهروان، فجرى الكلام حتّى قيل له: لِمَ لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟ فقال عليّ(عليه السلام): إنّي كنت لم أزل مظلوماً مستأثراً علَيَّ حقّي. فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين! لِمَ لـَم تضرب بسيفك ولم تطلب حقّك؟ فقال: يا أشعث! قد قلت قولاً، فاسمع الجواب وعِهِ، واستشعر الحجّة، إنّ لي أُسوة بستّة من الأنبياء(صلوات الله عليهم أجمعين): أوّلهم: نوح(عليه السلام)، حيث قال ربِّ: (( أَنِّي مَغلُوبٌ فَانتَصِر )) (القمر:10) ، فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلاّ فالوصيّ (يقصد نفسه عليه السلام) أعذر. وثانيهم: لوط(عليه السلام)، حيث قال: (( لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ )) (هود:80)، فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر. وإلاّ فالوصيّ أعذر. وثالثهم إبراهيم خليل الله، حيث قال: (( وَأَعتَزِلُكُم وَمَا تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ )) (مريم:48)، فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلاّ فالوصيّ أعذر. ورابعهم: موسى(عليه السلام)، حيث قال: (( فَفَرَرتُ مِنكُم لَمَّا خِفتُكُم )) (الشعراء:21)، فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلاّ فالوصيّ أعذر. وخامسهم: أخوه هارون(عليه السلام)، حيث قال: يا (( ابنَ أُمَّ إِنَّ القَومَ استَضعَفُونِي وَكَادُوا يَقتُلُونَنِي )) (الأعراف:150)، فإن قال قائل: أنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلاّ فالوصيّ أعذر. وسادسهم: أخي محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث ذهب إلى الغار ونوّمني على فراشه، فإن قال قائل: إنّه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر، وإلاّ فالوصيّ أعذر. فقام إليه الناس بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين قد علمنا أنّ القول قولك، ونحن المذنبون التائبون، وقد عذرك الله)) (18) . 5- إنّ الأنكى من ترك أمر الخلافة، هو ضياع التوحيد والنبوّة والرجوع جاهلية، كما كان هو عزم القوم لو استطاعوا!! 6- من قال: أنّ معاوية أراد كرسيّ الخلافة فقط؟! بل أراد محو الدين ومحقه؛ حسداً وبغياً للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبني هاشم، وأفعال معاوية التي نقلها التاريخ شاهدة بذلك. 7- على قياسك، فإنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان جباناً، والعياذ بالله، لأنّه لم يقاتل المشركين وحده في مكّة، وقاتلهم في بدر عندما وجد الأعوان على ذلك!! 8- إنّ المرتدّين خارجون عن المسلمين، فلا يقال لقتالهم: شقّ لوحدة المسلمين، وإلاّ لو أدخلتهم في المسلمين لكان هناك شقّ لوحدة المسلمين رغم أنفك، والمنافق غير المرتدّ، والكفر بالمعنى العام غير الكفر بالمعنى الخاص، فحكمهما مختلف. وأمّا عليّ(عليه السلام) فإنّه فلم يقاتل معاوية من أجل الملك؛ فإنّه كان ينظر للأمر من جهته على أنّه خلافة للمسلمين، وإلاّ فنحن ندّعي أنّ أبا بكر قاتل من أجل ملكه!! نعم، إنّ معاوية قاتل من أجل الملك، فهذا واضح، ولكن أي ربط بين الطرفين حتّى تعدّى حكم أحدهما إلى الآخر؟! وهل هذا إلاّ شأن الأنبياء والأولياء مع الجبابرة. 