قلتم:(1- هناك تناقض صارخ في أقوال أهل السنة بالنسبة للإمامة وموقفهم منها حيث أنهم في مقام المناظرة والجدل يقولون إنها من مسائل الفروع وليست من أصول الدين، وهي مسألة فقهية وليست عقائدية.وفي مقام التأليف والبيان نجد أن هذه المسألة تذكر في كتب العقائد وأصول الدين وليست في أبواب الفقه!!).أقول: لا شك ولا ريب أن الجميع متفقون على أهمية الإمامة في حياة المسلمين، فتعريف السنة والشيعة للإمامة واحد وهي تشمل إمامة الدين وإمامة الدنيا، ولكن الخلاف في مسألتين:
المسألة الأولى: شروطها.فالشيعة استحدثت العصمة كشرط أساسي للإمامة، فأوجبت على الله وجود إمام معصوم لحمل هذا الدين والحكم به بين الناس، ولكن هذا الايجاب لم يتحقق في الواقع الشيعي:أوّلاً: وجوب إمام معصوم يحمل هذا الدين.قلت: هذا الايجاب مضروب من أوّل لحظة، فنجد أن الدين قد حمله أصحاب وتلاميذ الأئمة وهم غير معصومين، وكذلك لم نجد في مروياتهم أن أي إمام حمل الدين كاملا وبلغه كاملا، ولا أدل على ذلك أنه لم ينقل كل الدين في كتب الشيعة عن عليّ ولا عن الحسن ولا غيرهم من باقي الأئمة الذين تزعمون.بل أقول أنّه لا داعي للكتب والرواة والعلماء طالما أنّكم أوجبتم الإمام المعصوم في كل عصر ليحمل هذا الدين؛ فالكتاب لا حاجة للإمام له فهو يعلم الغيب ويوحى اليه، والرواة غير معصومين قد يخطئون في السماع والنقل، والعلماء قد يخطئون في الفهم عن الله أو الإمام.ثانيا: وجوب إمام معصوم يحكم حياة المسلمين بما أنزل الله.ففي واقع الحياة ولغاية الآن لم يتأمر على المسلمين إلا عليّ لبضعة سنين ثمّ الحسن لبعضة أشهر.
المسألة الثانية: درجتها.فالشيعة جعلتها ركن من لم يؤمن بها ويعمل بها فهو كافر خارج من الإسلام، لذلك أوجبوا تحقيقها في حياة المسلمين على الله، ولما خذلهم الله ولم تتحقق قالوا بأعذار وأسباب أخر ليرقّعوا، ولكن ذلك لا ينسجم مع نظرية الإمامة الاثنى عشرية.أما أهل السنة فيرونها أنها واجبة من لم يعمل بها فهو آثم جداً ولكنه غير كافر؛ لذلك قال ابن تيميمة أنها (من أعظم واجبات الدين).أسأل الله أن يهديني وإياكم لكل ما يحب ويرضى.
الأخ عماد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: نشكر تواصلك وأدبك في السؤال والنقاش والطرح مع التحفظ على بعض الكلمات المستعملة في الاثناء كقولك على الشيعة أعزهم الله: (ولما خذلهم الله ولم تتحقق قالوا بأعذار واسباب اخر ليرقعوا ... المزید)!! مع الأسف..
ثانياً: أمّا قولك: (تعريف السنة والشيعة للامامة واحد وهي تشمل امامة الدين والدنيا)، فهذا اعتراف جيد!.ولكن نقول: هل التزم أهل السنة بتعريفهم للامامة؟! وكيف طبقوه على الفسقة والجهلة الذين جعلوهم أئمة واتخذوهم خلفاء لرسول الله(صلى الله عليه وآله)؟!!
ثالثاً: واما ما ذكرت من مسائل تخالفوننا فيها في الإمامة بقولك: (الشيعة استحدثت العصمة كشرط أساسي للإمامة) تعني بخلاف السنة!فنقول: ارجع الى التعريف لتعلم أن هذه المرتبة وهذا المنصب لم يوضع ولا يصح أن يشغله عاص أو فاسق أو فاجر أو جاهل أو فاشل! وإنما يجب أن يكون معصوما لكونه نائبا وخليفة وممثلا عن المعصوم وهو خير خلق الله أجمعين، وأن هذا المنصب لا يشغله بحق وبنجاح إلا المعصوم إذ أنه منصب يتم من خلاله حفظ الدين وقيادة الأمة إامامتها، فلا يمكن أن يؤم القوم أو الأمة أو قل (خير أمة) رجل جاهل أو فاسق أو ظالم، فهذا خلاف حكمة الله وخلاف إرادة الله عزّ وجلّ، وخلاف تعريفكم للإمامة الذي ينص على أنها خلافة النبوة، وأنها خلافة الرسول، وأنها نيابة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) في إقامة الدين وفي حراسة الدين!!فكيف يقوم السارق بحراسة الدين؟! وكيف يقوم الجاهل بحراسة الدين؟! وكيف يقوم الفاسق بحراسة الدين؟! وكيف يقوم الظالم بحراسة الدين؟! وكيف يقوم الطاغية بحراسة الدين؟!إذن من يقوم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصورة عامة ومطلقة من يكون معصوما كرسول الله(صلى الله عليه وآله)، لانه لو كان ما ذكرناه أي غير معصوم فإنه سيخالف قطعا ما يدعو له الرسول(صلى الله عليه وآله) ودينه، وسوف يضل الناس بدل هدايتهم، وظلم الناس بدل اقامة العدل لهم، ويضيع شرع الله ودينه بدل حفظه، ويحاربه بدل نصره، فلا ينطبق عليه التعريف. والغاية من جعله واقامته قيّماً على الدين، وكيف ينطبق كما يعرفه ابن تيمية بانه لا قيام للدين إلا بالإمامة؟!!فكيف يقوم الدين بمثل هؤلاء؟! افتونا مأجورين!!
