السلام عليكم
ماهي الرواية الصحيح لقصة الملكين هاروت وماروت ولماذا هناك روايتين متناقضتين عند الشيعة أحدها تنص بذنبهما والأخرى بعصمتهما؟
أرجو الإجابة.. وشكراً جزيلاً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - الصفحة ٣١٦
هاروت وماروت ملكان إلهيان جاءا إلى الناس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم الناس سبل إبطال السحر، وكما إن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم الناس أصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعلم السحر وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.
وسقط أولئك اليهود في الفتنة، وتوغلوا في انحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النبوة، بل من السحر والسحرة. وهذا هو دأب المنحرفين دائما، يحاولون تبرير انحرافاتهم باتهام العظماء بالإنحراف.
هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الاختبار الإلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلوه على طريق الإفساد لا الإصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم.
لقد تهافتوا على اقتناء هذا المتاع الدنيوي وهم عالمون بأنه يصادر آخرتهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق. لقد باعوا شخصيتهم الإنسانية بهذا المتاع الرخيص ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.
لقد أضاعوا سعادتهم وسعادة مجتمعهم عن علم ووعي، وغرقوا في مستنقع الكفر والانحراف ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون.
قصة هاروت وماروت كثر الحديث بين أصحاب القصص والأساطير عن هذين الملكين، واختلطت الخرافة بالحقيقة بشأنهما، حتى ما عاد بالإمكان استخلاص الحقائق مما كتب بشأن هذه الحادثة التاريخية، ويظهر أن أصح ما قيل بهذا الشأن وأقربه إلى الموازين العقلية والتاريخية والأحاديث الشريفة هو ما يلي:
شاع السحر في أرض بابل وأدى إلى إحراج الناس وازعاجهم، فبعث الله ملكين بصورة البشر، وأمرهما أن يعلما الناس طريقة إحباط مفعول السحر، ليتخلصوا من شر السحرة.
كان الملكان مضطرين لتعليم الناس أصول السحر، باعتبارها مقدمة لتعليم طريقة إحباط السحر. واستغلت مجموعة هذه الأصول، فانخرطت في زمرة الساحرين، وأصبحت مصدر أذى للناس.
الملكان حذرا الناس - حين التعليم - من الوقوع في الفتنة، ومن السقوط في حضيض الكفر بعد التعلم، لكن هذا التحذير لم يؤثر في مجموعة منهم.
وهذا الذي ذكرناه ينسجم مع العقل والمنطق، وتؤيده أحاديث أئمة آل البيت (عليهم السلام) منها ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا (وقد أورده في أحد طرقه عن الإمام الرضا (عليه السلام) في طريق آخر عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
أما ما تتحدث عنه بعض كتب التاريخ ودوائر المعارف بهذا الشأن فمشوب بالخرافات والأساطير، وبعيد كل البعد عما ذكره القرآن، من ذاك مثلا أن الملكين أرسلا إلى الأرض ليثبت لهما سهولة سقوطهما في الذنب إن كانا مكان البشر، فنزلا وارتكبا أنواع الآثام والذنوب والكبائر!! والنص القرآني بعيد عن هذه الأساطير ومنزه منها.