الغيرة
ينتابني شعور بأن في قلبي شي من الغيرة والحسد او اتمنى ما لدى فلان ان يكون لي ولكن لا اريد ان تكون هذه الصفة لدي كذلك هو شعور ولم ينعكس للخارج فماذا افعل لكي احافظ على قلبي
تمني نعم الغير مع تمني الخير للغير ليس من الحسد أنما هو من الغبطة وهي ليست حرامًا، أما لو كنتِ تتمنين زوال نعم الله على الغير فهذا حسد ويمكنكم معالجته من خلال ما ذكره من كتب في الاخلاق ففي جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي 2/ 158 قال : علاج الحسد لما علم أن الحسد من الأمراض المهلكة للنفوس، فأعلم أن أمراض النفوس لا تداوي إلا بالعلم والعمل. والعلم النافع لمرض الحسد أن تعرف أنه يضرك في الدين والدنيا، ولا يضر محسودك فيهما، بل ينتفع به فيهما، ومهما عرفت ذلك عن بصيرة وتحقيق، ولم تكن عدو نفسك لا صديق عدوك، فارقت الحسد. وأما أنه يضر بدينك ويؤدي بك إلى عذاب الأبد وعقاب السرمد، فلما علمت من الآيات والأخبار الواردة في ذمه وعقوبة صاحبه، ولما عرفت من كون الحاسد ساخطا لقضاء الله تعالى، وكارها لنعمه التي قسمها لعباده ومنكرا لعدله الذي أجراه في ملكه. ومثل هذا السخط والانكار، لا يجابه الضدية والعناد لخالق العباد، كاد أن يزيل أصل التوحيد والإيمان، فضلا عن الإضرار بهما. على أن الحسد يوجب الغش والعداوة بالمؤمن، وترك نصيحته وموالاته وتعظيمه ومراعاته ومفارقة أنبياء الله وأوليائه في حبهم الخير والنعمة له، ومشاركة الشيطان وأحزابه في فرحهم بوقوع المصائب والبلايا عليه، وزوال النعم عنه وهذه خبائث في النفس، تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وأما إنه يضرك في الدنيا، لأنك تتألم وتتعذب به، ولا تزال في تعب وغم وكد وهم، إذ نعم الله لا تنقطع عن عباده ولا عن أعدائك، فأنت تتعذب بكل نعمة تراها لهم، وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى دائما مغموما محزونا، ضيق النفس منشعب القلب، باختيارك تجر إلى نفسك ما تريد لأعدائك ويريد أعداؤك لك. وما أعجب من العاقل أن يتعرض لسخط الله ومقته في الآجل، ودوام الضرر والألم في العاجل، فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى وفائدة. وأما إنه لا يضر المحسود في دينه ودنياه فظاهر، لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك. إذ ما قدره الله من النعم على عباده لا بد أن يستمر إلى وقته، ولا ينفع التدبير والحيلة في دفعه، لا مانع لما أعطاه ولا راد لما قضاه : (( لكل أجل كتاب )) . (( وكل شئ عنده بمقدار )) . ولو كانت النعم تزول بالحسد، لم تبق عليك وعلى كافة الخلق نعمة، لعدم خلوك وخلوهم عن الحسد، بل لم تبق نعمة الإيمان على المؤمنين، إذ الكفار يحسدونهم، كما قال الله سبحانه : " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ". ولو تصورت زوال النعمة عن محسودك بحسدك، وعدم زوالها عنك بحسد حاسدك، لكنت أجهل الناس وأشدهم غباوة. نعم، ربما صار حسدك منشأ لانتشار فضل المحسود، كما قيل : وإذا أراد الله نشر فضيلة ***** طويت، أتاح لها لسان حسود فإذا لم تزل نعمته بحسدك، لم يضره في الدنيا، ولا يكون عليه إثم في الآخرة. وأما إنه ينفعه في الدين، فذلك ظاهر من حيث كونه مظلوما من جهتك (لا) سيما إذا أخرجك الحسد إلى ما لا ينبغي من القول والفعل. كالغيبة، والبهتان، وهتك ستره، وإفشاء سره، والقدح فيه، وذكر مساويه. فتحتمل بهذه الهدايا التي تهديها إلى بعضا من أوزاره وعصيانه، وتنقل شطرا من حسناتك إلى ديوانه، فيلقاك يوم القيامة مفلسا محروما عن الرحمة كما كنت تلقاه في الدنيا محروما عن النعمة. فأضفت له نعمة إلى نعمة. ولنفسك نقمة إلى نقمة. وأما إنه ينفعه في الدنيا، فهو إن أهم أغراض الناس مساءة الأعداء، وسوء حالهم، وكونهم متألمين معذبين. ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد. فقد فعلت بنفسك ما هو غاية مراد حسادك في الدنيا. وإذا تأملت هذا، عرفت أن كل حاسد عدو نفسه، وصديق عدوه. فمن تأمل في ذلك، وتذكر ما يأتي من فوائد النصيحة وحب الخير والنعمة للمسلمين، ولم يكن عدو نفسه، فارق الحسد البتة. وأما العمل النافع فيه، فهو أن يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده، بأن يصمم على أن يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول وفعل، فإن بعثه الحسد على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له، وإن بعثه على غيبته والقدح فيه، كلف لسانه المدح والثناء عليه، وإن بعثه على الغش والخرق بالنسبة إليه، كلف نفسه بحسن البشر واللين معه، وإن بعثه على كف الأنعام عنه، ألزم نفسه زيادته. ومهما فعل ذلك عن تكلف وكرره ودوام عليه، انقطعت عنه مادة الحسد على التدريج. على أن المحسود إذا عرف منه ذلك طاب قلبه وأحبه، وإذا ظهر حبه للحاسد زال حسده وأحبه أيضا، فتتولد بينهما الموافقة، وترتفع عنهما مادة المحاسدة، وهذا هو المعالجة الكلية لمطلق مرض الحسد. والعلاج النافع لكل نوع منه، أن يقمع سببه، من خبث النفس وحب الرئاسة والكبر وعزة النفس وشدة الحرص وغير ذلك مما ذكر، وعلاج كل واحد من هذه الأسباب يأتي في محله. ودمتم في رعاية الله