غزوة أحد
مَن هُم الفارّون في غزوة أُحد؟
أن من تحاول بعض الروايات التأكيد على ثباتهم لا ريب في فرارهم ، فيلاحظ التعمد والإصرار على ثبات طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما . ونكتفي هنا بذكر عبارة الشيخ الطوسي رحمه الله ، حيث قال :
«ذكر البلخي : أن الذين بقوا مع النبي «صلى الله عليه وآله» يوم أحد ، فلم ينهزموا ثلاثة عشر رجلاً ، خمسة من المهاجرين : علي «عليه السلام» ، وأبو بكر ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، والباقون من الأنصار . فعلي وطلحة لا خلاف فيهما ، والباقون فيهم خلاف» .
وفي نص آخر : «أفرد النبي «صلى الله عليه وآله» في تسعة ، سبعة من الأنصار ورجلين من قريش» . ثم ذكر أن السبعة من الأنصار قد قتلوا أيضاً. ورغم ذلك كله نقول : لا ينبغي الريب في أن علياً «عليه السلام» وحده هو الذي ثبت وفر الباقون جميعاً ؛ حتى طلحة وغيره . ولبيان ذلك ، نقول :
فرار سعد
إن مما يدل على فرار سعد :
1 ـ ما تقدم من أنه لم يثبت سوى علي «عليه السلام» .
2 ـ عن السدي : لم يقف إلا طلحة ، وسهل بن حنيف.
ولعل عدم ذكر علي «عليه السلام» بسبب أن ثباته إجماعي ، لم يرتب فيه أحد .
3 ـ وعند الواقدي : أنه لم يثبت سوى ثمانية ، وعدهم ، وليس فيهم سعد . أما الباقون ففروا والرسول يدعوهم في أخراهم.
4 ـ ويعد الإسكافي ، وابن عباس ، وغيرهما من ثبت يوم أحد ، وليس فيهم سعد.
5 ـ وسلمة بن كهيل يقول : لم يثبت غير اثنين ، علي ، وأبو دجانة 18 .
6 ـ عن سعد ، قال : لما جال الناس عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تلك الجولة تنحيت ، فقلت : أذود عن نفسي ، فإما أن أستشهد ، وإما أن أنجو .
إلى أن قال : فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أين كنت اليوم يا سعد ؟! فقلت : حيث رأيت.
فرار طلحة
ويدل على فراره :
1 ـ جميع ما تقدم في أنه لم يثبت سوى علي «عليه السلام» .
2 ـ ويدل على ذلك أيضاً قول سلمة بن كهيل المتقدم .
3 ـ إنتهى أنس بن النضر إلى عمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يحبسكم ؟
قالوا : قتل رسول الله .
فقال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟! قوموا ، فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» .
ثم استقبل القوم ، فقاتل حتى قتل.
ويروي السدي : أنه خاف هو وعثمان أن يدال عليهم اليهود والنصارى ، فاستأذنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالخروج إلى الشام ليأخذ أحدهما العهد لنفسه من اليهود ، ويأخذه الآخر من النصارى ، فرفض «صلى الله عليه وآله» طلبهما.
فرار أبي بكر
ويدل على فراره :
1 ـ جميع ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين «عليه السلام» . وما تقدم في فرار سعد ، ما عدا الحديث الأخير المختص بسعد .
2 ـ عن عائشة : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثم قال : ذاك كان يوم طلحة .
ثم أنشأ يحدث ، قال : كنت أول من فاء يوم أحد ؛ فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، يكون رجلاً من قومي.
وحسب نص آخر ، عن عائشة ، عن أبيها : لما جال الناس عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أحد كنت أول من فاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فبصرت به من بعد ، فإذا برجل قد اعتنقني من خلفي مثل الطير ، يريد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فإذا هو أبو عبيدة .
قال الحاكم : صحيح الإسناد.
ولكن ما أراده أبو بكر لم يصل إليه ، فإن طلحة كان قد فر أيضاً كما فر هو ، ولكنه فاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبله .
ثم إننا لا نستطيع أن نوافق أبا بكر على هذه الروح القبلية التي كانت تستبد به ، وتهيمن على فكره وعقله وروحه ، حتى في هذه اللحظات الحرجة والخطيرة ، حيث يتمنى أن يكون رجلاً من قومه!! .
3 ـ قال الأمير أسامة بن منقذ : لما دون عمر الدواوين ، جاء طلحة بنفر من بني تميم يستفرض لهم . وجاء أنصاري بغلام مصفر سقيم ، فسأل عنه عمر ؛ فأخبر أنه البراء بن أنس بن النضر ، ففرض له في أربعة آلاف ، وفرض لأصحاب طلحة في ستمائة ؛ فاعترض طلحة .
فأجابه عمر : «إني رأيت أبا هذا جاء يوم أحد ، وأنا وأبو بكر قد تحدثنا : أن رسول الله قتل ؛ فقال : يا أبا بكر ، ويا عمر ، ما لي أراكما جالسين ؟!
إن كان رسول الله قتل ؛ فإن الله حي لا يموت الخ . .».
4 ـ قال زيد بن وهب لابن مسعود : وأين كان أبو بكر وعمر ؟
قال : كانا ممن تنحى.
5 ـ قال المظفر رحمه الله ما معناه : إنه كيف يتصور ثبات أبي بكر في ذلك اليوم الهائل ، وحومة الحرب الطاحنة التي لم يسلم فيها حتى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فضلاً عن علي «عليه السلام» كيف يتصور ثباته في ظروف كهذه ، وما أصاب وما أصيب ، وكيف يسلم ، وهو قد ثبت ليدفع عن النبي «صلى الله عليه وآله» السيوف ، والرماح والحجارة ؟
ولا سيما مع ما يزعمه أولياؤه من أنه قرين النبي «صلى الله عليه وآله» في طلب قريش له ، حتى بذلوا في قتله ما بذلوه في قتل النبي «صلى الله عليه وآله» ثم أتراهم ينعون إصبع طلحة ، ولا ينعون جراحة أبي بكر ؟!.
6 ـ روى مسلم : أن رسول الله قد أفرد في أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش.
قال الشيخ المظفر : «إن أحد الرجلين علي ، والآخر ليس أبا بكر ؛ إذ لا رواية ، ولا قائل في ثباته ، وفرار سعد أو طلحة».
هذا وقد ذكر في سحِّ السحابة : أن الأنصار قد قتلوا جميعاً واحداً بعد واحد.
ولكن رواية أخرى تقول : إنهم سبعة من الأنصار ، ورجل من قريش ، وستأتي الرواية حين الحديث عن عدم ثبات أحد من المهاجرين سوى علي «عليه السلام» .
7 ـ ويرد الإسكافي على الجاحظ بقوله : أما ثباته يوم أحد ؛ فأكثر المؤرخين وأرباب السير ينكرونه.
8 ـ لقد رووا بسند صحيح ، عن ابن عباس ؛ في قوله : ﴿