علي محمد العصفور - البحرين
منذ 4 سنوات

حول أسماء الحسنى

ما هي فلسفة أسماء الله الحسنى؟


الأخ علي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال السيّد الطباطبائي في (الميزان) في تفسير قوله تعالى: (( وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) (الأعراف:180): ((الآيات متّصلة بما قبلها، وهي بمنزلة تجديد البيان لما انتهى إليه الكلام في الآيات السابقة، وذلك أنّ الهدى والضلال يدوران مدار دعوته تعالى بأسمائه الحسنى والإلحاد فيها، والناس من منتحلهم وزنديقهم وعالمهم وجاهلهم لا يختلفون بحسب فطرتهم وباطن سريرتهم في أنّ هذا العالم المشهود متّكئ على حقيقة، هي المقوّمة لأعيان أجزائها الناظمة نظامها، وهو الله سبحانه الذي منه يبتدئ كلّ شيء وإليه يعود كلّ شيء، الذي يفيض على العالم ما يشاهَد فيه من جمال وكمال، وهي له ومنه. والناس في هذا الموقف على ما لهم من الاتّفاق على أصل الذات ثلاثة أصناف: صنف يسمّونه بما لا يشتمل من المعنى إلاّ على ما يليق أن ينسب إلى ساحته من الصفات المبيّنة للكمال، أو النافية لكلّ نقص وشين. وصنف يلحدون في أسمائه، ويعدلون بالصفات الخاصّة به إلى غيره، كالمادّيين والدهريين، الذين ينسبون الخلق والإحياء والرزق وغير ذلك إلى المادّة أو الدهر، وكالوثنيين، الناسبين الخير والنفع إلى آلهتهم، وكبعض أهل الكتاب، حيث يصفون نبيّهم، أو أولياء دينهم، بما يختصّ له تعالى من الخصائص، ويلحق بهم طائفة من المؤمنين، حيث يعطون للأسباب الكونية من الاستقلال في التأثير ما لا يليق إلاّ بالله سبحانه. وصنف يؤمنون به تعالى غير أنّهم يلحدون في أسمائه؛ فيثبتون له من صفات النقص والأفعال الدنية ما هو منزّه عنه، كالاعتقاد بأنّ له جسماً، وأنّ له مكاناً، وأنّ الحواس المادّية يمكن أن تتعلّق به على بعض الشرائط، وأنّ له علماً كعلومنا، وإرادة كإراداتنا، وقدرة كمقدراتنا، وأنّ لوجوده بقاء زمانياً كبقائنا، وكنسبة الظلم في فعله، أو الجهل في حكمه، ونحو ذلك إليه، فهذه جميعاً من الإلحاد في أسمائه. ويرجع الأصناف الثلاثة في الحقيقة إلى صنفين: صنف يدعونه بالأسماء الحسنى ويعبدون الله ذو الجلال والإكرام، وهؤلاء هم المهتدون بالحقّ، وصنف يلحدون في أسمائه ويسمّون غيره باسمه، أو يسمّونه باسم غيره، وهؤلاء أصحاب الضلال الذين مسيرهم إلى النار، على حسب حالهم في الضلال وطبقاتهم منه. وقد بيّن الله سبحانه: أنّ الهداية منه مطلقاً، فإنّها صفة جميلة وله تعالى حقيقتها، وأمّا الضلال فلا ينسب إليه سبحانه أصله؛ لأنّه بحسب الحقيقة عدم اهتداء المحلّ بهداية الله، وهو معنى عدمي وصفة نقص، وأمّا تثبيته في المحلّ بعد أوّل تحقّقه، وجعله صفة لازمة للمحلّ، بمعنى: سلب التوفيق، وقطع العطية الإلهية، جزاءً للضالّ بما آثر الضلال على الهدى، وكذّب بآيات الله، فهو من الله سبحانه، وقد نسبه إلى نفسه في كلامه، وذلك بالاستدراج والإملاء. فالآيات تشير إلى أنّ ما انتهى إليه كلامه سبحانه: أنّ حقيقة الهداية والإضلال من الله، إنّما مغزاه وحقيقة معناه أنّ الأمر يدور مدار دعوته تعالى بالأسماء الحسنى وكلّها له، وهو الاهتداء، والإلحاد في أسمائه، والناس في ذلك صنفان: مهتدٍ بهداية الله لا يعدل به غيره، وضالّ منحرف عن أسمائه مكذّب بآياته، والله سبحانه يسوقهم إلى النار جزاءً لهم بما كذّبوا بآياته، كما قال: (( وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالأِنسِ )) (الأعراف:179)، وذلك بالاستدراج والإملاء. قوله تعالى: (( وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا )) .. الاسم بحسب اللغة: ما يدلّ به على الشيء، سواء أفاد مع ذلك معنى وصفياً، كاللفظ الذي يشار به إلى الشيء لدلالته على معنىً موجود فيه، أو لم يفد إلاّ الإشارة إلى الذات، كزيد وعمرو، وخاصّة المرتجل من الأعلام. وتوصيف