9- إنّ أحد أسباب ارتداد المرتدّين، هو استبداد أبي بكر بالخلافة، والتاريخ حكم بيننا، فأبو بكر هو الذي شقّ وحدة المسلمين، فقابله المرتدّون بالمثل، ولم يَسمُ فوقهم إلاّ عليّاً(عليه السلام). الجواب عن السؤال السادس من المغالطة: 1- لا يصحّ قياس الرسول والنبيّ على الوصي في أحكام الرسول والنبيّ الخاصّة، ويصحّ في الشامل لهما معاً، بل يكون في بعضها النبيّ أولى، كما مرّ عليك في الرواية السابقة عند جواب أمير المؤمنين(عليه السلام) لمن سأله عن علّة عدم قتاله غاصبي حقّه. وعليك أن تحدّد أوّلاً ما يجوز القياس فيه عمّا لا يجوز، وحديث (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) (19) يكفينا. فقولك بالقطع: (لا يصحّ) جهلٌ. 2- الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمر بالتنزيل وعليّ(عليه السلام) أُمر بالتأويل، كما في الحديث (20) ، مع أنّ هذا لا مدخلية له في الفرق بين الجواز وعدم الجواز. 3- وعليّ(عليه السلام) أيضاً لم يؤمر بإجبار الناس على الدخول في الدين، ولا على الدخول في أمر الإمامة والطاعة له، وقد عرفت الفرق بين المرتدّ والمنافق سابقاً، فلا نعيد. وما ذكرته من أسباب لقتال المرتدّ لا دخل له في المقام، فلا نطيل بردّه ونقاشه، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقتل المنافقين، وعليّ(عليه السلام) كذلك. 4- الأنبياء والرسُل مجتبون، نعم، وكذا الأوصياء، وإلاّ فهل لك أن تقول: أنّ الأنبياء عيّنوا الأوصياء من دون أمر الله؟!! ثمّ ما معنى الاجتباء؟ نترك الإجابة إليك، ونسأل: إذا كان مجيء لفظة (الاجتباء) في القرآن مساوية للنبوّة، فهل من لم تأتِ بحقّه في القرآن لم يكن نبيّاً؟ وما حكم أكثر الأنبياء الذين لم يذكروا في القرآن؟ وهل يجب ذكر كلّ من اجتبي في القرآن؟ ثمّ أنّه تعالى اصطفى مريم وغيرها في القرآن، فهل تحكم بأنّها نبيّة؟! نرجو الإجابة: بنعم أو لا، ولا نريد الدخول في معمعة المغالطات أيضاً!! ونرجو أن تأتي بنصّ من القرآن جليّ على أنّ مريم نبيّة!! ومن أساليب القرآن أن يذّكر بالسابقين ويذكر أسمائهم، ولم يذكر أي اسم للاحقين، وإنّما يذكرهم بصفاتهم وأعمالهم، ألا ترى أنّه لم يذكر اسم المهدي(عليه السلام) مع أنّه منصوص عليه عند جميع المسلمين بأنّه الذي سيحكم الأرض كلّها بعدل وسلام وأنّه سيحقّق الوعد الإلهي، مقابل لذكره ذي القرنين ونبيّ الله سليمان(عليه السلام). كما أنّه لم يذكر الدجّال مع أنّه ذكر فرعون وهامان. 5- إنّ لكلّ لفظة اجتباء في كلّ آية جئت بها معناها الخاص، يعرف ممّا تعلّق بها في الآية. 6- إنّ أحد معاني الاجتباء، هو: التفضيل والاختيار، وهو ليس مساوٍ للنبوّة. نعم، النبوّة اختيار وتفضيل، وكذا الإمامة والوصاية، والاجتباء والاصطفاء أعمّ. 