زهـراء ( 25 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تحريف القرآن

هل القرآن الكريم محرّف أم لا؟ أنا بحثت كثيراً واتضح لي إنه محرّف حسب كلام أهل البيت (عليهم السلام)، مثلاً: روى الصفار عن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال : "ما من أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل إلا عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده". (الصفار، بصائر الدرجات: ص 213). لكن السيد السيستاني (دام ظله) يقول ليس بمحرّف. ما هو الجواب الصحيح؟


من يتابع أقوال علماء الشيعة يجد أنّهم متّفقون على عدم وقوع التّحريف في القرآن، وفيهم من صرّح بأنّ من نسب إلى الشيعة القول بوقوع التحريف في القرآن فهو كاذب، وفيهم أيضاً من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين. وبالجملة فإنّ الشيعة الإماميّة في ماضيهم وحاضرهم تعتقد بعدم تحريف القرآن، وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزل الله على نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) من دون أيّ زيادة أو نقصان، كما جاء التصريح بذلك في كلمات كبار علمائنا ومشاهير مؤلّفينا منذ أكثر من ألف عام حتّى الآن، ونشير هنا إلى كلمات بعض علمائنا: ١. قال الشيخ محمّد بن علي بن بابوية القمي الملقّب بالصّدوق (متوفّى سنة ٣٨١ هـ.ق): اعتقادنا في القرآن أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم عليم، وأنهّ القصص الحقّ وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به، اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك. ٢. قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الملقّب بالمفيد البغدادي (المتوفّى سنة ٤١٣ هـ.ق). وقد قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الّذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ... المزید وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب ـ من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل. وإليه أميل وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها. ٣. قال السيّد المرتضى علم الهدى (المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ.ق): إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه ؛ لأنّ القرآن معجزة النبّوة ومأخذ العلوم الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! وقال : إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظه جميعه في ذلك الزمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على النبيّ صلّى الله عليه وآله ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصّحابة مثل عبد الله ابن مسعود وأبّيّ بن كعب وغيرها ختموا القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وآله عدّة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لايعتدّ بخلافهم ؛ فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. ٤. قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفىّ سنة ٤٦٠ هـ.ق): أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضاً؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظّاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الّذي نصره المرتضى (ره)، وهو الظاهر في الروايات، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد الّتي لاتوجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها. ٥. قال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي الملقّب بأمين الإسلام (المتوفّى سنة ٥٤٨ هـ.ق): ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه؛ فإنّه لايليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً. والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه، والذي نصره المرتضى (قدّس سرّه) القرآن غير محرّف، وهذا هو الرأي المعروف عند المسلمين، وكل رواية تنقل و يفهم منها أن القرآن محرّف فهي: إما ضعيفة السند، أو فهموها خطأ. والرواية التي ذكرتموها تتلكم عن جمع القرآن الكريم، والقرآن الكريم جُمع في عهد رسول الله، وكان الجمع على قسمين: - جمع خاص: وهو ما كان يكتبه امير المؤمنين علي (عليه السلام) بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). - وجمع عام: وهذا ما كان يكتبه أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كزيد بن ثابت وأبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم مما تذكره الروايات. ٦. قال الشيخ البهائي: اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه. والصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى: ( وَإنّا لهُ لحَافِظُونَ ). وما اشتهر بين النّاس من إسقاط اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) منه في وبعض المواضع مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) في عليّ وغير ذلك، فهو غير معتبر عند العلماء. ٧. رأي الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء: وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الّذي أنزله الله للإعجاز والتحدّي، وتمييز الحلال من الحرام، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم. ٨. قال الإمام السيّد شرف الدّين العاملي (المتوفى سنة ١٣٨١ هـ. ق): وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالم لهم، لأنّ قداسة القرآن الكريم من ضروريّات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإماميّة. وظواهر القرآن ـ فضلاً عن نصوصه ـ من أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم البداهة الأوّلية من مذهب الإماميّة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار، ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول، والقرآن الكريم الّذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس، لايزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطيعاً إلى عهد الوحي والنبوّة، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلّفاً على ما هو عليه الآن، وكان الجبرئيل عليه السلام يعارض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالقرآن في كلّ عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين. والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبيّ حتىّ ختموه عليه (صلّى الله عليه وآله) مراراً عديدة، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة لدي المحقّقين من علماء الإماميّة، ولا عبرة بالحشويّة فإنّهم لايفقهون. ٩. قال الأستاذ العلّامة الطباطبائي: فقد تبيّن ممّا فصّلنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ووصفه بأنّه ذكر، محفوظ على ما أنزل، مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيّه فيه. ١٠. قال السيّد محسن الأمين صاحب كتاب أعيان الشيعة: لا يقول أحد من الإماميّة، لا قديماً ولاحديثاً أنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلاً عن كلّهم، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة، ومن يعتدّ بقوله من محقّقيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه. ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر، مجترئ على الله ورسوله. ١١. قال آية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي: المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وقد صّرح بذلك كثر من الأعلام، منهم رئيس المحدّثين محمّد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإماميّة و ... ثمّ قال: أنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ... إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لايقول به إلّا من ضعف عقله أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ. وأمّا العقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته.. ١٢. قال الفيض الكاشاني : قال الله عزّ وجلّ ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) وقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير ؟! وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلّى الله عليه وآله حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب الله ليعلم صحّته بموافقته له ، وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم بفساده. أقول بضرس قاطع : إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا نقصان، ولا بتغيير بعض الألفاظ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة، لا تغيير الألفاظ والعبارات. وإذا اطلع أحد على رواية وظنّ بصدقها وقع في اشتباه وخطأء، وإنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً. * أما مسألة الجمع، فهذه قضية أخرى لا علاقة لها (أصلاً) في تحريف القرآن من عدمه، فقد جاء أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) هو من قام بجمع القرآن الكريم (الموجود بين أيدينا). وقبل رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) طلب من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يجمع ما كتبه -وهو كان عند فراش النبي (صلوات الله عليه وآله)- وجمعه الإمام (عليه السلام) ورتّبه بالترتيب النزولي للقرآن.

3