صالح - تونس
منذ 4 سنوات

مسائل حول التقليد و المرجع

لا زلت أطّلع على آراء أهل البيت(عليهم السلام)، وكلّ مرّة أتعرّض لإشكال، ويبدو أنّ هذا المذهب فيه عديد من الإشكالات، وقد تصدق الرواية: (إنّ أمرنا صعب مستصعب...)، فبقدر ما يطّلع الشخص أكثر بقدر ما تزيد أسئلته واستفهاماته، فتسقط بعض القناعات، وتتثبت الأُخرى، وتنتظر البقية. أرجو منكم سيّدي أن تجيبوني على الأسئلة التالية، مأجورين: 1- هل التقليد مسألة ثقافية أم عقائدية؟ أم هي من مسلّمات المذهب؟ أم ماذا؟ 2- متى ظهر التقليد كمبحث، ومَن أوّل من بحث فيه؟ 3- متى ظهر العمل بالرسائل العملية، ومَن هو أوّل من وضع رسالة عملية؟ 4- متى ألحق مبحث التقليد في الرسائل الفقهية؟ 5- بماذا وكيف كان يتعبّد الله قبل ظهور الرسائل العملية والتقليد؟ 6- إذا كان لا بدّ للمكلّف غير المجتهد من التقليد، لماذا لا يأخذ الحكم أو الفتوى من أيّ مرجع؟ لأنّ الغاية هو اتّباع شرع الله، بحيث يكون عمله موافقاً للشريعة؟ 7- كلّ المراجع يقولون: إنّ رسائلهم مبرئة للذمّة، إذا كان عمل العامّي المطابق لإحدى الرسائل، أو الفتاوى مبرئ للذمّة، وحين يأتي يوم القيامة يقول: اللّهمّ لقد اتّبعت فلان الذي شهد بعلمه كثير، فلا أعتقد أنّ الله سبحانه سيقول: لقد أضلّك فلان، وسيسأله لماذا لم تتّبع زيداً أو عمراً؟ 8 - نقول بلزوم التقليد إلاّ ما كان من الضروريات، فما المقصود؟ 9- ما المقصود بـ(مسلّمات)؟ ماذا لو خرج عليها المكلّف أو العالم؟ 10- إحدى الرسائل العملية تقول: إنّ إحراز الامتثال للتكاليف الإلزامية يتحقّق بأحد أُمور: اليقين التفصيلي، الاجتهاد، التقليد، الاحتياط، و...، ما المقصود بـ(اليقين التفصيلي)؟ وما هي الضروريات التي ينحصر فيها؟


