عبد الله - السعودية
منذ 5 سنوات

ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام

أمّا ولاية عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) بمعنى أنّه وليّ لله تعالى، فأهل السُنّة مجمعون عليها؛ إذ لا شكّ في ذلك؛ لأنّه من السابقين للإسلام الذين قال الله فيهم: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ )) (التوبة:100). وتكفي شهادة النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) له في عدّة أحاديث، منها قوله: (أليس الله بأولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى قال: اللّهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه, اللّهمّ وال من والاه, وعاد من عاداه)، رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والبيهقي، بأسانيد صحاح. وأمّا إن كانت ولايته بمعنى أحقّيته بوراثة النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) في مقام الدين والدنيا, أي: أنّه الأحقّ بالخلافة من أبي بكر وعمر, فهذا غير مسلّم! للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه وأنّهما أحقّ بالخلافة، وكان هو نفسه(رض) معترفاً بهذا، لا ينازعهما فيه، وقد بايعهما بالخلافة. وفي تفضيل عثمان على عليّ خلاف بين أهل السُنّة, والأكثرون على تفضيل عثمان. أمّا الولاية له ولأولاده بالمعنى الذي يعتقده بعض أهل الزيغ، فهي مردودة؛ لأنّها بمعنى العصمة له وللأئمّة من ذرّيته, وأحقّيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين, وقد وجد كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم, ولأنّ أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم), بل هو بالتقوى والإيمان: (( إنَّ أَكرَمَكم عندَ اللَّه أَتقَاكم إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ )) (الحجرات:13). ومذهب أهل السُنّة والجماعة أنّه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, وعصمتهم في ما يتعلّق بتبليغ الوحي, وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها, وأهل البيت داخلون تحت قول النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم): (كلّ بني آدم خطّاء, وخير الخطّائين التوّابون)، رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، وحسّنه الألباني.. وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهي للناس جميعاً، وذلك في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عن أبي ذر(رضي الله عنه) وفيه: (يا عبادي! إنّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم).


الاخ عبدالله المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في السؤال فقرات عديدة يمكن الإجابة عليها حسب نقاط: النقطة الأوّلى: معنى (عليّ ولي الله)، هو تولّي شؤون إدارة البلاد والعباد بأمر من الله سبحانه، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى: (( إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، التي أجمع المفسّرون في نزولها بحقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه وهو في حال الركوع من صلاته (1) . وأيضاً المستفاد من قول المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) (2) ؛ إذ فسّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المراد من كلمة (مولى) - وهي بمعنى: الأولى، وبقية المعاني مصاديق له - بأنّها: ولاية الأمر، وهو معنى قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قرينة لفظية دالّة على ذلك: (ألست أولى بكم من أنفسكم؟) الدال على ولاية الأمر بكلّ وضوح، والتي أردفها النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله المتقدّم: (فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه). وقد فهم العرب الأقحاح الذين حضروا واقعة التنصيب هذه في غدير خمّ أنّه تنصيب للإمامة وقيادة الأُمّة من بعده(صلّى الله عليه وآله وسلّم). كما عبّر عن ذلك حسان بن ثابت شاعر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في نفس الواقعة، إذ أنشد قائلاً: يناديهم يوم الغدير نبيّهم ***** بخمّ وأسمع بالرسول مناديا يقول فمن مولاكم ووليّكم؟ ***** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت وليّنا ***** ولا تجدنّ منّا لأمرك عاصيا فقال له: قم يا عليّ؟ فإنّني ***** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليّه ***** فكونوا له أتباع صدق مواليا هناك دعا اللّهمّ وال وليّه ***** وكن للذي عادى عليّاً معاديا (3) إلاّ أنّ السياسة وغلبة الآراء وتفرّق المصالح أخذا بالمسلمين يوم ذاك شرقاً وغرباً فتمخّض عن ذلك مؤتمر السقيفة بين المهاجرين والأنصار، الذي أدّى إلى تنصيب أبي بكر خليفة للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في عملية انتخابية جرى فيها من التهديد والوعيد بين الطرفين، ممّا لا يليق بالمسلمين اليوم ذكره، أو التطرّق إليه. وعلى سبيل المطالعة فقط انظر: ما ذكره الطبري عن هذه الحادثة في كتابه (تاريخ الطبري) (4) . وأمّا قولك من أنّ أهل السُنّة مجمعون على ولاية عليّ(عليه السلام) بمعنى الولاية الذي تريده، فهم كما تعلم يثبتونه لغيره من أفاضل المسلمين أصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل لو شئت الحقّ يثبتون الولاية بهذا المعنى الذي تريده لكلّ المسلمين. وعند ذلك، فما ميزة عليّ(عليه السلام) ليختصّه ويفرده رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير بهذه الولاية إذا كانت عامّة لجميع المسلمين؟!! ألا ترى نفسك وأنّك تزري بشخصية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (نعوذ بالله) عندما تنسب مثل هذا التصرّف له؟! وتجعل ذلك الموقف يوم الغدير تحت الشمس الحارقة لذلك الجمع، ورسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرتقي أقتاب الإبل، ليقول قولاً متسالم عليه وثابت لجميع المسلمين!! تجعله سفاهة في سفاهة (نعوذ بالله) يعاب عليه أدنى الناس لو فعله! النقطة الثانية: كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على عليّ(عليه السلام) وأنّهما أحقّ بالخلافة منه. الجواب: لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل، وإنّما مستند هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل؛ فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تنسب إلى ابن عمر، كما هو الوارد في (صحيح البخاري) (5) . وبملاحظة سن ابن عمر على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكونه لم يبلغ الحلم بعد، يدرك أنّ عالمه هو عالم الصبيان! إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال لينقل حال المفاضلة هذه عندهم، كما هو واضح. والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة (أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ(عليه السلام))، فراويها جعدبة بن يحيى (6) ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في (لسان الميزان) (7) لننظر مصداقية نقله هذا بعد القدح الوارد فيه هناك. وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل عليّ(عليه السلام) على من سواه بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويمكن للمتتبع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية وأسباب نزولها ليجد موضع عليّ(عليه السلام) منها: آية المباهلة (61 من آل عمران)، آية التطهير (32 من الأحزاب)، آية المودّة (23 من الشورى)، آية الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي يشترك فيها معه أهل بيته(عليهم السلام) (56 من الأحزاب)، آية الولاية، سورة الدهر.. وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) وبيان منزلته ومكانته العالية. بل كفاه (عليه السلام) أن يكون حبّه علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة؛ إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً؛ وذلك حسب الحديث الوارد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الذي رواه مسلم: عن عليّ(عليه السلام): (إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق) (8) . وروى الترمذي في سننه في مناقب عليّ بن أبي طالب: بسنده عن أنس بن مالك، قال: (كان عند النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) طير. فقال: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي هذا الطير، فجاء عليّ فأكل معه) (9) ؛ قال المباركفوري في (تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي): ((وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه)) (10) . وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ): ((وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة أفردتها بمصنّف، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصلٌ)) (11) . فأحبّ الخلق إلى الله هو أكثر الناس اتّباعاً لنبيه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو أهل طاعته سبحانه؛ قال تعالى: (( إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ )) (آل عمران:31). ومن هنا كانت طاعته(عليه السلام) طاعة لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني). أخرج هذا الحديث الحاكم في (المستدرك)، والذهبي (تلخيص المستدرك)، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين (12) . والأفضل هو من تُطلق عليه كلمات، مثلاً: سيّد وإمام وقائد، كما في الحديث الوارد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أُوحي إليَّ في عليّ ثلاث: أنّه سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين) (13) . والأفضل هو مَن يكون خيرة الله من خلقه مع النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما في قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفاطمة(عليها السلام): (يا فاطمة أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ أطّلع على أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك، والآخر بعلك) (14) . أمّا كون أبو بكر وعمر أحقّ بالخلافة من عليّ(عليه السلام)، فهذا لا وجه له؛ إذ لم تكن الأحقيّة المدّعاة بتنصيب من الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلاً، أو إجماع من الأُمّة (للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة كما أشرنا إليه سابقاً)، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونه(عليه السلام).. فقد تواتر عن عمر بن الخطّاب قوله في أكثر من مورد ومورد: ((لولا عليّ لهلك عمر)) (15) . بل قال عمر في نفسه: ((كلّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال)) (16) .. وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله: ((أقيلوني فلست بخيركم)) (17) . وصرّح عمر بن الخطّاب - وهو أوّل من اختار أبا بكر وبايعه على