المتكلّمون من العلماء عندما صنّفوا الصفات الإلهية إلى: صفات ذات، وصفات فعل، وضعوا ضابطة، وهي: أنّ الصفة التي يتّصف الحقّ سبحانه وتعالى بما يقابلها فهي صفة فعل، والتي لا يتّصف بما يقابلها فهي صفة ذات.
فالخالقية صفة فعل؛ لأنّه سبحانه وتعالى خلق فلان ولم يخلق فلان، وصفة الحياة ذاتية؛ لأنّه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يتّصف بالموت.
فعليه إذا كنتم تقولون: بأنّ صفة العدل صفة فعلية، فهل معنى ذلك أنّ الحقّ سبحانه وتعالى يمكن أن يتّصف بالظلم، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيرا.
إذاً كيف التوفيق بين ذلك؟
الأخ حسن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ذكرنا فيما مضى من الجواب الضابطة الأساسية للتمييز بين صفات الذات وصفات الفعل، وهي: إنّ ما ينتزع من مقام الذات فهو: صفة ذات، وما ينتزع من مقام الفعل والرابطة بين الله ومخلوقاته فهو: صفة فعل. وذكر العلماء ضوابط أُخر للتمييز بينهما، من أنّ صفات الذات قديمة بقدم الذات، وصفات الفعل حادثة بحدوث الأفعال الإلهية، وأنّ صفات الذات لا يصحّ سلبها عنه تعالى، وصفات الفعل يصحّ سلبها في بعض الأحيان.
فإذا لم تنطبق إحدى هذه الضوابط على بعض الصفات، وانطبقت الضوابط الأُخر، فليس معنى ذلك خروج هذه الصفة عن كونها صفة فعل، كما هو في صفة العدل.
فالذي تبنّيناه في جوابنا الذي قرأتموه، هو كونها صفة فعل لانطباق ضابطتان، وأمّا الضابطة المذكورة فلا تكاد تنطبق في مورد العدل؛ لخصوصية في نفس صفة العدل؛ فإنّ الله لا يوصف بضدّها، وهو: الظلم. وهذا ربّما ألجأ بعض علمائنا، كالشيخ المظفّر في (عقائد الإمامية)، إلى عدّ العدل من الصفات الثبوتية الكمالية، فلزم أن يكون العدل عنده وصفاً للذات.. ولكنّه ممنوع، فإنّ معنى العدل، هو: ((إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه))، وهو يقتضي أوّلاً إثبات موجود يثبت له حقّ، برعاية هذا الحقّ يكون العدل، وبالتجاوز عنه يكون الظلم، وإذا عرّفنا العدل بـ(وضع كلّ شيء في موضعه)، سيكون العدل مرادفاً لصفة الحكمة، وقد عدّها العلماء من صفات الفعل بهذا المعنى أيضاً.. وأمّا العدل بمعنى: (تناسب الأجزاء واستوائها واعتدالها)، فهو، مضافاً إلى أنّه خارج عن محلّ الكلام، لا يليق بجنابه تعالى؛ فإنّه من أوصاف المركّبات.
وعليه، فاللازم جعل العدل من صفات الفعل، كما ذهب إليه الأكابر، ومنهم: العلاّمة المقداد السيوري في شرحه على الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي، إذ قال: ((والمراد بالعدل، هو: تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح، والإخلال بالواجب)) (1) . نعم، يكون منشأهُ كماله الذاتي، كسائر صفاته الفعلية، وإليه يؤول ما حكي عن المحقّق اللاهيجي من أنّ المراد من العدل، هو: اتّصاف ذات الواجب بفعل حسن جميل، وتنزيهها عن فعل الظلم والقبح (2) .
ودمتم في رعاية الله