ماهو دور أم سلمة (رضوان الله عليها) في الإسلام؟
وما هي المواقف الإسلامية التي برزت بها أم سلمة؟
وما هي أقوال أهل البيت (عليهم السلام) بخصوصها؟
وما هي الروايات التي تتكلم عنها؟
وكيف تزوج الرسول (صلى الله عليه وآله) بها؟
وعرفوني إياها؟
جزاكم الله خيراً
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
أم سلمة، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإحدى أمهات المؤمنين. اعتنقت الإسلام في أوائل البعثة والإعلان عن الرسالة، فهي من السابقين إلى الإسلام ومن ضمن القافلة التي هاجرت إلى الحبشة.[1] تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الرابعة للهجرة بعد وفاة زوجها.[2] توفيت أم سلمة حسب أكثر المؤرخين بعد واقعة عاشوراء.
اسمها ونسبها:
اسمها هند، وتكنى باسم ولدها سلمة، فيقال لها أم سلمة. وهي ابنة أبي أمية بن المغيرة[3] واسم أمها عاتكة، وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأن أمها هي عاتكة بنت عبد المطلب،[4] وذهب آخرون إلى القول بأنها ابنة عاتكة بنت عامر بن ربيعة الكناني.[5] ولم تحدثنا المصادر التاريخية عن تاريخ ولادتها.
إسلام أم سلمة:
كانت أم سلمة متزوجة من أبي سلمة ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب،[6] وأحد السابقين الأولين في الإسلام وقد التحقت أم سلمة بصفوف المسلمين في مكة المكرمة مع زوجها.
هجرتها إلى الحبشة:
هاجرت أم سلمة مع زوجها أثناء هجرة المسلمين إلى الحبشة.[7] وكانت هي الراوية لكل الأحداث التي وقعت في تلك الرحلة والمتعلقة بسفراء قريش في الحبشة والمناظرات التي جرت بينهم وبين جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي، وقد روى ابن هشام عنها أنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار النجاشىّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه.[8]
هجرتها إلى المدينة:
تصف أم سلمة هجرتها إلى المدينة بعد أن أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بالهجرة إليها كما في رواية ابن إسحاق:
لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة وفرّق بيني و بين زوجي و بين ابني، قالت: فكنت أخرج كلّ غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريباً منها حتى مرّ بي رجل من بني عمّي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها و بين زوجها وبين ولدها! قالت: فقالوا لي: ألحقي بزوجك إن شئت. فلحقت به.[9]
في المدينة
زواجها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
كانت أم سلمة متزوجة من أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد وفاة أبي سلمة في السنة الرابعة للهجرة على أثر جراحات أصيب بها في معركة أحد تزوّجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يقال أن أبا بكر وعمر خطباها بعد إكمال عدّتها، فردت طلبهما، عندها أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها خاطباً فقبلت ذلك.[10] وقد أفصحت عائشة عن غيرتها منها كما نقل ذلك الذهبي.[11]
حضورها في الغزوات والسرايا:
لقد حضرت أم سلمة كثيراً من الغزوات والسرايا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كمُرَيسيع، وخيبر والحديبية، والخندق، وفتح مكة، وحنين.[12] وكانت أم سلمة تذهب إلى قبور شهداء أحد فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها هناك.[13]
أم سلمة وأهل البيت عليهم السلام.