الأسماء الحسنى - وهي مؤنّث: أحسن - يدلّ على أنّ المراد بها: الأسماء التي فيها معنىً وصفي دون ما لا دلالة لها إلاّ على الذات المتعالية فقط لو كان بين أسمائه تعالى ما هو كذلك، ولا كلّ معنىً وصفي، بل المعنى الوصفي الذي فيه شيء من الحسن، ولا كلّ معنى وصفي حسن، بل ما كان أحسن بالنسبة إلى غيره إذا اعتبرا مع الذات المتعالية.. فالشجاع والعفيف من الأسماء الحسنة لكنّهما لا يليقان بساحة قدسه؛ لإنبائهما عن خصوصية جسمانية لا يمكن سلبها عنهما، ولو أمكن لم يكن مانع عن إطلاقهما عليه، كالجواد والعدل والرحيم. فكون اسم ما من أسمائه تعالى أحسن الأسماء أن يدلّ على معنىً كمالي غير مخالط لنقص أو عدم، مخالطة لا يمكن معها تحرير المعنى من ذلك النقص والعدم وتصفيته، وذلك في كلّ ما يستلزم حاجة، أو عدماً وفقداً، كالأجسام والجسمانيات، والأفعال المستقبحة أو المستشنعة، والمعاني العدمية. فهذه الأسماء بأجمعها محصول لغاتنا، لم نضعها إلاّ لمصاديقها فينا، التي لا تخلو عن شوب الحاجة والنقص، غير أنّ منها ما لا يمكن سلب جهات الحاجة والنقص عنها، كالجسم واللون والمقدار وغيرها، ومنها ما يمكن فيه ذلك، كالعلم والحياة والقدرة، فالعلم فينا: الإحاطة بالشيء من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل مادّية، والقدرة فينا: المنشأية للفعل بكيفية مادّية موجودة لعضلاتنا، والحياة: كوننا بحيث نعلم ونقدر بما لنا من وسائل العلم والقدرة، فهذه لا تليق بساحة قدسه.. غير أنّا إذا جرّدنا معانيها عن خصوصيات المادّة عاد العلم وهو: الإحاطة بالشيء بحضوره عنده، والقدرة هي: المنشأية للشيء بإيجاده، والحياة، كون الشيء بحيث يعلم ويقدر، وهذه لا مانع من إطلاقها عليه؛ لأنّها معان كمالية خالية عن جهات النقص والحاجة. وقد دلّ العقل والنقل أنّ كلّ صفة كمالية فهي له تعالى، وهو المفيض لها على غيره من غير مثال سابق، فهو تعالى عالم قادر حيّ لكن لا كعلمنا وقدرتنا وحياتنا، بل بما يليق بساحة قدسه من حقيقة هذه المعاني الكمالية مجرّدة عن النقائص. وقد قدّم الخبر في قوله: (( وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) ، وهو يفيد: الحصر، وجيء بـ(الأسماء) محلّى باللام، والجمع المحلّى باللام يفيد العموم، ومقتضى ذلك: أنّ كلّ اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، وإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاني إلى غيره ويسمّيه به، كالعلم الحياة والخلق والرحمة، فالمراد بكونها لله: كون حقيقتها له وحده لا شريك له. وظاهر الآيات، بل نص بعضها، يؤيّد هذا المعنى؛ كقوله: (( أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً )) (البقرة:165). وقوله: (( فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً )) (النساء:139)، وقوله: (( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ )) (البقرة:255)، وقوله: (( هُوَ الحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) (غافر:65)، فلله سبحانه حقيقة كلّ اسم أحسن لا يشاركه غيره إلاّ بما ملّكهم منه كيفما أراد وشاء. ويؤيّد هذا المعنى: ظاهر كلامه أينما ذكر أسماءه في القرآن، كقوله تعالى: (( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) (طه:8)، وقوله: (( قُلِ ادعُوا اللَّهَ أو ادعُوا الرَّحمَنَ أَيّاً مَا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) (الإسراء:110)، وقوله: (( لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ )) (الحشر:24)، فظاهر الآيات جميعاً: كون حقيقة كلّ اسم أحسن لله سبحانه وحده. وما احتمله بعضهم أنّ اللام في (الأسماء) للعهد ممّا لا دليل عليه، ولا في القرآئن الحافّة بالآيات ما يؤيّده، غير ما عهده القائل من الأخبار العادّة للأسماء الحسنى)) (1) . ودمتم في رعاية الله