العالمي - سوريا
منذ 4 سنوات

الشبهات حول الامامة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين وصحبه الأخيار الميامين. وبعد، فإنّي قد بحثت كثيراً في كتب الشيعة لأجد إجابات عن هذه الأسئلة، ولكنّي لم أجد شيئاً حاسماً، بل وجدت كلاماً متناقضاً يضرب بعضه بعضاً، فأرجو أن تجيبوني عن هذه الأسئلة أجوبة واضحة كافية مدعمة بالأدلّة والبراهين، وسوف أقوم بعرض أقوال بعض علماء الشيعة عن موضوع الإمامة وسأعلّق عليها، وفي ختام هذا البحث سأذكر ملخّصاً يحتوي بعض الأسئلة حول الموضوع، وهذه الأسئلة مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً. - كتاب ظلامة أبي طالب للسيّد جعفر مرتضى العاملي ص (9) إعداد مركز الأبحاث العقائدية: ((ثمّ هم في الجانب الآخر يصوّرون أبا طالب، شيخ الأبطح(عليه السلام)، ومستودع الوصايا، والذي تقول النصوص إنّه من أوصياء النبيّ عيسى(عليه السلام)، على أنّه الرجل المصرّ على الشرك، والعناد، فلا يخضع للحقّ، ولا يستجيب لنداء الله، رغم أنّه يعيش كلّ أجواء الإيمان، ويرى الدلائل والمعجزات لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الواحدة تلو الأُخرى)). أقول: هل هذا يعني أنّ أبا طالب كان مسيحياً؟ وهل كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل نزول الوحي عليه مسيحياً؟ - كتاب ظلامة أبي طالب للسيّد جعفر مرتضى العاملي ص (44): ((أبو طالب في كلمات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة(عليهم السلام): ثمّ إنّه قد روي عن عليّ(عليه السلام): (أنّ نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار: نور محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونوري، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين)))(البحار 35: 69 و110 عن الاحتجاج وعن الكراجكي). وروي أيضاً: أنّ مثله كان مثل أصحاب الكهف. وأنّه كان مستودعاً للوصايا، فدفعها إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(البحار 35: 72 و73، وراجع الكافي 1: 445). وقال الصدوق: ((روي أنّ عبد المطّلب كان حجّة، وأنّ أبا طالب كان وصيّه)).(الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق: 85 طبع المطبعة العلمية، قم سنة 1412هـ). وقال المجلسي: ((بل كان من أوصياء إبراهيم)). (البحار 35: 138). وفي روضة الواعظين: ((أنّ جابراً قال لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): يقولون: إنّ أبا طالب مات كافراً؟! قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا جابر، الله أعلم بالغيب! إنّه لما كانت الليلة التي أُسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار، فقلت: إلهي، ما هذه الأنوار؟! فقال: يا محمّد، هذا عبد المطّلب، وهذا أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب. فقلت: إلهي وسيّدي، فيم نالوا هذه الدرجة؟! قال: بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتّى ماتوا) ))(البحار 35: 15، وروضة الواعظين: 101) انتهى. أقول: هل يطفئ نور أبي طالب يوم القيامة نور الزهراء؟ وهل أبو طالب من أوصياء إبراهيم(عليه السلام)، أو عيسى(عليه السلام)؟ - قال الشيخ المفيد في كتاب أوائل المقالات ص (26) إعداد مركز الأبحاث العقائدية: ((واتّفقت الإمامية على أنّ كلّ رسول فهو نبيّ، وليس كلّ نبيّ فهو رسول، وقد كان من أنبياء الله - عزّ وجلّ - حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام، وإنّما منع الشرع من تسمية أئمّتنا بالنبوّة دون أن يكون العقل مانعاً من ذلك لحصولهم على المعنى الذي حصل لمن ذكرناه من الأنبياء - (عليهم السلام) ــ.