لا يعقل الأمر بالطاعة المطلقة من دون العصمة والاصطفاء
لي ملاحظات على هذه الإجابة التي لا تخلو من مغالطات, وهي كما يلي:
1- من قال: إنّ الآية تدلّ على الطاعة المطلقة لأُولي الأمر؟
فالمتأمّل في الآية يجد أنّها كررت لفظ الطاعة مع الرسول كون طاعته مطلقة؛ لأنّه المعصوم, ولم تفعل ذلك مع أُولي الأمر، أي: لم تفردهم بطاعة مستقلّة فتقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أُولي الأمر)، ولو كانت الآية كذلك لقلنا بطاعتهم المطلقة - أي: الطاعة المستقلّة - فدلّت الآية على أنّ أُولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة وإنّما هي طاعة في إطار طاعة الله والرسول، كما في الحديث: (إنّما الطاعة في المعروف)، وكما في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), ولذا لم تفردهم الآية بلفظ الطاعة، كما جاء في حقّ الله والرسول، وهذا يدلّ على عدم العصمة، وإلاّ لو كان أُولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً، وعندئذ لا يصحّ الإحالة في آخر الآية إلى الرسول؛ لكونه طرفاً في النزاع، كما قلتم ذلك في أُولي الأمر حينما لم يحل الأمر إليهم في النزاع. 2- قولكم: إنّ الآية في حقّ مَن لم يؤمن بطاعتهم وعصمتهم، فهذا غير صحيح، بل هي في حقّ المؤمنين، كما نصّت الآية في أوّلها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) ، وكيف يصحّ لفظ الإيمان في حقّ مَن لم يقل بعصمة أُولي الأمر وطاعتهم؟
يبدو يا سيدي أنّنا بحاجة إلى مراجعة موقفنا من بعض الأمور، وعلى رأسها: الأمر بالعصمة.
الأخ دفاع المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: هناك فرق بين إفراد أُولي الأمر بطاعة مستقلة، وبين القول بأنّ طاعة أُولي الأمر طاعة مطلقة، ويبدو من كلامك أنّك تخلط بينهما!
فنحن لا نقول أنّ طاعة أُولي الأمر مستقلّة، بل هي في طول طاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن على الرغم من ذلك تبقى طاعة أُولي الأمر مطلقة, فكما أنّ الآية تأمر بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كذلك تأمر بطاعة أُولي الأمر بحرف العطف, ولم تقيّد الآية الطاعة في حدود معيّنة، فمن أين استفدت التقييد؟!
ولو كانت طاعة أُولي الأمر تتعارض مع طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما جاز الأمر بها!
وبعبارة أُخرى: إنّ دلالة حرف العطف هي وحدة نوع الطاعة اللازمة للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولأُولي الأمر، فهذا مقتضى التشريك بالعطف، وأمّا ما يمكن استفادته من إفراد طاعة لله ثمّ إفراد أُخرى للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، فهو أنّ طاعة الله طاعة بالاستقلال والأولوية؛ لأنّه الحاكم الحق, وأمّا طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن عطف عليه فقد ثبتت بالنيابة والطولية, ولا دلالة في البين للتقييد والإطلاق - أي لسعة وضيق الطاعة - وإنّما لنوعها أو رتبتها الوجودية بالإصالة أو التبع.
فافهم إن كنت طالب حقّ! فالقول بأنّ الطاعة هنا مطلقة هو ظاهر المنطوق من الآية والواضح عند أهل اللغة العربية دون لبس. ثانياً: وأمّا قولك: (( وإلاّ لو كان أولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً ))، فإنّ لفظ الشيء في الآية وإن كان عامّاً فيشمل كلّ نزاع حتى مع الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن قوله تعالى في أوّل الآية: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) يخرج هكذا نزاع بين الناس والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ مثل هذا النزاع يخرجهم عن الإسلام، والمخاطب في الآية هم الذين آمنوا لله ولرسوله بكلّ ما جاء به.
ولا ملازمة في البين، بين الردّ إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبين عدم عصمة أُولي الأمر، بل بالعكس، فلو دلّت الآية على عدم عصمة أُولي الأمر لدلّت على عدم عصمة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ الله شركها في طاعة واحدة، وهذا لا يقوله مسلم. ثالثاً: إنّ لفظ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) في آيات كثيرة يشمل من آمن بالتوحيد والنبوّة، ولذا تجد بعض الآيات القرآنية التي ذكرت هذه الكلمات لا يمكن حصرها بالمؤمنين بالإمامة فقط، فمثلاً قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ )) (البقرة:183) لا تستطيع القول أنّه كتب على من يعتقد بالإمامة فقط، وكذلك قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكتُبُوهُ )) (البقرة:282). فأنت أيضاً لا تستطيع أن تقول أنّ هذا الحكم خاص بالمؤمنين بالمعنى الأخص، ومن هنا يظهر أنّ الأسلوب القرآني استخدم لفظة (المؤمنون) في معنى يشمل كلّ المسلمين في بعض الآيات، واستخدمها للإيمان الحقيقي دون الإسلام الظاهري في آيات أُخرى، ونميّز ذلك بالقرائن.
ودمتم في رعاية الله