رابعاً: أما أدلة وجوب العصمة للإمام بالاضافة إلى ما ذكرناه والدليل العقلي، فقد أشار تعالى لذلك حينما قال في كتابه العزيز: ((أَفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ)) (يونس:35)؟!، وقال عزّ من قائل: ((وجَعَلنَاهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) (الانبياء:73)، قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا)) (الأحزاب:33)، وقوله تعالى: ((أِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ)) (البقرة:124).والاية الكريمة التي تدل على أمر الله تعالى بالطاعة المطلقة لله ولرسوله ولأولي الأمر حيث قال عزّ من قائل: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم))(البقرة:282) حيث قرن طاعة أولي الأمر بطاعة الرسول، وطاعتهما بطاعته، كونهما متفرعتين عن طاعته عزّ وجلّ لأن أصل الطاعة المطلقة لله تعالى وحده ومن أمر بطاعته متفرّع عنها وفي طولها، وكون الآية دالة على العصمة واضح، لكون الأمر بالطاعة هنا مطلقا، ولا يأمر الله تعالى بالطاعة المطلقة إلا لمعصوم، وقرن أولي الامر هنا بالمعصوم وهو الرسول(صلّى الله عليه وآله)، وإطلاق الأمر بالطاعة يدل بوضوح على عصمة أولي الأمر.ومن ذلك فهم الإمام الرازي واعترف بهذه الدلالة وهو إمام الكلام والعقليات وإمام التشكيك، كما في (تفسيره الكبير 10/144) حيث قال: ((المسألة الثالثة: اعلم أنّ قوله: ((وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم)) يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ والخطأ لكونه خطأ منهيا عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وانه محال، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما...)) إلى اخر كلامه.وقال الزمخشري في تفسيره (الكشاف 1/535): ((لما أمر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل أمر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم، والمراد بأولى الأمر منكم أمراء الحق، لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان...)) إلى اخر قوله.ومن الواضح من هذين القولين أن الإمام (أولي الأمر) الذي أمر الله تعالى بطاعته المطلقة يجب أن يكون معصوما وإلا فالله ورسوله بريئان من أئمة الجور ولا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم وإلا لزم وجوب طاعتهم في المعصية وهذا نفي للغرض، ولو قلنا بأن الأمر بالطاعة المطلقة ليس على إطلاقه فلا يكون الأمر مطلقا إذا قُيّد والأمر هنا مطلق ولو ادعى مدع خلاف ظاهر، بل نص الرازي والزمخشري من الأمر بالطاعة المطلقة لكونه مقيدا بالأحاديث الناصة والآمر بعدم طاعة مخلوق في معصية الخالق. فهذا يُردُّ ايضا على قائله بأن الأمر هنا مطلق ولا يمكن تقييده بقرينة منفصلة، وهو تعالى في مقام البيان لأنه سيكون تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو غير جائز بالإجماع.ثمّ إنكم واقعا وعملا تعملون بذلك وتعاملون أمراءكم معاملة المعصوم ولا تخالفونه في شيء عادة، وتلتزمون الطاعة له مطلقاً، وعدم الخروج عليه، بل تحريم نزعه وخلعه وعزله أو الخروج عليه مهما فعل، فلماذا ترفضون قولنا وتعملون به؟! ولماذا تعيبون علينا وأنتم من يفعله مع أناس غير معصومين؟! (( تِلكَ إِذًا قِسمَةٌ ضِيزَى )) !!
وفي مقابل طاعتكم المطلقة لامرائكم وخلفائكم نجد انكار حقيقة الطاعة المطلقة للرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) ولخلفائه الراشدين الحقيقيين المعصومين الذين امر الله تعالى بطاعتهم المطلقة وهذا من التناقض العجيب عندكم وقد ورد عندكم الامر بالطاعة المطلقة للامراء والخلفاء الراشدين مطلقا كما روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (من اطاع اميري فقد اطاعني ومن عصى اميري فقد عصاني) وعنه (صلى الله عليه وآله) انه قال لابي ذر: (اسمع وأطع وان جلد ظهرك واخذ مالك) فهذا صريح بالطاعة حتى فيما ظاهره الظلم والتعدي!!وفي رواية عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: (اسمعوا واطيعوا وان استعمل عليكم حبشي كأن رأسه زبيبة) وقال للانصار كما روى البخاري ومسلم (سترون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوني (تلقوا الله ورسوله) على الحوض).وكي لا تقول انكم تلزمونا ما لم نلتزم ننقل لكم ما قاله صاحب العقيدة الطحاوية (ص371) تحقيق احمد محمد شاكر فقد قال: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
وطاعة الخلفاء الراشدين المطلقة والمعطوفة ايضا على طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في حديث العرباض بن سارية الذي اخرجه احمد وابو داود والترمذي والحاكم وصححه وكذا صححه الالباني قال: (... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ...) فعطف سنتهم على سنته (صلى الله عليه وآله) واثبت ان لهم سنة بالاضافة الى سنته ووصفها بانها السنة الصادرة عن الخلفاء الراشدين المهديين يعني المسددين من الله اذ لا هادي الا الله فخليفته (صلى الله عليه وآله) والراشد المهدي من قبل الله تجب طاعته مطلقا ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): عليكم بها وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.والاوضح في عصمة الائمة جميعا (عليهم السلام) قوله تعالى: (( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) (الرعد:7) وكذلك يدل قوله تعالى: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه )) (الانعام:90) و (( كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) (التوبة:119) على كون الشخص الذي امر الناس بطاعته والاهتداء عن طريقه يكون مهديا من قبل الله تعالى والله تعالى عطاؤه غير مجذوذ وغير منقوص فلابد ان يكون من جعله الله تعالى هاديا مهديا على درجة من الكمال والعصمة وعدم النقص والا فكيف يهدي من هو ضال او فاسق او يمكن ان يكون كذلك؟!
