عبد السلام - هولندا
منذ 4 سنوات

الاعياد الاسلامية

هل للمسلمين عيدين فقط كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ أرجو جواباً مفصّلاً ومعه أدلّة نقلية وعلمية. وهل صحيح ما يقول علماء السُنّة: أن لا أحد من صحابة رسول الله احتفل بعيد المولد النبوّي، وأنّ الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة بدأ في عهد الدولة الفاطمية؟ ولكم جزيل الشكر.


الأخ عبد السلام المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نعم, اتّفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام: عيد الأضحى، وعيد الفطر, وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية, مثل: حرمة الصيام فيهما. والشيعة تعتقد بأنّ هناك عيد ثالث, وهو عيد الله الأكبر, وهو: يوم الغدير؛ لروايات كثيرة من الفريقين, منها: ما أخرجه الأئمّة الخمسة: مسلم، ومالك، والبخاري، والترمذي، والنسائي، كما في (تيسير الوصول), ورواه الطحاوي في (مشكل الآثار)، والطبري في تفسيره, وابن كثير في تفسيره عن أحمد والبخاري, ورواه جمع آخر (1) , عن طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطّاب, فقال: لو نزلت فينا هذه الآية: (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم... )) (المائدة:3) لاتّخذنا يوم نزولها عيداً. ولم ينكرها عليه أحد من الحضور. كما روى الشيخ الصدوق في (أماليه) من طرقنا: عن الإمام الصادق(عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، قال: (قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي, وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي عليّ بن أبي طالب علماً لأمّتي، يهتدون به من بعدي, وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً) (2) . وجاء في الحديث: (كلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد) (3) . وأمّا قضية الاحتفال بذكرى مولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغيره من المناسبات الإسلامية, فهي أوّلاً: ليست عيداً على الإطلاق. فالكلام إذاً في مشروعيّتها، فنقول: 1- الاحتفال لغة هو الاهتمام والإجتماع على الأمر, فإن كان هذا الأمر المهتم به والمجتمع عليه من الأُمور المشروعة والتي فيها ذكر لله سبحانه وتعالى وتعظيم لرسوله الكريم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمثال ذلك من الأُمور المشروعة والمرضية في الشريعة, فهو أمر مندوب ومستحبّ, وقد رغب الشارع المقدّس فيه، فقال تعالى: (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (الحج:32). 2- بالنسبة للصحابة، فسواء عملوا بهذا الأمر واحتفلوا بهذه المناسبة أو لم يعملوا، فليس فعلهم وتركهم حجّة شرعية يجب العمل بها, ولذلك نجد أنّ عليّاً(عليه السلام) حينما عرضوا عليه الخلافة في قضية الشورى بين الستّة بشرط العمل بكتاب الله وسُنّة النبيّ وسيرة الشيخين, رفض عليّ(عليه السلام) ذلك ولم يقبل العمل إلاّ بكتاب الله وسُنّة نبيّه، ولم يرضَ العمل بسيرة الشيخين (4) . 3- إنّ القاعدة الفقهية تقول: ((كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام)) (5) , فما لم يوجد نهي في القرآن أو السُنّة النبويّة على أمر فهو مباح يجوز العمل به، ولا يعدّ بدعة كما يدّعيه بعض المذاهب الشاذّة. وهكذا القاعدة الأُصولية العقلية القائلة: بـ(أصالة البراءة)، وأنّ الإنسان بريء الذمّة لا يعاقب على شيء يعمله حتّى يرد فيه نهي شرعي (6) . كما يمكن أن نؤيّد المسألة ببعض الروايات الدالّة على استحباب تعاهد هذا اليوم (17 ربيع الأوّل) بالصيام والتوسعة على العيال، وأمثال ذلك ممّا فيه إشعار بالاهتمام بمثل هذه المناسبات, وإن اختلفت صور الاهتمام من زمان إلى آخر (7) , فاختلاف مصاديق الاهتمام لا يدلّ على اختلاف الحكم الشرعي, كما نرى ذلك في كثير من المواضيع الخارجية، كالوسيلة النقلية، وطرق المواصلات، وما شاكل ذلك, فلا يعدّ هذا خلافاً لم يعمله الأصحاب, فكذا موردنا في إظهار البهجة والسرور وإنشاد الأشعار والمدائح في حقّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذكرى ولادته. هذا مضافاً إلى أنّ مثل هذه المجالس لا تخلو من قراءة القرآن، والوعظ والإرشاد والتقرّب إلى الله تعالى, وهذا كلّه من الأُمور المستحبّة بشكلٍ مؤكّدٍ. ودمتم في رعاية الله

1