م / لمياء - العراق
منذ 4 سنوات

الاستخارة في كل الامور

سؤالي لسماحتكم الموقّرة عن الاستخارة والتعامل معها وصحّتها، وخاصّة في زماننا الحالي، حيث صعبت الحياة والمعيشة، وأصبح اتّخاذ القرارات أمرٌ صعب ولا شيء مضمون. أمن الصواب أن يستخير المرء ليعلم نتيجة الزواج من شخص ما, أو الدخول في وظيفة، أو الهجرة إلى بلد آخر؟ فأنا ابتدأت استخير في معظم أُموري منذ عامين، والآن أصبحت أشدّ تردّداً وأقلّ وثوقاً بنفسي، وبصحّة ما أقوم به من الاستخارات؛ حيث أتاني خاطب فرددته، وأتتني فرصة عمل جيّدة فرددتها. اتّهمني الكثير بالبطر والكفر بأنعم الله، وأنا أعتمد في عملي هذا على هذه الروايات: عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال: (بعثني رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى اليمن، فقال لي: يا عليّ ما حار من استخارَ, ولا ندم من استشارَ). وعن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: يقول الله عزّ وجلّ: (من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخير بي). وأيضا عنه(عليه السلام): (من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر). وقد سأله(عليه السلام) بعضُ أصحابه: من أكرم الخلق على الله؟ قال: (أكثرهم ذكراً لله, وأعملهم بطاعته), قلت: فمن أبغض الخلق إلى الله؟ من يتّهم الله, قلت: وأحد يتّهم الله؟ قال: (نعم, من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط، فذلك يتّهم الله). وأنا الآن عاطلة عن العمل منذ سنتين، وعزباء، ولا أعرف أين أستقر؛ إذ أنّي تبعت الخيرة ولكن لم أرَ سوى اليأس وتشتت البال والحيرة. سيّدنا الفاضل أرجو منك التوضيح، وأنا انتظر ردّكم بفارغ الصبر، وأدعو لكم بالتوفيق، وشكراً.


الأخت المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخير الذي ترشد له الاستخارة لا يكون منحصراً بهذه الحياة الفانية، بل إنّ بتسليمك لأمر الله وقبولك لاختياره الأجر العظيم والدرجه العالية، فلا تحبطي ذلك الأجر وتلك الدرجة بسخطك على ذلك. ثمّ إنّه لا يُعلم ما هو حالك لو كنت لم تعملي بالاستخارة؛ فقد يصيبك من البلاء ما يكون حالك الآن أفضل منه بكثير، ثمّ إنّ عليك حسن الظنّ بالله الذي أرشدك إلى ذلك الخير، ولا بدّ أن يدّخر لك من الخير ما يكون ما تتحمليه جرّاء ذلك يسيراً. وينبغي أن تعلمي بأنّ معنى الاستخارة لا ينصرف فقط إلى المشهور، كالاستخارة بالقرآن وبالمسبحة وبالرقاع وما أشبه, بل معنى الاستخارة أعمّ, فكلّ دعاء لطلب الخير من الله هو استخارة, وبعض الأحاديث التي ذكرتها في سؤالك محمولة على طلب الخير والدعاء به. وهناك أيضاً الاستخارة بالصلاة؛ إذ يصلّي المؤمن ركعتين بنية استخارة الله تعالى, وسنذكر لك في خاتمة هذا الجواب بعض الروايات في الاستخارة ورد التصريح فيها بهذا المعنى.. على أنّ الاستخارة التي تؤدّي إلى إضعاف الإرادة، وإلى التردّد في الأُمور مرجوحة عقلاً وشرعاً, فعلى المرء أن يكون في جميع أُموره متوكّلاً على الله تعالى، وسائلاً منه الهداية، ومستعيذاً به من الضلال, ولذلك ورد الحثّ على العزم والتوكّل كقوله(عليه السلام): (اعقل وتوكّل) (1) , وقال تعالى: (( فَإِذَا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ )) (آل عمران:159). كما يجب عليك أن تفهمي بأنّ هناك بعض الأُمور التي لا تحتاج إلى استخارة بالمعنى المشهور؛ لأنّها أُمور يسيرة أو بيّنة، وليست صعبة أو مستغلقة, ففي مثل هذه الأُمور ينبغي إعمال الإرادة والعزم مشفوعاً بالتوكّل على الله تعالى.. أمّا الأُمور الصعبة أو المحيّرة أو المستغلقة، فيمكن الرجوع فيها إلى الاستخارة بالمعنى المشهور. على أن تكون هذه الاستخارة مسبوقة بالعزم الصحيح والنيّة الخالصة على العمل طبقاً لما تأتي به الاستخارة، وإن لم تكن على هوى الإنسان وميله, فإذا تم تعليق الخير المنشود بالله عزّ وجلّ والثقة به بأنّه لن يختار للعبد إلاّ ما هو الأصلح، تأتي الخيرة دائماً في صالح العبد, أمّا إذا كانت الخيرة منذ البداية مسبوقة بالتردّد والتوجّس، وعدم صفاء النيّة, فلا يُتوقّع أن يكون لها الأثر المرجو... وفي ما يلي بعض الأخبار التي وردت بمضمون الاستخارة الدُعائية والصلاتية: فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (صلِّ ركعتين واستخر الله, فوالله ما استخار الله مسلم إلاّ خار له ألبتة) (2) . وعنه(عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أمراً فلا يشاور فيه أحداً حتّى يبدأ فيشاور الله عزّ وجلّ. فقيل له: وما مشاورة الله عزّ وجلّ؟ فقال: يستخير الله تعالى فيه أوّلاً, ثمّ يشاور فيه, فإنّه إذا بدأ بالله أجرى الله له الخير على لسان من شاء من الخلق) (3) . ودمتم في رعاية الله 

2