ثم ان حديث الثقلين يدل على العصمة لقرن اهل البيت (عليهم السلام) الذين امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطاعتهم المطلقة قد قرنهم بكتاب الله المعصوم الذي (( لَا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِ )) (فصلت:42) ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.وحديث الثقلين (كتاب الله وعترتي اهل بيتي) قد رواه احمد في مسنده والترمذي في سننه وقال الهيثمي عنه: رواه احمد واسناده جيد. وقد صححه الالباني في سلسلة احاديثه الصحيحة ح 1761. ولذلك كانت ام سلمة (رض) تصرح بان عليا مع القرآن والقرآن معه كما روى ذلك الحاكم في مستدركه 3/124 وصححه ووافقه الذهبي.وقد جاء في تفسير قوله تعالى (( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ )) (الرعد:7) كما رواه احمد في مسنده 1/126 عن علي (عليه السلام) قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر والهاد رجل من بني هاشم. وقال الهيثمي في مجمع زوائده 7/41: رواه عبد الله بن احمد والطبراني في الصغير والاوسط ورجال السند ثقات.
واخرجه الحاكم في مستدركه 3/130 عن علي (عليه السلام) قال: انما انت منذر ولكل قوم هاد قال علي: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر وانا الهادي. وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.حتى قال الحافظ ابن حجر متعجبا مستغربا مما صح في تفسيرها الواضح القوي كما في فتح الباري 8/285: والمستغرب ما أخرجه الطبري (في تفسيره) بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال أنا المنذر وأومأ إلى علي وقال أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي) ثم قال: واخرج ابن ابي حاتم.... عن علي قال: (الهادي رجل من بني هاشم) قال بعض رواته هو على وكأنه أخذه من الحديث الذي قبله.
خامساً: ثم إن قول (يوجبون على الله وجود إمام معصوم) كلام باطل فلا يوجب أحد شيئاً على الله عز وجل وهذا من الافتراءات والكذب والتضليل ضد الشيعة وضد أصحاب العقول مثل المعتزلة والزيدية وبعض السنة وهنالك فرق بين أن يوجب الله تعالى شيئاً على نفسه وبين أن يوجبه أحد من خلقه عليه والعياذ بالله فلا يجوز خلط الأوراق.فعقيدة الشيعة إن الله تعالى فاعل مختار ليس بموجب كما عبر أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنه تعالى (فاعل لا باضطرار) فانه تعالى مريد مختار ليس بمجبور ولا مضطر ولذلك فقد يوجب الله تعالى شيئاً على نفسه كإثابة المحسن وعدم تعذيبه ومعاقبته والوفاء بالوعد ورحمة الخلق والعدل وعدم الظلم كما قال عز وجل) كتب على نفسه الرحمة) و (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) (الكهف:49) و (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُخلِفُ المِيعَادَ )) (الرعد:31) ... الخ، وقد تجد في عبائر المتكلمين والفلاسفة إطلاق قولهم (يجب على الله) فهذا قطعاً لا يعنون به أنهم هم من يوجبون ذلك عليه عز وجل وإنما يفهم ذلك الوجوب من خلال المصاديق لمفاهيم الآيات الكريمة السالفة الذكر.وكذلك فإن هذا الوجوب إنما يختص بفعل الله تعالى وتقييده تعالى لفعله من خلال حكمته وعدم عبثه ومن خلال لطفه ورحمته بعباده كونه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا ما أتاها وكما قال عز من قائل (( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ )) (النساء:165).فأوجب الله تعالى على نفسه إرسال الرسل كي يؤاخذ الناس بعد إقامة الحجة عليهم رغم قدرته وحقه في مؤاخذتهم ومحاسبتهم دون ذلك كونه خالقهم ومالكهم ويفعل ما يشاء وما يريد ولا راد لأمره وحكمه.ولذلك قال السيد المرتضى في الامالي 2/20: (ولهذا نقول أنه لا يجب على الله تعالى شيء ابتداءً وإنما يجب عليه ما أوجبه على نفسه).أ هـ
سادساً: وأما قولك (ولكن هذا الإيجاب لم يتحقق في الواقع الشيعي) فنقول:إن تحقق التكليف الشرعي يرجع للمكلف فالله تعالى يشرع وعلى المكلفين التحقيق لذلك التكليف لتحصيل المصلحة فإذا لم تفرق بين فعل الله الذي أوجبه على نفسه وهو اللطف وإرسال الرسل وجعل الأئمة الأوصياء حافظين للدين وهادين للمسلمين ولكن إذا رفض المسلمون ولايتهم وعصوا أمر الله في تنصيبهم فلا يصح إرجاع اللوم على الله تعالى وعلى الإمام (عليه السلام) أو على الشيعة أعزهم الله وإنما يوجه اللوم الى النواصب وأذنابهم وضحاياهم ممن يتبعهم ويتولاهم بدلاً من تولي أولياء الله تعالى وانقاذ الإمامة الحقة كما أمرهم الله تعالى بذلك فهذا مقتضى تشريع الإمامة ولذلك(يأتي النبي وليس معه أحد) يوم القامة كما صحت الأحاديث بذلك ولذلك رويتهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إن وليتموها علياً- وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم) مسند أحمد (109/1) ومستدرك الحاكم (70/3) وصححه.وقال تعالى في هذا المعنى (( وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ )) (الاعراف:96).بالإضافة الى تحقق الكثير من الفوائد العظيمة في القول بالعصمة كونها تمتد أكثر من أهل السنة بمائتين وخمسين سنة أو أكثر فحفظ الدين بصورة أكبر وثبت أحكامه بشكل أوسع وأعم فهذا يكفي في تحصيل اللطف وجني ثمار العصمة.
