احمد ناجي - النرويج
منذ 4 سنوات

مناظرة الشيعي و السني

بسم الله الرحمن الرحيم أنقل لكم هذه المناظرة المزعومة التي ذكرت في منتديات الدفاع عن السُنّة الوهابي، وأرجو الردّ عليها. ************************* حوار مع شيخ شيعي إيراني في الحرم المكّي الشريف بتاريخ (26/4/1423هـ): سبب المناظرة: صلّى أحد الشيعة الإيرانيين بجوار أحد السُنّة من أهل القصيم بعد مغرب يوم السبت 25/4/1423هـ في بيت الله الحرام بمكّة المكرّمة, فرفع يديه للقنوت في صلاته. فأبدى السُنّي استغرابه من ذلك، وطرح سؤاله على الشيعي، فأجابه بشدّة: بأنّ هذه هي صلاتنا نحن الشيعة، ثمّ أردف أنّ الشيعة على الحقّ وأنّه مستعد لمناظرة أهل السُنّة، بل ويتحدّاهم. ففزع السُنّي بعدها يبحث عمّن يناظر هذا، فالتقى في الحرم بأحد طلاب العلم له جهود في دعوة الشيعة، اسمه: عبد الله، يعرفني، فقام بالاتّصال بي وأخبرني عن تحدّي هذا الشيعي, فاجتمعنا بعد صلاة ظهر يوم الأحد 26/4/1423هـ للتفكّر في أمر هذا المتحدّي والإعداد لمناظرته, وتمت المشاورة في الأمر مع أحد الشيوخ من جامعة الإمام، ومعه أحد القضاة (كنّا نجلس معهما في الحرم)، فأشارا أن أبدأ معه في الحوار ويشارك معي طالب العلم عبد الله، ويكون بحضور صاحبي الفضيلة. وكان هدف الشيخين من ذلك ألاّ يأخذ الشيعي لنفسه مكانة عندما يحاور شيوخ السُنّة الكبار، فيفخر بذلك على أهل السُنّة. الاستقبال: وبعد صلاة العصر بمدّة أحضر السُنّي القصيمي الشيعي, فأقبلت بالتّرحاب بهما وأجلسنا الشيعي في مكان متوسط مناسب بين الجميع يستند إلى أحد الأعمدة في الحرم... بدء الحوار: ثمّ أخذ الحوار يأخذ شكله الجدّي: سألته: هل صحيح بأنّك جئت للتحدّي كما يقال? أم لعرض ما عندكم والدعوة إليه? أم لمعرفة الحقّ? أجاب: بل لعرض ما عندنا والدعوة إليه, وأنا واثق ممّا عندي. قلت: هذه صراحة وصدق منك, وأتمنى أن تكون معي صادقاً طوال الحوار, وأن لا تستخدم التقيّة, فهل أنت مستعد لذلك? قال: لن أستخدم التقيّة (وأشاح بوجهه وكأن هذا الطلب ثقيل عليه)، وقال: نحن لا نستخدم التقيّة إلاّ عند الخوف. سألته: ما مكانة الإمام عليّ عندكم؟ قال: هو إمامنا وهو معصوم، لكنّنا لا نعتقد به الغلوّ، فهو بشر. قلت: لقد حذّر الإمام عليّ في (نهج البلاغة) من الغلوّ فيه، فقال: (يهلك في صنفان محبّ غالٍ ومبغض غالٍ). قال: صحيح. قلت: ما معنى معصوم عندكم? قال: أي لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا النسيان. قلت: وهل هذا لعليّ وحده? قال: للإمام عليّ ولباقي الأئمّة، ومن قبلهم الرسل والأنبياء. قلت: ولكن الله سبحانه ذكر في القرآن أنّ آدم عصى! قال: وهو يبتسم. تعني قوله تعالى: (( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )) (طه:121)؟ قلت: نعم. قال: هذا ليس مقصود به العصيان. قلت: كيف? قال: دعنا من هذا، ولكن الإمام عليّ منصوص عليه بالخلافة من الله، واغتُصب حقّه، وهُمّش بعد وفاة رسول الله. قلت: لم يهمّش، فهو من خيرة الصحابة، وهو من العشرة المبشّرين بالجنّة، وزوج فاطمة(رضي الله عنها)، وفضائله عديدة لا ننكرها. قال: هناك أحاديث عندكم في الصحاح الستّة وفي (كنز العمّال) بأنّه يكون الخلفاء بعدي اثنا عشر بأسمائهم، كما في صحيح البخاري. قلت: أوّلاً لا يوجد عندنا شيء اسمه الصحاح الستّة, لأنّه يوجد البخاري ومسلم والباقي المسند والسنن, وأنتم تذكرون أنّها صحاح لتقولوا للعامّة منكم وعوام السُنّة بأنّ كلّ ما فيها صحيح, وتأخذون رواية غير البخاري ومسلم في المسند أو السنن وهي ضعيفة أو موضوعة فتحتجّون بها على أهل السُنّة! وهذا الحديث الذي تذكره غير صحيح، وليس في البخاري ولا مسلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة التي وضعها الشيعة ودسّوها في كتب السُنّة. قلت: أرجو السماح بالعودة إلى موضوع العصمة. (الشيعة من طرقهم في الحوار المراوغة والتنقل في مواضيع الحوار قبل إشباع الموضوع حتّى لا تلزمهم الحجّة). قال: مقاطعاً (لم يقبل العودة للعصمة)، أيضاً فإنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند مرضه طلب أن يكتب بالخلافة لعليّ، فمنعه عمر، وقال: أنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يهجر. قلت: وما يدريكم أنّ رسول الله أراد الكتابة لعليّ? وعندنا من الأحاديث الصحيحة التي تدلّ على أنّه أراد الكتابة لأبي بكر, منها لما كان في مرضه يوم الاثنين الذي قبل الاثنين الذي توفّي فيه, لمّا قال لعائشة(رضي الله عنها)، وفيه الحمى: (ادع لي أباك وأخاك). قال: مقاطعاً (رضي الله عنها). قلت: