جعفر - البحرين
منذ 4 سنوات

سليمان بن صرد الخزاعي

نقرأ في سيرة الثائر سليمان بن صرد الخزاعي أنّه لم يشارك في ثورة كربلاء وأنّه بعد حدوث واقعة كربلاء ندم, وقاد ثورة التوابين التي استشهد فيها. ولكن ما هو سبب عدم مشاركته في كربلاء, هل لاجتهاد ذهب إليه, أم أنّه أراد المشاركة فزجّ في السجن؟ ولمّا قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة ما كان موقفه, وما موقف الأئمة المعصومين(عليهم السلام) من ثورة التوّابين, هل جاء ذكر سليمان أو ثورته في أحاديث المعصومين(عليهم السلام).


الأخ جعفر المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم يرد في الكتب التاريخية التي بين أيدينا ما يدلّ على أنّ سليمان بن صرد الخزاعي قد سجن أو منع منعاً خاصّاً من المشاركة في كربلاء. فما يذكره المامقاني في (تنقيح المقال) من أنّ عبيد الله بن زياد سجنه لا دليل عليه ولم يذكر مصدره (1) ، وربّما كان نظره إلى  ما ورد في (حكاية المختار في الأخذ بالثار) المطبوع في نهاية (اللهوف في قتلى الطفوف) لابن طاووس، حيث ورد فيه أنّ سليمان بن صرد كان في حبس ابن زياد ثم خرج بعد موت يزيد (2) ، ولكن هذه الحكاية من أوّلها إلى آحرها نسجت على منوال القصص، وفيها من الخرافة والتزويق ما لا يخفى، وفيها ما هو مخالف للمثبت في المصادر المعروفة، من أنّ سليمان وإبراهيم الأشتر وصعصة العبدي وغيرهم كانوا في سجن ابن زياد من زمن معاوية مع أنّه لا يوجد أثر لهذا في المصادر المعتبرة، بل لا يوجد ذكر لسجن إبراهيم بن الأشتر، وأمّا صعصعة بن صوحان العبدي فلم يكن موجوداُ ذلك الوقت، فقد توفي في زمن معاوية. نعم، كان هناك منع عام لكلّ أهل الكوفة من الخروج ومساعدة الحسين(عليه السلام)، كما يذكر ذلك في كيفية خروج حبيب بن مظاهر من الكوفة (3) . وكان سليمان قد كاتب الإمام الحسين(عليه السلام) قبل قدوم مسلم بن عقيل، وحثّه على القدوم إلى الكوفة (4) . ثمّ إنّ في كون سليمان بن صرد من التوّابين، بل هو رأسهم، وأنّه كان يدعو في أصحابه بضرورة القتال من أجل التوبة والغفران، دلالة على أنّه كان مقصّراً في عدم مشاركته في نصرة الحسين(عليه السلام). اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ إطلاق هذا الاسم عليه وهو كونه توّاباً ودعوته للقتال من أجل التوبة كانت من أجل غيره ممّن قصّر في نصرة الحسين(عليه السلام)، فإطلاق العنوان عليه بلحاظ أصحابه، أمّا هو فهو في عذر من ذلك، لعدم قدرته على نصرته من خلال عدم القدرة على الوصول إليه، ولكن هذا ما يحتاج إلى ما يثبته. بل توجد في أقواله كلمات ينسب التقصير فيها إلى نفسه، إذ قال في خطبته في مجموعة التوّابين لمّا اجتمعوا في داره: ((...إنا كنّا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبيّنا ونمنيهم النصر ونحثّهم على القوم، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا وأدهنا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون، حتى قتل فينا ولدينا ولد نبيّنا وسلالته... إلى أن قال: كونوا كالأولى من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم: (( إِنَّكُم ظَلَمتُم أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ العِجلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُم فَاقتُلُوا أَنفُسَكُم ذَٰلِكُم خَيرٌ لَكُم عِندَ بَارِئِكُم )) (البقرة:54)...)) (5) . فانظر إليه كيف يصف حاله وحال أصحابه بدقّة بالغة بالعجز والادهان والتربّص وانتظار ما يكون، بل يشبه نفسه ومن معه ببني إسرائيل وعصيانهم بعبادة العجل. وقال في خطبة أخرى: ((حتى بلى الله خيارنا، فوجدنا كذّابين في نصر ابن بنت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا عذر دون أن نقتل قاتليه، فعسى ربّنا أن يعفو عنّا)) (6) . وارتجز لمّا استقتل يوم عين الورد: إليك ربّي تبت من ذنوبي ***** وقد علاني في الورى مشيبي فارحم عبيداً غير ما تكذيبي***** واغفر ذنوبي سيّدي وحوبي (7) وقال ابن سعد في (الطبقات): ((كان فيمن كتب إلى الحسين بن عليّ أن يقدم الكوفة، فلمّا قدمها أمسك عنه ولم يقاتل معه، كان كثير الشكّ والوقوف، فلمّا قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجية الفزاري وجميع من خذل الحسين ولم يقاتل معه)) (8) . وقال ابن أثير: ((وكان فيمن كتب إلى الحسين بن عليّ(رضي الله عنهما) بعد موت معاوية يسأله القدوم، فلمّا قدمها ترك قتال معه)) (9) . نعم، يشهد لحسن حال سليمان بن صرد ما ورد من قول عليّ(عليه السلام) له: (( فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلًا )) (الاحزاب:23) ، وأنت ممّن ينتظر وممّن لم يبدّل (10) ، فشهادة عليّ(عليه السلام) هذه بعد ثبوتها تدلّ على حسن حاله، وعلوّ شأنه وصحة توبته، وأنّ عاقبته كانت عل خير. وقد جعله الحسين(عليه السلام) في كتابه إليه وإلى صحبه المسيّب ورفاعة وعبد الله بن وال - الذين أصبحوا قادة التوّابين بعد ذلك - من جماعة المؤمنين (11) ، وقد  عدّه الفضل بن شاذان من كبار التابعين وزهادهم (12) . ودمتم في رعاية الله