سابعاً: وأما تفريعكم على قولكم بأن (هذا الإيجاب لم يتحقق في الواقع الشيعي: أولاً: وجوب إمام معصوم يحمل الدين: هذا الإيجاب مضروب من أول لحظة فنجد أن الدين قد حمله أصحاب وتلاميذ الأئمة وهم غير معصومين) فنقول في الجواب عن هذا: بل تحقق وأفاد حيث حفظ الدين واقعاً وامتد عصر وأمد وجود المعصومين الى ثلاثة قرون إضافية وحتى عند الظهور الشريف نعتقد بوجود المعصوم الحامل والمحافظ والمطبق للشريعة دون غيره مصداقاً لقوله (صلى الله عليه وآله): (تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأنظروا كيف تخلفوني فيهما).فرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي رسم مستقبل الأمة بضرورة وأهمية وثمرة ومصلحة وجود معصوم الى يوم القيامة يحمل الدين ويحافظ عليه وينشر الأحكام الشرعية الصحيحة دون الحاجة الى إدخال ما ليس من الدين فيه لمن اكتفوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده (صلى الله عليه وآله) بزعمهم.
نعم أخذ الدين من مصدر التشريع ومن حامله وحافظه لكل أحد شيء لازم وواجب وأمر طبيعي إذ لم يقل أحد بأن الدين لا ينقله ولا ينشره ولا يدعو له إلا معصوم أبداً بل إننا نقول بوجوب حمل غير المعصومين لهذا الدين ونشره والدعوة إليه والاجتهاد فيه من خلال أخذه من مصادره الشرعية وهي الكتاب والسنة المعصومة الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده (عليهم السلام). والالتزام بقواعد الاجتهاد التي دل عليها الشرع المبين وشرعها لأهل العلم من غير المعصومين وعدم تجاوزها كما فعل مجتهدوا أهل السنة فلجأوا لإدخال ما ليس من الدين فيه كالقياس والاستحسان والعرف والمصالح المرسلة وسد الذرائع وقول الصحابي وعمل أهل المدينة.... الخ فاحتاجوا لكل هذا وذاك وأكثر من هذا وذاك مما لم يشرع الله تعالى حجيته فجعلوه من أصول الفقه وقواعد الشرع لاستنباط الحكم الشرعي وهذا من أعظم البدعة في الدين ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حق هؤلاء المجتهدين منكراً عليهم ما قدمناه: (أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه. أم نهاهم عنه فعصوه. أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه. أم كانوا شركاء له. فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول (( مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ )) فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (( وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا )) . وإن القرآن ظاهره أنيق. وباطنه عميق. لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به).فهذه الخطبة تصرح بالإنكار على من زاد في الدين مصادر التشريع وليس آليات الفهم والاجتهاد الذي لا يتجاوز مصادر التشريع المنحصرة بالكتاب والسنة وما أرشدت اليه وأثبتته من قواعد عامة بدليل قطعي ؛ لأن هذا الاجتهاد المبتني على القواعد الشرعية قد حصل في عصر المعصومين دون نكير منهم عليه بل هم قد أمروا به ودلو الناس عليه من عصر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) والى عصر الحجة المنتظر (عليه السلام) فنصبوا المجتهدين المتقيدين بالقواعد الشرعية للاجتهاد الصحيح وأمروا الناس بطاعتهم وإتباعهم وأخذ الأحكام عنهم ما داموا يتعسر عليهم الوصول الى المعصوم لمعرفة الدين والحكم الشرعي وفي نفس الوقت أنكروا على من يفتي الناس عن جهل بهذه القواعد أو لم يلتزم بها أو لم يكن محيطاً بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وبذلك يتضح أن الأخذ عن غير المعصوم مشروع إذا كان تتوفر فيه شرائط الأخذ كرواية القرآن للناس بعد حفظه ورواية الأحاديث الشريفة بعد ضبطها وعدم التلاعب بها أو نسيانها أو الزيادة فيها وإفتاء الناس وتبليغ الدين والاحكام الشرعية إن كان مؤهلاً لذلك متقيداً بالقواعد الشرعية وكما قال تعالى (( فَلَولاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِّنهُم طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ )) (التوبة:122).ومنه يتبين أننا لا ننكر أن يحفظ غير المعصوم الدين للناس ويبلغه لهم إذا كان متقيداً بالقواعد الشرعية وملماً بها ناقلاً أميناً لها من مشكاتها ولعل الشروط التي نقصدها هي:أ- وجود إذن عام أو خاص من المعصوم للأخذ عن الرواة والعلماء عنه (عليه السلام) والتبليغ العام أو الخاص بالنيابة العامة أو الخاصة عن المعصوم ومثاله:1- قوله (صلى الله عليه وآله): (نظر (رحم) الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه) رواه الشيعة والسنة وهذا يدل على محبوبية حفظ الحديث ونقله للعلماء المجتهدين وللعامة أيضاً.2- وقال (صلى الله عليه وآله): (فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع) البخاري والكافي بمعناه.3- وكذلك قام (صلى الله عليه وآله) بإرسال الكثير من الصحابة للبلدان ليبلغوهم ويعلموهم أمور دينهم كمصعب بن عمير الى المدينة قبل الهجرة وأمير المؤمنين (عليه السلام) الى اليمن وكالطفيل الى دوس وأبي موسى الأشعري الى زبيد ومعاذ الى اليمن بعد علي (عليه السلام)... الخ.4- وكذلك روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال لأبان بن تغلب: (أجلس في مجلس المدينة وأفت الناس فأني أحب أن يرى في شيعتي مثلك).5- وكذلك روى علي بن المسيب عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قلت للرضا (عليه السلام): شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا. قال علي بن المسيب: فلما انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم فسألته عما احتجت إليه). الوسائل(27/146).6- وكذا قول الإمام الصادق (عليه السلام) في زرارة بن أعين: (إنّ زرارة من أُمناء اللّه على حلاله وحرامه، ومن الذين ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، ومن القوّامين بالقسط، والسابقين إلينا في الدنيا، والسابقين إلينا في الآخرة، وهو أحب الناس إليّ أحياءً وأمواتاً، ولولاه لظننت أن أحاديث أبي ستذهب). وهذا نص وقاعدة يستفاد منها التوثيق والضبط والإذن بأخذ الدين عنه.7- وعن عبد العزيز بن المهتدي وكيل الإمام الرضا (عليه السلام) وخاصته قال: (قال سألت الرضا (عليه السلام) فقلت واني سألته وقلت: لا أقدر على لقاءك كل وقت فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال: خذ عن يونس ابن عبد الرحمن). الوسائل (27/148). وهذا نص في إرجاع الناس لتلاميذ الأئمة (عليهم السلام) المجتهدين الملتزمين بالشروط والقواعد الشرعية.8- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافراً فأنظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.9- وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً بعثه الله يوم القامة عالماً فقيهاً).10- وعنه (عليه السلام) قال: (أعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا).
ب- ضبط أحاديثهم (عليه السلام) وأمانتهم في النقل مع وثاقتهم: 1- وعن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) قول الله جل ثناؤه: (( الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ )) ؟ قال: هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه). وهذا أمر في ضبط الحديث وروايته كما هو من دون تلاعب يؤدي الى تغيير معناه.2- وقال أبو عبدالله (عليه السلام): (احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها).3- وعن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): (أكتب وبث علمك في أخوانك فان مت فأورث كتبك بينك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم). وهذا أمر وحض على الكتابة والترغيب في التأليف وجمع الأحاديث.
ج- الأمانة في تأدية الحديث سندا كما ينبغي الأمانة في تأدية الحديث متناً:1- قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إياكم والكذب المفترع قيل له: وما الكذب المفترع؟ قال: أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه).2- وعن ابن عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أحدثتم بحديث فأسندوه الى الذي حدثكم فان كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه.وهذه قاعدة في النهي عن التدليس وذكر الأسانيد وان لم يوثق الرجال.
د- أن احاديثهم (عليهم السلام) واحدة وأنها متصلة وإن رواها إمام متأخر فهي عن آباءه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يحتاجون (عليهم السلام) اتصال السند ولا يعاملون معاملة الرواة الناقلين:1- عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: (سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي.... وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل).2- وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك؟ أو أسمعه من أبيك أرويه عنك ؟ قال: سواء، إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي: وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لجميل: ما سمعته مني فاروه عن أبي.
هـ- رواية الكتب والأحاديث عن أصحابها بالوجادة بشرط الوثوق بالصدور لكون الإجازة طريقاً وليس موضوعاً: 1- روى الكليني في الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول أروه عني؟ هل يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال (عليه السلام) إن علمت أن الكتاب له فأروه عنه. 2- وروى الكليني أيضاً بإسناده عن شينولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال: حدثوا بها فإنها حق.
و- عرض الكتب والأحاديث على أئمة الهدى وعلى أصحابها أيضاً لتصحيحها: 1- عن زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة؟ فقال: صدقوا. الحديث.2- وعن أبي عمرو المتطبب قال: عرضته على أبي عبدالله (عليه السلام) يعني كتاب ظريف في الديات ورواه الصدوق والشيخ وذكرا أنه عرض على أبي عبد الله وعلى الرضا (عليهما السلام).3- وعن محمد الرافقي قال: كان لي ابن عم وكان زاهداً فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أذهب فتفقه واطلب الحديث قال: عمن؟ قال: عن فقهاء أهل المدينة ثم أعرض علي الحديث.4- وعن محمد بن عيسى عن يونس جميعاً قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال: هو صحيح.
