ماجد - الولايات المتحدة
منذ 4 سنوات

 ابن قيّم الجوزية.. موقف الشيعة منه

قال أبو الفضل البرقعي في كتاب (كسر الصنم): نقل من كتاب (الكافي) للكليني‎: ************************* باب: ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم: روى في هذا الباب عشرين حديثاً عدّ العلاّمة المجلسي سبعة عشر منها ما بين ضعيف ومجهول ومرفوع، وأراد الكليني أن يثبت في هذا الباب الإمامة المنحصرة بالاثني عشر، ولكنّه أخطأ وأثبتها لثلاثة عشر, مع أنّ إمامة الإسلام وقيادته وحكّامه غير منحصر ولا محدّد؛ لأنّ الله أعطى هذا الحقّ لكلّ عبد يسعى ويسأل الله أن يكون إماماً للمتقين، كما ذكر الله في صفات الرحمن في سورة الفرقان الآية 74‎: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَاماً )) . يعني كما أنّ العلم, والصدق, والتقوى, والعمل الصالح, والتعلّم، ليس منحصراً في الإسلام بأحد, وكذلك الأمر بالنسبة للإمامة والقيادة! أو لنقل: إنّ الحكم ليس منحصراً في عدد، ولكن الكليني وأمثاله سعوا أن يجعلوه محصوراً بالأحاديث المختلقة والروايات المجهولة. والآن نحن نثبت في هذا الباب أنّ أخبار الكليني جميعها لا اعتبار لها, ولا يمكن أن نترك ما ورد في القرآن بسببها‎: أمّا الحديث الأوّل: روى عن البرقي, وذكر في سند الحديث الثاني أنّ محمّد بن‎ يحيى الأشعري القمّي قال لمحمّد بن حسن الصفّار: يا أبا جعفر! أحببت أن يرد هذا الخبر عن غير طريق أحمد بن أبي عبد الله البرقي (ذلك أنّ البرقي كان شاكّاً في دينه ومذهبه وحيراناً)، فأجابه محمّد بن حسن الصفّار: أنّ البرقي روى هذا الخبر قبل حيرته وشكّه وتحيّره بعشر سنين‎. فانظر أيها القارئ الكريم إلى الذين يشكّون في دينهم ومذهبهم كيف يوجدون لنا المذاهب وأسانيدها أيضاً. روى البرقي في هذا الحديث, عن أبي هاشم الجعفري, وهذا له أخبار متناقضة أيضاً في موضوع الإمامة نفسها، روى هنا عن الإمام التاسع أنّ الخضر قد جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وعدّ أسماء الأئمّة وعدّدهم إلى الثاني عشر، وفهم ذلك أبو هاشم ورواه. ولكن أبا هاشم هذا بعد مضي عدّة سنين لم يعرف الإمام الحادي عشر‎. ففي كتاب الكافي هذا في باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد(رضي الله عنه) في الحديث العاشر يقول أبو هاشم الجعفري نفسه: كنت عند الإمام الهادي وظننت أنّ أبا‎ جعفر سيّد محمّد ابنه كان إماماً. ولمّا توفّي هذا الابن كنت أُفكّر وأقول: ربّما أبو جعفر سيّد محمّداً وأبو محمّد حسن العسكري في هذا العصر مثل موسى بن جعفر‎ وإسماعيل بن جعفر، وقصّتهما مثل قصّتهما، حيث كان المفروض أن يصبح موسى بن‎ جعفــر, ولمّا توفــي (أي قبل الإمامة) أصبح إسماعيل بن جعفر إماماً (1) . فيظهر من هذا الباب أنّ السيّد أبا هاشم لم يكن يعرف من هو الإمام الذي يلي الإمام العاشر. وأمّا هنا فيبدو أنّه عرف ذلك وقبل سنوات.. فلسنا ندري: عرف‎ أم لم يعرف. وهذا هو التناقض! والآن كيف لم يفهم الكليني هذه الأخبار وهي على هذه الدرجة من الوضوح في التناقض وأورد خبرين متناقضين في كتابه؟