سؤال في عقائد بداية المعرفة.
كيف أوجد الله نفسه؟ قد علمنا في العقائد أنّ الله واجب الوجود، أي أنّ وجوده نابع من ذاته...
كيف يكون وجوده نابع من ذاته؟ وكيف أصبحت لديه صفات ثبوتية وسلبية من بعد الإيجاد...؟
الأخت غصون المحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يكن الله تبارك وتعالى غير موجود ثمّ أوجد نفسه, بل كان موجوداً منذ الأزل، بلا كيف؛ لأنّه هو الذي كيّف الكيف، وأيّن الأين, فالكيف والأين والمتى لا تجري عليه تعالى، فهي تجري على خلقه؛ لأنّها من جملة خلقه، كما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة: (من وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله، ومن قال (كيف) فقد استوصفه, ومن قال (أين) فقد حيّزه) (1) .
وفي خطبة أُخرى: (لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات, ولا بالجوارح والأدوات, لا يقال له: (متى)، ولا يضرب له أمد بـ(حتّى), الظاهر لا يقال: (ممّا)، والباطن لا يقال: (فيم)) (2) .
وفي خطبة: (ما وحّده من كيّفه, ولا حقيقته أصاب من مثّله, ولا إيّاه عنى من شبّهه, ولا صمّده من أشار إليه وتوهّمه) (3) . وليس معنى واجب الوجود أنّ الوجود نابع من ذاته - كما تقولون - بل إنّ معنى واجب الوجود أنّ وجوده لا يمكن أن يكون محتملاً أو ممكناً؛ لأنّ فرض عدم وجوده يعرض منه المحال والبطلان في كلّ شيء، فوجوده واجب، أي: ضروري؛ فهو ذاتي له. أمّا سؤالكم عن صفاته الثبوتية والسلبية فجوابه هو: إنّ الله عزّ وجلّ قد وصف نفسه لعباده على لسان أنبيائه ورسله وفي كتبه ليعرفوه, وتلك الصفات ليست شيء غير أوصاف ذاته تعالى أو أفعاله؛ فإذا كانت الصفة مثبتة لجمال في الموصوف ومشيرة إلى واقعية في ذاته سمّيت: (ثبوتية)، أو: جمالية, وإذا كانت الصفة هادفة إلى نفي نقص وحاجة عنه سبحانه سمّيت: (سلبية)، أو: جلالية. فالعلم والقدرة والحياة من الصفات الثبوتية المشيرة إلى وجود كمال في الذات الإلهية, ولكن نفي الجسمانية والتحيّز والحركة والتغيّر والشريك من الصفات السلبية الهادفة إلى سلب ما هو نقص عن ساحته سبحانه، وليست هذه الصفات قد حدثت لديه بعد الإيجاد, بل لم يزل الله تبارك وتعالى متّصفاً بها قبل أن يخلق الخلق، فهو الكامل على الإطلاق، الذي لا نقص فيه ولا عيب يعتريه.
ودمتم في رعاية الله