ز- رجوع المحدثين والفقهاء الى المنبع الصافي محمد وآله من الأئمة الهداة وأخذ الدين عنهم (عليهم السلام).1- وفي رسالة أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) الى أصحابه قال: أيتها العصابة! عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم. الكافي (8/402)وغيره.2- وعن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم. الكافي (1/56).3- عن يزيد بن عبد الملك عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكرا لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم. الكافي(2/186).
ح- الحض على الاجتهاد والتفريع على القواعد والأصول التي يضعها الأئمة (عليهم السلام):1- عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا. وسائل الشيعة (27/61). 2- وعن الإمام الرضا (عليه السلام): علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع.
ط- التحذير من الاجتهاد خارج الضوابط كالعمل بالظن والقياس:1- عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب.2- وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: ... قال جعفر (عليه السلام) لا تحملوا على القياس فليس من شيء يعدله الا القياس يكسره. الوسائل (27/59). 3- وعن زرارة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا زرارة! إياك وأصحاب القياس في الدين، فإنهم تركوا علم ما وكلوا به وتكلفوا ما قد كفوه يتأولون الأخبار ويكذبون على لله عز وجل، وكأني بالرجل منهم ينادى من بين يديه، فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه قد تاهوا وتحيروا في الأرض والدين.4- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لعن الله أصحاب القياس فأنهم غيروا كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتهموا الصادقين في دين الله. الوسائل (27/59).5- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) وسئل عن الحكومة فقال: من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر. الوسائل(27/60).
ي- أحاديث العرض على الكتاب عند التعارض ومطلقاً أيضاً وهذا يكشف اشتراط عدم نقض الحديث لأحكام القرآن المحكمة الثابتة وإلا فهو لم يقله (صلى الله عليه وآله):1- قال الإمام الصادق (عليه السلام): (خطب النبي (صلى الله عليه وآله) بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله). الكافي (1/69).2- قال الإمام الرضا (عليه السلام): (... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله).3- وعن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ايضا قالا: (إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه) الكافي (1/ 69).4- وعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: (فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد...). تحف العقول (ص460) وعنه البحار(5/70)5- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه...). الوسائل (27/118). 6- وعنه في لفظ آخر انه قال: (... ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة...). الكافي (1/68).
ك- التساقط بين المتعارضين والتوقف عن الأخذ بهما إذا تعارضا مع عدم المرجح: 1- قال الصادق (عليه السلام): (إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات). وفي رواية: (إذا فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله). الكافي (1/68). 2- وفي رواية قال: (سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه: أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع ؟ فقال: يرجئه حتى يلقي من يخبره، فهو في سعة حتى يلقاه، وفي رواية عند الكليني قال (عليه السلام): (بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك).3- قول الرضا (عليه السلام): (... وما لم تجدوه في شيء من هذا الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا). الوسائل(27/115). 4- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه). الوسائل (27/122). بالإضافة الى قواعد أخرى كثيرة منها في معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمشهور الروائي وتمييزه عن الشاذ النادر ورواية الثقة... الخ.ومنه يتبين أن الأئمة (عليهم السلام) ومن قبلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم من شرعوا وجعلوا وشجعوا رواة الحديث الوكلاء والمجتهدين ليرجع لهم عموم المسلمين والشيعية حال وجود النبي(صلى الله وعليه اله) أو الأئمة (عليه السلام) أو حال غيابهم عنهم.وبالتالي فنقل القرآن والحديث والعلم الشرعي لابد منه ولا ننكره أبداً ولكن الضابطة الأساسية فيه هو وثاقة الرواة واستمرار رواته لينتهي الى المعصوم ويطمئن لصدوره كما قدمنا آنفاً.
