لقد سألني أحد الأشخاص ولكنّي لا أعرف الجواب، فهل من معين يساعدني على الجواب من شيعة أهل البيت(عليهم السلام)، وهذا هو السؤال:
الآن قل لي رأيك في ما قاله الخطيب الشيعي في أركان الإسلام وعدم ذكر الشهادتين, وهو ما ورد في النصوص التي ذكرتها لك ومن كتبكم...
وهنا تأكيد من كتبهم على أنّ الولاية هي من أهم أركان الإسلام...وشهادة لا إله إلاّ الله ما لها ذكر، يعني ما تلزمهم...
روى الكليني بسنده عن أبي جعفر، قال: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية).
وعن زرارة، عن أبي جعفر، قال: (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية)، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: (الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ)(الكافي 2/18، المحاسن 286، العياشي 1/191، البحار 68/332، 82/234، إثبات الهداة 1/91، الوسائل 1/13).
فهي الركن الخامس، وأحياناً الثالث؛ إذ يروي الكليني بسنده عن الصادق(عليه السلام)، قال: (أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة، والزكاة، والولاية، ولا تصحّ واحدة منهن إلاّ بصاحبتيها).
والولاية لا رخصة فيها؛ فعن أبي عبد الله، قال: (إنّ الله افترض على أُمّة محمّد خمس فرائض: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، وولايتنا، فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة، ولم يرخّص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا، لا والله ما فيها رخصة)..
وحتى لا نهضم بعض الروايات هنا رواية واحدة فقط تقرّ بالشهادة، ولكن تضمّنت الولاية: (بني الإسلام على: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، والحجّ إلى البيت، وولاية عليّ بن أبي طالب...)(الكافي 2/18، 21، 22، 32، أمالي الصدوق 221، 279، 510، ثواب الأعمال 15، البحار 10/393، 23/69، 100، 105، 27/103... من لا يحضره الفقيه 1/101، 131، رجال الكشي 356، وغير ذلك كثير).
ولاحظ هنا بأنّ شهادة لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ليست ركناً مهماً من أركان الإيمان!!
حيث رووا عن الصادق أنّه قال: (عرج بالنبيّ إلى السماء مائة وعشرين مرّة، ما من مرّة إلاّ وقد أوصى الله عزّ وجلّ فيها النبيّ بالولاية لعليّ والأئمّة أكثر ممّا أوصاه بالفرائض)(علل الشرائع 149، الخصال 601، البصائر 23، إثبات الهداة 1/ 538، 666، تأويل الآيات 1/275، البحار 18/387، 23/69، نور الثقلين 3/98، البرهان 2/394).
الأخ أبا زهراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو تأمّلت جيداً في هذه الروايات الشريفة لوجدت أنّها تذكر بناءً للإسلام، وهذا يعني: أنّ الإسلام غير هذه الأُمور، فهذه الأركان والأسس هي التي يعتمد ويبتني ويستند عليها الإسلام، فهي ليست الإسلام ولا الإسلام هي نفس هذه الأُمور؛ لأنّ الإسلام يقوم ويبتني عليها ويوضع على أثافيها، (والأثافي هي: الأحجار التي يوضع عليها القدر).
ولو نظرت جيّداً إلى رواية الفرائض تجد إشارة صريحة بأنّ تلك الفرائض فرضت ووجبت على أُمّة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا يعني أنّ أُمّة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو المسلمين، أو من تشهدوا بالشهادتين، افتُرضت عليهم تلك الفرائض، فلا يمكن أن تُفترض فرائض على المسلم المتشهد بالشهادتين، فيقال له: (أيّها المتشهد بالشهادتين افترض الله تعالى عليك خمس فرائض هي الشهادتين و..) فهذا لا يمكن أبداً، لأنّه تحصيل للحاصل.
فلسان هذه الرواية موجّه للمسلمين الذين إمّا أن يكونوا قد تشهّدوا فلا تطلب منهم الشهادة بعد ذلك، كما بيّنا، وإمّا أن يكونوا مسلمين أصلاً، لأنّهم لأبوين مسلمين فيلحقون بهما، أو أنّه على الفطرة التي لم يغيرها أبواه؛ فلا يحتاج في كلّ هذه الحالات إلى التشهّد.
ولذلك ذهب العلاّمة الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) إلى بيان قال فيه: (((بني الإسلام على خمس): يحتمل أن يكون المراد بـ(الإسلام): الشهادتين، وكأنّهما موضوعتان على هذه الخمسة لا تقومان إلاّ بها، أو يكون المراد بـ(الإسلام): الإيمان، وبـ(البناء عليه): كونه أجزاؤه وأركانه، فحينئذ يمكن أن يكون المراد بـ(الولاية): ما يشمل الشهادتين أيضاً، أو يكون عدم ذكرهما للظهور)) (1) . فالعلاّمة المجلسي(قدّس سرّه) يقول:
1- الشهادتان هما: الإسلام، وكأنّ الشهادتين موضوعتان على هذه الخمسة لا تقومان إلاّ بها.
