عبد الرحمن - الجزر العذراء البريطانية
منذ 4 سنوات

 هل يجوز للنبيّ(صلّى الله عليه وآله) أو الإمام(عليه السلام) أن يجتهد مقابل النص؟

هل وجوب تقليد الاعلم في الحلال و الحرام عقلي؟ ام انه نقلي وارد عن المعصومين؟


الأخ عبد الرحمن المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في شرح العروة الوثقى- التقليد (موسوعة الامام الخوئي) - تقرير بحث السيد الخوئي للغروي - ج1 - شرح ص 113 قال : وقد استدل على وجوب تقليد الأعلم بوجوه : الأوّل : أن مشروعية التقليد في الأحكام الشرعية إنما أثبتناها بالكتاب والسنة أو بدليل الانسداد أو السيرة كما مرّ، وقد أشرنا أن المطلقات الواردة في الكتاب والأخبار غير شاملة للمتعارضين، فإذا سقطت فتوى غير الأعلم عن الحجية بالمعارضة يتعيّن الرجوع إلى الأعلم وذلك للعلم بعدم وجوب الاحتياط. وأما دليل الانسداد فلا يمكن أن يستنتج منه جواز تقليد غير الأعلم فإن النتيجة ليست كلَّية، وإنما يستنتج منه حجية فتوى عالم ما، فإن العقل بعد المقدمات قد استقل أن الشارع نصب طريقاً للعامّي لا محالة، وليس ذلك هو الاحتياط لأنه غير ميسور في حقه، ولا أنه الظن لأنه لا ظن للمقلد أو لا أثر له، فيتعيّن أن يكون الطريق فتوى عالم ما، والقدر المتيقن فتوى الأعلم فيحتاج حجية فتوى غير الأعلم إلى دليل. وأما السيرة العقلائية فهي غير جارية على الرجوع إلى غير الأعلم، بل قد جرت على الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالمخالفة كما هو المشاهد في غير الأحكام من الحِرف والعلوم، وحيث إن تلك السيرة لم يردع عنها في الشريعة المقدسة فنستكشف بذلك أنها ممضاة عند الشارع. ويستثنى من ذلك ما إذا كانت فتوى الأعلم على خلاف الاحتياط وكانت فتوى غير الأعلم موافقة له، كما إذا أفتى الأعلم بالإباحة في مورد وأفتى غير الأعلم بالوجوب، فإن العقلاء في مثل ذلك وإن كانوا يرجعون إلى غير الأعلم أحياناً إلَّا أنه لا لأن فتواه حجة عندهم، بل لأنه عمل بالاحتياط فيأتون به برجاء درك الواقع. إذن لا يمكن إسناد ما أفتى به غير الأعلم إلى الله، والإتيان به بقصد الأمر والوجوب. وهذا الوجه هو الَّذي نعتمد عليه في الحكم بوجوب تقليد الأعلم في محل الكلام. الثاني : ما عن المحقق الثاني (قدس سره) من دعوى الإجماع على عدم جواز الرجوع إلى غير الأعلم. ويدفعه : أن ذلك من الإجماعات المنقولة وقد بيّنا في محلَّه أن الإجماعات المنقولة لا اعتبار بها. على أن المسألة لا يحتمل أن تكون إجماعية كيف وقد ذهب جمع إلى جواز تقليد المفضول كما مرّ. بل لو سلَّمنا أن المسألة اتفاقية أيضاً لا يمكننا الاعتماد عليه لاحتمال استنادهم في ذلك إلى بعض الوجوه المستدل بها ومعه لا يكون الإجماع تعبدياً يستكشف به رأي المعصوم (عليه السلام). الثالث : الروايات : منها : مقبولة عمر بن حنظلة الَّتي رواها المشايخ الثلاثة ( قدّس سرّهم ) قال : « سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما، إلى أن قال : فإن كان كل واحد اختار رجلًا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم فقال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث ». والمتحصل : أن الأفقهية وبقية الأوصاف الواردة في الرواية من مرجحات الحكمين فهي راجعة إلى القضاء وأجنبية عن باب الفتوى بالكلَّية. الرابع : أن الأعلمية المبحوث عنها في المقام إنما هي الأعلمية المطلقة لبداهة أن الأعلمية النسبية والإضافية غير كافية في تعيّن الرجوع إليه، فإن كون شخص أعلم من غيره مع وجود من هو أعلم من كليهما لا يترتب عليه أي أثر في المقام، والأفقهية الَّتي ذكرت مرجحة في الرواية إنما هي الأفقهية الإضافية لقوله (عليه السلام) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما، ومعناه أن كون أحد الحاكمين أفقه من غيره مرجح في باب القضاء، إذ لا يعتبر في الحاكم الأعلمية المطلقة، وأين هذا من الأعلمية فيما نحن فيه، فالأعلمية المرجّحة في باب القضاء وتعارض الحاكمين غير الأعلمية المعتبرة في المقام. ومنها : ما عن علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر : « اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك » وهذه الرواية لو لم نناقش في دلالتها بأنها راجعة إلى دعوى الخلافة فإنها الرئاسة الَّتي لا تصلح إلَّا لأهلها، وإلَّا فالرئاسة المجردة عن دعوى الخلافة والإمامة لا يشترط فيها الأعلمية بوجه، فهي من الأحاديث النبوية الواصلة إلينا مرسلة والمراسيل غير صالحة للاعتماد عليها أبداً. ومنها : ما رواه أيضاً في البحار عن الجواد (عليه السلام) أنه قال مخاطباً عمه : « يا عمّ إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك : لم تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأُمة من هو أعلم منك » بل المراد بالأعلمية أن يكون أحد المجتهدين أقوى وأدق نظراً في تحصيل الحكم عن مداركه وأمتن استنباطاً لها عن مبادئ تحصيله بأن يكون أعرف بالقواعد والكبريات وكيفية تطبيقها على صغرياتها لحسن سليقته. إذن فالأعلم مطلع على جملة من المزايا والخصوصيات الدخيلة في عرفانه لكيفية تطبيق الكبريات على صغرياتها وفي حسن سليقته بخلاف غير الأعلم، فنسبة الأعلم إلى غير الأعلم كنسبة العالم إلى الجاهل، ولا مسوّغ لتقليد الجاهل بوجه لا تتقدّم على الأُخرى بمجرّد كونها أقرب إلى الواقع كما إذا كانت أوثق من الأُخرى مع أن حجية الطرق والأمارات من باب الطريقية إلى الواقع، فكذلك الحال في الفتويين المتعارضتين كما عرفت. وأما ما أفاده شيخنا المحقق (قدس سره) من أن نسبة العالم إلى الأعلم نسبة الجاهل إلى العالم، فهو وإن كان صحيحاً على ما أوضحناه آنفاً إلَّا أنه بالإضافة إلى المزايا والخصوصيات الدخيلة في حسن السليقة والاستدلال، وأما بالإضافة إلى الاستنباط أصله وردّ الأصل إلى الفرع فهما على حدّ سواء، كيف وكلاهما مجتهد ومن ثمّة لا يسوغ له الرجوع إلى الأعلم بل قد يخطئه، وجاز تقليده على تقدير فقد الأعلم. والمتحصل : أن العالم والأعلم بالإضافة إلى العناوين الواردة في أدلة التقليد، متساويان ولا موجب لتقديم أحدهما على الآخر. فالصحيح في الحكم بوجوب تقليد الأعلم، هو السيرة العقلائية الَّتي استكشفنا إمضاءَها من عدم الردع عنها في الشريعة المقدسة. ودمتم في رعاية الله

2