جميل أن تترضّى عن أُمّ المؤمنين عائشة, وأرجو ألاّ يكون ذلك تقيّة. فسكت. قال: لكن الشيخين أبو بكر وعمر(رضي الله عنهما) أغضبا فاطمة الزهراء وكسر عمر ضلع فاطمة, وقد قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني). قلت: أما أنّك تترضّى عن الشيخين، فأرجو أن لا يكون ذلك تقيّة مرّة أُخرى.. وعليّ(رضي الله عنه) عندنا شجاع لا يمكن أن يسكت على كسر ضلع فاطمة، لو كان ذلك صحيح, ثمّ أنّه أصلاً كيف يمكن لفاطمة أن تذهب لأبي بكر وحدها?! وتذهب لعمر وحدها?! دون أن يكون معها عليّ أو أحد محارمها? أمّا مسألة الإغضاب لو صحّت، فأوّل من أغضب فاطمة هو عليّ، حينما خطب ابنة أبي جهل، كما في الصحيح عندنا, فشكت لأبيها رسول الله فعل عليّ، فصعد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنبر، وقال: (فاطمة بضعة منّي...) وليس المقصود غير عليّ في أن لا يتزوج على فاطمة، لأمر محدود ومخصوص لا غير, وهذه من حكمة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الطريقة غير المباشرة في الكلام، فما أراد أن يقول لعليّ مباشرة, ثمّ إنّنا أصلاً مطالبون بطاعة الله ورسوله لا فاطمة. قال: هل قرأت كتاب الغدير? قلت: الصحيح أنّي قرأت فيه ولم أقرأه كلّه, لكن الحديث الذي تحتجّون به معروف عندنا. قال: اقرأه، فقد قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غدير خمّ: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه, اللّهمّ عاد من عاداه, ووال من والاه, وانصر من نصره, واخذل من خذله, وأدر الحقّ معه حيث دار..). قلت: هذا الحديث لا يصحّ منه إلاّ: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه)، أمّا: (اللّهمّ عاد من عاداه، ووال من والاه) فضعيف, والباقي موضوع. قال: وهل من المعقول أن يجمع الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الناس في الحرّ لينادي بأنّه: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه) فقط هكذا? بل أراد أن يعلن بأنّه الخليفة بعده. قلت: وما يدريك إن كان ذلك في شهر حرّ? وأمر آخر فهذا الحديث له سبب وهو أنّ رسول الله قد بعث عليّ(رضي الله عنه) للدعوة في اليمن, فوجد بعض أصحابه منه شيء من الشدّة, فلمّا عاد وبلغ ذلك الرسول قال هذه المقولة في عليّ. مداخلة من الشيخ التويجري: إنّ كلمة (مولى) في لغتنا العربية لها معانٍ متعدّدة, ونحن عرب، والقرآن نزل بلغتنا. فهي تعني: المحبّة والنصرة والاتّباع.. وهذه للمؤمنين جميعاً. قال: صحيح, فلو نزل القرآن على العرب بغير لغتهم العربية فإنّهم لا يؤمنون به كما ذكر الله عنهم، حيث قال الله في القرآن: (لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا أأعجمي... وعربي..)(لم يعرف تكملة الآية ولم يأتِ بها على الوجه الصحيح). قال الشيخ: الآية ليست كما ذكرت، (وأخذ الشيخ المصحف وقرأ الآية الكريمة قوله تعالى: (( وَلَو جَعَلنَاهُ قُرآناً أَعجَمِيّاً لَقَالُوا لَولاَ فُصِّلَت آيَاتُهُ أَأَعجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ فِي آذَانِهِم وَقرٌ وَهُوَ عَلَيهِم عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَونَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ )) (فصّلت:44). قال: قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنا مدينة العلم وعليّ بابها). قلت: هذا الحديث موضوع. قلت: فلنعد إلى العصمة وقولك: أنّ الأنبياء لا ينسون، وهذا يخالف ما ذكره الله في القرآن الكريم في سورة الكهف في قوله تعالى: (( فَلَمَّا بَلَغَا مَجمَعَ بَينِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحرِ سَرَباً )) (الكهف:61)، فهذا نبيّ الله ورسوله موسى(عليه السلام) وفتاه نبيّ الله يوشع بن نون عليهما وعلى نبيّنا الصلاة والسلام نسيا حوتهما, ثمّ إنّ موسى(عليه السلام) نسى مرّة أُخرى، كما ذكر الله ذلك في سورة الكهف في قوله تعالى: (( لاَ تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيتُ )) (الكهف:73), فمن نصدّق? هل يمكن أن نتّبع علماءكم الذين يقولون بأنّ الأنبياء لا ينسون ونترك قول الله تعالى?! قال: القرآن فيه ظاهر وباطن, وليس معنى ذلك أنّه نسيان. قلت: أنا كنت أنتظر أن أسمع أحد من الشيعة يذكر هذه المقولة التي أقرؤها في كتبهم وحواراتهم؛ لأنّ ردّها منطقي سهل. فإذا كان المعنى الباطني لكلمة (( نَسِيَا )) أو (( نَسِيتُ )) التي في سورة الكهف, أنّ موسى(عليه السلام) لم ينسى! فتصبح كلّ كلمة أمر أو نهي في القرآن لها معنى معاكس! مثل قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )) (البقرة:43) يكون معنى ذلك لا تقيموا الصلاة ولا تؤتوا الزكاة! وقوله تعالى: (( وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَا )) (الإسراء:32) يكون المعنى عكس ذلك! وقوله تعالى: (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) (الإسراء:32), يكون المعنى أيضاً عكس ذلك! فهل منطقياً أو عقلياً يمكن أن يستقيم معنى أو كلام بهذا? وما فائدة إنزال القرآن? وكيف يتمّ الائتمار بأوامره، والانتهاء بنواهيه، والاحتكام إليه، والأمر من الله بتدبّره? وكيف يكون القرآن كما قال تعالى: (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )) (الشعراء:195)? وقوله تعالى: (( وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ )) (القمر:17)?... الخ, فهل بعد هذا تقول أنّ موسى نسى أم لم ينسى? قال: ربّما يكون معناها: أنّه نسى. قلت: تقول: ربّما? فابتسم وسكت. قلت: قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)، لقد صلّى عليّ(رضي الله عنه) خلف أُبيّ، ثمّ صلّى علي خلف أبي بكر بعد وفاة الرسول, وصلّى خلف عمر، وخلف عثمان، وكان وزيراً لهم جميعاً، كما أنّه لم يغيّر بعد تولّيه الخلافة شيء ممّا كان على عهد أبي بكر وعمر وعثمان من أُمور الدين أو القرآن... الخ, وقد كانت علاقته بهم جميعاً علاقة محبّة وطاعة, وزوّج ابنته أُمّ كلثوم من عمر(رضي الله عنه), وقد سمّى أبناءه: أبو بكر وعمر وعثمان، وكذلك سمّى بهذه الأسماء الحسن والحسين وغيرهم من آل البيت, فلو كان عليّ وأبناءه يكرهون الخلفاء الثلاثة كما يزعم الشيعة، فهل يسمّون أبناءهم بأسمائهم?! فهل ترضى أنت أن تسمّي أبناءك بأسماء من تكرههم، هل يمكن أن تسمّي ابنك شمراً، أو يزيداً، أو شاروناً مثلاً. قال: لا. قلت: نحن نطالب الشيعة فقط باتّباع وطاعة عليّ وأبنائه(رضي الله عنهم) في ما ورد عنهم في الروايات الصحيحة, وهذا كتاب (نهج البلاغة) الذي يجمع الشيعة على صحّة كلّ ما فيه, أليس كذلك? قال: نعم. قلت: فيه كلام الإمام عليّ حسب ما رويتم, وهو يمدح أبا بكر وعمر وعثمان وأصحاب رسول الله(رضي الله عنهم أجمعين) في مواضع كثيرة، منها: في ص 446 من (نهج البلاغة) شرح محمّد عبده, قوله: (إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه, فليس للغائب أن يرد ولا للحاضر أن يختار, وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً، كان لله رضى). فهذا عليّ يحتجّ على معاوية(رضي الله عنه) ويستشهد على صحّة بيعته ببيعة المهاجرين والأنصار لأبي بكر وعمر وعثمان, فهل شهود عليّ الذين بايعوه وبايعوا من قبله من الخلفاء عدول وثقات أم أنّهم كفّار مرتدّون عند علماء الشيعة?! هل رجال عليّ وأتباعه كفّار لأنّهم بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان? إنّ في كتاب (نهج البلاغة) أكثر من ثلاثين رواية من كلام الإمام عليّ يخالفها الشيعة، ولو اتّبع الشيعة شيئاً منها لصاروا من أهل السُنّة. (ثمّ أهديناه كتاب (تأمّلات في كتاب نهج البلاغة) لمحمّد الصادق). وعليّ يقول في هذا النص: (إنّما الشورى للمهاجرين والأنصار, فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً، كان لله رضى)، فالمهاجرون والأنصار اجتمعوا في السقيفة واختاروا أبا بكر إماماً وكان لله رضى, فهذا الكلام يبيّن الاعتقاد الصحيح في الإمامة، والذي عليه أهل السُنّة والجماعة, فأين الشيعة من هذا? وهل الشيعة يعتقدون بهذا? بل هم يرون أنّ الإمامة تعيين من الله ووصية من محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ وأبنائه الأحد عشر من بعده?! قال: لكن معاوية كفر بقتاله الإمام عليّ في موقعة صفّين. قلت: عليّ لم يقل ذلك في (نهج البلاغة) كما رويتم, ولكنّه قال في حقّ أهل الشام: (لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا)، فيدلّ ذلك على أنّهم مؤمنون, وقد بيّن الله في القرآن حكم البغاة في قوله تعالى: (( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمرِ اللَّهِ... )) (الحجرات:9), وفي الحديث قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ويحك عمّار تقتلك الفئة الباغية)، وهذا الحديث موجود عندكم أيضاً, فدلّ على أنّ جماعة معاوية الذين قتلوا عمّارا بغاة وليسوا كفّاراً. ظَلّ يستمع ولم يجب بشيء. مداخلة عبد الله: أنا أريد أن أسألك: هل الذين تدّعون لهم العصمة تقابلونهم وتأخذون منهم دينكم الآن، أم أنّكم تأخذون من المراجع والعلماء؟ قال: من المراجع والعلماء. قال عبد الله: تقولون أنّ الأئمّة معصومين من الخطأ والسهو والنسيان فلا تجوز عليهم الذنوب صغيرها وكبيرها؟ قال: هذا صحيح. قال عبد الله: هذا دعاء كميل المروي عندكم عن عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) (وأخرج نسخة عنده وقرأ قوله في الدعاء: (اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيّر النعم, اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء... اللّهمّ اغفر لي كلّ ذنب أذنبته)، وقد كرّر علي طلبه من الله في هذا الدعاء بأن يغفر الله ذنوبه, فما قولك أنت: هل عليّ له ذنوب، أم ليس له ذنوب?. (وكان البلوشي يبتسم). قال: لو كان الإمام يخطئ فكيف يبلّغ عن الله, علي هنا في هذا الدعاء يعلّمنا كيف ندعو الله. قال عبد الله: عليّ يتكلّم عن نفسه، ولم يقل: يا أيّها الناس أُدعو الله بكذا.. ثمّ أمر آخر: هؤلاء الرواة الذين تأخذون عنهم وليسوا بمعصومين لا بدّ من التثبّت من رواياتهم, وأنتم لم تحرصوا مثل أهل السُنّة في ذلك، بل رويتم عن الملعونين والكفّار، مثل: زرارة بن أعين، الذي قال فيه الإمام جعفر: (لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، زرارة شرّ من اليهود والنصارى، ومن قال أنّ مع الله ثالث ثلاثة)، وهذا في (رجال الكشّي), كما يذكر الكشّي روايات كثيرة في الطعن على زرارة، وتطاوله على الإمام جعفر، حتّى تجرّأ أن قال: ضرطت في لحيته. قلت: لقد بيّن علماء الشيعة هذا الخلل في الرواة والمرويات عندهم, يقول العلاّمة الحلّي في كتابه (رجال الحلّي ص 137) وهو يقرّر حقيقة واقعة وطريقة عندهم: ((الطعن في دين الرجل لا يقتضي الطعن في حديثه)). قال: يمكن أن نأخذ الخبر من إنسان صادق بغضّ النظر عن معتقده، والمقصود بهم: الفرق الإسلامية المخالفة. قلت: عبارة الحلّي عامّة والواقع أنّكم تكفّرون هذه الفرق مثل الفطحية والهشامية والناووسية والواقفة. فكيف تروون عنهم؟ هل يأخذ الإنسان المسلم دينه من الكفّار? قال: الآن الدول الأُوربية النصرانية نستورد منها البضائع والمصنوعات، فهل نأخذ ما ينفعنا منهم أم لا? قلت: نأخذ منهم ما ينفعنا لكن ما يتعلّق بالدين فلا.. ويقول محمّد الحسن الطوسي صاحب كتاب (الفهرست) في ص28: ((كثير من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة)), فهذا اعتراف بفساد مذاهب كثير من علمائكم, فكيف تأخذون من الفاسدين?! وهل يمكن اتّباع الفاسدين?! وهناك روايات في كتبكم على هذا المنوال تذمّ رجالكم ورواتكم ومصنّفاتكم، وتطعن في كتبكم. سكت ولم يجب. قلت: هذا مثلاً كتابكم (الكافي) للكليني، يمكن أن نثبت الآن سقوط رواياته في دقائق. قال: كيف? قلت: ثلث رواياته من مجهولين، وفي سندها قوله: عن رجل.. عمّن حدّث به.. عن من ذكره.. عن من أخبر به.. عن بعض أصحابه.. عن بعض أصحابنا.. عن بعض الكوفيين.. عن بعض العراقيين.. عن أهل السواد.. عن بعض الموصليين... الخ، فهل هذه الروايات يمكن أن يؤخذ بها؟! قال: هذه تعتبر عندنا ضعيفة. قلت: ولكن مراجعكم وعلماؤكم يأخذون بهذه الروايات.. والثلث الثاني مجهولين مبهمين بطريقة أُخرى، ولعلّ الكليني خشي من أن ينكشف الأمر فنوّع الطرق, وذلك عندما يذكر السند بطريقة فلان ابن فلان, اسماً ليس لها مسمّى, اسم الرجل واسم أبيه فقط وهو غير معروف, وكم في الكوفة أو البصرة مثلاً من اسم عبد الله بن سعد، أو حسن بن عليّ? قال: هذه الطريقة موجودة في السند عند أهل السُنّة, مثل: عبد الله بن عمر، أو عبد الله بن عبّاس. قلت: وجود الطريقة لمن هم معروفين مشهورين, وهناك كتب للرجال في زمانهم تفصّل وتبيّن معلومات كافية عنهم، وتعرّفهم لمن يأتي بعدهم, ورواة الشيعة ليس لهم ذلك الاهتمام بعلم الرجال, كما هو معروف. قلت: الصنف الثالث: رواته معرفين بأسمائهم ومشهورين عند الفريقين، ولكن ماذا قيل فيهم في كتب الرجال، عند الشيعة قبل أهل السُنّة? لمطاعن عليهم لا تحصى قيل فيهم: كفّار ملعونين ساقطين على لسان الأئمّة. مثل: زرارة بن سنسن بن أعين, وهشام بن سالم الجواليقي, ومحمّد بن الخطّاب, ومحمّد بن سنان, وهشام بن الحكم, وجابر بن يزيد الجعفي, والمفضّل الجعفي, وغيرهم. مداخلة القاضي: قال الله تعالى: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعاً سُجَّداً يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضوَاناً سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ )) (الفتح:29). فلو قلنا: بأنّ زعيماً ما، كالخميني مثلاً, رجاله وجنوده وأعوانه وأصحابه وأقرب المقرّبين إليه كلّهم خونة إلاّ عدداً لا يبلغ العشرة, فهل يعدّ زعيماً ناجحاً أم فاشلاً? فكيف يمكن أن يقال في