‎! أمّا متن الخبر ففيه علائم الكذب والاختلاق, وهذا الخبر الذي نقل عن أبي هاشم أنّ أمير المؤمنين أقبل ومعه الحسن بن عليّ وهو متوكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس, إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين وجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين! أُريد أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم - أي: أخذوا حقّك! - وأنّهم ليسوا بمأمونين‎ في دنياهم وآخرتهم. وهنا لا بدّ من القول: أنّ الخبر لم يذكر في أي تاريخ كان عليّ(رضي الله عنه) في مكّة مع أنّ الإمام الحسن كان متوكّئاً كالسلاطين المدلّلين على يد سلمان الشيب (2) ! وقد كان سلمان آنذاك قد غدا مسنّاً وضعيفاً وعليّ(رضي الله عنه) كان رجلاً قوّياً. حسناً إنّ الخبر يقول: جاء رجل حسن الهيئة وسأل عن ثلاثة أشياء، وقال: إذا‎ أجاب عنها عليّ دلّ ذلك على أنّهم غصبوا حقّه! والآن لنتساءل: ما هي تلك الأشياء الثلاثة؟ وهل كانت متعلّقة بشؤون المملكة والحكم أم لا؟ فقال له عليّ: اسأل ما بدا لك! قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأخوال والأعمام؟ فالتفت سيّدنا عليّ إلى الحسن فقال: يا أبا محمّد! أجبه. قال: فأجابه الحسن‎. وهنا لا بدّ من التساؤل عن أشياء كثيرة، فالظاهر أنّ الإمام الحسن كان كبيراً, وكان متأهّلاً، وله ولد يدعى: محمّداً, ولذا كان يقال له: أبو محمّد. وجاء في عام كهذا إلى الحجّ, وليس في التاريخ شيء كهذا‎. ثانيـاً: أراد الراوي الوضّاع أن يوهم الناس أنّ الإمام الحسن سيكون إماماً‎ بعد عليّ(رضي الله عنهم) إذا هو استطاع أن يجيب عن تلك المسائل الثلاث. والآن لا‎ بدّ من التفكير: هل تراها كانت الأجوبة صحيحة، أم أنّ الراوي الكذّاب توهّم ذلك؟‎! وأمّا جواب الإمام الحسن، كما جاء في كتاب (إكمال الدين) للشيخ الصدوق, في باب ما أخبر به الحسن بن عليّ بن أبي طالب من وقوع الغيبة، وهو: قال أمّا ما سألت عنه‎ من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه؟ فإنّ روحه تعلّق بالريح (ولم يبيّن أي‎ ريح), والريح معلّق بالهواء (ولا ندري ما هو الفرق بين الريح والهواء)، حتّى يفيق صاحب الروح بإذن الله, ثمّ ليأذن الله للروح بالرجوع, ثمّ يلصق الروح إلى‎ الريح ويجذب الريح إلى الهواء, ويرجع الروح ويسكن إلى جسم صاحبه! وإذا لم يأذن الله بذلك فلن يستيقظ صاحب الروح إلى القيامة. وأمّا مسألة التذكّر والنسيان فقلب المرء في حُقّة وعليهما طبق، وإذا صلّى المرء على محمّد وآلـه في ذلك الحين‎ (حين النسيان) ارتفع الطبق عن الحقّة وتذكّر المرء كلّ ما نسيه, وإذا لم يصلّ، أو صلّى صلاة مبتورة, كأن لم يذكر آل محمّد، بقي ذلك الطبق على حاله على الحقّة،‎ ويظلم القلب وينسى المرء ما ذكره. وهنا لا بدّ أن نسأل الراوي الوضّاع: فلماذا‎ يتذكّر أولئك الذين ليسوا بمسلمين إذن، ما نسوه، بلا صلاة على النبيّ وآله؟ وأمّا‎ الجواب عن المسألة الثالثة: لماذا يشبه الولد عمّه وخاله، فعلّته هو: أنّ الرجل إذا‎ قارب زوجته بقلب ساكن وعروق هادئة وجسم غير مضطرب نزلت النطفة في الرحم نفسه, وفي هذه الحال يشبه الولد الأمّ والأب، ولكن في حالة الاضطراب تنزل على بعض العروق، وإذا نزلت على عروق الأعمام أشبههم، وإذا نزلت على عروق الأخوال أشبههم!! ونحن نرجو الله أن لا تصل هذه الروايات إلى أيدي الأطباء الأخصائيين بعلم الأجنّة وغير المسلمين؛ لكي لا يتصوّروا أنّ هذه الموضوعات هي من