7- لا نعرف ما العلاقة بين الاجتباء وتحديد ما كلّف به النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟!! وعلى كلّ حال فهذا السؤال كلّه تخليط في تخليط لم يظهر وجه الربط بين فقراته! الجواب عن السؤال السابع من المغالطة: 1- الظاهر أنّك لم تفهم معنى العصمة، فبعد أن سلّمت العصمة للإمام(عليه السلام) لا تستطيع أن تقول: لِم لَم يقاتل، وأنّ عدم قتاله مخالف للعصمة؛ إذ أنّ التسليم بالعصمة لا يترك مجالاً للسؤال عن أفعال المعصوم، فهي تعني: أنّ كلّ أفعاله مطابقة للصحّة وللأمر الشرعي، وأنّ قتاله في وقته صحيح، وعدم قتاله في وقته صحيح!!! ثمّ إنّك قد قلت: أنّه بعد التسليم بالعصمة لا يكون للمعصوم مثل باقي الناس (من جهة العصمة طبعاً)، فكيف تقيس أفعاله بعد ذلك على أفعال الناس، أو تزنها بميزان نفسك، وأنت من باقي الناس؟!! إنّا نعجب كيف ترتّب الأفكار في ذهنك، أو لعلّ هواك يغالط عقلك!! الله أعلم.. 2- إنّ مقياس أفعال المعصوم هو: الحكم الشرعي والأمر الإلهي والمصلحة الإلهية، لا المصلحة التي تفهمها أنت، وإلاّ لكان اختيار الشريعة والأنبياء والأوصياء بيد أمثالك، أو لنقل بيد الناس لا الله سبحانه وتعالى العالم بالغيب وحقائق الأشياء. 3- قد عرفت في ما سبق أنّ قتال أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يكن حكماً ضرورياً بديهياً ثابتاً في الإسلام، كوجوب الصلاة مثلاً، حتّى تستطيع أن تخدش بالعصمة عندما يثبت عدم فعله، بل بالعكس نحن نستمدّ الحكم الشرعي بخصوص القتال من نفس فعل الإمام(عليه السلام)؛ لأنّه إمام ووصيّ ومشرّع ومعصوم، وإن أبيت إلاّ جعل حكم القتال الوجوب فائتنا بالدليل رجاءً، ولا نرضى بالاستحسان والقياس والرأي وما شابه ذلك، فدين الله لا يقاس بالعقول، وليس الحكم متروكاً لك ولا للناس!!! وقد بيّنا سابقاً أنّ عدم القتال لا ينفي ولا يسقط حقّ الإمامة, فسؤالك ليس في محلّه. 4- إنّك تبني مغالطاتك على فرضيات من أوّل مغالطة إلى النهاية! ألم تسمع المثل القائل: (العرش ثمّ النقش)، يا أخانا! أثبت أوّلاً وجوب القتال وصوابه، ثمّ اعذر أمير المؤمنين(عليه السلام)، أو لا تعذره، ولا تبني الأوهام الجديدة التي تدّعيها منطقية على أوهام قديمة مغروسة في قلبك يرعاها الهوى والتعصّب. وأنت تقول: لو كان إنساناً عادياً لعذرناه، أي: هو ليس بإنسان عادي، ثمّ ترجع وتقيس أفعاله على أفعال الناس العاديين، بأن يجب أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا؛ لأنّه بنظرك أنّ الإنسان العادي يجب أن يفعل أو لا يفعل. فقل لنا: هل تستطيع أن تصف عدم قتال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والدعوة بالسرّ في مكّة على أنّه خنوع، والعياذ بالله؟ فما تجيب هنا نجيب هناك!! وخذ مثلاً فعل موسى(عليه السلام)، أو أي نبيّ من الأنبياء أيّهم شئت، فما تقول؟ الجواب عن السؤال الثامن من المغالطة: 1- أيّها الأخ! نضرب لك مثال عساك أن تعي ما نقول.. فلو أنّ هناك مالكاً لشركة ناجحة فرضاً بأعمالها التجارية ومشاريعها، فهل يصحّح هذا النجاح ملكية صاحب الشركة لها حتّى لو كان غاصباً لها؟!! لا ندري، متى تفهمون أنّ حقّ الإمامة لا تثبته الأفعال التي وقعت بعده، وإنّما هو حقّ إلهي، إثباته ونقضه بيد الله سبحانه وتعالى، ثمّ هل يصحّ نسبة النجاح التوسّعي والهندسي والتقني إلى مدير الشركة ولو كان جاهلاً وننسى المهندسين والعمّال المخلصين؟! فأين ذهب إيمان المسلمين واندفاعهم وإخلاصهم، وقوّة مبادئ الإسلام ومثله وعدله، التي كانت باقية حيّة بعد وفاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل مدّة قصيرة؟!! وقبل أن تعترض، نقول لك: ثبت بعشرات الأدلّة، وسنثبته مكرّراً في موضعه، جهل أبو بكر وعمر وعثمان بأبسط المسائل فضلاً عن كبيرها. نعم، لا ننكر فضيلة وقوّة ملكة المكر والخداع والقسوة وإدارة الدولة على خلاف المقياس الشرعي عندهم، فهذه الفضيلة يملكها كلّ الجبابرة من أوّل التاريخ لحدّ الآن. 2- ثمّ إنّك أخذت جانباً وتركت جوانب! فأين نسب النجاح على مستوى مُثل الإسلام ومبادئه التي ناضل من أجلها النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه، أو على مستوى القرآن وتشريعاته والحديث وتفريعاته؟ إلاّ إذا حسبت منع تدوين الحديث من المنجزات! وأين ذهبت حرمة المسلم ودمه وماله؟ إلاّ أن تحسب قتل مالك بن النويرة، ووطء زوجته (21) ، من الحفاظ على حرمة المسلم! وأين ذهب تأمير وتولية الثقة الأمين الكفوء؟ إلاّ أن تحسب تولية معاوية وبني أُميّة وأمثالهم من هذا الباب! وغيرها، وغيرها. وإن أصررت على الإنكار، فنقول لك: أوّلاً لنبحث هذه الوقائع ومثلها أضعاف، ثمّ نرجع إلى تسليم ما ادّعيت. أم تريدنا أن نغمض أعيننا ثمّ نقفز كما تريد أن تقفز أنت. وأيضاً، من قال: إنّ مقياس الأحقّية هو التوسّع وكثرة الفتوحات وقوّة الدولة بغض النظر عن مبادئ الإسلام؟! وإلاّ كانت أميركا الآن هي الأحقّ؛ لأنّها أقوى دولة وأكبر دولة، وكان رئيسها أحسن رئيس، وهذا ما لا يرضاه كلّ الناس فضلاً عن الأمريكيين أنفسهم. 3- كأنّك نسيت أيّها الأخ وأنت تقرّر هذه المغالطة أنّ أحد إشكالات أهل السُنّة على أمير المؤمنين(عليه السلام) هو: القتال الذي نشب بين المسلمين أنفسهم، وتقلّص حركة الفتوحات في زمنه حتّى سجّله المؤرّخون الأوربيون على أنّه لولا هذا التقلص بسبب فعل معاوية لما نجت أوربا، وقد صرّحت أنت آنفاً بأنّ وحدة المسلمين قد انشقّت في زمانه، وتأتي الآن لتقول: فعل عليّ(رضي الله عنه) في خلافته وامتداد رقعة الإسلام وكثرة الفتوحات يدلّ على الفعل الصائب والخير العميم والاستفادة العظيمة للأُمّة الإسلامية من فترة خلافته!!! ألم تقرأ التاريخ أم ماذا؟! ونحن الشيعة الإمامية لا نقيس الخلافة بهذا المقياس، فلا يرد الإشكال علينا أصلاً. ثمّ لا يوجد أي مؤرّخ ولا خبير سياسي، أو اجتماعي، أو أي باحث يصبّ كلّ اللوم في انحطاط الأُمّة على آخر خلفاء بني العبّاس، وإنّما يتدرجون في ذلك السابق فالسابق، وهذا ما نفعله نحن إلى أن نوصله إلى أوّل من غصب الخلافة وبنى هذا البنيان على الباطل، حتّى وصل أمر المسلمين بمرور الزمن إلى الوضع الراهن، وإلى هؤلاء الحكّام المتسلّطين علينا الآن. ومع ذلك فواقع المسلمين الآن لا يعطي ضابطة عقلية على أنّ كلّ من يتولّى فهو غير كفوء، أو لا دين له، أو... أو...