السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في كتاب يعرض على موقعكم الموقّر وصاحب تأليف الكتاب: العلاّمة الحجّة آية الله السيّد جعفر العاملي(دام ظلّه)، يذكر بأنّ: ابن عربي سُنّي متعصّب، وله أراء باطلة.
والسؤال هنا: إذا كان ابن عربي سُنّي متعصّب، فلماذا يأخذ بعض علمائنا الكبار بعض آرائة العقائدية والفلسفية، ويؤيّدها بكلّ قوّة؟
أرجو التوضيح لأنّي في حيرة من أمري، وإلّا سوف أكون قد وقعت في شبهة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ما ذكره السيّد جعفر العاملي بخصوص ابن عربي هو خلاصة رأيه فيه، فعلماؤنا غير متّفقين في تقييم هذا الرجل؛ فبعضهم يرفعه إلى مصاف الأولياء الصالحين، منهم: السيّد الخميني، والسيّد محمّد حسين الطهراني، وبعضهم يهبط به إلى مصاف النواصب المنحرفين، ويسمّيه بـ(مميت الدين)، كالشيخ أحمد الأحسائي وجميع تلامذته وأقطاب مدرسته، وبعضهم متوقّف فيه، متحيّر في أمره، كبعض فقهائنا المتأخّرين، أمثال: السيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد الخوئي.
وكان الملا صدرا الشيرازي، صاحب كتاب (الأسفار الأربعة)، من أوائل مَن أحسن الظنّ بابن عربي، وتابعه على ذلك أغلب مَن كان له حظّ من (الحكمة المتعالية) من تلامذته ومتذوّقي فلسفته، وعلى رأسهم: الفيض الكاشاني، وعبد الرزّاق اللاهيجي.
وقد قال الشيخ محمدرضا المظفر في ترجمة صدر الدين الشيرازي، التي أدرجها السيد الأمين في (أعيان الشيعة): "يُكثر من النقل عن محي الدين بن عربي المتوفّى (638هـ) في جميع كتبه، ولا يذكره إلّا بالتقديس والتعظيم، كالتعبير عنه بالحكيم العارف، والشيخ الجليل المحقّق، ونحو ذلك، بل في بعض المواضع ما يُشعر بأنّ قوله عنده من النصوص الدينية التي يجب التصديق بها ولا يحتمل فيها الخطأ". (الأمين،أعيان الشيعة:ج٩، ص٣٢٨) . نقول: وأحياناً يقوم بنقل عبارات لابن عربي ويختمها بقوله: انتهى كلامه الشريف. ويعتذر عن نقل كلامه بقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى مَن قال".( الريشهري،ميزان الحكمة: ج٣،ص٢٠٨٢). ويعلّق الشيخ المظفّر على هذا بقوله: "فعدّه من أئمّة الكشف والشهود، وجعله في صفّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، ووصف كلامه بالشريف، يجعله أعظم من أن يصحّ فيه الاعتذار بأنّه: لا تنظر إلى مَن قال ... المزید! وهو بعد لا يجعل أحداً من الفلاسفة في رتبته حتّى ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي؛ فإنّه لا يتأخر عن نقدهما، ولا يتحرّج من تفنيد آرائهما دون ابن عربي". ( الأمين،أعيان الشيعة:ج٩،ص٣٢٩).
إلى أن يقول: "وأكبر الظنّ أنّ الذي أخذ بمجامع قلب صاحبنا (صدر المتألّهين) من الشيخ ابن عربي، إعجابه بآرائه في الوجود، التي قال عنها: "لمّا نظرنا في كتبهم وجدنا منهم تحقيقات شريفة مطابقة لما أفاض الله على قلوبنا، وتغافل عن آرائه الأُخرى التي يختلف معه فيها، أو أنّه لم يطّلع عليها على أبعد الفروض".( الأمين،أعيان الشيعة:ج٩،ص٣٢٩). بينما رأى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي: "أنّ ابن عربي قد شوّه الدين، وابتدع بعض المعاني التي مَن قال فيها انتهى إلى الكفر، كقول ابن عربي: بسيط الحقيقة كلّ الأشياء. ورأيه في قِدم الإرادة، وتعشّق الغلمان، ونجاة فرعون في الآخرة، وغير ذلك من آرائه! وقد خطّأ الأحسائي الملا صدرا لذهابه مذهبه وتبنّيه لأفكاره". ( الميرزا حسن فيوضات، مدخل إلى فلسفة الشيخ أحمد الأحسائي:ص٣٤).
وصنّف كتابين كبيرين في الردّ على ملا صدرا، وهما: (شرح المشاعر)، و(شرح العرشية)، تتبّع فيهما ما اقتبسه واستفاده ملا صدرا من ابن عربي ونقده نقداً لاذعاً.
وقد أدّى ذلك إلى حدوث موجة من الحملات الفكرية ضدّ الشيخ الأحسائي من قِبل مؤيّدي الشيرازي، اتّهموه فيها بالجهل وعدم الفهم، بل قد تحامل عليه السيّد أحمد الآشتياني في تعليقاته على (شواهد الربوبية) تحاملاً شديداً، وادّعى فيه ما لا ينبغي أن نسطّره هنا!
ونجد صدى أفكار ابن عربي ماثلة عند جملة من العرفانيين الشيعة، منهم: السيّد حيدر الآملي، الذي ادّعى أنّ الصوفية هم الشيعة الحقيقيون دون سائر الناس، وقد غالى في كتابه (جامع الأسرار) وأسرف في مدح ابن عربي وسائر الصوفية، وانتقص من شأن عامّة الناس من أتباع مذهب أهل البيت ونفاهم عن التشيّع الحقّ!
والنزاع في شخصية ابن عربي لا يقلّ ضراوة عن النزاع في آرائه؛ إذ زعم بعض أنّه: من كبار أولياء الله، بل قال بعض شرّاح كلامه: أنّه خاتم الأولياء (الحر العاملي، الاثنا عشرية:ص١٦٩)، ومن العلماء مَن ادّعى أنّه: ناصبي ملعون كافر، وذهب آخرون إلى آراء بين هذا وذاك.
ودمتم في رعاية الله