الاخ صالح المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ رأي الشيعة واضح في كلّ موضوع ومسألة، وليس فيه أي تعقيد أو إشكال، نعم قد يرد على بعضهم في بادئ الأمر موارد يحتاج فيها إلى بحث وفحص، وهذه لا تعدّ إشكالاً على آراء الطائفة، بل غاية الأمر إنّما هي شكوك ترتفع بالسؤال من ذوي الخبرة وأهل العلم، ولا تضرّ ولا تمسّ أصل العقيدة، بعدما ثبتت بالأدلّة والبراهين. وأمّا أسئلتكم فنجيب عليها بالترتيب كما يلي: أولاً: إنّ موضوع التقليد هو مسألة فقهية، ورغم أنّه ليس من مسلّمات المذهب والعقيدة، إلاّ أنّ هذا لا يقلّل من شأنه، بعدما ثبت بالأدلّة العقلية - فضلاً عن النقلية - أنّ التقليد: طريق علمي وحيد لمعرفة الأحكام لغير المجتهد والمحتاط. ثانياً: كانت عملية التقليد - ولو في مستويات خفيفة - موجودة ودائرة عند عامّة الشيعة، حتّى في زمن الأئمّة(عليهم السلام) لمن لم يتمكّن من الحضور عندهم، فكان يراجع المحدّثين وعلماء المذهب، لتلقّي معارف أهل البيت(عليهم السلام)، وأحكام الدين. نعم، قد ظهر هذا الأمر على العيان، بعد الغيبة الكبرى للإمام الحجّة(عليه السلام)، وخصوصاً بعد غلبة الخطّ الأُصولي على طريقة الأخباريين في الحوزات العلمية، لكثرة الحاجة إليه، وازدياد فروع الأحكام في الحياة، ومحدودية النصوص الموجودة. ثالثاً: وكما قلنا، فليس في الموضوع مبدأ زمني محدّد، بل الأمر كان من العهود الماضية، بصيغ وشكليّات مختلفة ككتب الفتاوى، إلى أن انتهى في عصرنا بهذه الكيفية من الرسائل العملية. رابعاً: التقليد هو مفتاح العمل بالأحكام الموجودة في الرسالة، فينبغي أن تذكر مسائله دائماً في مقدّمتها، لتسهيل الأمر على المكلّفين. نعم، ربّما لم يذكر هذا الموضوع في بعض الرسائل العملية في الأزمنة السابقة، وربّما كان يبحث في المباحث الأُصولية، وذلك اعتماداً منهم على أنّ الأمر مفروغ عنه، ومتسالم عليه، أو هو مقدّمة لفروع المسائل، وإلاّ فكيف تتمّ حجّية فتاوى وآراء المجتهدين للمكلّفين بغير التقليد؟ خامساً: أحكام العبادات والمعاملات - في زمان غيبة المعصوم(عليه السلام) - لا سبيل إلى تصحيحها بغير الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، وكما قلنا فإنّ الحاجة إلى التقليد كانت ولا تزال قائمة، وعليه، فإنّ عملية التقليد والرجوع إلى العلماء، ومراجعة فتاواهم ليس أمراً مستحدثاً، بل يتزامن مع حاجة المكلّفين إلى معرفة دينهم وأحكامه. سادساً: إنّ تقليد الأعلم من المجتهدين مسألة أُصولية، تبحث وتدرس في مظانّها، ولا يمكننا التوغّل فيها في هذا المختصر. وبإجمال نقول: إنّ المتيقّن من حجّية قول المجتهدين، هو قول الأعلم، وأمّا غير الأعلم - وإن كان مجتهداً - لا يكون رأيه حجّة على الآخرين، ولو أنّه يجب عليه أن يعمل مطابقاً لما يراه. ودليل المقام هو: عدم ورود خطاب لفظي حتّى يؤخذ بإطلاقه، فيكون رأي كلّ مجتهد حجّة، بل الدليل في المسألة دليل عقلي، فيجب أن نكتفي بالقدر المتيقّن - أي المقدار الأقلّ المتيقّن من دلالة الدليل - وهو رأي الأعلم. وفي المسألة آراء وأقوال، وأخذ ورد لا يسعنا التطرّق إليها، وما ذكرناه هو رأي المحقّقين فيها. وبعبارة أُخرى: إنّ التقليد هو عبارة عن رجوع غير المختصّ إلى ذوي الاختصاص، وهذا لا يختصّ في الفقه، بل بجميع مراحل الحياة، حيث يرجع كلّ منّا في شتّى المجالات إلى ذوي الاختصاص والخبرة، وفي صورة وجود مختصّ وأكثر اختصاصاً ودقّة فالعقل يحكم بالرجوع إلى الأعلم منهم، والأكثر اختصاصاً، والأدقّ خبرة. سابعاً: نعم، بما أنّ المجتهد يرى نفسه أهلاً لتقليد الآخرين، فيحكم ببراءة ذمّة المقلّد بالعمل برسالته، ولكن الكلام في وجه عمل المقلّد في ترجيح هذا أو ذاك، وبحسب الدليل العقلي يجب عليه أن يبحث عن الأعلم، حتّى يجوز له العمل على رأيه. ثمّ إنّ كان فحصه هذا وفقاً للأساليب العلمية - المذكورة في مقدّمة الرسائل العملية - فسوف تكون نتيجته حجّة له وعليه، فيجوز بل يجب عليه العمل بها واتّباعها، وبهذا نعرف أنّ المؤاخذة يوم القيامة سوف تكون بالنظر إلى حجّة المكلّف، لا إلى الواقع. ثامناً: التقليد هو في الأحكام غير الضرورية، والمقصود من الضروريات: ما تسالم عليه أبناء الطائفة وعلماؤها، وإن لم تكن من أُصول الدين، كوجوب الصلاة والصوم، والحجّ وأمثالها؛ فإنّها من ضروريات المذهب، بل الدين، فلا يجوز التقليد فيها، بل يجب الاعتقاد القطعي بها. تاسعاً: (المسلّمات): عبارة أُخرى عن الضروريات، والخروج عنها خروج عن أحكام الدين. عاشراً: اليقين التفصيلي هو: العلم الوجداني، وقد يحصل هذا للمكلّف في بعض الأُمور كالضروريات، ومقدّمات بعض الأحكام، كرؤية الهلال - إذا رآه بنفسه - أو حصول القطع والجزم في بعض الموارد. ودمتم في رعاية الله