أصحاب رسول الله ما قيل من قبل الشيعة, وهل هذا إلاّ طعناً في الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! قال: إنّ في إيران الآن جهود إصلاحية يتزعّمها خاتمي لتنقيح بعض الشوائب الموجودة, ولكن هناك معارضة من المتشدّدين. في ختام المناظرة طالبت الشيعي الإيراني بالرجوع إلى كتبهم والتأكّد ممّا تطرّقنا إليه, ومراجعة النفس في مصيرها، فالإنسان معرّض أن يلقى ربّه في أيّ لحظة, كما دعا له الشيخ التويجري والحاضرون بأن يهده الله إلى الحقّ, وطلبنا منه أن يدعو بهذا الدعاء: (اللّهمّ أرني الحقّ حقّاً وارزقني اتّباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه). ثمّ قال له عبد الله (مبتسماً): هل نهنئك الآن على أنّك تحدّيت أهل السُنّة? ثمّ أخذت اسمه وبريده الإلكتروني. أجرى المناظرة مع الشيعي: الشيخ محمّد الصادق، الذي اهتدى على يديه بفضل من الله عدد من الشيعة، وهو صاحب كتاب (تأمّلات في كتاب نهج البلاغة)، نسأل الله أن يتقبّل منه صالح أعماله، وأن يجعلها في ميزان حسناته. *************************


الأخ احمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سواء صدقت هذه المناظرة أم لا، فنحن سنجيب عن الأسئلة والمناقشات الواردة فيها خدمة للعلم وأهله. أوّلاً: عصمة الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام): هذا البحث كتب فيه علماؤنا وكثير من مثقفينا وقد أشبع بحثاً وتحقيقاً، وذكرنا فيه أجوبة عديدة تحت عنوان (العصمة)، وهي شاملة لكلّ ما طرح في هذه المناقشة، خاصّة ما نسب إلى آدم(عليه السلام) من معصية، وإلى موسى(عليه السلام) من نسيان؛ فراجع! ثانياً: حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر: هذا الحديث صحيح مستفيض عن جابر بن سمرة، رواه البخاري في صحيحه بلفظ (اثنا عشر أميراً)، ومسلم من خمسة طرق، وأحمد من ستّة طرق (1) . ونقول: قد حار أهل السُنّة في بيان الخلفاء المشار إليهم بالعدد والقبيلة والصفات في هذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة، ودخلوا في حيص بيص من هذه الناحية، ويمكنكم أن تراجعوا كتاب (مسائل خلافية حار فيها أهل السُنّة ص7 - 46) للشيخ علي آل محسن، لتجدوا أنّ هذه المسألة هي إحدى المسائل المحتار فيها عندهم، وقد بيّن الكاتب هذه الدعوى بالأدلّة والبراهين القاطعة. بينما نجد بعض علماء أهل السُنّة قد أنصفوا من هذه الناحية وذكروا الحقّ في الموضع، وقالوا: أنّ المراد بالخلفاء الاثني عشر هم: الأئمّة من آل البيت(عليهم السلام)، كالحافظ سليمان البلخي القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودّة)، وأنّ القول المذكور - بأنّ الخلفاء الاثني عشر هم أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) - هو قول بعض المحقّقين (2) . وأمّا قول الوهابي: ((وهذا الحديث الذي تذكره غير صحيح، وليس في البخاري ولا مسلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة التي وضعها الشيعة ودسّوها في كتب السُنّة))، كذب شنيع ينبئك عن مقدار ورع مثل هؤلاء. ثالثاً: حقّ عليّ(عليه السلام) بالخلافة: حقّ عليّ(عليه السلام) بالخلافة أمر معلوم مشهور تشهد له النصوص المتناثرة في كتب الحديث، بل هناك نصوص وأحداث ذكرها البخاري ومسلم تشير إلى هذا الحقّ رغم المحاولات الكبيرة التي كانت تمارسها السلطات الأموية ومن ثمّ العبّاسية - وهو الزمان الذي دوّنت فيه الأحاديث - من طمس هذه الحقيقة وتغييبها عن الوعي الإسلامي. فقد روى البخاري - واللفظ له - ومسلم: ((عن إبراهيم بن الأسود، قال: ذكروا عند عائشة أنّ عليّاً(رضي الله عنه) كان وصيّاً. فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري، أو قالت: حجري، فدعا بالطست فلقد أنخنث في حجري، فما شعرت أنّه قد مات، فمتى أوصى إليه؟)) (3) . ولا نريد أن نناقش في صحّة هذه الرواية وأنّها معارضة برواية أُخرى صحيحة أيضاً - بحسب المباني الحديثية عند أهل السُنّة - بأنّ أقرب الناس عهداً برسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو عليّ(عليه السلام) (4) . وربّما في مقام الترجيح تكون الثانية أرجح من الأُولى؛ لما ورد في الأُولى من جرّ النفع إلى صاحبها، إذ نفي الوصية عن عليّ(عليه السلام) من قبل عائشة فيه نفع لأبيها - أبي بكر - في مسألة الخلافة... بل الذي نريد أن نقوله هنا هو: أنّ التسامع بالوصية في حقّ عليّ(عليه السلام) له جذور أصيلة وحقيقة كانت محلّ كلام وأخذ وردّ بين الصحابة أنفسهم.. فموضوع الوصية والخلافة لعليّ(عليه