كانت أم سلمة ملازمة لركب أهل البيت عليهم السلام، وكانت راسخة القدم في موقفها منهم عليهم السلام، يذكر المؤرخون بأنها كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أشدّ المدافعين عن أهل البيت عليهم السلام عامة وعن السيدة فاطمة عليها السلام خصوصاً عندما أنكر أبو بكر ميراثها من النبي (ص) في قضية فدك، حيث خاطبت القوم قائلة: ألمثل فاطمةعليها السلام يقال هذا، وهي الحوراء بين الإنس! أتزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرّم عليها ميراثه، ولم يعلمها، وقد قال الله له﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ وهي خيرة النساء، فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها.[14]
حرب الجمل:
بعد مقتل عثمان لحق طلحة والزبير بعائشة إلى مكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة، فقالت لها: إن ابن عمي وزوج أختي أعلماني أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أكثر الناس لم يرض ببيعة علي عليه السلام، وأن جماعة ممن في البصرة قد خالفوا، فلو خرجت بنا لعل الله أن يصلح أمر أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أيدينا؟ فقالت لها أم سلمة: إن عماد الدين لا يقام بالنساء، حماديات النساء غض الأبصار، وخفض الأطراف، وجرّ الذيول. إن الله وضع عني وعنك هذا، ما أنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارضك بأطراف الفلوات قد هتكت حجاباً قد ضربه عليك؟.[15]
وبعد أن يئست من عائشة كتبت إلى علي عليه السلام تُعلمه خبر القوم قائلة له: يا أمير المؤمنين عليه السلام، لولا أن أعصي الله عز وجل وأنك لا تقبله مني لخرجت معك، وهذا ابني عمر- و الله لهو أعزّ عليّ من نفسي- يخرج معك فيشهد مشاهدك فخرج فلم يزل معه، واستعمله على البحرين ثم على فارس ويقال على حلوان و ماه وماسبذان.[16]
محبتها للإمام الحسين عليه السلام:
عرفت أم سلمة بحبّها الشديد لأهل البيت عليهم السلام، فقد روي عن الباقر عليه السلام أنه قال: « لما أراد الحسين عليه السلام الخروج إلى العراق بعثت إليه أم سلمة، وهي التي كانت ربّته، وكان أحب الناس إليها، وكانت أرق الناس عليه….»[17] وقد روى صاحب أسد الغابة: «… دخلت على أم سلمة، وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وعلى رأسه و لحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: شهدت قتل الحسين عليه السلام آنفاً».[18]
دور أم سلمة في واقعة كربلاء:
روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار، أنه لمَّا أَراد اللَّهُ أَن يقبضهُ صلى الله عليه وآله وسلم أَورث عليّاً علمهُ وسلاحهُ وما هناكَ ثمَّ صار إِلى الحسن عليه السلام وإِلى الحسين عليه السلام ثمَّ حين استشهد الحسينُ عليه السلام استودعهُ أُمَّ سلمة.[19] مما يكشف عن عظم منزلتها عند أهل البيت عليهم السلام أيضاً، رواية التربة التي كانت عندها والتي رواها العامة والخاصة، وقد أعطاها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لها حين أتى بها جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحين اُسري به صلى الله عليه وآله وسلم هناك. فأتى بها صلى الله عليه وآله وسلم بيده الشريفة وأعطاها إلى أم سلمة وهي تربة حمراء، فقال لهاصلى الله عليه وآله وسلم: «احتفظي بها، فإذا صارت دما فإن ابني قد قُتل» قالت: فوضعتها في قارورة زجاج وكنت أنظر إليها كل يوم، وأبكي ، حتى صار يوم العاشر من المحرم، نظرت إليها وقت الصبح فوجدتها على حالها، ثم عدت إليها بعد الزوال فاذا هي دم عبيط، فصحت وصرخت.[20] وأخبرت الناس باستشهاد الحسين عليه السلام.
