السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معنى الحسد هو تمني زوال نعمة الغير ، وله صور : فإن الحاسد : إما أن يتمنى زوالها عن الغير فقط ، أو يتمنى مع ذلك انتقالها إليه ، وعلى التقديرين : إما أن يصدر منه حركة من قول أو فعل على طبق تمنيه ، أو لا يصدر ، وعلى أي حال فحقيقة الحسد عبارة عن تلك الصفة النفسية ، ولها مراتب في الشدة والضعف وصدور الحركات الخارجية من آثارها ومقتضياتها..
وهو من الطبائع المودعة في باطن جميع الناس وتتزايد في عدة منهم ، وتتناقص في آخرين بملاحظة اختلافهم في التوجه إلى النفس ومراقبة حالها ومجاهدتها ، ويترتب عليها آثار كثيرة مختلفة ، بعضها مذموم وبعضها محرم ، وبعضها كفر وشرك ، ونعوذ بالله من الجميع..
وهو محرم وتترتب العقوبة عليه ، ظهر في الخارج أم لا ، والحسد من أخبث الصفات وأقبح الطبائع ، وهو من القبائح العقلية والشرعية ، فإنه في الحقيقة سخط لقضاء الله واعتراض لنظام أمره وكراهة لإحسانه ، وتفضيل بعض عباده على بعض ، ويفترق عن الغبطة الممدوحة ، بأن الحاسد يُحبّ زوال نعمة الغير والغابط يحب بقاءها ، لكنه يتمنى مثلها أو ما فوقها لنفسه.
واعلم أنّ الحسد من نتائج الحقد، و الحقد من نتائج الغضب، فهو فرع فرع الغضب و الغضب أصل أصله، ثمّ للحسد من الفروع الذّميمة ما لا يكاد يحصى و قد ورد في ذمّ الحسد خاصّة آيات وأخبار كثيرة.. منها ما ورد في الكتاب العزيز قوله : (( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله )) وقوله تعالى في مقام أمره بالإستعاذة : (( ومن شر حاسد إذا حسد ))..
وروي عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في النهي عن الحسد و أسبابه و ثمراته: «لا تحاسدوا و لا تقاطعوا و لا تدابروا و لا تباغضوا وكونوا عباد اللّه إخوانا»
واما بواعث الحسَد : للحسَد أسبابٌ وبواعث نجملها في النقاط التالية :
1 - خُبث النفس : فهناك شِذاذ طُبِّعوا على الخُبث واللؤم ، فتراهم يحزنون بمباهج الناس وسعادتهم ، ويُسَرّون بشقائهم ومآسيهم ، ومِن ثمّ يحسدونهم على ما آتاهم اللّه من فضله ، وإنْ لم يكن بينهم تِرة أو عداء . وذلك لخُبثِهم ولؤم طباعهم .
2- العِداء :وهو أقوى بواعث الحسَد ، وأشدّها صرامةً على مكايدة الحسود واستلاب نعمته .
3 - التنافس :بين أرباب المصالح والغايات المشتركة : كتحاسد أرباب المِهَن المتّحدة وتحاسد الأبناء في الحظوة لدى آبائهم ، وتحاسد بطانة الزعماء والأمراء في الزلفى لديهم . وهكذا تكثر بواعث الحسَد بين فئات تجمعهم وحدة الأهداف والروابط ، فلاتجد تحاسداً بين متباينين هدفاً واتجاهاً ، فالتاجر يَحسُد نظيره التاجر دون المهندس والزارع .
4 - الأنانيّة :وقد يستحوِذ الحسَد عن ذويه بدافع الأثرة والأنانيّة ، رغبةً في التفوّق على الأقران ، وحبّاً بالتفرّد والظهور .
5 - الازدراء :وقد ينجم الحسَد على ازدراء الحاسد للمحسود ، مستكثراً نِعَمِ اللّه عليه ، حاسداً له على ذلك .
وربّما اجتمعت بواعث الحسَد في شخص ، فيغدو آنذاك بُركاناً ينفجر حسَداً وبغياً ، يتحدّى محسوده تحدّياً سافراً مليئاً بالحُنق واللؤم ، لا يستطيع كتمان ذلك، ممّا يجعله شريراً مجرماً خطيراً .
مساوئ الحسَد :
يختصّ الحسَد بين الأمراض الخلقيّة بأنّه أشدّها ضرراً ، وأسوأها مغبّةً في دين الحاسد ودُنياه .
فمِن أضراره العاجلة في دنيا الحاسِد ، أنّه يُكدّر عليه صفوَ الحياة ، ويجعله قرين الهمّ والعناء ، لتبرّمه بنِعَم اللّه على عباده ، وهي عظيمةٌ وفيرة ، وذلك ما يُشقيه ، ويتقاضاه عِلَلاً صحيحة ونفسيّة ماحقة .
كما يُفجعه في أنفس ذخائر الحياة : في كرامته ، وسُمعته ، فتَراه ذميماً مُحَقّراً ، منبوذاً تمقته النفوس ، وتنبذه الطباع .
ويُفجِعه كذلك في أخلاقه ، فتراه لا يتحرّج عن الوقيعةِ بمحسوده ، بصنوف التُّهم والأكاذيب المحرّمة في شُرعة الأخلاق ، ولا يألو جُهداً في إثارة الفتَن المفرّقة بينه وبين أودّائه ، وذَوي قُرباه ، نكايةً به وإذلالاً له .
دمتم موفقين