ثامناً: أ- ثم ادعيت عدم ثبوت حمل الإمام (عليه السلام) للدين كاملاً وتبليغه كاملاً في مرويات الشيعة فنقول: نحن لم ندع أن كل إمام (عليه السلام) قد بلغ الدين كله لجميع الناس وهذا أمر طبيعي لأنه مستحيل وحتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن يبلغ الدين كاملاً لجميع أفراد زمانه فهناك الكافر وهناك المنافق وهناك المسلم البسيط الذي لا يدرك أغلب أمور الدين وأحكامه وعقائده ومعارفه ولا يمكن أن يدعي أحد غير ذلك. وبالتالي فان حمل الدين وحفظه شيء وبثه لجميع الناس شيء آخر فالدين له حملة ولا يمكن جعل الناس بمستوى واحد كي يجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) تبليغ الدين ونقله لكل الناس ومن هب ودب.ولذلك لم ينكر أحد منكم أو من سلفكم على أبي هريرة حينما قرأوا او سمعوا أنه يقول: (حفظت جرابين (وعائين) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم). البخاري (1/38).ولذلك قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/193) في شرحه لهذا الحديث:وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم.... وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور (في القول الأول) ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الاحوال والملامح في اخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويتعرض عليه من لا شعور له به. أ هـومما يدل على تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله)بعضاً دون بعض بتعليمه وتبليغه أشياء يجهلها غيره ولم تبلغ الآخرين اختلاف الصحابة وسؤالهم المستمر بعضهم لبعض عن أكثر الأحكام الشرعية وعدم تفرغهم لطلب الحديث والعلم حتى قال عمر عن نفسه: شغلنا (ألهانا عنه) الضرب في الأسواق وقول أبي هريرة لعائشة: كان يشغلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرأة والمكحلة والتصنع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوله أيضاً مرة:وقول أبي بن كعب لعمر: أنه يلهيني القرآن ويلهيك الصفق في الأسواق. السنن الكبرى للبيهقي (7/69). وفي رواية: وأنك لتبيع القرظ بالبقيع. وفي لفظ: وأنت تبيع الخبط.فقال عمر: فنعم إذاً. تخريج الاحاديث والاثار للزيلعي ص96. وفي مستدرك الحاكم (2/226) قال أبي لعمر: لقد علمت أني كنت ادخل على النبي (صلى الله عليه وآله) ويقرئني وأنتم بالباب فان أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلا لم أقرئ حرفاً ما حييت قال: بل أقرئ الناس. وصححه الحاكم على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخص أمير المؤمنين بعلمه وحكمته ومناجاته كما صح عند القوم: فقد روى حديث (أنا دار الحكمة وعلي بابها) الترمذي وغيره وروى(أنا مدينة العلم وعلي بابها) مثل الحاكم وصححه والهيثمي في مجمع زوائده والطبراني في معجمه الكبير وابن عبد البر في استيعابه والمحب الطبري في الرياض النضرة وغيرهم وصححه تسعة من علمائهم وأما مسألة مناجاته (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) فقد رواها الترمذي في سسنه فقال: أنتجى النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب فقال الناس: يا رسول الله لقد طال نجواه لأبن عمه قال: ما انتجيته ولكن الله أنتجاه ورواه الطبراني أن السائل للنبي والمعترض عليه هو أبو بكر وعند البخاري (2/89): فقال (ابن عمر): أكثر أبو هريرة علينا فصدقت يعني عائشة أبا هريرة وقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له....ومرة أخرى كذبته عائشة حينما روى أن الشؤم أو الطيرة في المرأة فأجابها بما قدمنا آنفاً.وكذلك أختص رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان بسره في المنافقين القتلة فصار صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنافقين الذين أرادوا اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) بعد تبوك.وبذلك يتبين تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله) للبعض بالتبليغ والتعليم وعدم وجوب تبليغه للدين كله لكل فرد فرد فينتقض بذلك زعمك أن الأئمة (عليهم السلام) لم يحملوا الدين كاملاً وخصوصاً في قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت تبين لأمتي ما أختلفوا فيه بعدي. وصححه على شرط الشيخين.
أما تبليغهم (عليه السلام) الدين كله للناس فهو غير واجب عليهم كما هو غير واجب على النبي (صلى الله عليه وآله) فالمورد واحد والأولوية للنبي (صلى الله عليه وآله) واضحة فانه (صلى الله عليه وآله) لم يبلغ كل الدين لكل فرد فرد من أمته وهذا أمر مستحيل طبعاً وعقلاً وتكليف بما لا يطاق ولا يمكن أمر الله تعالى به لرسوله (صلى الله عليه وآله) ولذلك قال تعالى (( وَسَوَاء عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكرَ وَخَشِيَ الرَّحمَن بِالغَيبِ فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَةٍ وَأَجرٍ كَرِيمٍ )) (يس:10-11).وقال تعالى أيضاً (( إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ )) (فاطر:18).وكذلك قوله تعالى (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )) (الشعراء:214). وكذا (( وَأَنذِر بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحشَرُوا إِلَى رَبِّهِم لَيسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُم يَتَّقُونَ )) (الانعام:51) وقوله تعالى (( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ )) (الإنعام:19). و (( أَن أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُم قَدَمَ صِدقٍ عِندَ رَبِّهِم قَالَ الكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ )) (يونس:2). وكذلك قوله تعالى (( فَلَولاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِّنهُم طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ )) (التوبة:122). وقوله تعالى بشكل واضح (( فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لاَ تَعلَمُونَ )) (النحل:43).فلو كان تبليغ كل شيء واجباً لما أمر الله تعالى بسؤالهم عن الدين ولوجب التبليغ بلا سؤال ومن المقطوع به وجود جواب عند النبي(صلى الله وعليه واله) أو الإمام (عليه السلام) حال السؤال ولو لبعض الأسئلة ولا يمكن إدعاء عدم وجود جواب حاضر عنده واحتياجه للوحي مثلاً للرد على كل ما يسأل عنه!
ومما يدل على اختصاص أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتبليغ وحفظ العلم كاملاً دون غيره قوله (صلى الله عليه وآله):الأول: أني تارك فيكم الثقلين (خليفتين) كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. الترمذي في سننه (5/328) والمصنف لابن أبي شيبة (7/418) وأحمد في مسنده (5/181-189) والسنة لابن أبي عاصم والطبراني في معاجمه الثلاثة والنسائي في سننه الكبرى وخصائص علي واصلة في مسلم وصححه الألباني في سلسلة أحاديثه الصحيحة (ح2980).
