ندى
منذ 4 سنوات

الجبر و الاختيار في اختيار الدين

السلام عليكم كيف تكون لك الحرّية في دخول الإسلام مع أنّ الله يتوعّد الذين لا يدخلون الإسلام ببئس المصير؟ ومن ذلك نستنتج أنّ الإنسان مجبور وليس مخيّر، وتوجد آيات تقول غير ذلك.


الاخت ندى المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان قوله تعالى: (( لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ )) ، ينفى الدين الإجباري، لِما أنّ الدين، وهو: سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أُخرى عملية يجمعها بأنّها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنية المادية، وأمّا الاعتقاد القلبي فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولد المقدّمات غير العلمية تصديقاً علمياً! فقوله: (( لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ ))  إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين، أنتج حكماً دينياً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد، وأن كان حكماً إنشائياً تشريعياً، كما يشهد به ما عقّبه تعالى من قوله: (( قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ )) ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً، وهو نهي متكٍّ على حقيقة تكوينية، وهي التي مرّ بيانها: أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية. وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله: (( قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ )) ، وهو في مقام التعليل، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم، أو لأسباب وجهات أُخرى، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه أو الأمر بالتقليد ونحوه، وأمّا الأمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها، وقرّر وجه الجزاء الذي يلحق فعلها وتركها، فلا حاجة فيها إلى الإكراه، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل، وعاقبتي الثواب والعقاب، والدين لما انكشفت حقائقه واتّضح طريقه بالبيانات الإلهية الموضّحة بالسُنّة النبوية، فقد تبيّن أنّ الدين رشد والرشد في اتّباعه، والغيّ في تركه والرغبة عنه، وعلى هذا لا موجب لأن يُكرِه أحد أحداً على الدين. وهذه إحدى الآيات الدالة على أنّ الإسلام لم يبتنِ على السيف والدم، ولم يفتِ بالإكراه والعنوة، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين، من المنتحلين وغيرهم، أنّ الإسلام دين السيف، واستدلّوا عليه: بـ(الجهاد) الذي هو أحد أركان هذا الدين. ويجاب بأنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه، بل لإحياء الحقّ والدفاع عن أنفس متاع للفطرة وهو التوحيد، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس وخضوعهم لدين النبوّة ولو بالتهوّد والتنصّر، فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال، فالإشكال ناشٍ عن عدم التدبّر. ويظهر ممّا تقدّم: أنّ الآية، أعني: قوله: (( لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ ))  غير منسوخة بآية السيف، كما ذكره بعضهم. ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة: التعليل الذي فيها، أعني: قوله: (( قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ )) ؛ فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم لم ينسخ نفس الحكم، فإنّ الحكم باقٍ ببقاء سببه، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغي في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف، فإنّ قوله: (( فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُمُوهُم )) (البقرة:5) مثلاً، أو قوله: (( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ... )) (البقرة:190-244) الآية، لا يؤثّران في ظهور حقّية الدين شيئاً حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور. وبعبارة أُخرى: الآية تعلّل قوله: (( لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ )) بظهور الحقّ، وهو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله، فهو ثابت على كلّ حال، فهو غير منسوخ. ودمتم في رعاية الله