السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
١- يجوز ولكن لا تترتب عليه احكام اليمين.
٢- التوسّل لغة و اصطلاحاً.
التوسّل لغة من وسلت إلي ربّي وسيلة: إلي ربّي وسيلة: عملتُ عملاً أتقرّب به إليه، و توسّلت إلي فلان بكتاب أو قرابة، أي تقربت به إليه.[6]
و قال الجوهري في الصحاح: الوسيلة ما يتقرّب به إلي الغير و الجمع: الوُسُل و الوسائل [7]
و نحن في غني عن تحقيق معني الوسيلة في اللغة، لأنّها من المفاهيم الواضحة لدينا و حقيقتها لا تتجاوز اتّخاذ شيء ذريعة إلي أمر آخر يكون هو المقصود و المبتغي، و هي تختلف حسب اختلاف المقاصد.
فمن ابتغي رضي اللّه تبارك و تعالي يتوسّل بالأعمال الصالحة التي بها يكتسب رضاه، و من طلب استجابة دعائه يتوسّل بشيء جعل في الشريعة وسيلة لها، و من أراد زيارة بيت اللّه الحرام يتوسّل بالأعمال الصالحة التي بها يكتسب رضاه، و من طلب استجابة دعائه يتوسل بشيء جعل في الشريعة وسيلة لها، و من أراد زيارة بيت اللّه الحرام يتوسّل بما يوصله إليها،فوضوح معناه يبعثناه الي أن نترك نقل أقوال اللغويين في ذلك المضمار و إن كانت أكثر كلماتهم في المقام متماثلة.
و المقصود من التوسّل في المقام، هو أن يقدّم العبد إلي ربه شيئا، ليكون وسيلة إلي اللّه تعالي لأن يتقبّل دعاء و يجيبه إلي ما دعا، و ينال مطلوبه، مثلا إذا ذكر اللّه سبحانه بأسمائه الحسني و صفاته العليا و مجدّه و قدّسه و عظّمه، ثم دعا بما بدا له، فقد اتخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه و نيل مطلوبه و مثله سائر التوسّلات، و التوسّل بالأسباب في الحياة أمر فطري للإنسان، فهو لم يزل يدق بابها ليصل إلي مسبباتها و قال الإمام الصادق عليه السلام: « أَبَي اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبا »[8]
إن الوسيلة إذا كانت وسيلة عادية للشيء و سبباً طبيعياً له، فلا يشترط فيها إلاّ وجود الصلة العادية بين الوسيلة و المتوسّل إليه، فمن يريد الشبع فعليه الأكل و لا يريحه شرب الماء، إذ لا صلة بين شرب الماء، و سدّ الجوع فالعقلاء في حياتهم الدنيوية ينتهجون ذلك المنهج بوازع فطري، أو بعامل تجريبي، نري أنّ ذا القرنين عندما دعي إلي دفع شرّ يأجوج و مأجوج اللذين كانوا يأتيان من وراء الجبل و يفسدان و يقتلان و يغيران، لبّي دعوتهم و تمسك بالسبب الطبيعي القويم الذي يدفع به شرّهم فخاطبهم بقوله: ( آتُوني زُبَرَ الْحَديدِ حَتَّي إِذا ساوي بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّي إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبا )[9] ففي هذا الموقف العصيب توسّل ذو القرنين ـ ذلك الإنسان الإلهي ـ بسبب طبيعي إذ أنه وقف علي الصلة بين الوسيلة و ما يهدف إليه، و هو سدّ الوديان بقطع الحديد حتي إذا سوي بين الجبلين أمر الحدادين أن ينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه حتي جعله نارا، و عند ذلك قال: ائتوني نحاسا مذابا أو صفرا مذابا، حتي أصبّه علي السد بين الجبلين و نسد بذلك النقب و يصير جدارا مصمتاً،فكانت حجارته الحديد و طينه النحاس الذائب.
ففي المورد و أضرابه التي بنيت عليها الحياة الإنسانية في هذا الكوكب، لا يشترط بين الوسيلة و الهدف سوي الرابطة الطبيعية أو العادية التي كشف عنها العلم و التجربة و أمّا التوسّل في الأمور الخارجة عن نطاق الامور العادية، فبما أنّ التعرّف علي أسبابه خارج عن إطار العلم و التجربة بل يعد من المكنونات الغيبية، فلا يقف عليها الإنسان إلاّ عن طريق الشرع و تنبيه الوحي، و بيان الأنبياء و الرسل و ما ذاك إلاّ لأنّهم هم الذين يرفعون الستار عن وجه الحقيقة و يصرّحون بالوسيلة و يبيّنون بأنّ هناك صلة بينها و بين ما يبغيه الإنسان المتوسّل.