المعارف الإسلامية، وأنّ حكّام المسلمين قد سادوا العالم بهذه التوهّمات والخرافات! وبعد ذلك أُعجب السائل الحسن الهيئة واللباس بهذه الأجوبة, وبدأ يشهد لله بالوحدانية، وبرسالة الرسول، وإمامة الأئمّة واحداً تلو الآخر باسم كلّ إمام واسم أبيه. والظاهر أنّ هذا السائل كانت تشغله هذه المسائل أعواماً طوالاً، وكان حملها ثقيلاً على قلبه وعقله.. وعندما حلّت هذه المشاكل الكبيرة والهامّة وجب عليه تقديراً أن يلهج بالثناء، والاعتراف بالفضل، لا للمجيب وحده، بل لأُمّه وأبيه وأبنائه وأقربائه وأوصيائه‎!!... ************************* هل هذه الشبهات لها صحّة؟


الاخ ماجد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في البداية لا بدّ أن نلفت نظركم إلى أنّ هذه الشبهات منقولة من كتاب (كسر الصنم) المترجم إلى اللغة العربية بتوسّط البلوشي، وهو لا يخلو من أخطاء واختلاف عن الأصل الفارسي للكتاب. هذا، وقوله: ((وأراد الكليني أن يثبت في هذا الباب الإمامة المنحصرة بالاثني عشر، ولكنّه أخطأ وأثبتها لثلاثة عشر)). يُردّ عليه: أنّ الشيخ الكليني(قدّس سرّه) قد أفرد اثنا عشر باباً على عدد الأئمّة الذين يريد إثبات إمامتهم، ولم يفرد باباً للثالث عشر المزعوم، فإن كانت الروايات يصيبها الإجمال أو التصحيف أو التحريف، فالأمور الظاهرة البيّنة تكشف لنا هذا الإجمال أو التصحيف أو التحريف، وما أورده الكليني(قدّس سرّه) من الأبواب الاثني عشر وإثبات الإمامة لكلّ إمام باسمه يدحض أي دعوى أُخرى.. وقد أجبنا على هذا الإشكال ضمن عنوان: (الإمامة/ الأئمّة اثني عشر وليس ثلاثة عشر)؛ فراجع! قوله: ((إنّ الله أعطى هذا الحقّ لكلّ عبد يسعى ويسأل الله أن يكون إماماً للمتّقين، كما ذكر الله...الخ)). نقول: لا يستفاد من قوله تعالى: (( وَاجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَاماً )) : أنّ كلّ شخص يمكن أن يكون إماماً بغضّ النظر عن الجعل الإلهي، فمسألة الإمامة منوطة بـ(الجعل الإلهي)، وهي واضحة من هذه الناحية؛ لصريح قوله تعالى: (( وَاجعَلنَا )) , وهذا المعنى - أي: كون الإمامة منوطة بالجعل الإلهي - ممّا يعتقده الإمامية أيضاً ولا يختلفون فيه، ولكنّ الكلام هو: من المجعول من قبل الله عزّ وجلّ إماماً؟ فالمسألة المذكورة هي التي تفتقر إلى النصّ والتنصيب من قبل المولى سبحانه، أو من قبل الناطق باسمه كالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).. فليتدبّر! قوله: ((ولكنّ الكليني وأمثاله سعوا أن يجعلوه محصوراً بالروايات المختلقة والروايات المجهولة...إلخ)). نقول: لم يذكر الشيخ الكليني(قدّس سرّه)، وكذا غيره من المحدّثين، سوى ما تضافر نقله عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت(عليهم السلام) في هذا الجانب.. فأحاديث مثل: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي) (1) , و(الخلفاء من بعدي اثنا عشر) (2) ، و(مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق...) (3) ، و(من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) (4) ، وأمثالها من الأحاديث، لم يقتصر ذكرها عند الشيعة فقط، بل تضافر نقلها عند السُنّة أيضاً وبالأسانيد الصحيحة.. وهي تؤسّس لأصل إمامة أهل البيت(عليهم السلام)، وتدعو إلى