عبد الله - الكويت
منذ 4 سنوات

 الفرق بين أُصول الدين وأُصول المذهب

هل يمكنكم ذكر أقوال علماء الشيعة والسُنّة أنّ الأُصول تأخذ من القرآن والسُنّة وليس من القرآن (آية محكمة) فقط.


الأخ عبد الله المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قبل نقل أقوال علماء الشيعة والسُنّة، نقول: إنّ القرآن الكريم قد أكّد في عديد من آياته بأنّ السُنّة الصحيحة الواردة من أهل العصمة كالنبي (صلى الله عليه وآله) وأولاده الطاهرين لازمة الاتّباع، وواجبة الأخذ، حيث يقول: (( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ... )) (الحشر:7)، ويقول: (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا... )) (فاطر:32)، وغيرها من الآيات، تدلّ دلالة واضحة على حجّية السُنّة الصحيحة في الدين والعقيدة، وتدلّ على أنّها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم وفي رتبتها ومنزلتها، وأنّ الإيمان بالله وبعبادته منوط بالأخذ بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله). أيضاً حيث يقول عزّ وجلّ: (( وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا )) (النساء:65)، ولم يأمر في الفروع والجزئيات فقط، بل تعمّ الآية لكلّ من الأوصول والفروع والقضايا الشخصية والنزاعات الاجتماعية، وغيرها. وهناك أحاديث كثيرة تدلّ على حجّية السُنّة والأخذ بقول النبي (صلى الله عليه وآله) وتدعو إلى اتّباع النبي (صلى الله عليه وآله) وجعله القدوة في كلّ أمر يتعلّق بالدين أُصولاً وفروعاً. وفي كتب الصحاح أبواب تتعلّق بالسُنّة والتأكيد على اتّباعها ووجوب التقيد بها، فقد سمّى البخاري كتاباً في صحيحه باسم (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة) أخرج فيه أحاديث متعدّدة تؤكّد جميعها على وجوب اتّباع سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد جاء في البخاري في باب الاعتصام: (...فمن أطاع محمّداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمّداً فقد عصى الله). وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يعلّمنا من أين نأخذ الدين أُصوله وفروعه مطلقاً، حيث يرجع إلى كتاب الله أوّلاً ومن ثمّ إلى سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك في كلام له (عليه السلام) قاله لطلحة والزبير: (فلمّا أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته وما اسّتنّ النبي (صلى الله عليه وآله) فاقتديته...). وقد أجمع علماء المسلمين وفقهائهم على وجوب الأخذ من السُنّة الصحيحة النبوية والاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وآله) وسُنّته في الدين والعقيدة في أصولها وفروعها. قال الإمام الشافعي في كتابه (الأُمّ): ((إنّ القرآن لم يأت بكلّ شيء من ناحية، وفيه الكثير ممّا يحتاج إلى بيان من ناحية أُخرى... ولا يقوم بذلك إلاّ الرسول (صلى الله عليه وآله) بحكم رسالته التي عليه أن يقول بها)). ويقول الإمام الشوكاني: ((والحاصل أنّ ثبوت حجّية السُنّة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلاّ من لا حظ له في دين الإسلام)). وينقل ابن عبد البرّ عن مطرف، أنّه قيل له: لا تحدّثونا إلاّ بالقرآن؟! فقال: ((والله ما نريد بالقرآن بديلاً ولكن نريد من هو أعلم منّا بالقرآن))، إشارة إلى الأخذ بسُنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهله الذين هم أعلم الناس بما أودع الله في القرآن من العلوم والمعارف الدينية أصولاً وفروعاً. وها نحن نؤمن بوجوب الأخذ بالقرآن والسُنّة الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم ما ورد عن الأئمّة الطاهرين المعصومين(عليهم السلام). ولكن أهل السُنّة والجماعة جاوزوا عن الحدّ! حيث حكموا باتّباع سُنّة الصحابة أيضاً مع أنّ فيهم فساقاً ومنافقين.. يقول الإمام الشاطبي: ((سُنّة الصحابة سُنّة يعمل عليها ويرجع اليها... ثمّ يقول: فلا يختص بالصحابة.. فإنّ من بعد الصحابة من أهل السُنّة عدلوا الصحابة على الإطلاق والعموم فأخذوا عنهم رواية ودراية من غير استثناء ولا محاشاة)). وقال عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الخامس: ((سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولاة الأمر بعده سُنناً الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله وقوّة على دين الله، من عمل بها مهتد... ومن خالفها اتّبع غير سبيل المؤمنين)). وجدير