زينب - ايسلندا
منذ 4 سنوات

حول صفات الله (العدل )

في معتقدات الشيعة: العدل الإلهي في الدنيا والآخرة, كيف يتم الاقتناع بالعدل الإلهي في الدنيا إن لم نلمسه واقعياً؟


الاخت زينب المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أُصول الدين - ومنها العدل - مسائل اعتقادية يكون محلّها القلب، وهي ليست من أعمال الجوارح، كما نعلم: كـ: الصلاة، والصوم، والحجّ، وغيرها من فروع الدين... لذا كان وجوب الاعتقاد والإيمان بها عن طريق النظر والفكر والدليل؛ كي يكون هذا الاعتقاد قوّياً متيناً لا يتزعزع... ومنها يكون الإيمان بالعدل الإلهي وفق الضوابط المشار إليها - أي: بالنظر والفكر والدليل - فإنّنا عندما نبحث عن عدالة الله سبحانه نجد أنّ الظلم، وهو المضاد أو المقابل للعدل، لا يوجد إلاّ من خلال أُمور أربعة: 1- الاحتياج إليه. 2- جهله؛ أي يوقعه المرء وهو جاهل بأنّ هذا ظلم. 3- الأمر به؛ كأن يأمر السلطان أو المتسلّط بفعل الظلم. 4- العبث؛ أي يفعل عبثاً لا لحاجة ولا جهل ولا لتسلط. ولا يوجد شقّ خامس لفعل الظلم.. وعندما نبحث عن هذه الأربعة في الشأن الإلهي نجدها منتفية تماماً؛ لأنّ الله سبحانه غني عن العالمين, غير محتاج لأي شيء من أي كان، وهو سبحانه عالم بكلّ شيء ولا يجهل حقائق الأُمور، وأيضاً لا يمكن أن يأمره أحد بفعل الظلم؛ لأنّه القوي القادر، والقاهر فوق عباده، وكذلك لا يفعل الظلم أو غيره عبثاً؛ لأنّه الحكيم العليم.. فعندما تنتفي أسباب فعل الظلم عند الله سبحانه يكون فعله فعلاً عادلاً أمراً مفروغاً منه.. وإذا عرفنا هذا، يجب أن نفرّق بين فعل الناس وفعل الله، فإنّنا نجد الظالمين في الأرض يفعلون ما يشاؤون، أو نجد أنّ الكثير من الأغنياء يعتدون على أموال الفقراء البسيطة ويأخذونها ليضمّوها إلى أموالهم، ونجد ونجد... ومع هذا فقد يتساءل بعض الناس لِمَ لا ينتقم الله من الظالمين؟! لِمَ لا تظهر العدالة الإلهية في حقّ هؤلاء؟! نقول: إنّ لله قوانين في الخلق والحساب، فهو سبحانه لا يأخذ أحداً بذنب حتّى يقيم الحجّة عليه، كما قال سبحانه: (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً )) (الإسراء:15)، وقال تعالى: (( وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَيرٌ لِأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوا إِثماً )) (آل عمران:178)، وقال تعالى: (( وَأُملِي لَهُم إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ )) (الأعراف:183)، أي يعطيه المهلة لعلّه يصلح من شأنه، وإلاّ فالعدل الإلهي قائم لا محالة، وكما قال سبحانه: (( فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ * وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ )) (الزلزلة:7-8)... وقال جلّ شأنه: (( وَلاَ يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )) (الكهف:49). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (ولئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه) (1) . وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أمّا بعد، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلاّ من بعد تمهيل ورخاء، ولم يجبر كسر عظم من الأًمّم إلاّ بعد أزل وبلاء...) (2) . فلا يحقّ لنا بعد معرفتنا بالله، واعتقادنا بعدله اعتقاداً مبتنياً على الدليل والبرهان أن نسيء فهم العدل الإلهي، أو ننظر إلى اختلال الموازين الناتجة من فعل البشر، ونقول أنّه لا نلمس العدل بشكل واقعي.. وهذا الحديث طويل بحسب مفرداته ومتشعّب، لذا ننصح الأُخت الكريمة بمراجعة كتاب (العدل الإلهي) للعلاّمة المطهري؛ فإنّ فيه جواب سؤالها بشكل موسّع.. والله الموفّق للصواب. ودمتم في رعاية الله

1