، وإنّما يقوّمون حسب أفعالهم وسلوكهم الشخصي، ومدى قربهم أو بعدهم عن الإسلام، ثمّ يحكم عليهم. فربّما وجد هناك الحاكم الذي تنطبق عليه الموازين الشرعية، ولكنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً مقابل الانحطاط الشامل للمسلمين وقوّة أعدائهم الكثيرين. فالذي نريد أن نقوله: أنّ انحطاط المسلمين، وإن كان يعطي مؤشّراً عامّاً لواقع حكّام المسلمين على مرّ التاريخ، ولكنّه ليس ضابطة عقلية لا تتخلّف، تُطبّق على كلّ شخص شخص منهم، فإذا أردنا الحكم على كلّ واحد منهم بمفرده يجب أن نقيس أفعاله على مبادئ الإسلام وأحكامه، ولا يستثنى من ذلك أبو بكر أو غيره، وهل هذا إلاّ ما نفعله نحن وأنتم، ونتكلّم فيه منذ مئات السنين ولحد الآن، فيهدي الله من يهدي ويضلّ من يضلّ. وقاعدة: الأثر يدلّ على المؤثر فعلاً، تُطبّق في كلّ النواحي لا في ناحية دون أُخرى! فإذا رأينا في موضع أو في وقت فعلاً من شخص مخالف لحكم الله جعلناه كأثر يدلّ على ماهية ودين ذلك الشخص، أي فاعله!! وإذا جئت بالتأويل هنا جئنا بالتأويلات هناك، وإذا ادّعيت العقل والمنطق والفطرة السليمة، ادّعينا العقل والمنطق والفطرة السليمة والبديهية وحكم العقلاء وعرف الناس والقرآن والسُنّة والإجماع وسنن الله وأفعال الأنبياء، وما شئت فعدد!! الجواب عن السؤال التاسع من المغالطة: 1- بدورنا نسأل: هل هناك نصّ جليّ من القرآن على عدد ركعات الصلاة، أو فروض الزكاة، أو أفعال الحجّ، مثلاً؟ الجواب: لا. وعليه: يعدّ المسلمون الصلاة من أركان الدين، فهل هذا الأمر العظيم الجليل تُرك ذكره في القرآن؟ لا يعقل هذا!! فماذا تجيب؟! نعم، إنّك أجبت: بأنّه ذكر وجوب الصلاة ووجوب الجهاد... الخ؛ وأيضاً أقررت بذكر وجوب وجود إمام على الأُمّة، ووجوب وجود وصيّ لكلّ نبيّ، وأنّه سُنّة من سنن الله، ولم يذكر كما ادّعيت أنت (وجوب اختيار الإمام)، ولا تأتي بآية: (( وَأَمرُهُم شُورَى بَينَهُم )) (الشورى:38) حتّى لا تقع في التأويلات التي ترفضها وأنت لا تدري، مع أنّها أيضاً غير دالّة على مطلوبك حتّى بالتأويل، وتفسيرها في محلّه. والجواب عن السؤال هو: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفصّل لنا الأحكام من عدد ركعات الصلاة، وأفعال الحجّ، وغيرها، ومثله أيضاً يبيّن الإمام المختار من قبل الله سبحانه وتعالى لا من قبل الناس. فالسؤال الأساسي بيننا منذ مئات السنين هو: هل عيّن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خليفة أو لا؟ ولا داعي لما ذكرته أوّلاً من أسئلة، وقد سبقك أسلافك إليها، وأجاب عنها أئمّتنا بجوابهم المفحم. وإليك الجواب: ورد في (الكافي): ((عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59)؟ فقال: نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام). فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته(عليهم السلام) في كتاب الله عزّ وجلّ؟ قال: فقال: قولوا لهم: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم، حتّى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعاً، حتّى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) ، ونزلت في عليّ والحسن والحسين - فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): في عليّ: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه...) )) (22) الحديث. 2- وأمّا سؤالك عن الوصيّة، فسؤال سخيف! ألم تقل نحن لا نريد الدخول في التأويل والنقل، والبقاء على حكم العقل الفطري فقط، وهل سؤالك إلاّ رجوع إلى النقل والتأويلات؟! ثمّ ألم تقرأ كتب الشيعة الإمامية وأهل السُنّة حتّى تعرف أدلّة الشيعة على إثبات الوصيّة، وأدلّة أهل السُنّة على نفيها؟ ثمّ تقول: أين الوصيّة، ولِم لَم تُكتب؟!! كأنّك تريد أن نعيد لك تراث المسلمين كلّه منذ مئات السنين ولحدّ الآن. أيّها الأخ! العاقل يطّلع أوّلاً على ما كتب، ثمّ يأتي بسؤال جديد، ولا يجعل نفسه كمغفّل ويسأل سؤالاً أجيب عليه آلاف المرّات، ثمّ يدّعي التعقّل. نعم، نحن نقول: إنّ هناك وصيّة من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ(عليه السلام) بالخلافة، وأنّها مشهورة، وأنّه قالها أمام الناس، في عدّة مرّات، وبأساليب مختلفة، وبنصوص حديثية وصلت إلينا، وتسمّى بأسماء معروفة، كحديث الغدير والدار، والمنزلة، وغيرها. ثمّ لا نعرف الربط بين الصحيفة والوصيّة! فإنّ أحد أدلّة الوصيّة عندنا: صحيفة أراد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكتبها قبل وفاته لعموم المسلمين، فمنعه من ذلك عمر (الذي من المفروض أنّه في جيش أُسامة)، لمّا فطن لما ستحويه. ثمّ أوصى بها النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته خاصّة، ونقلتها الشيعة في كتبهم. فقولك: أين هي؟ ما هو إلاّ تغابي ليس إلاّ!! وقولك: لِم لَم تكتب وهي على تلك الدرجة من الخطورة؟ فنقول لك: ما قيمتها؟ بعد أن يجتمع المنافقون وزعماء قريش الذين قرّروا غصب الخلافة على أنّها هذيان من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - والعياذ بالله ــ! وهل سوف يبقى دليل حيّ مجسّد على هذيان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) غيرها؟ وبالتالي جواز هذيانه بالقرآن! فبطلان النبوّة فذهاب الإسلام! وهل غير هذا ما يريده عمر؟ فتركها الإنسان الكامل المسدّد من الله أفضل الأنبياء والرسل، حفاظاً على الإسلام ولم يكتبها أمامهم ووصى بها أهل بيته خاصّة. المغالطة الثانية: وفي الأخير نسأل: إذا كان آدم(عليه السلام) قد بيّن أحكام الله لولده وعرّفهم وصيّه فلماذا اختلفوا بعده؟ وكذا نوح وإبراهيم وبقية الأنبياء(عليهم السلام). وإذا كان موسى(عليه السلام) قد بشّر بعيسى(عليه السلام)، وكذا بخاتم الأنبياء(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبشّر عيسى(عليه السلام) بمحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلماذا اختلف بنو إسرائيل بعده ولم يؤمنوا لا بعيسى ولا بمحمّد؟ ولم يؤمن النصارى بمحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ وإذا كان قد بيّن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمسلمين أحكام الإسلام وعقائده؟ فلماذا اختلفوا بعده؟ وإذا كان قد بيّن (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم أحكام الوضوء، بل أكثر من ذلك، كان يمارسه أمامهم كلّ يوم، فلماذا اختلفوا فيه بعده؟ وهل كان السبب في كلّ ذلك سوى الهوى والدنيا والأنا والكفر والطغيان. إنّا لو قلنا: إنّ المقياس للحقّ هو: ((عدم الاختلاف))، لَما ثبت عندنا أحقّية نبوّة من النبوات، ولا كان هناك داعٍ لأن ينصّب الله للبشر حجّة وعلم على الحقّ، من رسل وأنبياء وأوصياء، فلا معنى لذلك، إذ يتفّق الناس على شخص فيكون هو الحقّ، ونبيّ أو وصيّ، ويختلفوا على آخر فيكون هو الباطل وليس نبيّاً ولا وصيّاً. ومن ذلك

2