بالذكرهنا: أنّ المراد من السُنّة ليس الفروع فقط، فإنّ عمر بن عبد العزيز نفسه قال في خطبته الأخرى: ((ألا أن ما سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاحباه فهو دين نأخذ به))، وهذا كلام مطلق يشمل الأصول والفروع معاً! ولهم في هذا القول أدلّة كثيرة من الآيات والروايات لا نطيل الكلام بذكرها وإن لم يثبت عندنا شيء منها. أجل السُنّة والقرآن متّحدان من حيث المصدرية للدين أصولاً وفروعاً، أمّا القرآن فهو في الرتبة الأولى في الاعتبار لأنّه كلام الله الموحى، والسُنّة تالية له لأنّها كلام البشر لكن بوحي والهام من الله عزّ وجلّ، والقرآن يحتاج إلى السُنّة لشرح معانيه وبيان مبانيه وتفسير ما تشابه منه، يقول الله: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم )) (النحل:44)، ولا يمكن الاستغناء عن السُنّة بوجود القرآن، لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: (يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدّث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله فما وجدناه فيه حلالاً استحللناه وما وجدناه فيه حراماً حرّمناه، وإنّما حرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما حرّم الله)، وهذا الحديث وإن كان يتعرّض في تشريع الأحكام العملية، ولكن صدر كلام النبي (صلى الله عليه وآله) يشمل كلّ من الأحكام التشريعية والأصولية في كلامه (بيني وبينكم كتاب الله). ويقول شيخ الشريعة الأصفهاني في كتابه (القول الصراح): ((إنّ سُنّة النبوية... تعد المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم في مجالي العقيدة والشريعة)). ويقول العلاّمة مرتضى العسكري في كتابه (أحاديث أُمّ المؤمنين عائشة): ((لمّا كانت سُنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد كتاب الله جلّ اسمه هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ولجميع فنون المعرفة الإسلامية، اهتم بدراستها أسلافنا جيلاً بعد جيل)). ويقول العلاّمة الشيخ السبحاني في كتابه (الحديث النبوي بين الرواية والدراية): ((إنّ السُنّة النبوية هي المصدر الثاني للعقيدة والشريعة، ولذلك عكف المسلمون على جمع ما روى عنه (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو تقرير)). ويقول ابن حزم في كتابه (الأحكام في أصول الأحكام): ((لو أنّ امرءا قال: لا نأخذ إلاّ ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأُمّة)). ويقول السيد العلاّمة الميلاني في (رسائله العشرة في الأحاديث الموضوعة في كتب السُنّة): ((فلا يخفى أنّ السُنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين... تستخرج الأحكام الإلهية وأصول العقائد الدينية والمعارف الفذة والأخلاق الكريمة، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب وتفسير ما أبهمه وتقييد ما أطلقه وإيضاح ما أغلقه)). ويقول الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية في علم الرواية): ((إنّ السُنّة النبوية المطهّرة منزلتها في الدين ومكانتها في التشريع الإسلامي، فهي المصدر الثاني بعد كتاب الله عزّ وجلّ، وهي الشارحة للقرآن الكريم... كما أنّها أتت بأحكام لم يرد في القرآن الكريم نص عليها وكانت بهذا مطبقة ومتتمة لما في كتاب الله تعالى، وكانت مرتبتها بعده، وأنّ جميع ما جائت به السُنّة النبوية على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما يتّبع فيه ما يوحى إليه، قال تعالى: (( إِن أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )) (الأحقاف:9). يقول العلاّمة محمد عزة دروزة في (التفسير الحديث): ((والأخذ بكلّ ما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا ليس في القرآن واجب، لأنّ الله جعل النبي (صلى الله عليه وآله) المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، وأمر بردّ كلّ ما يتنازع فيه المسلمون إلى الله الذي يمثله القرآن وإلى الرسول الذي تمثله أحاديثه بعد موته)). ويقول الجنيد في كتابه (حوار هادئ بين السُنّة والشيعة): ((أمّا بالنسبة للسُنّة النبوية، فإنّها المصدر الثاني عند أهل السُنّة والجماعة بعد القرآن، وهي تمثل مجموع أقواله (صلى الله عليه وآله) وأفعاله، وفيها تفسير القرآن...)). هذه هي بعض أقوال الفريقين في الأخذ بالسُنّة بعد القرآن في التشريع الإسلامي والأخذ بهما في الأصول والفروع، كما ذكرناه. ودمتم في رعاية الله