مخالفتها لمعاوية:
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه وبعد صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية، أنه قال: أتيت أم سلمة بنت أبي أمية فقالت: بايع فقد أمرت عبد الله بن زمعة ابن أخي أن يبايع على دمه وماله أنا أعلم أنها بيعة ضلالة.[21] لكنها لم تسكت أمام ظلم معاوية وجناياته، فلما كتب معاوية إلى عمّاله يأمرهم بأن يَلعنوا علياً عليه السلام على المنابر، ففعلوا، كتبتْ أم سَلمة إلى معاوية: «إنكم تلعنون اللّه ورسولَه على منابركم، وذلك أنكم تلعنون عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومن أحبّه، وأنا أشهد أن اللّه أحبَّه ورسولَه».[22]
وفاتها:
لم يتفق المؤرخون على سنة وفاتها وتردّدوا ما بين 59 إلى 62 هـ.[23] بيد أن الظاهر هو أن الأخير هو الصحيح، لأنها كانت موجودة عند واقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسينعليه السلام.[24] وعليه فهي آخر من توفى من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما عن عمرها فقد نقل عن ابنها عمر بأنها توفيت عن 84 سنة.[25] تقع مقبرة أم سلمة في مقبرة البقيع إلى جوار شخصيات إسلامية كبيرة.[26]
مسند أم سلمة:
روي عن أم سلمة أحاديث كثيرة عن النبي محمد (ص) مبثوثة في كتب الفريقين وقد جمعت أحاديثها البالغة 378 حديثاً في كتاب باسم مسند أم سلمة.[27] وللأسف لم تنشر مثل هذه الفهرسة في المصادر الشيعية عن أحاديث أم سلمة. نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض أحاديثها الواردة في كتب الفريقين:
1. شأن نزول آية التطهير؛[28]
2. حديث الكساء؛[29]
3. الرواية النبويّة عن واقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسين عليه السلام؛[30]
كما أن أم سلمة قد روت الحديث عن أبي سلمة بن عبد الأسد وعن السيدة الزهراء عليها السلام وقد كان يحضر عندها جمع من الرواة يستمعون لحديثها، وقد ذكرت أسماءهم في المصادر المختلفة.[31]
وثاقة أم سلمة:
عندما خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة قاصداً مكة، استودع ودائع الإمامة عند أم سلمة، وعندما رجع الإمام زين العابدين عليه السلام من كربلاء، سلّمته أم سلمة كتب علم أمير المؤمنين عليه السلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة التي كانت مودّعة عندها، ومن هنا تستظهر وثاقتها التي لا تحتاج إلى دليل.[32] ولاريب أنّها أفضل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد خديجة بنت خويلد، ويكفي في فضلها إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في حديث الكساء بقوله: أنت على خير إلى خير.[33]
الهوامش
البخاري، التاريخ الصغير، ج 1، ص28.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 202.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 201-202.
المحلاتي، رياحين الشريعة، ج 4، ص 375.
ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 8، ص 86.؛ ابن حبيب، المحبر، ج 1، ص 83.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 202.
البخاري، التاريخ الصغير، ج 1، ص 28.
ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 334.
ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 469.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، صص 203 – 204.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 203.
الواقدي، المغازي، ج 2، ص 467.
الواقدي، المغازي، ج 1، ص 314.
الطبري، دلائل الإمامة، ج 1، ص 39.
الدينوري، الإمامة والسياسة، ج 1، صص 57 – 58.؛ ابن أبي طاهر، بلاغات النساء، ج 1، صص 15 – 16.؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج 4، صص 316 – 317.؛ الصدوق، معاني الأخبار، ج 1، ص 357.
البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 430.؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 4، صص 451 – 452.
ابن حمزة، الثاقب في المناقب، ج 1، ص 330.
ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1 ، ص 500.
المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 209.؛ الصفار، بصائر الدرجات، ج 1، ص 184.؛ الحر العاملي، إثبات الهداة، ج 5، ص 216.
المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 239.؛ الحر العاملي، إثبات الهداة، ج 5، ص 192.
البخاري، التاريخ الصغير، ج 1، ص 141.؛ الثقفي، الغارات، ج 1، ص 415.؛ المفيد، الاختصاص، ج 1، صص 113 – 116.
ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج 4، ص 366.؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 7، ص 401.
الواقدي، المغازي، ج 1، ص 344.؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 4، ص 341.، ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 1921.، الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 207.؛ ابن الجوزي، صفة الصفوة، ج 2، ص 42.
الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 20، ص 143.؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 207.
ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 8، ص 96.؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 202.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 209.؛ ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الاصحاب، ج 4، ص 1921.
الذهبي محمد، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 210.؛ ابن حنبل، مسند أحمد، ج 6، صص 289 – 324.
الأحزاب: 33.
ابن حنبل، مسند أحمد، ج 6، صص 292 – 296 – 298.؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج 3، صص 46 – 49.؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج 3، ص 146.
الخصيبي، الهداية الكبرى، ج 1، صص 203 – 204.؛ المسعودي، إثبات الوصية، ج 1، ص 141.؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج 4، ص 383.؛ اليعقوبي، التاريخ، ج 2، صص 182 – 183.
ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 12، ص 456.؛ الحكيمي، أعيان النساء، ج 1، صص 627 – 628.؛ ابن عساكر، الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين، ج 1، صص 71 – 74 – 104.
الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 20، ص 143.
الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 2، ص 52.