و هذا الأصل يبعثنا إلي أن لا نتوسل بشيء فيما نبتغيه من رضي الربّ و غفران الذنوب و استجابة الدعاء و نيل المني إلاّ عن طريق ما عيّنه الشارع و صرّح بأنّه وسيلة لذلك الأمر، فالخروج عن ذلك الإطار يسقطنا في مهاوي التشريع و مهالك البدع التي تعرّفت علي مضاعفاتها .
فالمسلمون سلفهم و خلقهم، صحابيّهم و تابعيّهم، و التابعون لهؤلاء بإحسان في جميع الأعصار ما كانوا يخرجون عن ذلك الخط الذي رسمناه، فما ندب إليه الشرع في مجال التوسّل يأخذون به، و ما لم يذكر، أو نهي عنه يتركونه، و لا اعتبار بالبَدعِ االمحدثة التي ما أنزل اللّه بها من سلطان.
و ها نحن نذكر بعض التوسلات المشروعة التي يندب اليها الشارع:
1ـ التوسّل باسمائه و صفاته تعالي.
2ـ التوسل بالقرآن الكريم.
3ـ التوسل بالاعمال الصالحة.
4ـ التوسل بدعاء الرسول الأكرم.
5ـ التوسل بدعاء الأخ المؤمن.
6ـ التوسل بدعاء النبي في حياته البرزخية.
7ـ التوسل بالانبياء و الصالحين انفسهم.
8ـ التوسل بحق الصالحين و حرمتهم و منزلتهم.
9ـ التوسل بمقام النبي و منزلته عند اللّه.
و في الختام نذكر بعض ما جاء في كتاب التوسل و الزيارة في الشريعة الاسلامية للشيخ محمد الفقي من علماء الأزهر الشريف الطبعة الاولي 1968 م ص 153 حيث قال: التوسل بالأحياء والموتي و أدلة الشارع علي جواز ذلك.
تحدث القرآن الكريم علي جواز التوسل، و تكلمت الرسالة السماوية عن سر الترغيب في القيام به، و أفاضت آيات الشريعة في الإعراب عن تقدير الشارع له و التعبير عن مدي حياة التوسل و غيرهم في قبورهم، لا سيما من أوحي إليه بذلك الجواز في قوله تعالي ( وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَة -)[10] عليه و عليهم الصلاة و السلام. نعم،قدمنا من روائع الأحاديث و آيات الرسالة ما يثبت جوازه و يقرر مدي اعتبار و تقدير الدين الإسلامي له و أثره في تحقيق الروحانية و تجاوبها في القلوب، فمما يبعث علي ذلك الجواز مما تقدم ما جاء في حديث عثمان بن حنيف، إذ في توجيه الضرير و دعوته الي الأخذ بالتوسل أبلغ آية و أكبر برهان علي فضل هذه الهدية الرائعة، يتجلي ذلك في الحديث المشار إليه و في إرشاد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الي استقبال الرسول الأعظم و استدبار القبلة عند زيارته له (ص) و اعتباره الوسيلة إليه تعالي، فقد جاء ذلك في كتاب (الشفا) للقاضي عياض حينما سأل ابو جعفر المنصور الإمام مالك رضي اللّه عنه عن ذلك فيجيبه بقوله: كيف تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك، و وسيلة أبيك آدم إلي يوم القيامة.
و هناك أحاديث أخري تنطق بجواز التوسل بالأحياء و الموتي، فقد دل حديث فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه علي ذلك، فقد توسل صلي اللّه عليه و اله و سلم بذاته الشريفة و بإخوانه النبيين و جلهم موتي، و قد تأيد هذا الحديث بما تعددت طرقه و صحت أسانيده و اعتمدت رواته في عالم الرواة الثقات. فالجزء الثالث من (الإصابة في تاريخ الصحابة) ص 461 يعبر أبلغ تعبير و أصدقه في مجال الاستدلال و الاحتجاج عن مدي ما حققه في شأن الرواة إذ يقرر في ذلك عن مدي الثقة في الراوي الذي يتحدث عنه فيقول: مالك بن عياض مولي عمر هو الذي يقال له مالك الدار له إدراك و سمع من أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، و روي عن الشيخين و معاذ و أبي عبيدة، و روي عنه أبو صالح و ابناه عون و عبد اللّه ابنا مالك.