ولايتهم، ولزوم الاقتداء بهم.. فهل يعدّ (البرقعي) وأمثاله هذه الأحاديث اختلاق أو افتراء؟! وإذا انفردت كتب الشيعة بتناول النصوص الدالّة على إمامة كلّ إمام من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وقد بيّنت التفصيل الذي أجملته النصوص العامّة التي اقتصرت على ذكرها كتب أهل السُنّة، والتي تعامت عن ذكر هذا التفصيل؛ لأسباب معلومة، يعرفها كلّ قارئ للتاريخ والأحداث التي جرت في القرنين الأوّلين بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).. فهل يعدّ هذا اختلاق أو افتراء؟! وهل يستطيع (البرقعي) أو غيره أن يدلّنا على تفصيل هذه الأحاديث الواردة في كتب أهل السُنّة, والتي مرّ ذكرها، مثل قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الخلفاء من بعدي اثنا عشر)، ومثل: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح..)، فهل تراه يقول: إنّ أهل بيته(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نساؤه، وهو لا يستقيم بأيّ حال مع هذه الأحاديث؛ فنساؤه قد أمرن بالإقرار في بيوتهنّ، ولم توكل إليهنّ مهمة قيادة الأُمّة بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن بدر شيء منهنّ - كعائشة في حربها ضدّ أمير المؤمنين(عليه السلام) - فهو مخالف للكتاب والسُنّة. فكيف يصحّ أن تكون هذه الأحاديث فيها أو في بقيّة أزواجه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! أم تراهم سيفسّرون أهل بيته(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بـ(أُمّته)، وهذا من أسخف التفاسير! لأنّ قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي تارك فيكم...) هو خطاب إلى الأمّة، ولا يصحّ أن يقول لهم: إنّي تارك فيكم كتاب الله وأنفسكم.. فهذا كلام لا يتلفّظ به جاهل فضلاً عن عاقل.. فهذه الأحاديث المجملة، والواردة بالأسانيد الصحيحة في كتب أهل السُنّة، لا يوجد تفسير لها سوى عند مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، التي تتبنّى الشيعة رواية أحاديثهم والعمل بها. وأمّا قوله: ((ولا يمكن أن نترك ما ورد في القرآن بسببها...)) فهو كلام الغافلين! ولا ينبغي الالتفات له؛ لأنّ ما ورد في القرآن لا ينفي الأخذ بالسُنّة, بل يدعو إلى الأخذ بما جاء به النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والعمل به.. وهذه الأحاديث المتقدّمة قد صدق صدورها عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لذا وجب الأخذ بها.. وأمّا الحديث الأوّل الذي رواه عن الكليني في (الكافي) (5) من باب ما جاء في الاثني عشر(عليهم السلام)، فهو حديث صحيح السند، والإشكال في أحمد بن محمّد البرقي لكلمة الصفّار فيه ليست قادحة؛ ما دامت صدرت عن ثقة، فيؤخذ بها، بحسب الاستناد إلى السيرة العقلائية الممضاة للأخذ بخبر الثقة، وتعليق (البرقعي) لا قيمة ولا وزن له بعد ثبوت حجّية الأخذ عن الثقة، وقد نصّ الصفّار على أنّ هذا الخبر قد رواه البرقي قبل حيرته بعشر سنين، لذا يؤخذ منه ويكون الأخذ به حجّة، هذا إذا فسّرنا المراد بالحيرة، هي الحيرة في المذهب، وإلاّ فتوجد ثمّة وجوه أُخر قد أشار إليها العلاّمة المجلسي(ره) في (مرآة العقول) (6) ؛ فليرجع إليها! كما أنّ حجّية هذا النصّ - الوارد في الحديث