السلام) بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موضوع ينبغي للباحثين عن الحقّ البحث فيه والوصول إلى حقيقة ما جرى في تلك الحقبة المهمّة من تاريخ المسلمين، لما يترتّب عليها من ثمرات عقائدية مهمّة. ونحن هنا نشير بشكل موجز إلى جانب يسير من الأدلّة الصحيحة الواردة في كتب أهل السُنّة التي تثبت الحقّ لعليّ(عليه السلام) في خلافة المسلمين بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): 1- روى أحمد بسند صحيح، والحاكم في (المستدرك) وصحّحه، ووافقه الذهبي عليه، وأبو داود الطيالسي، والطبراني في (المعجم الكبير)، وابن حجر في (الإصابة)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ(عليه السلام) مخاطباً إيّاه: (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة) (5) . فهذا الحديث الصحيح شاهد صدق على أنّ الخلافة بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حقّ ثابت لعليّ(عليه السلام). ولم يخف ابن تيمية تخوفه من هذا الحديث - الساطع كالشمس في رابعة النهار في الدلالة على حقّ عليّ(عليه السلام) في الخلافة - فانبرى إلى المغالطة في دلالته بعد أن أعيته السبل في المناقشة في سنده (6) . وهذا الحديث قد رواه الترمذي بلسان: (إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي) (7) ، قال المباركفوري في شرحه لسنن الترمذي: ((وظاهر أنّ قوله: (بعدي) في هذا الحديث ممّا يقوى به معتقد الشيعة)) (8) . وقد صحّح هذا الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني (9) ، كما صحّح من قبله حديث الغدير بشطريه، الذي ادّعى ابن تيمية ضعف الأوّل منهما، وهو: قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، وكذّب الآخر، وهو: (اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه) (10) . وأيضاً لاحظ ردّ الشيخ الألباني على ابن تيمية، وردّ دعواه بتضعيف هذه الأحاديث الصحيحة بتصريحه - أي: الألباني ــ: بأنّ الذي يدفع ابن تيمية إلى ذلك هو: التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة، فالرجل - أي: ابن تيمية - قد أعمى التعصّب قلبه وعينيه، فهو لا يكتب ولا يتكلّم ولا يفتي إلاّ بدافع من التعصّب والحقد الأعمى. وهنا نقول - من باب النصيحة لا أكثر ــ: الأولى لهؤلاء المتابعين أن يدركوا هذه الحقيقة، أي: أنّ شيخ إسلامهم هذا متعصّب أعمى، وعليهم أن يتخلّصوا من حالة اتّباعه بشكل أعمى؛ فإنّ من أسوأ حالات التقليد هي: حالة التقليد الأعمى للحقد الأعمى! 2- قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): في عليّ(عليه السلام): (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا) (11) . نقله بعين لفظه المتّقي الهندي في (كنز العمّال) عن: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم؛ وقد ذكر تصحيح ابن جرير له (12) .. وقد أخرج هذا الحديث أحمد في (مسنده) بسند صحيح بلفظ: (ويكون خليفتي في أهلي) (13) ، وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق) بلفظ: (ويكون خليفتي ووصيّي من بعدي) (14) . 3- قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، وهذا الحديث صرّح بتواتره جملة من علماء أهل السُنّة، كجلال الدين السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة) (15) ، والذهبي في (سير أعلام النبلاء) (16) ، والعلاّمة جعفر بن إدريس الحسني، الشهير بـ(الكتاني) في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) (17) ، والعجلوني في (كشف الخفاء) (18) ، والألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (19) ، وغيرهم. ولئن اختلف المختلفون في تفسير المراد من كلمة (مولاه): هل المراد بها (ناصره) أو (حبيبه) أو...؟! نقول: الحديث يفسّر الحديث؛ فقد قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ(عليه السلام) - في ما ذكرناه قبل قليل ــ: (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة) وقد دلّ هذا الحديث على أنّ المراد بالولاية هي: ولاية الأمر دون المحبّة أو النصرة، التي لا يمكن تصوّرهما في المقام؛ لمحلّ (بعدي) في كلامه(صلّى الله عليه وآله وسلّم).. قال أبو جعفر النحّاس في كتابه: (معاني القرآن الكريم)، بعد ذكره للآية الكريمة: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55): ((قال أبو عبيد: وهذا يبيّن لك قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه)، فالمولى والوليّ واحد، والدليل على هذا قوله جلّ وعزّ: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )) (البقرة:257) )).. ثمّ قال في موضع آخر: (( (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَولَى الَّذِينَ آمَنُوا )) (محمّد:11)؛ فمعنى حديث النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): في ولاية الدين، وهي: أجلّ الولايات)) (20) . انتهى. وهذا بيان صريح في حقّ عليّ(عليه السلام) في الخلافة؛ إذ أنّ ولاية الدين شاملة لولاية الدنيا ولا عكس. رابعاً: رزية يوم الخميس: هذه الرزية تناقلتها كتب الحديث عند أهل السُنّة - صحاح وسنن ومسانيد - وفيها وردت تلك الكلمة الجارحة للجناب الأقدس للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - نعني بها كلمة: (يهجر) - والتي حالت بين النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين كتابته لكتاب الهداية، الذي وعدهم بأنّهم لن يضلّوا بعده أبداً.. ولا يحتاج المرء إلى كثير عناء ليعرف أنّ قائل تلك الكلمة (يهجر) هو: عمر بن الخطّاب، وقد صرّح بهذا جملة من علماء أهل السُنّة، نذكر منهم: ابن تيمية في (منهاج السُنّة) (21) ، وسبط بن الجوزي في (تذكرة الخواص) (22) , والغزالي في (سرّ العالمين) (23) ، والشهاب الخفاجي في (نسيم الرياض) (24) ، وابن الأثير في كتاب (النهاية في غريب الحديث) (25) ، وغيرهم. وفي دعوى أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد أن يكتب في هذا الكتاب الخلافة لأبي بكر، نقول: هذه الدعوى تضحك الثكلى.. فهل تراه يقف (الفاروق) حائلاً بين النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين كتابة مثل هذا الكتاب وهو يجرّ النفع إلى (صاحبه)، الذي جاهد في تشييد خلافته يوم السقيفة، ومارس كلّ وسائل التهديد من شتم وسبّ وتوعّد بالقتل لكلّ من أراد أن يقف أمام تزعّم أبي بكر للخلافة. راجع ذلك في كلّ من كتب في أحداث السقيفة، كالطبري في (تاريخه) (26) ، وابن خلدون في (مقدّمته) (27) ، بل انظر إلى (صحيح البخاري) (28) لتطّلع على هذه الحقيقة. وكذلك بالنسبة للأسانيد التي روت هذه الدعوى؛ فهي تشتمل على جملة من المقدوحين والمنحرفين عن عليّ(عليه السلام)، كإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف صاحب العود والغناء (29) ، وعروة بن الزبير، الذي انتدبه معاوية لرواية أخبار قبيحة في عليّ(عليه السلام)، كما يشير إلى ذلك علاّمة المعتزلة ابن أبي الحديد في (شرح النهج) (30) . وأيضاً راوية الحديث عائشة المتّهمة في هذا الحديث (حديث أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لها: ادعي لي أبا بكر أباك...) (31) الخ، وذلك من جهتين: الأُولى: لموقفها العدائي المعروف من عليّ(عليه السلام)، حتّى أنّها لا تطيق ذكر اسمه، كما يروي ذلك أحمد في (مسنده) (32) ، وقد صحّح هذا الحديث الألباني في (إرواء الغليل) (33) ، فراجع ثمّة! والجهة الثانية: لما فيه من جرّ نفع لأبيها؛ فهو من شهادة الأبناء للآباء، أو ما يسمّى بشهادة الفرع للأصل، وهي غير مقبولة عند أهل السُنّة (34) . ومن هنا نجد أنّ أهل السُنّة صحّحوا ردّ أبي بكر شهادة الحسن والحسين(عليهما السلام) لفاطمة(عليها السلام) في أمر فدك، بناءً على هذا المعنى، أي عدم صحّة شهادة الأبناء في ما يجرّ نفعاً للآباء. وإضافة لذلك كلّه: لم يحتجّ بهذا الحديث أحد من المهاجرين الذين كانوا مع أبي بكر في السقيفة، بل لم يحتجّ بهذا الحديث أبو بكر نفسه، رغم ما أبداه هذا الفريق - أي: فريق المهاجرين المتصدّين لنيل الخلافة في السقيفة - من جهود مضنية في ذكر النصوص والمؤيّدات التي تؤهّلهم لنيل هذا المنصب، كقولهم: إنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (الأئمّة من قريش) (35) ، وأمثال ذلك من الفضائل التي أخذ البعض يذكرها في حقّ البعض الآخر من أصحابه، ولم يأتِ للحديث المدّعى (ادعي لي أباك وأخاك..) أي أثر أو ذكر في هذه الواقعة، التي كان أمر التنافس على الخلافة فيها بين الأنصار والمهاجرين على أشدّه.. ولا عطر بعد عرس. خامساً: إغضاب الشيخين للسيّدة الزهراء(عليها السلام): وهذا الأمر معلوم مشهور، ذكره البخاري وغيره، روى البخاري في (صحيحه) ما نصّه: ((إنّ فاطمة(عليها السلام) بنت النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر)) (36) . وأيضاً روى البخاري: ((فغضبت فاطمة بنت رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت)) (37) . وإذا ضممنا إلى هذا الحديث الصريح بإغضاب فاطمة(عليها السلام) من قبل أبي بكر حديث آخر، رواه البخاري: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني) (38) . وعرفنا أن من