زينب - الجزر العذراء البريطانية
منذ 4 سنوات

علة ابتلاء الأنبياء و الأئمة

من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام): السلامة من العاهات والأمراض المعدية. س1: فلماذا شاء الله تعالى أن يبلى النبيّ أيّوب بالأمراض المعدية؟ س2: عندما استلم الإمام عليّ السجّاد(عليه السلام) الإمامة، هل كان عليلاً، أم سليماً؟


الاخت زينب المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يجب في النبيّ أو الإمام أن يكون منزّهاً عن كلّ ما هو منفّر، سواء كانت هذه المنفّرات خَلقية أو خُلقية، وذلك لأنّ هذه الأُمور صارفة عن الأخذ منه والقبول لقوله، فكان تنزيهه عنها من اللطف المقرّب للخلق على طاعته واستمالة القلوب إليه، فوجودها يكون منافياً للغرض من البعثة أو الإمامة (1) . ومنه يعرف أنّه لا يجب تنزيه النبيّ أو الإمام(عليه السلام) من كلّ مرض، بل يجب تنزيهه من الأمراض المنفّرة لما ذكرناه في الكبرى، وعلى هذا ما جاء في بعض الروايات عن أئمّتنا(عليهم السلام): روى الصدوق في (الخصال): ((حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهم السلام)، قال: (إنّ أيّوب(عليه السلام) ابتُلي من غير ذنب، وإنّ الأنبياء لا يذنبون؛ لأنّهم معصومون مطهّرون، لا يذنبون ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً). وقال(عليه السلام): (إنّ أيّوب(عليه السلام) مع جميع ما ابتلى به لم ينتن له رائحة، ولا قُبحت له صورة، ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا يدوّد شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرّمين عليه، وإنّما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره؛ لجهلهم بما له عند ربّه تعالى ذكره من التأييد والفرج...)) (2) الخ. وعلّق المجلسي على هذه الرواية بقوله: ((هذا الخبر أوفق بأُصول متكلّمي الإمامية من كونهم(عليه السلام) منزّهين عمّا يوجب تنفّر الطباع عنهم؛ فتكون الأخبار الأُخر محمولة على التقيّة، موافقة للعامّة في ما رووه، لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم مطلقاً، ولو بعد ثبوت نبوّتهم وحجّيتهم، لا يخلو من إشكال، مع أنّ الأخبار الدالّة على ثبوتها أكثر وأصحّ.. وبالجملة للتوقّف فيه مجال)) (3) . ومراده من الأخبار الدالّة على ثبوتها: ما ورد من إصابة أيّوب(عليه السلام) بالقرحة في بدنه حتّى ظهر الدود فيه ونتن، فأخرجه أهل القرية ورموه على المزبلة (4) ، وهو موافق لما ورد عن العامّة بأنّه(عليه السلام) أصيب بالجذام. وممّا بيّنه المجلسي يمكن أن يلتزم بقولٍ ثان، وهو: أنّ الدليل على تنزّههم عن الأمراض المنفّرة تام في بداية البعثة حتّى لا ينصرف الناس عنهم، فإذا ثبتت نبوّتهم وقامت حجّتهم فلا مانع من ابتلائهم بمثل هذه الأمراض؛ إذ بعد ثبوت الحجّية على الناس قد تم اللطف المقرّب لهم. وربّما يقال: أنّ ما وقع لأيّوب(عليه السلام) كان ابتلاء خاص به، كما هو ظاهر من الروايات؛ إذ أنعم الله عليه بنعم كثيرة، فشكر، فابتلاه وامتحنه، فصبر وشكر، ولا مانع من ابتلائه بمثل هذه الأمراض، أو بما يتسبّب بهجران الناس له بعد أن عرفوا نبوّته أوّلاً، ولما يعلمه الله من عاقبته وما سيردّه عليه من النعم ثانياً، لأنّه يكون من المعجزة الظاهرة له تؤكّد نبوّته ومنزلته. ثمّ إنّ كلّ ما جاء في القرآن الكريم فهو إرشادات لنا لا إرشادات لأُمّة موسى أو عيسى أو أيّوب أو سليمان أو داود(عليهم السلام)... والله سبحانه وتعالى صنع بأيّوب(عليه السلام) ما صنع لكي يدلّ على شيء واحد، وهو: أنّ الله سبحانه وتعالى يرضى بأن يقتل نبيّه الذي بعثه لهداية الناس، فقد قال: (( قُل فَلِمَ تَقتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبلُ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ )) (البقرة:91), وقال: (( فَبِمَا نَقضِهِم مِّيثَاقَهُم وَكُفرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيرِ حَقًّ وَقَولِهِم قُلُوبُنَا غُلفٌ بَل طَبَعَ اللّهُ عَلَيهَا بِكُفرِهِم فَلاَ يُؤمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً )) (النساء:155), وقال: (( أَفَكُلَّمَا جَاءكُم رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهوَى أَنفُسُكُمُ استَكبَرتُم