الأوّل - بسندين صحيحين، هو أكبر شاهد على كذب (البرقعي) وافترائه بأنّ هذه الأحاديث مختلقة وواردة عن طريق المجاهيل. وأمّا إشكاله بدعوى التناقض في كلام أبي هاشم الجعفري، راوي الحديث عن الإمام الجواد(عليه السلام)، فمردود؛ وذلك لضعف الحديث الآخر - أي: الحديث الوارد في باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد(عليه السلام) (الحديث رقم 10) - سنداً، وعدم دلالته على ما يريد البرقعي متناً، فانظر ما ذكرناه عن هذا الحديث ضمن عنوان: (الإمام العسكري/ هل حصل البداء في إمامة العسكري(عليه السلام)). وأيضاً راجع ما ذكره المجلسي في (مرآة العقول) (7) من ضعف سنده.. وصحّة التعارض أو التناقض إنّما هي فرع حجّية الخبر من حيث السند، وأمّا إذا كان أحد الحديثين ضعيفاً والآخر صحيحاً فلا تصحّ دعوى التعارض أو التناقض بينهما، بل يطرح الضعيف ويؤخذ بالخبر الصحيح.. فهذا هو الذي تقتضيه السيرة العقلائية في التعامل مع الأخبار الواردة إليهم.. ويبدو أنّ (البرقعي) بإعماله التناقض هنا بين الخبر الصحيح والضعيف وإلغاء حجّية الصحيح لما ورد في الضعيف، هو خارج عن جماعة العقلاء، ويعمل بصناعة خاصّة به في عالم الأخبار، لا يجيدها إلاّ المتنطّعون أمثاله من هواة التهويل والتهويش الفارغين.. نسأل الله تعالى العافية وسلامة العقول؛ لأنّ سلامة العقول طريقنا إلى معرفة الحقّ في الدين، وبالتالي الفوز والنجاة يوم القيامة. وأمّا دعواه بوجود علائم الكذب والاختلاق في متن الحديث، فهي أوهن من بيت العنكبوت، وقد أردنا بدايةً عدم الإجابة عليها لوضوح بطلانها، ولكن مع ذلك سنجيب عليها من باب الفائدة العامّة. فقوله: ((مع أنّ الإمام الحسن كان متوكئاً، كالسلاطين المدلّلين...)).. نقول: المتوكّأ على سلمان قد يكون هو الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام), ولكن الأظهر هو كونه أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فإنّ السياق الذي وردت فيه هذه العبارة يحتمل الأمرين: عن أبي هاشم، قال: أقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعه الحسن بن عليّ(عليهما السلام)، وهو متوكّيء على يد سلمان...الخ. هذا من جهة. ومن جهة ثانية: أنّه أراد أن يطعن بحالة التوكّأ هذه، وشبّهها بأنّها: مثل عمل السلاطين المدلّلين. نقول: فهل التوكّأ لا يكون إلاّ لمن كان سلطاناً مدلّلاً، أفلا يكون لمن هو مريض مثلاً، أو لمن هو عاجز عن المشي وما شابه ذلك من الأمور التي تمنع الإنسان من السير براحة وحرّية؟ فلم لا يعمل هذا (البرقعي) - برقعه الله ببرقع الخزي يوم القيامة - بأصالة الصحّة في عمل المسلم، وهو أصل صحيح يعمل به جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. والخبر لا توجد فيه دلالة على شيء ممّا ذكر من حالة السلطنة والدلال، مع أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لهم السلطنة الروحية الثابتة بالنصوص المتضافرة، وبالخصوص أصحاب الكساء(عليهم السلام)، لكنّ التعصّب والنصب يعمي ويصم! وأمّا قوله: ((فالظاهر أنّ الإمام الحسن كان كبيراً، كان متأهّلاً وله ولد يدعى: محمّداً... إلى قوله: وليس في التاريخ شيء كهذا)). نقول: يعزّ علينا أن نستمر في الإجابة على إشكالات مثل هذه تنم عن جهل فاضح، بل عن ضياع معرفي