الخلافة ــ: ((إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها)) (18) . وأخيراً، فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم، وأنت تعلم أنّ هذا ليس بحجّة في المناظرة! ألا ترى أنّا ما ذكرنا لك واحتججنا عليك إلاّ بما ورد في كتبكم ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا؟! وإلاّ فعندنا أنّهم: لا فضل لهم حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع عليّ(عليه السلام)!! وأمّا تفضيل عثمان على عليّ(عليه السلام)، فلا نعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم! وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته(عليه السلام) لهما، فلا نسلّم به، بل إنّه(عليه السلام) طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أُكره. وما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا مع أنّه ضعيف في نفسه. النقطة الثالثة: الولاية لعليّ(عليه السلام) وأولاده. الجواب: التولّي لعليّ(عليه السلام) وأولاده الأئمّة الأحد عشر(عليهم السلام) من بعده لم يكن وليد رأي، أو اجتهاد، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو بفعل عامل القرابة والمصاهرة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة التي دعت إلى ولاية عليّ(عليه السلام) وأهل بيته. فقد ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين المتواتر المشهور: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً) (19) . وواضح لمن له أدنى مسكة علم، أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو: الاتّباع والأخذ بهديهما، وهو معنى الولاية لهما. وقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتدِ بالأئمّة من بعدي؛ فإنّهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ورُزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) (20) . وقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من أحبّ أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، وهي جنّة الخلد، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده؛ فإنّهم لن يخرجوكم باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة) (21) ، وقول ابن حجر: أنّ في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي، وهو واهٍ (22) ، مردود؛ لأنّ يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتّفاق، كما أنّه من رجال الصحيحين البخاري ومسلم، وعدّه أبو الفضل القيسراني وغيره ممّن احتجّ بهم الشيخان (23) . وأمّا عصمة أهل البيت(عليهم السلام)، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها؛ إذ جعل الله سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً، كما قال تعالى: (( أَفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ )) (يونس:35). أمّا قولك: ((أنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة))، فهو خلط منك؛ لأنّ معنى الولاية شيء وهو خلافة الله في أرضه، والولاية في شؤون الدين والدنيا، ومعنى العصمة شيء آخر، وهو: العصمة من الخطأ والنسيان وكلّ منفّر للناس من أوّل حياته إلى آخرها. نعم، نحن نقول: لا بدّ للوليّ أن يكون معصوماً؛ إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتّباعه فيه، فلا تكون له ولاية عليهم، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها؛ فافهم! وأمّا قولك: ((كما يعتقد أهل الزيغ))، فأهل الزيغ من يزيغوا عن الدليل، فهلّم للدليل؟ وما نراك إلاّ تحتجّ بما لقنه لك من قبلك، وتبني دليلك على مبادئ وعقائد نحن لا نسلّمها لك، فكيف تحتجّ علينا بها؟! فاثبت ما تدّعيه أوّلاً، ثمّ احتجّ به!! ومثاله: قولك: ((قد وجد كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم))، فأين دليلك عليه؟! بل راجع تراجمهم تجد أنّهم أفضل الناس، بل عندنا أنّهم: أفضل الخلق بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم). ثمّ إنّك تقول: ((أنّ بعض الصحابة أفضل منهم))، لو سلّمنا، فانّه لا يلزم التناقض! لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابياً أفضل من بعض الأئمّة(عليهم السلام)، ولكنه ليس أفضل من الوليّ في زمنه وهو عليّ(عليه السلام)، أو الحسن أو الحسين(عليهما السلام). ونحن على أقل الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه؛ فتأمّل! ثمّ متى ادّعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب؟!! نعم، إنّ القرابة منقبة وفضيلة، ولكن ليست هي المقوّم للولاية، وإنّما الولاية اختيار من الله ونصّ من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم، وكلّ إمام على الإمام الذي بعده، فما تقوله هو من فضول الكلام. ونحن إذا كنّا نتّبع ما يقوله أهل السُنّة في عقائدهم (ومثالاً له: ما تقوله في أنّ العصمة للأنبياء فقط في تبليغ الوحي)، لكنّا من أهل السُنّة ولسنا من أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، والدليل من الكتاب والسُنّة بخصوص عقيدة العصمة بيننا وبينكم، وإن أردت فراجع كتبنا. وأمّا ما ذكرت من الحديثين بعد الغضّ عن البحث في السند، فإنّ فيهما قضية كلّية لا مانع من تخصيصها بدليل آخر عقلي أو نقلي، وإلاّ كيف ناقضت نفسك وأخرجت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منهما؟!! فما تقول في الجواب نقوله بخصوص أئمّتنا(عليهم السلام). ودمتم في رعاية الله

2