واتّفقوا على جواز بعثة رسول يجدّد شريعة من تقدّمه، وإن لم يستأنف شرعاً، ويؤكّد نبوّة من سلف وإن لم يفرض غير ذلك فرضاً. وأجمعت المعتزلة على خلاف هذين القولين، ومع الإمامية في تصحيحه جماعة من المرجئة وكافّة أصحاب الحديث)). أقول: هل كلّ الشيعة يعتقدون أنّ كلّ رسول إمام؟ وهل يمكنكم شرح كلام المفيد هذا لنا: ((وإنّما منع الشرع من تسمية أئمّتنا بالنبوّة دون أن يكون العقل مانعاً من ذلك لحصولهم على المعنى الذي حصل لمن ذكرناه من الأنبياء - (عليهم السلام)))؟ - (الكافي 1: 175): 1- محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم، ودرست بن أبي منصور، عنه، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبيّ يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام، مثل: ما كان إبراهيم على لوط(عليهما السلام)، ونبيّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس؛ قال الله ليونس: (( وَأَرسَلنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلفٍ أَو يَزِيدُونَ )) (الصافات:147)، قال: يزيدون: ثلاثين ألفاً وعليه إمام، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة، وهو إمام، مثل: أُولي العزم. وقد كان إبراهيم(عليه السلام) نبيّاً وليس بإمام، حتّى قال الله: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124)، من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً). 2- محمّد بن الحسن، عمن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشحّام، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً، وإنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً، وإنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وإنّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء، قال: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً )) ، قال: فمن عظّمها في عين إبراهيم قال: (( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) ، قال: لا يكون السفيه إمام التقي). أقول: الحديث الثاني يدلّ على أنّه ليس كلّ رسول إمام. - (الكافي 1: 177): محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن محبوب، عن داود الرقي، عن العبد الصالح(عليه السلام)، قال: (إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف). محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن خلف بن حمّاد، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق). أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: قلت له: تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا. أقول: هذا يدلّ على أنّ المقصود بالحجّة: الإمام، وليس النبيّ أو الرسول. - (الكافي 1: 179): عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: قال: (والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم(عليه السلام) إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله، وهو حجّته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده). أقول: هذا الحديث يدلّ على أنّه في كلّ زمان إمام. - (الكافي للكليني 1: 269): (باب في أنّ الأئمّة بمن يشبّهون ممّن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوّة). أقول: وهذا يدلّ على جواز القول بأنّ الأئمّة أنبياء. - (الكافي للكليني 1: 270): عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (الأئمّة بمنزلة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء، ولا يحلّ لهم من النساء ما يحلّ للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)). أقول: هل الفرق بينه وبين النبيّ هو أمر الزوجات فقط؟ - الشيخ علي الكوراني، كتاب (العقائد الإسلامية 1: 341 ط2): ((المقنعة/32: ويجب على كلّ مكلّف أن يعرف إمام زمانه ويعتقد إمامته وفرض طاعته، وأنه أفضل أهل عصره وسيّد قومه، وأنّهم في العصمة والكمال كالأنبياء(عليهم السلام)، ويعتقد أن كلّ رسول لله تعالى إمام، وليس كلّ إمام نبيّاً ولا رسولاً). وقال المفيد في (المقنعة ص30): (باب ما يجب من الاعتقاد في أنبياء الله تعالى ورسله(عليهم السلام): ويجب أن يعتقد التصديق لكلّ الأنبياء(عليهم السلام)، وأنّهم حجج الله على من بعثهم إليه من الأُمم، والسفراء بينه وبينهم، وأنّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتمهم وسيّدهم وأفضلهم، وأنّ شريعته ناسخة لما تقدّمها من الشرائع المخالفة لها، وأنّه لا نبيّ بعده ولا شريعة بعد شريعته، وكلّ من ادّعى النبوّة بعده فهو كاذب على الله تعالى، ومن يغيّر شريعته فهو ضال، كافر من أهل النار، إلاّ أن يتوب ويرجع إلى الحقّ بالإسلام، فيكفّر الله تعالى حينئذ عنه بالتوبة ما كان مقترفاً من الآثام. ويجب اعتقاد نبوّة جميع من تضمّن الخبر عن نبوّته القرآن على التفصيل، واعتقاد الجملة منهم على الإجمال. ويعتقد أنّهم كانوا معصومين من الخطأ، موفّقين للصواب، صادقين عن الله تعالى في جميع ما أدّوه إلى العباد، وفي كلّ شيء أخبروا به على جميع الأحوال، وأنّ طاعتهم طاعة لله ومعصيتهم معصية لله، وأنّ آدم، ونوحاً، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وإدريس، وموسى، وهارون، وعيسى، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وإلياس، وذا الكفل، وصالحاً، وشعيباً، ويونس، ولوطاً، وهوداً، كانوا أنبياء الله تعالى ورسلاً له صادقين، عليه كما سمّاهم بذلك، وشهد لهم به، وأنّ من لم يذكر اسمه من رسله على التفصيل كما ذكر من سمّيناه منهم، وذكرهم في الجملة، حيث يقول: (( وَرُسُلاً قَد قَصَصنَاهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلاً لَم نَقصُصهُم عَلَيكَ )) (النساء:164)، كلّهم أنبياء عن الله، صادقون وأصفياء له، منتجبون لديه، وأنّ محمّداً(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيّدهم وأفضلهم، كما قدّمناه). (ورواه في علل الشرائع 1: 204، وأمالي الصدوق: 731، والخصال: 215))). انتهى كلام الكوراني هنا... أقول: هذا يخالف كلام الكليني حينما قال: ((كراهية القول فيهم بالنبوّة)). - قال الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار 26: 82): ((إنّ استنباط الفرق بين النبيّ والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال))، ثمّ قال: ((ولا نعرف جهة لعدم اتّصافهم بالنبوّة إلاّ رعاية خاتم الأنبياء، ولا يصل عقولنا فرق بين النبوّة والإمامة)). أقول: هذا اعتراف خطير للمجلسي بعجزه عن حلّ هذه المشكلة العويصة في مسألة الإمامة؛ لأنّه وردت روايات كثيرة في مصادر الشيعة تنصّ على أنّ الأئمّة كانوا يرون الملائكة التي توحي إليهم. - (أصل الشيعة وأُصولها: 224) لكاشف الغطاء: ((إنّ الإمامية تعتقد أنّ الله سبحانه لا يخلي الأرض من حجّة على العباد، من نبيّ أو وصيّ)). أقول: هل يعنى هذا الكلام أنّ كلّ الأنبياء كانوا أئمّة؟ وهل يعني أنّ الأوصياء كلّهم كانوا أئمّة؟ - (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي: 299 ط2) للشيخ علي الكوراني العاملي، تحت عنوان (يحكم بعد المهدي اثنا عشر من ولده)، وقد ذكر الشيخ عدّة مصادر تذكر ذلك، منها: غيبة الطوسي: 285، ومنتخب الأنوار: 201، والإيقاظ: 393، والبحار 53: 145و 148، ومختصر البصائر: 159 و 182، وشرح الأخبار 3: 400، وغيبة الطوسي: 151، وقال الشيخ الكوراني بعد ذلك ص (303) من نفس الكتاب: ((وقد وقع المرحوم البياضي العاملي(رحمه الله) في شبهتهم (يقصد علماء السُنّة)، فردّ حديث الاثني عشر مهدياً بعد الإمام المهدي(عليه السلام)، وناقش الشريف المرتضى في ذلك في الصراط المستقيم 2: 152)). الأسئلة: ما تعريف كلّ من الرسول والإمام والنبيّ والحجّة والوصيّ والمهديين لديكم، وما هو الشيء المشترك بينهم، وما هو الشيء غير المشترك؟ الإمام عليّ حتّى يصبح نبيّاً ماذا ينقصه؟ هل كلّ رسول إمام؟ هل كلّ نبيّ إمام؟ هل كلّ وصيّ إمام؟ هل كلّ إمام محدّث؟ وهل العكس صحيح؟ هل تشترطون وجود الرسول أو الإمام أو النبيّ أو الحجّة أو الوصيّ في كلّ زمان؟ هل الإمام يكون إمام منذ ولادته، أم الأمر يكون بالتدريج، أم حتّى تنتهي إمامة من قبله؟ ما الفرق بين الإمام الناطق والصامت، وهل يجوز أن يكون الإمام الصامت أفضل من الناطق؟ هل إبراهيم(عليه السلام) لم يكن إمام ثمّ كان؟ وإذا كان الأمر كذلك هل أنّ إبراهيم كان تابعاً لإمام آخر قبل أن يصبح هو إمام، أو أنّكم لا تشترطون وجود إمام في كلّ زمان؟ من هو الحجّة أو الإمام أو الوصيّ قبل النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرة؟ هل يكره القول بنبوّة الأئمّة أو يحرم؟ هل الإمام المهدي هو آخر إمام؟ وهل يوم القيامة بعده مباشرة؟ وهل يحكم أحد بعده، وهل يكون معصوم؟ وهل يكون إمام أو وصيّ أو مهدي من المهديين؟ وهل بذلك يصبح عدد الأئمّة أكثر من (12)؟ روت بعض المصادر: أنّ أبا طالب كان وصيّاً، فهل انتهت وصايته بولادة النبيّ، أم بقي النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تابعاً لأبي طالب حتّى وفاته (أي وفاة أبي طالب)، أم أنّ الإمام لا يشترط أن يكون الأعلم، وأنّه المتبوع وليس التابع?


الأخ العالمي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لكثرة الأسئلة التي طرحتها وكرّرتها بالرغم من إجابتنا عنها سابقاً، سوف يكون الجواب إجماليّاً مع إهمال بعض الأسئلة المتكرّرة. أوّلاً: إنّ هناك روايات قد يفهم منها أنّ أبا طالب كان من أوصياء عيسى(عليه السلام)، ولكن الذي عليه الرأي الأدقّ هو كونه من أوصياء إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) كما أشار إلى ذلك صاحب (البحار)، وكونه من أوصياء إسماعيل وإبراهيم(عليهما السلام) لا ينافي كونه مستودعاً لوصية أحد أوصياء عيسى(عليه السلام)، فإنّ الوصاية غير استيداع الوصاية؛ فلاحظ! ثانياً: إنّ الروايات تختلف في تعداد الأنوار التي لا يطفئها نور أبي طالب، فواحدة من الروايات ما ذكرتها أنت، والأُخرى تذكر نور محمّد ونور عليّ ونور فاطمة ونور الحسن ونور الحسين وولده الأئمّة التسعة(عليهم السلام) (1) . ثالثاً: قد يثبت أنّه كلّ رسول إمام، أي: أنّ نوح(عليه السلام) وإبراهيم(عليه السلام) وموسى(عليه السلام) وعيسى(عليه السلام) ومحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم رسل قد يثبت لهم أنّهم أئمّة، ولكن ليس كلّ إمام فهو رسول، إذ أنّ أئمّتنا الاثني عشر(عليهم السلام) ليسوا رسلاً قطعاً، فدائرة الأئمّة أوسع من دائرة الرسل، وقد تكون دائرة الرسل أخصّ من وجه، أي: أنّ يوجد رسول وهو ليس إمام، كما دلّت عليه الرواية، فإنّ إبراهيم(عليه السلام) كان رسولاً قبل أن يكون إماماً. رابعاً: قال المفيد(ره): ((وقد كان من أنبياء الله - عزّ وجلّ - حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام))، أي: أنّ بعض الأنبياء بما هم أنبياء ولكن دورهم كان حفظ شريعة من تقدّمهم من الرسل، كهارون(عليه السلام) بالنسبة لموسى(عليه السلام)؛ فإنّ هارون(عليه السلام) مع كونه نبيّاً فهو وصيّ موسى(عليه السلام)، ولم يكن دوره إلاّ حفظ شريعة موسى(عليه السلام)، ثمّ إنّ هؤلاء الخلفاء مع كونهم خلفاء وأنبياء قد يكونوا أئمّة أيضاً. ثمّ قال (ره): ((وإنّما منع الشرع من تسمية أئمّتنا بالنبوّة دون أن يكون العقل