فَفَرِيقاً كَذَّبتُم وَفَرِيقاً تَقتُلُونَ )) (البقرة:87).. وهذا التأكيد في الآيات الكريمة يفيد بأنّ الله سبحانه وتعالى لا يعصم نبيّه عصمة مادية، أو بتعبير الحاضر: عصمة فيزيائية. نعم، الله سبحانه وتعالى يعصم نبيّه عصمة معنوية، يعني: لا يرضى بهوان رسوله ولا بهوان نبيّه، ففي قصّة أيّوب(عليه السلام) التي جاء فيها: (( وَأَيُّوبَ إِذ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ )) (الأنبياء:84)، ابتلى الله سبحانه وتعالى أيّوب(عليه السلام) حتّى يمتحن صبره، فلمّا تحوّل إلى نوع من الاستهانة نادى أيّوب ربّه، فأجابه سبحانه وتعالى: (( وَاذكُر عَبدَنَا أَيُّوبَ إِذ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصبٍ وَعَذَابٍ * اركُض بِرِجلِكَ هَذَا مُغتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )) (ص:41-42), ومثله في قصّة زكريا (( وَوَهَبنَا لَهُ يَحيَى وَأَصلَحنَا لَهُ زَوجَهُ )) (الأنبياء:90). وهذا دليل على أنّ الله سبحانه وتعالى يرضى بقتل أوليائه، ولكن لا يرضى بهوانهم، فمن أراد أو عمل شيئاً يهينهم، فالله سبحانه وتعالى سوف ينتقم منهم في دار الدنيا، ويفضحهم على رؤوس الأشهاد. ثمّ إنّ رسل الله سبحانه وتعالى لهم مسؤوليتان، المسؤولية الأُولى: إبلاغ ما شرّعه الله لعباده من أحكام. والمسؤولية الثانية: قيادة من آمن بهم، أي قيادة الأُمّة، ولا بدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة، وإلاّ فالأُمّة لا تنقاد إلى عالم بعلمه، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقلية، لا مادية، على من يؤمنون بعلمه.. فالأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) بما أنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم، فلا بدّ أن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي إن توفّرت في قائد تنقاد إليه الأُمّة، وبهذا لا يشترط أن يكون أجمل الخلق، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون من حيث النظرة مشمئز النظرة، ومن حيث السلوك مشمئز السلوك. فالعاهات إن كانت عاهات لا تمسّ كرامة النبيّ والوليّ فإنّهم يصابون بها، فالنبيّ والوليّ يصابون بالحمّى؛ لأنّ الحمّى والرمد وأمثال ذلك لا تشمئز منه النفوس، وأمّا البتور مثلاً أو التشوّهات، فهذه بما أنّ النفوس تشمئز منها، فالله سبحانه وتعالى يجنّب رسوله أو وليّه منها, والأساس هو: تملّك قلوب من ينقادون إليه، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة. فمن هذه الناحية العاهات تختلف: عاهات لا تشمئز منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم، وإنّما يعالجونه، ويأتون لزيارته, وعاهات تشمئزّ منها النفوس، فالله سبحانه وتعالى لا يجنّب رسوله من كلّ مرض, ومن كلّ عاهة, ومن كلّ حمّى, ومن كلّ رمد، وأمثال ذلك, وأمّا الطاعون والبتور والأمراض المعدية، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر، فالله سبحانه وتعالى يجنّب وليّه ونبيّه، لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة. وهذا الدليل ربّما يكون تامّاً في مورد الأنبياء أصحاب الشرائع والرسل والأئمّة، المطلوب منهم قيادة الأُمّة، ولكن ربّما يمكن المناقشة فيه كما مرّ آنفاً، في بعض الموارد لو ثبتت، كما في قصّة نبيّ الله أيّوب(عليه السلام)، أو عمى يعقوب(عليه السلام)، لو قلنا بوقوعه. وأمّا بالنسبة لمرض الإمام السجّاد(عليه السلام) في كربلاء، فإنّه لم يكن من هذا النوع الذي يصدق عليه أنّه: منفّر، فضلاً عن إنّه كان لمصلحة واقعية يقتضيها الحال، ومن كان حوله من الناس في ذلك الوقت قد انحصروا بين أهل بيته العارفين لحقّه، وبين أعدائه غير المتورّعين عن قتله، وهم غير قابلين للاستمالة نحوه قطعاً حتّى يتم الغرض، بأن يكونوا مورداً لحصول اللّطف المقرّب لهم بخلوّ الإمام من المنفّرات؛ إذ الملاك هو: عدم وقوع نقض الغرض، والغرض بهدايتهم قد انتفى عنهم البتة، ووقع عليهم غضب الله بعد قتلهم أبيه الإمام الحسين(عليه السلام). وأمّا بعد رجوعه إلى المدينة فقد شُفي الإمام(عليه السلام)؛ لثبوت الملاك المشار إليه في حينه، من حيث حصول اللّطف المقرّب لممارسة مهام الإمامة وقبول الناس له. ودمتم في رعاية الله

1