logo-img
السیاسات و الشروط
الميرزا - عمان
منذ 5 سنوات

 إثبات وجود ما ليس بجسم ولا مادّة ولا يشغل حيّز

لنقل أنّ شخصاً في بداية بحثه عن الحقائق وعن وجود الله بالطرق العقلية؛ فهو لا بدّ له من أن يحتمل وجوده في البداية، وهذا بديهي لا نقاش فيه، ولكنّه يرى أنّ هناك نقائض معنونة لما بنى عليها ذلك الاحتمال.. فمثلاً: هو يحتمل وجود الصانع لما يراه من موجودات وروعة الكون، أو مثلاً: له إلمام في بعض العلوم التجريبية، ولكنّه يعرف أنّ الملاحدة لهم كلام مناقض في كلّ هذه المجالات بغضّ النظر عن صحّتها أو بطلانها. وقلت: (يعرف)؛ لأنّه لم يقف على حقيقة ما يقولونه، أو لم يبحث فيه، فهذا ممّا لا شكّ فيه لن يريحه - أي: وجود نقيض وإن كان لم يقف على حقيقته - فحسب أصالة الاحتياط بأنّ هذا الشخص الذي يحتمل وجود الله عليه أن يعمل بموجب هذا الاحتمال باعتبار أنّ العقل يقول بتجنّب الضرر- وهو عقاب الله - ولو كان محتملاً. ولكن صاحبنا قد يقول: إنّ العقل أيضاً يقول: أنّ الله لن يعاقبه؛ لأنّه ليس على يقين، بل على احتمال، وهذا الاحتمال يقابله عنوان يناقضه، واليقين يحصل بنفي النقيض بعد الاطّلاع على حقيقته. فماذا تقولون جزاكم الله خيرا؟


الأخ الميرزا المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ العقل يرشد إلى لا بدّية ملاحظة الاحتمال الذي يستتبع عقاباً، وخصوصاً إذا كان الضرر المترتّب على هذا العقاب كبيراً، أي: كان الضرر المحتمل كبيراً، ومهما كبر ضرر المحتمل فإنّ الاحتمال حتّى لو كان صغيراً لا بدّ من رعايته والنظر فيه والاحتياط له لئلا يكون صحيحاً، وبالتالي يقع في ذلك الضرر الكبير، ولعلّه ليس هناك ضرر أكبر من عذاب أليم خالدي، فالاحتياط له أمر لا بدّ منه حتّى لو كانت نسبة الاحتمال قليلة جدّاً. أمّا الاحتمال الآخر الذي يتولّد من قول الملاحدة فإنّه لا ينبغي رعايته ولا الاحتياط له؛ لأنّهم أقصى ما يقولون: أنّه ليس بعد هذا العالم عالم آخر، فلا ضرر يقع من جراء عدم الاهتمام بهذا الاحتمال. أو قل: أنّ الضرر الذي يستتبع هذا الاحتمال طفيف وصغير؛ لأنّه إن وجد فهو ضرر دنيوي زائل بخلاف الضرر الأُخروي الكبير، فرعاية الاحتياط له ممّا لا ينبغي أن تراعى، خصوصاً إذا عرفنا أنّ هذا الاحتمال صغير جدّاً ويمكن إزالته بالبراهين الدالّة على وجود الخالق، ووجود نشأة أُخرى غير هذه النشأة. وهذا المعنى هو الظاهر من قول الإمام الصادق(عليه السلام) لابن أبي العوجاء لمّا قال له يعرّض بالحجّ والحجيج: إلى متى تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون كهرولة البعير إذا نفر، إنّ من فكّر في هذا وقدّر، علم أنّ هذا فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسسه ونظامه. فأجابه الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ يكن الأمر كما تقول، وليس كما تقول، نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول، وهو كما نقول، نجونا وهلكت) (1) . ودمتم في رعاية الله

1