عندي سؤال حول بعض العبارات الواردة في كتاب (عقائد الإمامية) للشيخ المظفّر لم أفهمها، وهي تتكلّم عن عقيدتنا في صفات الله تعالى وهذا هو نصها: ((وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال, فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد، هو: سلب الإمكان عنه؛ فإنّ سلب الإمكان لازمه - بل معناه -: سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون, والثقل والخفّة, وما إلى ذلك, بل سلب كلّ نقص.
ثمّ إنّ مرجع سلب الإمكان - في الحقيقة - إلى وجوب الوجود, ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية, فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية), والله تعالى واحد من جميع الجهات, لا تكثّر في ذاته المقدّسة, ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.
ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية؛ لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته, فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب؛ ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها, فوقع بما هو أسوأ؛ إذ جعل الذات التي هي عين الوجود, ومحض الوجود, والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان, جعلها عين العدم ومحض السلب, أعاذنا الله من شطحات الأوهام, وزلاّت الأقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته؛ فقال بتعدّد القدماء, ووجود الشركاء لواجب الوجود, أو قال بتركيبه - تعالى عن ذلك)). انتهى. راجع: عقائد الإمامية ص33 فما بعد. السؤال: ما هو شرح هذه العبارات؟ وخاصّة كلمة: الصفات السلبية؟
وما هو معنى: صفات زائدة؟ وما هو رأينا بهذه الصفات؟
وما هو معنى: واجب الوجود؟
وما هو معنى: عبارة (سلب الإمكان عنه)؟
ما هو معنى عبارة: (ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية)؟
وما هو معنى عبارة (كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته؛ فقال بتعدّد القدماء, ووجود الشركاء لواجب الوجود, أو قال بتركيبه - تعالى عن ذلك)؟
أقول: رغم أنّي قرأت الحاشية لكنّي لم أفهم معنى هذه العبارات والكلمات, فأتمنى أن تعطوني شرح مبسط لهذه الكلمات.
الأخ أبا محمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المراد ممّا ذكرته من المقطع الوارد في كتاب (عقائد الإمامية) للشيخ المظفّر(رحمه الله): إنّ هناك تقسيمات مختلفة للصفات الإلهية، منها: أنّها منقسمة إلى: الثبوتية، والسلبية.
وهذه الصفات الثبوتية أيضاً تنقسم بدورها إلى قسمين: صفات حقيقية محضة, وصفات إضافية محضة. أمّا الصفات الحقيقية المحضة، فهي مثل: الحياة، والعلم، والسمع، والبصر، والإدراك، ونحوها، وهي تمتاز بشيئين:
1- إنّها ثابتة له سبحانه سواء كان هناك شيء آخر، أم لا, فهو سبحانه حي سواء كان هناك موجود آخر أم لا, وهو عالم بنفسه وبغيره سواء كان هناك موجود آخر أم لا, وهو قادر بنفسه سواء كان هناك شيء آخر أم لا ... المزید وهكذا.
2- أن يتّصف بها ولا يتّصف بأضدادها, فلا يقال: هو يعلم بكذا ولا يعلم بكذا, أو: يسمع كذا ولا يسمع كذا, وهكذا. أمّا الصفات الإضافية المحضة, فهي مثل: الخالقية، والرازقية، والراحمية، ونحوها, وهي تمتاز بشيئين أيضاً:
1- إنّها توجد بلحاظ وجود شيء آخر, فهو سبحانه يسمّى: خالقاً، عند خلقه للمخلوقات, ويسمّى: رازقاً، عند رزقه للمخلوقات، وهكذا.. فهي صفات تثبت له سبحانه بالإضافة إلى شيء آخر.
