ابو الزين - الأردن
منذ 4 سنوات

حول صفات الله تعالى

في موضوع عينية الصفات، يعلّق صديقي الأشعري بقوله: ظواهر الشريعة تصف الله تعالى بصفات عديدة، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر؛ فهل يمنع العقل اتّصاف ذات ما بصفات ما؟ وهل اتّصاف ذات بصفات يعدّ تكثّراً في تلك الذات؟ فالجوهر ذات ليست منقسمة، ومع ذلك هي متّصفة بصفات عديدة، ولم يدّع أحد أنّ الجوهر يتكثّر عند وصفه بتلك الصفات، بل وكثير من البسائط؛ فهل اتّصاف الله تعالى بالصفات الإلهية يستلزم التكثّر في الذات؟ أرجو البيان. يقول هو: إنّ الإمامية خلطوا بين معنى الذات ومعنى الصفات, ولم نسمع عن عاقل يقول: بأنّ مفهوم الذات هو مفهوم الصفة, فماذا تعنون بـ(العينية)؟ ويردف أنّ رأي المعتزلة أقرب إلى القبول من مذهبكم.


الأخ أبا الزين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رأي عينية الصفات لذات الله عزّ وجلّ, هو الرأي الحقّ الذي لا مناص عنه. وبيانه: إنّ البسيط لو احتاج إلى غير ذاته فقد افتقر. وهنا نتساءل: هل أنّ الله تعالى يحتاج في علمه - مثلاً - إلى خارج ذاته؟ وأنّ الصفات المذكورة هي قديمة في جنب قدم ذاته؟ فحذراً من هذين الإشكالين يتحتّم علينا أن نلتزم بعينية الصفات لذاته حتّى لا يحتاج ذاته عزّ وجلّ لشيء آخر خارج عنها, وهذا المعنى هو المصرّح به على لسان الإمام أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): (وكمال الإخلاص له: نفي الصفات عنه؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف, وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه...) (1) . وأمّا التمثيل بالجوهر, فهو في غير محلّه؛ فإنّ الجوهر تعريف تحليلي لا يوجد له مصداق في الخارج بدون اتّصافه بصفة أو مواصفة, فمصداقية التعينية تحتاج وتتوقّف على اتّصافه بالصفات, إذ أين الجوهر بلا صفة حتّى نتكلّم عنه؟! ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الإمامية قد حقّقوا ودقّقوا بما لا مزيد عليه، بأنّ ذات الله سبحانه وتعالى تختلف مفهوماً عن صفاته, ولكنّها تتّحد معها مصداقاً وخارجاً, أي: أنّ صفة العلم - مثلاً - من جهة مفهوم العلم تختلف عن ذات الباري عزّ وجلّ, فليس الله تعالى هو بمعنى العلم, ولكن مصداقهما - الذات والعلم - متحد في ذاته, فليس الاتّحاد والعينية في حوزة المفهوم حتّى يناقش, بل الاتّحاد وعدم التمايز والتغاير هو في جهة المصداق, أي أنّ الواقع في الخارج هو وجود واحد, ولكن يسمّى أحياناً باسم الجلالة، وتارةً بـ(العالم). وأمّا ما تقوله الأشاعرة، فهو مردود عقلاً ونقلاً, وحتى أنّ ظواهر الشريعة التي تمسّكوا بها لا تدلّ على أزيد من اتّصاف الذات بتلك الصفات, وأمّا أنّ هذه الصفات تكون زائدةً على الذات فلا دلالة فيها, بل الدليل العقلي والنقلي يؤكّد اتّحاد الصفات مع الذات. وأمّا رأي المعتزلة في المقام، فهو وإن كان في بعض جزئياته أقرب إلى الواقع من رأي الأشاعرة, ولكنّه أيضاً خلط وخطأ وقعوا فيه؛ لتفادي الوقوع في محذور أشدّ، وهو: زيادة الصفات على الذات, فهم عرفوا - خلافاً للأشاعرة - أنّ زيادة الصفات توجب إشكالاً عسيراً لا مخلص عنه, فحذراً منه نفوا واقعية الصفات في مجال ذاته تعالى وأعطوا للذات النيابة عن الصفات. ولكن يلاحظ عليهم أنّ عدم زيادة الصفات على الذات لا يدلّ بالملازمة على نفي واقعية الصفات, بل الحلّ أن نلتزم بوحدة الصفات مع الذات مصداقاً واختلافهما مفهوماً, كما عليه الإمامية. ودمتم في رعاية الله

1