الثاني:- أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. فقد رواه الترمذي: أنا دار الحكمة وعلي بابها) وقال الترمذي بعده: حديث غريب منكر وإخراج الترمذي له في جامعه يخرجه عن كونه موضوعاً مكذوباً كما يدعي جمهور العامة تحاملاً على أمير المؤمنين (عليه السلام) لحرمة رواية الموضوعات في الكتب المعتبرة المعدة للعمل والاعتقاد من خلالها خصوصاً أن الترمذي محدث محقق سلفي ولو كان مثله يروى في غير أمير المؤمنين لصحح والله! هذا وقد نص على صحته أو حسنه على الأقل ثمانية علماء محققين تقريباً نذكر منهم:1- الحاكم في المستدرك(3/126-127) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول:سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة, فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية عن الأعمش: أنا مدينة العلم؟؟ فقال(أبن معين): قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون!! ثم قال الحاكم: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلم عليه فلما خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت؟ فقال: هو صدوق.فقلت له: انه يروى حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصلت.2- يحيى بن معين إمام الحديث والجرح والتعديل كما قدمنا كلامه بنقل الحاكم له عن الثقات أنه كان يوثق أبا الصلت بالإضافة الى تصحيحه لهذا الحديث بالاحتجاج عليهم برواية الثقات المشهورة لهذا الحديث كما يرويه أبو الصلت فلم ينفرد به.والفيدي الذي ذكره هو شيخ البخاري محمد بن جعفر الذي يروي له في صحيحه كثيراً.والمفيد من قول يحيى بن معين بالإضافة الى توثيقه لأبي الصلت وبيان متابعة محمد بن جعفر الفيدي في روايته له عن أبي معاوية أيضاً فقد أثبت أيضاً صدورالحديث عن أبي معاوية أصلاً حيث قال كما في تهذيب الكمال للمزي(18/79) وتهذيب التهذيب لابن حجر(6/286) وتاريخ بغداد للخطيب(11/51) وتاريخ دمشق لابن عساكر(42/382): أن احمد بن محمد بن القاسم بن محرز قال: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي فقال: ليس ممن يكذب، فقيل له في حديث أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ؟ فقال: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير قال حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه، وكان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ، وكانوا يحدثونه بها3- وحسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال في لسان الميزان(2/123): وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق عليه بالوضع وقال في فتوى له نقلها الكثير من العلماء: (أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: أنه صحيح، وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: انه كذب، والصواب خلاف قولهما معاً، وان الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي الى الصحة ولا ينحط الى الكذب وبيان ذلك يستدعي طولاً ولكن هذا هو المعتمد في ذلك.أ هـ يراجع الفوائد المجموعة للشوهاني وفي كنز العمال والمناوي وابن عراق.4- وقال المتقي الهندي في كنز العمال (13/149) بعد نقله لكلام ابن حجر وتحسينه للحديث: وقد(كنت) أجيب بهذا الجواب دهراً الى أن وقفت على (تصحيح ابن جرير لحديث (يقصد طريق علي) علي في تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس فاستخرت الله(وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن الى مرتبة الصحة) والله أعلم.5- وقال المناوي في فيض القدير (3/61) بعد ذكره لمن طعن في الحديث وقوله: وقال الترمذي عن البخاري: منكر، قال: وتعقبه جمع أئمة منهم: (الحافظ العلائي) فقال: من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه(حسن باعتبار طرقه) لا صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو خبر كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر.6- ثم قال المناوي (3/61): وقال(الزركشي): الحديث (ينتهي الى درجة الحسن المحتج به) ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً.7- ثم قال المناوي: ورواه الخطيب في التاريخ(تاريخ بغداد) باللفظ المزبور.... ثم قال: قال القاسم:سألت(ابن معين عنه فقال: هو صحيح). قال الخطيب: قلت: أراد انه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر وتبعه العلائي فقال: هو حديث حسن.8- وقال المناوي أيضاً في فيض القدير (3/60): رواه الترمذي عن علي وقال: غريب، وزعم القزويني كابن الجوزي وضعه وأطال (العلاء) (ويقصد صلاح الدين العلائي) في رده وقال: لم يأت أبو الفرج ولا غيره(بعلة قادحة) في هذا الخبر سوى (دعوى الوضع دفعاً بالصدر).9- وكذلك قال السيوطي في أكثر كتبه ومنها تاريخ الخلفاء (ص170): هذا حديث حسن على الصواب لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي وقد بينت حاله في التعقبات على الموضوعات.10- وقال الحافظ المحدث السخاوي في المقاصد الحسنة (ص189): وبالجملة فكلها ضعيفة وألفاظ أكثرها ركيكة وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حسن!. وقال نحو هذا القول في الاجوبة المرضية (2/880).11- وقال الشوكاني السلفي في الفوائد المجوعة(1/349): قال الحافظ ابن حجر: والصواب خلاف قولهما معاً. يعني: ابن الجوزي والحاكم. وان الحديث من قسم الحسن لا يرتقي الى الصحة ولا ينحط الى الكذب. انتهى. ثم قال رأيه: وهذا هو الصواب ؛ لأن يحيى بن معين والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه،(فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحاً، بل حسناً لغيره لكثرة طرقه كما بيناه)، وله طرق أخرى ذكرها صاحب ألآلئ وغيره.• وقال السلفي الوهابي عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في تحقيقه للكتاب في هامش هذا الحديث محولاً رده وتضعيفه: كنت من قبل أميل الى اعتقاد قوة هذا الخبر حتى تدبرته،....الخ.12- وقال الخطيب التريزي في الإكمال في أسماء الرجال ص 129:وبالجملة هذا حديث حسن صحيح مشهور لم يتكلم في صحته إلا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله ولا ينكره إلا من لا اطلاع له في هذا ال