2- أنّه يتّصف بها سبحانه ويتّصف بأضدادها.. فيمكن أن يقال: أنّه سبحانه خلق كذا ولم يخلق كذا, ورزق هذا الشيء ولم يرزق ذاك، وهكذا. وأمّا الصفات السلبية, والتي تسمّى بـ(صفات الجلال)، أي: يجلّ الله سبحانه ويترفّع أن يتّصف بها، لأنّ لازمها: إثبات النقص والفقر المنفيان عنه سبحانه، كالجسمية، والحركة، والسكون، والثقل، والخفّة، ونحوها.. والتي ترجع إلى سلب واحد، هو: سلب الإمكان عنه.
وبيان ذلك: إنّ الفلاسفة (أهل العقول) قسّموا الأشياء من حيث الوجود إلى ثلاثة أقسام: واجب الوجود, ممكن الوجود, ممتنع الوجود. فأمّا (واجب الوجود)، فالمراد به هو: الشيء الذي يكون اتّصافه بالوجود لذاته ولا يشوبه شيء من العدم, فيكون وجوده واجباً وضرورياً لا يطرأ العدم عليه ولا يسبقه, وهو: المولى سبحانه, وقد أقيمت على ذلك أدلّة وبراهين متعدّدة. وأمّا (ممكن الوجود)، فهو: الشيء الذي يكون وجوده لا لذاته، بل بغيره فيمكن أن يطرأ عليه العدم, فوجوده غير واجب وغير ممتنع، كسائر المخلوقات من بشر وحيوان وجمادات ونحوها؛ إذ وجودها مسبوق بالعدم وهي يمكن أن يطرأ عليها العدم. وأمّا (ممتنع الوجود), فهو: الشيء الذي لا يمكن وجوده, كشريك الباري، واجتماع النقيضين؛ فشريك الباري ممتنع الوجود، لما ثبت بالدليل العقلي والنقلي من أدلّة التوحيد, وأيضاً الوجود والعدم لا يمكن أن يجتمعا لشيء واحد في آن واحد فيكون موجوداً ومعدوماً في نفس الوقت, فاجتماع الوجود والعدم في شيء واحد ممتنع الوجود. والمراد من الصفات السلبية هو: سلب الإمكان؛ إذ وجوب الوجود, أي: الشيء الذي يكون وجوده ضرورياً، يقتضي سلب الإمكان عنه, وسلب الإمكان يعني: سلب النقص والفقر وكلّ ما يؤدّي إلى ذلك من الجسمية والحركة ونحوها، التي تعني المحدودية والتحيّز والافتقار إلى المكان. وأمّا قوله: ((ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى السلبية)).. فمراده: أنّ القائل بهذه المقالة جعل الذات الإلهية عين العدم, وهذا واضح البطلان؛ فإنّ العدم ليس بشيء ولا شيء له حتّى يعطي شيئاً إلى غيره, وحيث أنّ كلّ كمال هو أمر وجودي ينتهي إليه تعالى, عُـلِم أنّه تعالى محض الوجود وعينه؛ إذ معطي الشيء لا يكون فاقد اً له, بل محض الوجود وعينه, بل لا يلحظه العدم ولا يشوبه العدم. وقوله: ((كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته, فقال بتعدّد القدماء..)) وذلك أنّ هذا القول - والقول للأشاعرة - لازمه: أن تكون هناك اثنينية, أي: تكون هناك ذات وصفات زائدة عليها, وهذا يعني: تعدّد القدماء؛ فالذات واحدة, والصفات الثبوتية الحقيقية إن قلنا: هي ستّة، فيصبح عندنا سبعة قدماء, وإن قلنا: هي سبعة، فيصبح عندنا ثمانية قدماء، وهكذا.. وهذا باطل؛ فالقديم هو واحد, والصفات هي عين الذات، ولا توجد اثنينية بين الذات والصفات، كالإنسان الذي تكون ذاته غير صفاته, فالعلم صفة خارجة عن الإنسان وهي تطرأ عليه بعد ذلك.. أمّا المولى سبحانه فصفاته عين ذاته فهو حيّ من حيث هو عالم, وهو عالم من حيث هو حيّ, وهو سميع من حيث هو بصير, وهو بصير من حيث هو سميع, فهو سبحانه واحد من جميع الجهات.
ودمتم في رعاية الله