سيد حسن الشوكي - ايران
منذ 4 سنوات

ولاية علي بن ابي طالب ع في وصية الرسول ص

شبهة طرحت في أحد المنتديات السُنّية، تقول: ((لو كان هناك وصية لأحد من الخلق لما حصل اختلاف في (سقيفة بني ساعدة) في بداية الأمر)). هل هذه المقولة صحيحة؟


الاخ السيد حسن المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نقول: نعم، كانت هناك وصية وأقوال وألفاظ مختلفة بتولية عليّ(عليه السلام) بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الأُمّة مباشرة، ولعلّ أشهر هذه الأقوال هو: حديث الغدير، المعروف والمشهور والمتواتر، والذي قال فيه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، والذي يدلّ على الولاية العامّة والحكم؛ لأنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال قبل قوله هذا: (ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى يا رسول الله)، ثمّ قال كلامه المتقدّم.. وهو يدلّ بكلّ عناية على أنّ المراد من كلمة (مولى) في حديث الغدير هو: الأولوية، والتي تعني: الحكم والآمرية دون المحبّة والنصرة. وأيضاً جاء عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله: (يا عليّ أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي) (1) ، وهو يدلّ بكلّ عناية على إرادة الحكم والإمرة دون المحبّة والنصرة؛ لأنّه لا معنى لاختصاص المحبّة والنصرة بالبعدية دون الآن الحاضر الذي هو فيه.. وهذا الحديث أيضاً هو حديث صحيح صحّحه الحاكم في (المستدرك) ووافقه الذهبي، وأيضاً صحّحه كثير من علماء أهل السُنّة ومحدّثيهم (2) . وكذلك ورد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنّ عليّاً(عليه السلام) هو وصيّه وخليفته، كما هو المستفاد من حديث الدار في يوم الإنذار، الذي قال فيه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟) فلم يستجب له في ذلك المجلس الذي جمع فيه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عشيرته إلاّ عليّ(عليه السلام)، فقال لهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا..). وهذا الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح (3) ، ورواه بسند جيد أحمد بن حنبل في مسنده (4) ، وأيضاً رواه غيرهما من رجال الحديث ورواة السنن (5) .. وأيضاً روى أحمد بن حنبل في (فضائل الصحابة)، والطبراني في (المعجم الكبير)، واللفظ له: عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنّه قال: (فإنّ وصيّي وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني: عليّ بن أبي طالب) (6) ، والسند صحيح وإن كان فيه (ناصح بن عبد الله) الذي وصفوه بالمتروك لتشيّعه، إلاّ أنّ الرجل ممدوح ومقبول بأعلى الدرجات عند بعض أئمّة الحديث، فقد نقل أحمد بن حازم بن أبي غرزة - الذي يصفه الذهبي بـ(الإمام الحافظ الصدوق) - عن عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، أنّهما قالا: عن الحسن بن صالح، أنّه قال في ناصح بن عبد الله: بأنّه رجل صالح، ونعم الرجل، وقد عدّه الذهبي من العابدين (7) ، وقال ابن عدي في (الكامل) بأنّه: ممّن يكتب حديثه (8) ، وقال المزّي في (تهذيب الكمال) بأنّه: كان يروي عنه أبو حنيفة، وهو من أقرانه (9) . وحديث الوصية هذا كان معلوماً وشائعاً بين الصحابة في حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعد مماته، وإلاّ فما الذي أثار عائشة حتّى سعت جاهدة إلى نفي حديث الوصية بقولها - كما نقل ذلك البخاري في (صحيحه) في كتاب الوصايا، عندما ذكروا لها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أوصى لعليّ(عليه السلام) -: ((متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري، أو قالت: حجري، فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أنّه قد مات، فمتى أوصى إليه؟)) (10) !! وإلاّ..لا يمكن لنا أن نتصوّر أقوال المدّعين بعدم الوصية؛ إذ الإشكال الصريح يرد عليهم بأنّه: كيف مات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يوصِ مع أنّه أمر بالوصية، فهذا الفعل مخالف لما يأمر به(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو غير مقبول! وقد وجّه هذا الإشكال من اليوم الأوّل لظهور هذه الدعوى؟ ولكن الجواب عنها كان بارداً ومجتزءاً من قبل المتصدّين للردّ عليه!! روى أحمد في (مسنده) بسنده عن مالك: ((أخبرني طلحة، قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أوصى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: لا. قلت: فكيف أمر المؤمنين بالوصية ولم يوصِ؟! قال: أوصى بكتاب الله عزّ وجلّ)) (11) . وهذا الجواب بهذه الصيغة يكشف عن أُمور خطيرة، لا ندري من هو صاحب اليد الأُولى بالتلاعب فيها؟! هل المسؤول في الحديث هنا؟ أم الراوي له؟ أم المحدّث الذي نقله في كتابه؟ فالوصية التي نفاها ابن أبي أوفى: هل كانت الوصية بالمال والمتعلّقات الخارجية؟ أم كانت الوصية بالخلافة؟ فإن كانت الأُولى، فلِمَ كان الجواب عن السؤال الثاني بأنّّه: أوصى بالكتاب؛ إذ كان الأولى أن يقول له: إنّك لم تفهم قصدي بأنّني لا أُريد أن أنفي مطلق الوصية، وإنّما أُريد نفي الوصية بالمال والمتعلّقات فقط، لا أن يجيبه بجواب نعلم من الخارج أنّه نصف جواب، وليس جواباً كاملاً! فمن المعلوم أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصى أُمّته بالتمسّك من بعده بالكتاب والعترة معاً، وليس الكتاب وحده؛ وهذا حديث صحيح مشهور متواتر لا يمكن لأحد دفعه.. لكن يد التلاعب قد طالت بعض الأحاديث، إلاّ أنها لم تطلها كلّها، وفي هذا حكمة بالغة، (( يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ )) (الصف:8). ودمتم في رعاية الله

1