أغضب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون قد أغضب الله؛ لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يغضب إلاّ للحقّ وبالحقّ - لمحلّ عصمته المتّفق عليها عند الجميع -.. نقول: يتّضح لنا بعدها الموقف الشرعي من أبي بكر من خلال قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم )) (الممتحنة:13)، وهذا الأمر واضح لا يحتاج إلى كثير عناء، سوى التجرّد والنيّة الخالصة في معرفة الحقّ وأهله. ولا يهمّنا بعد هذا إثبات إغضاب عمر لفاطمة(عليها السلام)، فالرجلان (أبو بكر وعمر) كانا شريكين في كلّ محنة جرت على أهل البيت(عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا أمر معلوم مشهور في كتب الحديث والتاريخ. وأمّا دعوى: أنّ الإغضاب لو صحّ فأوّل من أغضب فاطمة(عليها السلام) هو عليّ(عليه السلام) حينما خطب ابنة أبي جهل.. فنقول: من المؤسف أنّ أهل السُنّة يعيشون في دائرة مفرغة عن العلم والجدل الرصين.. فهم يحاولون دائماً إثبات دعواهم من أحاديث يسردونها من كتبهم نفسها، وهذا باطل في باب المناظرة والمجادلة، فهو ليس فيه أيّة ثمرة علمية ولا عملية.. قال ابن حزم في كتابه (الفصل في الأهواء والملل والنحل): ((لا معنى لاحتجاجنا عليهم - يريد: المخالفين لهم - برواياتنا؛ فهم لا يصدّقونها، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم؛ فنحن لا نصدّقها، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه؛ لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به، أو بما يوجبه العلم الضروري، فيصير الخصم حينئذٍ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه)) (39) . والحديث المدّعى فيه: تعرّض الإمام عليّ(عليه السلام) بالخطبة إلى ابنة أبي جهل، حديث موضوع رواه أهل السُنّة وصدّقوه - للأسف - وأرادوا من الشيعة التصديق به، وهو أمر مضحك حقّاًً! وقد كتبنا فيه بحثاً مفصّلاً في قسم (الأسئلة العقائدية: الإمام عليّ(عليه السلام)/ بحث حول خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) ابنة أبي جهل). سادساً: صلاة أبي بكر بأمر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): هذه المسألة بحثناها مفصّلاً تحت عنوان (أبو بكر)، وهناك أسئلة وأجوبة خاصّة بصلاة أبي بكر في مرض النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأيضاً دعوى صلاة الإمام عليّ(عليه السلام) وراء أبي بكر)؛ فراجع! سابعاً: دعوى زواج عمر من أُمّ كلثوم ابنة عليّ(عليه السلام): وهذه المسألة أيضاً بُحثت بشكل مستفيض, وقد أفردنا عنواناً خاصاً لهذه المسألة تحت عنوان: (تزويج أُمّ كلثوم من عمر)، ومثلها مسألة تسمية أبناءه بأسماء الثلاثة؛ فقد أجبنا عنها تحت عنوان: (التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان)؛ فراجع! ثامناً: وأيضاً بقية المسائل المثارة في هذه الرسالة بخصوص النصوص الواردة في (النهج) من قول الإمام عليّ(عليه السلام): (إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان...)، وأمثاله، ممّا يحتجّ بها المخالفون في ردّ دعوى النصّ في الإمامة عند الشيعة؛ فقد بحثناها تحت عنوان (نهج البلاغة)، وأيضاً موقف الإمام عليّ(عليه السلام) من أهل الشام، بل عموم محاربيه من أهل الجمل والنهروان.. مع العلم بأنّ الشيعة والسُنّة قد اتّفقوا على تخطئة محاربي عليّ(عليه السلام)، وأنّه لا خلاف في هذه المسألة في عقيدة الطائفتين. نعم, يختلف الشيعة عن السُنّة في هذا الموضوع بدعوى: تكفير محاربي عليّ(عليه السلام)، وقد استندوا في ذلك إلى حديث صحيح، بل متواتر، جاء فيه: قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (حرب عليّ حربي، وسلمه سلمي) (40) .. وحرب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفر بلا خلاف، فينبغي أن يكون حرب عليّ(عليه السلام) مثله؛ لأنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد التشبيه بينهما في الأحكام: أي حكم حربك حربي، وإلاّ فمحال أن يريد نفس حربك حربي؛ لأنّ المعلوم خلافه. تاسعاً: وثاقة رواة الأحاديث، مثل: زرارة بن أعين: وهذه المسألة أيضاً قد أفردنا لها بحثاً مستقلاً تحت عنوان: (علم الرجال)، في السؤال الخاص بزرارة بن أعين؛ فراجع ثمّة! ويمكنكم لمعرفة ضوابط الحديث عند الإمامية، وأيضاً ضوابط الجرح والتعديل عندهم، أن تراجعوا عنوان: (الحديث وعلومه)؛ إذ توجد هناك جملة من الأسئلة وأجوبتها في الموضوع المذكور، وكذا موضوع (كتاب الكافي). هذا ما تسنّى لنا بيانه بشأن الأسئلة المشار إليها في هذه المناظرة. ودمتم في رعاية الله

6