مانعاً من ذلك))، هذا جواب على إشكال ذكره متأخّراً عن الجواب، وخلاصة الإشكال هو: إذا كان هناك أنبياء دورهم حفظ شريعة الرسول الذي قبلهم فلماذا لا نسمّي أئمّتنا أنبياء مع أنّ دورهم مماثل لدور هؤلاء الأنبياء، أي: أنّ دورهم هو حفظ شريعة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا مانع عقلي من أن نسمّي أئمّتنا أنبياء لحصول نفس الدور الذي حصل للأنبياء الذين خلفوا رسلهم. وبعبارة أُخرى: أن لا مانع عقلي أن يبعث الله أنبياء بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحفظون رسالته، كما بعث أنبياء حفظوا رسالة من سبقهم من الرسل، ويكون هؤلاء الأنبياء بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم أئمّتنا (لحصولهم على المعنى)، أي: الدور والوظيفة، (الذي حصل لمن ذكرناه من الأنبياء(عليهم السلام)) الذين كانوا بعد رسلهم. وأجاب عن هذا الإشكال: بأنّ المانع من ذلك: الشرع. أي: أنّ الله سبحانه وتعالى ختم النبوّة والرسالة بنبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يبعث بعده بنبيّ، وإن كان العقل لا يجد مانعاً من ذلك، ولكن الأمر لله سبحانه وتعالى، ولذلك فإنّ شريعتنا الخاتمة تمنع من الاعتقاد ببعثة أنبياء بعد نبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم). ثمّ قال: ((واتّفقوا على جواز بعثه رسول يجدّد شريعة من تقدّمه - أي: من الرسل - وإن لم يستأنفه شرعاً، ويؤكّد نبوّة من سلف وأن لم يفرض غير ذلك فرضاً)) (2) ، كما أرسل عيسى(عليه السلام) مجدّداً لشريعة موسى(عليه السلام) ولم يبعثه بشريعة جديدة. خامساً: بعض الروايات عامّة تشير إلى أنّه لا تخلو الأرض من حجّة، والحجّة أعمّ من الإمام والنبيّ والرسول، وأمّا تلك الروايات فيمكن حملها على فترة ما بعد نبوّة نبيّنا محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث لا نبوّة ولا رسالة، فيجيب الإمام: أنّه لا تخلوا الأرض من الإمام، باعتبار أنّ الحجّة بعد نبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الإمام لا غير، وأمّا الخبر الذي لا يحتمل ذلك، فلا بدّ من فهم الإمام بمعنى الهادي، والنبيّ والرسول أئمّة بهذا المعنى، أو نلتزم بوجود إمام في كلّ زمان وهو الحجّة، ولكن لا نعرفهم، وإنّما نعرف بعضهم كإبراهيم وموسى وعيسى(عليهم السلام) إماماً، أمّا ما بينهم فلا نعرفهم. وهذا الأخير هو الأصحّ، والتزم به كثير من علمائنا، ورواية الباقر(عليه السلام) تدلّ عليه؛ قال: (والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم(عليه السلام) إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده) (3) ، وقال تعالى: (( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً )) (البقرة:30). وربّما اجتمعت الإمامة مع النبوّة والرسالة، فيكون الرسول أو النبيّ إماماً على غيره من الأنبياء وليس كلّ الأنبياء إمام؛ قال أبو عبد الله(عليه السلام): (الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبيّ يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام، مثل: ما كان إبراهيم على لوط(عليهما السلام)، ونبيّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس... وعليه إمام، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة، وهو إمام، مثل: أُولي العزم، وقد كان إبراهيم(عليه السلام) نبيّاً وليس بإمام، حتّى قال الله: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي )) ، فقال الله: (( لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )) (البقرة:124)، من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً) (4) . عن يزيد الكناسي، قال: ((سألت أبا جعفر(عليه السلام): أكان عيسى