احمد ناجي - النرويج
منذ 5 سنوات

حول النجاشي ملك الحبشة

لقد عرفت من البعض أنّه: بعد وفاة النجاشي ملك الحبشة قد جاء ملك مسلم آخر، وهو قد علم من بعض الشيعة ما جرى في بلاد الإسلام من انقلاب السقيفة وأصبح شيعيّاً، فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك، فما اسم هذا الملك؟ وكم حكم؟ وما المصادر التاريخيّة التي أشارت إلى ذلك؟ وهل يوجد ما يؤيّده من كتب العامّة؟ أرجو أن تشرحوا لي هذا الموضوع شرحاً وافياً.


الأخ احمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: قيل: النجاشي، هو: أصحمة بن أبجر، ملك الحبشة، واسمه بالعربية: عطيّة، والنجاشي لقب له - للذي يكون ملكاً على الحبشة - أسلم على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم يهاجر إليه، وتوفّي ببلاده قبل فتح مكّة، وصلّى عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمدينة، وكبّر عليه أربعاً (1) . ثانياً: ذكرت بعض المصادر المسيحية عن التقليد الحبشي: أنّ سلسلة ملوك الحبشة يرجع نسبها إلى سليمان عن طريق الملكة بلقيس، ولذلك يلقّب ملك الحبشة نفسه بـ: الأسد الخارج من سبط يهوذا (2) . ثالثاً: وقع الخلاف في كلمات المؤرّخين والمحدّثين في النجاشي الذي كتب إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة ست أو سبع، وفي الكتاب الذي كتب إليه.. فقد قال مسلم في (صحيحه) عن أنس: أنّ نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كلّ جبّار، يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلّى عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (3) . ويؤيّده: ما نقلوه عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا أخا تنوخ! إنّي كتبت بكتابي إلى النجاشي فخرقها، الله مخرقه ومخرق ملكه) (4) ؛ لأنّ النجاشي الذي هاجر إليه المسلمون وكتب إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) آمن وصدّق، كما سيأتي، وقبّل كتابه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووضعه على عينه. ونقل السيوطي، عن أبي الشيخ وابن مردويه، عن أنس، قال: لمّا نزلت (( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ )) (الأنعام:19)، كتب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكلّ جبّار يدعوهم إلى الله، وليس بالنجاشي الذي صلّى عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (5) . وقال دحلان، ناقلاً عن (المواهب) أنّه قال: وقد خلط بعضهم فلم يميّز بينهما، أي بين النجاشيين (6) . ونقل المؤرّخون أنّ النجاشي أصحمة، الذي هاجر إليه المسلمون وكتب إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات قبل الفتح، أو قبل ذلك بكثير؛ قال ابن الأثير: وتوفّي ببلاده قبل فتح مكّة (7) ، وقال ابن كثير، بعد نقله موته بعد غزوة مؤتة: قلت: والظاهر أنّ موت النجاشي كان قبل الفتح بكثير، واستشهد برواية مسلم المتقدّمة (8) ، وقال الطبري: وفيها (أي في السنة التاسعة نعى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمسلمين النجاشي، وأنّه مات في رجب سنة تسع (9) . والظاهر أنّ الذي كتب إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع الملوك - لو ثبت - هو غير النجاشي الذي أسلم وأكرم المسلمين وصلّى عليه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولأجل ذلك قال ابن كثير: والظاهر أنّ موت النجاشي كان قبل الفتح بكثير؛ فإنّ في (صحيح مسلم) أنّه لمّا كتب إلى ملوك الآفاق كتب إلى النجاشي وليس هو بالمسلم، وزعم آخرون، كالواقدي، أنّه هو، والله أعلم (10) . ولكن يردّ قول الواقدي أنّه: قالت أُمّ كلثوم: لمّا تزوّج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمّ سلمة، قال: قد أُهديت إلى النجاشي أواق من مسك وحلّة، وإنّي لأراه قد مات، ولا أرى الهدايا إلاّ ستردّ عليَّ ... المزید فكان كما قالت (11) ، وكان زواجها في سنة أربع من الهجرة (12) . كما أن جعفر بن أبي طالب هاجر إلى الحبشة سنة خمس من النبوّة وبينها وبين كتابه إلى الملوك ما لا يقل عن اثنتي عشرة سنة (13) . وقد تنبّه لهذه الجهة محمّد حميد الله في كتابه (مجموعة الوثائق السياسية)، فقد قال: ((في السنة الثامنة قبل الهجرة (الخامسة للنبوّة)، هاجر بعض مسلمي مكّة إلى الحبشة، ونجد في الوثيقة 21 العبارة التالية: (وقد بعثت إليك ابن عمّي جعفر ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم)، ولا تكاد تتعلّق بالمكتوب المرسل في السنة السادسة، أو السابعة للهجرة؛ حيث كان قد مضى خمس عشرة سنة على هجرة جعفر الطيّار إلى الحبشة.. (14) . رابعاً: وتحصّل من ذلك: أنّ النجاشي الذي عاصر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أوّل البعثة إلى ارتحاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الملأ الأعلى رجلان: أحدهما: أصحمة بن أبجر الذي هاجر إليه المسلمون، وكان عالماً ديّناً، لا يظلم عنده أحد، فأكرمهم وقَراهم، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب(رضوان الله تعالى عليه)، ومات سنة ثلاث، أو أربع، أو تسع، أو ثمان، أو سبع، على الخلاف، وثانيهما: هو الذي ملك الحبشة وكتب إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخرّق الكتاب وتجبّر وكفر (15) . وأخيراً نقول: هذا هو المحصّل من التوفيق بين الروايات إذا لم نرد رواية أنس في (صحيح مسلم)، ورواية التنوخي في (مجمع الزوائد)، وأمّا إذا لم نقبلهما فلا يبقى هناك دليل على تعدّد النجاشي وأنّهما اثنان، أحدهما آمن بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ خلفه آخر كفر وتجبّر؛ فلاحظ! ودمتم في رعاية الله

1