حقيقي، ولا ندري من ورّط (البرقعي) بهذه الورطة, وسوّل له أن يسوّد هذه الأوراق التي سوّدت صحيفته عند الله، فمن قال له أنّ التكنّي عند العرب يلزمه أن يكون عند المكنّى ولداً ليكنّى به؟! ألم يسمع في أدب المسلمين - إن كان يقرأ ويطالع ثقافته الإسلامية - أنّه يستحب عند ولادة المولود تسميته وتكنيته؟! ثمّ اعتراضه على أنّه ليس في التاريخ شيء كهذا، هل هو اعتراض على عدم ذكر هذا الخبر من الأساس، أم أنّه اعتراض على إمكانية أن يجيب الحسن(عليه السلام) على مثل هذه الأسئلة؟ أو اعتراض على كنية الإمام الحسن(عليه السلام)، وأنّه لا يوجد له ولد اسمه محمّد؟ فإن كان الأوّل، نقول: إنّ هذه الأسئلة وأمثالها قد وجّهت إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) بكثرة كاثرة، ويوجد مؤلّفات خاصّة قد كتبت في ما وجّه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) من الأسئلة المشكلة والغريبة، ذكرها السُنّة والشيعة معاً، فانظر على سبيل المثال ما ذكره الشيخ الأميني في (الغدير) (8) . وإن كان الثاني، نقول: ألم يعلم هذا (البرقعي) أنّ الحسن(عليه السلام) هو إمام من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بحسب عقيدة الشيعة الإمامية، وأنّه من أهل بيت يُزقّون العلم زقّاً بحسب ما تذكره مرويات القوم، وأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أمر المسلمين بالتمسّك بأهل بيته وهم بعد لم يزالوا - أي الحسن والحسين(عليهما السلام) - صغاراً لم يبلغوا الحلم... فهل تراه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحيل الأُمّة إلى أُناس جاهلين لا يعرفون الأحكام، ولا يحيطون بمختلف العلوم، ومع هذا يجعلهم مرجعاً للأُمّة من بعده ويقول لهم: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي)؟! وأمّا الثالث فلقد أجبنا عليه آنفاً. قوله: ((أراد الراوي الوضّاع أن يوهم الناس أنّ الإمام الحسن سيكون إماماً بعد عليّ(رضي الله عنه) )).. نقول: لم يثبت (البرقعي) أنّ الراوي لهذه الرواية هو: وضّاع، وقد بيّنا سابقاً أنّ الرواية صحيحة السند، ولها طريقين صحيحين.. واتّهام الراوي بالوضع تهمة باطلة، على (البرقعي) أن يستعد للإجابة عليها في عرصات الحساب يوم القيامة. وأمّا دعواه: أنّ الراوي أراد أن يوهم الناس بأنّ الإمام الحسن(عليه السلام) سيكون إماماً.. فنقول: إنّ الإمام الحسن(عليه السلام) هو إمام في حياة جدّه المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد نصّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على إمامته وإمامة أخيه الحسين(عليه السلام) بقوله: (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا) (9) .. فلا حاجة لهذا الإيهام من هذا الراوي أو غيره.. لكنّ (البرقعي) لا يعرف كيف يبرقع افتراءاته. وأمّا قوله: ((ولا ندري ما هو الفرق بين الريح والهواء)). نقول: لِمَ لم يراجع ما ذكر من تفاسير لهذه الفقرات ويناقشها بدلاً من أن يفتح سوقاً للجهل والتجاهل الرخيصين! فانظر ما ذكره المجلسي في (مرآة العقول) (10) في هذا الجانب. وبهذا القدر نكتفي عن الإجابة عن بقية الافتراءات والاتّهامات الباطلة التي تنم عن جهل ونصب واضحين, فلا حاجة لإتعاب النفس مع القوم الجاهلين. ودمتم في رعاية الله