بن مريم(عليه السلام) حين تكلّم في المهد حجّة لله على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيّاً حجّة الله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال: (( قَالَ إِنِّي عَبدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَينَ مَا كُنتُ وَأَوصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيّاً )) (مريم:30-31)؟! قلت: فكان يومئذ حجّة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلّم فعبّر عنها، وكان نبيّاً حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثمّ صمت فلم يتكلّم حتّى مضيت له سنتان، وكان زكريا الحجّة لله عزّ وجلّ على الناس بعد صمت عيسى بسنتين، ثمّ مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عزّ وجلّ: (( يَا يَحيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً )) (مريم:12)، فلمّا بلغ عيسى(عليه السلام) سبع سنين تكلّم بالنبوّة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه، فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى الناس أجمعين، وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجّة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم(عليه السلام) وأسكنه الأرض. قلت: جعلت فداك، أكان عليّ(عليه السلام) حجّة من الله ورسوله على هذه الأُمّة في حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: نعم، يوم أقامه للناس ونصبه علماً، ودعاهم إلى ولايته، وأمرهم بطاعته. قلت: وكانت طاعة عليّ(عليه السلام) واجبة على الناس في حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعد وفاته؟ فقال: نعم، ولكنّه صمت فلم يتكلّم مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانت الطاعة لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أُمّته وعلى عليّ(عليه السلام) في حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلّهم لعليّ(عليه السلام) بعد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان عليّ(عليه السلام) حكيماً عالماً) (5) . سادساً: العنوان الذي ذكره صاحب (الكافي) من عنده وليس هو بنصّ معصوم! ومعنى الكراهية هنا لا يدلّ على الجواز، فهو ليس بصدد بيان حكم شرعي، بل يقصد: أنّ النبوّة لا تطلق عليهم. وقد شرحنا لك المراد من قول المفيد في النقطة (الرابعة). سابعاً: الفرق بين الإمام وبين النبيّ: هو أنّ النبيّ له ميزة خاصّة لم تثبت للإمام وهي رتبة النبوّة، ولهذه الرتبة خصوصيات، وأمّا السماح له بتعدّد الزوجات فهي ميزة عرضيّة، ذكرها الإمام ليتّضح الفرق بينهما في ذهن السائل. ثامناً: الذي نقطع به أنّ أئمّتنا(عليهم السلام) ليس عندهم ميزة وصفة النبوّة، فلذا فهمنا عبارة الكليني وفق هذا القطع من أنّهم ليسوا بأنبياء. تاسعاً: ما قاله المجلسي أنّهم(عليهم السلام) أفضل من الأنبياء ولكن مع ذلك هم ليسوا بأنبياء، وعلّل ذلك برعاية خاتم الأنبياء(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعد ذكره لعدّة وجوه للفرق بين الأنبياء والأئمّة، ذكر أنّه لا يستطيع الوصول إلى حقيقة الفارق عقلاً بين النبوّة والإمامة، مع أنّه ذكر عدّة وجوه للمسألة تبعاً للأخبار لكنّه أقرّ بوجود الإشكال فيها. وكلامه وجه آخر لكلام المفيد الذي شرحناه. عاشراً: يمكن أن يكون هناك أنبياء ليسوا أئمّة، وأئمّة ليسوا بأنبياء، وذكرنا أنّ الحجّة أعمّ من النبيّ أو الإمام، ولو أردنا أن نقول: إنّ الحجّة هو الإمام، يبقى كلامكم غير دقيق من افتراض أنّ كلّ الأنبياء لا بدّ أن يكونوا أئمّة! فالصحيح أن تقولوا: إنّ كلّ زمان لا يخلو من حجّة، وهو إمّا إمام، أو نبيٍّ إمام، أو رسول إمام. ودمتم في رعاية الله

3