2- أو يكون المراد بـ(الإسلام) هو: الإيمان، وبـ(البناء عليه): كونه أجزاؤوه وأركانه، فحينئذ يمكن أن يكون المراد بـ(الولاية) ما يشمل الشهادتين أيضاً.
3- أو يكون عدم ذكر الشهادتين للظهور، أي: لظهور ذلك ووضوحه.
ولو نظرنا في كلام هذا الشخص المستشكل لوجدناه يسعى لتصوير أنّ الروايات التي لا تذكر الشهادتين، وهي أربع روايات فقط، هي الأكثر، ولكنّها لم تكن هي الأكثر كما حاول تصويرها. أمّا الروايات الأُخرى التي تذكر الشهادتين، فقد صوّرها هذا المدّعي بأنّها رواية واحدة، وهذا مخالفة للواقع؛ لأنّها وردت متعدّدة أيضاً وبنفس مقدار تلك الأُولى أو أكثر.
ولنأخذ مثلاً على قولنا هذا، فالرواية الأُولى جاءت بألفاظ منها:
1- بني الإسلام على خمس (2) .
2- أثافي الإسلام (3) .
3- إنّ الله افترض على أُمّة محمّد خمس فرائض (4) . وأمّا الرواية الثانية التي تذكر الشهادتين، والتي زعم بأنّها واحدة فقط فألفاظها:
1- أوقفني على حدود الإيمان. فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (5) .
2- حدّثني عمّا بُنيت عليه دعائم الإسلام: أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (6) .
3- أخبرني عن الدين الذي افترض الله عزّ وجلّ على العباد. فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (7) .
4- فلمّا أذن الله لمحمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخروج من مكّة إلى المدينة بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبده ورسوله ... المزید (8) .
5- أخبرني: أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال(عليه السلام): (ما لا يقبل الله شيئاً إلاّ به). قلت: وما هو؟ قال: (الإيمان بالله الذي لا إله إلاّ هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظّاً... والتسليم بأن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، إلها واحداً لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، وأنّ محمّد عبده ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)...) (9) .
فكيف له وقد ظهر الصبح لذي عينين أن يدّعي بعد ذلك ويقول بأنّ الروايات الكثيرة هي تلك الثلاثة ألفاظ المختلفة والرواية الواحدة الشاذة هي هذه الألفاظ الخمسة المختلفة؟!
فهل هذا من الإنصاف في شيء؟! ثمّ إنّ أهمّية الشهادتين عندنا بمكان بحيث وردت عشرات الأحاديث في بيان فضل مَن ذكر الله تعالى بها، فراجع أبواب الذكر والدعاء.
وكذلك وجوب التشهّد في كلّ صلاة، وكذلك ذكر التشهّد في الأذان والإقامة، وووو...
فكيف نبرهن لكم على أهمية الشهادتين وشهرتها عندنا، وذكرها في الروايات كثيراً، وتلفّظنا بها كلّ يوم عشرات المرات؟!! أمّا أهمّية الإمامة وولاية أهل البيت(عليهم السلام)، فهي ناتجة وناجمة من كون تلك الفرائض لا تُعرف ولا تُعلم بصورة صحيحة مضمونة إلاّ من خلال الإمام المعصوم الراشد الهادي المهدي، فتكون الإمامة أهم تلك الأركان والفرائض.
هذا بالإضافة إلى كون الإمامة مسألة عقائدية أُصولية، أمّا سائر ما ذكر معها فهي من فروع الدين وأحكامه، وهذا ما يجعلها أهم، وهذا أمر متّفق عليه من كون العقائد والأُصول أهم بكثير من الفقه والفروع. ونختم بقولنا: أنّه يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات بالقول: إنّ التشهّد يدخل في الإمامة؛ لأنّ الإمامة إيمان، والتشهّد إسلام، والإيمان أخص من الإسلام، فكلّ مؤمن مسلم، فيكون التشهّد مذكوراً ضمناً في الإمامة بشكل قطعي وواضح وظاهر ولا غبار عليه.
وذلك لقوله(عليه السلام) في الدعاء: (اللّهمَّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللّهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حُجّتك، اللّهمَّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إن لم تعرفني حُجّتك ضللت عن ديني) (10) .
ويشهد لهذا المعنى: قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحديث المتّفق عليه، كما في (مسند أحمد) وغيره: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) (11) .
فتأمّل أهمّية الإمام، إذ أنّنا بدونه نموت ميتة جاهلية، أي: لا توحيد ولا نبوّة؛ فافهم!! أمّا ما ورد في الرواية من عدم الرخصة لأحد في الولاية، فهو واضح أيضاً؛ فإنّ بقية الفرائض يمكن أن تترك، كما في النائم في تركه الصلاة، وكما في الشيخ أو المريض في الصوم، وكما في الفقير في الزكاة والحجّ، وما إلى ذلك. أمّا الولاية والإمامة فهي أمر عقائدي إيماني قلبي لا يمكن لأحد في حال من الأحوال التخلّي عنه أو تركه حقيقة، ولذلك لم يجعل الله تعالى فيه رخصة كما رخّص في غيره.
ودمتم في رعاية الله