آيات - لبنان
منذ 4 سنوات

حول البلاء للمذنبين و غيرهم

أودّ أن أسأل عن الأطفال الذين يولدون مصابين بحالات إعاقة، فهناك من يعترض على حكم الله جلّ جلاله في هذا الأمر، والكثير يسأل: هل من العدل أن يولد هكذا أطفال لآباء مذنبين، فيكون عقاب الأهل بأنّ رزقهم الله هكذا مولود؟ وما ذنب الطفل ليعيش هكذا حياة وهو ولد بلا ذنب ارتكبه بيده؟ كيف نستطيع أن نفسّر عدل الله بهذه الحالة لإنسان لا يمكن أن يستوعب الصبر على البلاء والمصيبة؟


الاخت آيات المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ينبغي أن يعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم هي على قسمين: أحدهما: يكون السبب عمل الناس، وإليه يشير قوله سبحانه: (( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ )) (الروم:41). والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائهم. ومعلوم أنّه لا يمكن أن يتحمّل الطفل وزر أبويه؛ قال الله سبحانه: (( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى )) (فاطر:18)، ولكن بعض الأفعال القبيحة تصبح كالنار في إحراقها، فلو ألقى أحدٌ طفلاً في النار فهو يحترق جزماً، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه عليه بل الظالم من ألقاه في النار، ولو قطع أحدٌ رقبة أحد، فمقطوع الرقبة سوف يموت جزماً، أو دس أحدٌ سمّاً قاتلاً في طعام غافل، فالذي دُسّ إليه السم سوف يموت حتماً، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه بل الظالم هو قاطع الرقبة، والذي دَس إليه السمّ، وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوين عند المواقعة، أو لشرب بعض الأدوية، أو غيرها من الأسباب التي أشار إليها الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في النصيحة التي قدّمها إلى الأُمّة بواسطة علي بن أبي طالب(عليه السلام) وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه (العياذ بالله) على أحد. وهذا كلّه في القسم الأوّل. ثانيهما: الحوادث التي تحدث في العالم قد قُدّرت ونظّمت ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم بأن يولد لأحدٍ ولد وللآخر تولد البنت، والأعمار تقدّر تحت هذه الحكمة الإلهية التي تكون ضمن الآجال الحتمية، ويدخل تحت هذا: أن يكون شخص من ذرّية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والآخر من ذرّية شخص آخر، ويدخل في هذا الإطار وفي هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين شريفين ملتزمين بجميع نصائح النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوامر الشريعة الغرّاء ويكون في هذا البلاء والامتحان للمعاق ولغيره. إنّ المقادير تجري كما قدّرها الله سبحانه، ولا رادّ لقضائه، ولا مبدّل لحكمه، ولا تدرك عقولنا مغزى الحكمة، وليس يدخل ذلك في الظلم؛ لأنّ الظلم هو: وضع الشيء في غير محلّه، والله لا يفعل ذلك، والصابر على قضاء الله مأجور، والجازع مأزور، كما ورد في بعض الروايات، وإلى هذا المعنى يشير سيّد الشهداء(عليه السلام) في بعض كلماته: (نصبر على بلائه، فيوفينا أجور الصابرين، ولا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت). وقد روى الشيخ الصدوق(رضوان الله عليه) بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر(عليهما السلام): يا بن رسول الله! إنّا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً، ومنهم من يسقط غير تام، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الأرض، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً، فكيف ذلك وما وجهه؟ فقال(عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك لهم، فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له، وهو المتفضل ما أعطاه، وعادل فيما منع، ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون). قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله! وكيف لا يسأل عمّا يفعل؟ قال(عليه السلام): (لأنّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً، وهو المتكبّر الجبّار، الواحد القهار، فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء ممّا قضى الله فقد كفر، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد) (1) . ودمتم في رعاية الله

4